دعوة بيجن السادات لزيارة القدس «ورقة فارغة»

آلاء شوقي
«أنا مستعد للذهاب إلى أى مكان فى العالم، من أجل السلام، وستدهش إسرائيل، عندما تسمعنى أقول: إننى مستعد أن أذهب إلى بيتهم نفسه، إلى الكنيست ذاته».
تلك كانت عبارة السادات أمام مجلس الشعب، التى ألقاها بلهجة مسرحية، كاشفًا عن مبادرته للتفاوض مع الاحتلال، الأمر الذى انتهى بمعاهدة كامب ديفيد.
لكن.. الغريب أن هذه العبارة لم تكن نقطة بداية المفاوضات، فالواقع أن الرئيس الراحل كان قد أقام الجسور سريًا مع العدو، بواسطة «حلفاء» منهم ديكتاتور رومانيا شاوشيسكو، والعاهل المغربى الراحل الملك الحسن، وكانت اللقاءات السرية تتم بين ساسة القاهرة وتل أبيب، ومنها لقاءات حسين التهامى نائب رئيس الوزراء مع وزير الحرب الصهيونى موشيه ديان فى مراكش.
ما قبل الإعلان كان مفاوضات سرية، كشف عنها «دان بتير» المستشار الإعلامى لرئيسى الوزراء الإسرائيليين السابقين «مناحم بيجين واسحق رابين»، فى حوار لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية، بمناسبة عيد ميلاده الـ85.
بتير ذهب أكثر من ذلك حين قال حرفيًا: إن هبوط طائرة الرئيس المصرى الراحل فى مطار تل أبيب لم يكن نقطة البداية.. فالأمر أشبه بطريقة الـ«بلاى باك» فى السينما.
قبل الزيارة بنحو عامين، كانت إشارات السادات بأنه يريد التفاوض قد أصبحت مقروءة بوضوح بالنسبة للأمريكيين، وبدأت إدارة الرئيس الديمقراطى الأسبق جيمى كارتر تدفع إلى اتجاه إجراء لقاءات مباشرة بين الطرفين لتسوية الخلافات، وكانت مجموعات تقييم الموقف الأمريكية قد استقرت على أن السادات مستعد لإنهاء حالة العداء.
لكن المفاوضات المباشرة قد تؤدى إلى صدامات بين الطرفين، فتقرر أن يكون العاهل المغربى حلقة الوصل، وبدأت وفود الصهاينة تتقاطر على المملكة المغربية، إلى درجة أن إسحاق رابين زارها متنكرا فى هيئة عضو من فريق «بيتلز» أو «الخنافس».
وقال بتير: «سافر رابين بشكل سرى إلى فرنسا، ومن هناك نقلته طائرة مغربية إلى مدينة «الرباط»، ليلتقى بالملك حسن الثاني».
وعندما سُئل عن سر الزيارة، قال بتير، إن رابين ذهب لطلب المشورة حول من هو أفضل القيادات العربية التى يمكن أن يتحدث معه.. والغريب أن الحسن رشح الرئيس السورى الراحل «حافظ الأسد»، بدلا من الرئيس المصري، واصفاً الأخير بالضعيف.
ومن هنا تطرق بتير إلى زيارة السادات للكيان الصهيوني، فصرح بأنه سمع بذلك للمرة الأولى فى شهر نوفمبر 1977 عندما كان ينظم زيارة بيجن التاريخية إلى «لندن»، وعندها اتصل به الإعلامى «واتلر كرونكايت»، يخبره بأنه يريد أن يتواصل مع بيجن، وعندما سأله بتير عن السبب، رد والتر أن بيجن انتهى لتوه من حديث مع السادات، عبر الأقمار الصناعية، وأن السادات قال له: إذا تمت دعوته إلى إسرائيل، سوف يذهب الأسبوع القادم إلى مدينة «القدس».
كما أشار إلى أن الرئيس الفلسطينى الرحل «ياسر عرفات» كان من ضمن مصفقى المقعد الأول، بجانب «حسنى مبارك» عندما ألقى السادات خطابه فى مجلس الشعب معلناً نيته عن الذهاب إلى إسرائيل.
ومن المفارقات المثيرة أن السادات استلم الدعوة عبر السفير الأمريكى لدى تل أبيب، «صامويل لويس»، فتركها مع نائبه آنذاك حسنى مبارك، ثم قرر عقد مؤتمر صحفى فى مدينة الإسماعيلية للإعلان عن الدعوة.. وعندئذ طلب من مبارك أن يعطيه الدعوة.
لكن مبارك تلعثم وشحب وجهه فقال له السادات: «مالك يا حسني.. مش على بعضك ليه»، فرد عليه: «والله نسيت الدعوة فى القاهرة يا ريس».. فما كان من السادات إلا أن طلب مظروفا فارغًا، أخذ يلوح به أمام الصحفيين، قائلا: إنه الدعوة الإسرائيلية.
كانت الدعوة إذن.. مجرد مظروف فارغ.. لا شيء أكثر، إلا رئيس يجيد أداء الدور ولا عجب فالرجل حاول احتراف التمثيل فى بداياته!
وأضاف أن مبارك هو من اقترح أن يكون ميعاد زيارة السادات للقدس فى يوم 19 نوفمبر 1977، وأنه من قال للسادات: «ستكون أنت القائد المسلم الأول الذى يصلى فى المسجد الأقصى بعيد الأضحي».
كما أشار إلى أنه عندما وصل السادات للمطار، كذب الجميع أعينهم، وراحوا يتأكدون أن ما يشاهدونه واقع، وأنه عند مد السجادة الحمراء، سمع بتير البعض يهمس ويقول: «هل يمكن أن يخرج من الطائرة مجموعة من - الانتحاريين - المصريين، وتقوم باغتيال كل النخبة الإسرائيلية»؟
ثم سرد بتير ما حدث بين تلك النخبة الإسرائيلية، والسادات، فبعدما رحبت به النخبة، سأل السادات رئيس الأركان الإسرائيلى حينها «مردخاى (موطه) جور: هل هذا فخ»؟، فرد الأخير، الذى كان يشك فى تلك الزيارة: «نعم يا سيدي».
وبعدها عندما التقى السادات بجولدا مائير، الذى قال عنهم المتحدث الإعلامي: «بينهم حساب مفتوح منذ حرب 1973»، وانتظر ليرى من سيصافح الأول، فوجد جولدا هى التى بادرت، وقالت للسادات: «لقد انتظرت هذا وقتاً طويلاً»، فرد الأخير بخجل: «وأنا أيضاً سيدتي».
كما علق على الاتفاقية بشكل عام قائلاً: «لقد خرج الجميع رابحين، فنالت الحكومة الإسرائيلية أول اتفاق سلام موقع منذ عام 1948، واستعادت مصر أرض سيناء كلها، إلا إن كارتر لم يكن محايدا كما ينبغى أن يكون».
وأخيراً عندما سأله المحاور عن السلام البارد بين كل من «القاهرة، وتل أبيب»، رد بتير مبتعداً عن الإجابة المباشرة، بأنه كان من بين الذين اعتقدوا أن عملية السلام لن تتحقق أبداً بين «القاهرة، وتل أبيب»، مثلما حدث بين «الولايات المتحدة وكندا»، مضيفاً أنه من المهم الآن هو عدم قيام حرب بين الطرفين، وإنقاذ العديد من الأرواح.