
محمد جمال الدين
حدث فى المترو!
فى مشهد بات متكررًا علينا وعلى غيرنا، أصبح قص شعر الفتاة أو السيدة، أمرًا معتادًا فى مترو الأنفاق (أهم وسيلة مواصلات فى مصر)، وكأن هذا المرفق الحيوى تحول بين يوم وليلة إلى كوافير حريمى لتهذيب وتجميل شعر الفتيات والسيدات وتحديدًا غير المحجبات منهم، هذا ما حدث مؤخرًا مع مواطنة مصرية شاء حظها أن تستقل المترو، وفى إحدى المحطات شعرت بسيدتين منقبتين تحتكان بها عقب فتح الأبواب وشعرها ملقى على الأرض، مبررين تصرفهما بعبارة: (عشان تسترى نفسك).
صرخات الفتاة التى فقدت شعرها دون ذنب ارتكبته، لم تفلح معها محاولات السيدات من حولها فى تهدئتها، وكذلك لم تفلح مواساتهن بضرورة حمد الفتاة لربها لأن من قمن بقطع شعرها لم يقتلنها، وبدلاً من أن يكون المترو وسيلة انتقال أصبح فى نظر البعض الآخر وسيلة للإصلاح والتهذيب والتربية وستر النفس كمان (إذا حبيت)، فتحولت وسيلة نقل ركاب سواء رضينا أم أبينا إلى مكان مقدس أو مزار دينى يشترط على من يستخدمه أن يكون حسن المظهر، وعلى غير المحجبات أو لمن يطلقن لشعرهن العنان الامتناع، طالما ظهر بيننا من يتشبهون بجماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، الذين قرروا بينهم وبين أنفسهم تطبيق حدود الله (كما يرونها هم) بعيدًا عن رقابة المجتمع والقانون واحترام الحريات الخاصة لكل مواطن أو مواطنه، هؤلاء نصبوا من أنفسهم أولياء علينا وعلى المجتمع، تحت وهم فتاوى سلفية وداعشية مستخدمين فى ذلك (الكتر والمقص)، وللأسف تركنا لهم وبإرادتنا الحرة ساحة الفتوى فى أوكارهم يفعلون فيها ما يشاءون، والتى يسمونها بالخطأ زوايا (مثل تلك التى تقام فيها شعائر الصلاة)، لقول ما هو غير صحيح، وبعيد كل البعد عن إسلامنا السمح البسيط، بل إن بعضهم يطلق فتاواه المغلوطة من خلال منابر تابعة لإشراف وزارة الأوقاف، وعن طريق هؤلاء انتشر بيننا منتقبات يقصون شعر بناتنا دون رغبتهن، مثلما انتشر أيضًا مدرسون ومدرسات يقصون شعر البنات فى المدارس الحكومية، ووصل ببعضهن الحال أن ترفض مديرة مدرسة مكافأة تلميذة متفوقة دراسيًا أو حتى التصوير معها بحجة أنها غير محجبة، السؤال هنا: ما الذى يمكن أن يسببه شعر سيدة أو فتاة لدى هؤلاء؟، هل ترونه من وجهة نظركن يثير فتنة لدى رجال من عينة رجالكم الذين تثيرهم التماثيل (العريانة)، مثلما سبق أن صرح رجل ممن تسيرون على دربه، وما علاقة قص الشعر بالستر؟، المؤكد أن بداخلكم مرضًا، يتطلب العلاج النفسى العاجل، فتحت تلك العباءة السوداء عقولًا ترتكب العديد من الجرائم، نتجت عن مفاهيم وفتاوى دينية مغلوطة تدعو لنشر الحجاب عنوة بين المصريات، ساهم فيه بقصد وتعمد شيوخ الضلالة المستمرون فى تأليبنا على غير المحجبات، من خلال التابعين والتابعات لهم.. ما يحدث فى عربات مترو الأنفاق وتحديدًا فى العربة المخصصة للسيدات، يعد ناقوس خطر يجب الانتباه إليه، لأن فى ذلك تهديدًا مباشرًا للسلم والأمان الاجتماعى للمجتمع المصرى، خاصة بعد أن تحولت تلك العربة وبقدرة قادر إلى قاعة للدروس الدينية، من قبل سيدات منتقبات أصابهن مرض، وضعن شروطًا على من يرتاد هذه القاعة (آسف أقصد العربة) أن ترتدى الملابس اللائقة، وشعرها فوقه طرحة أو أى غطاء للرأس، وأن يرددن عبارة آمين .. آمين عندما تردد إحداهن أدعية ضد السافرات غير المحتشمات (من وجهة نظرهن) من أمثال بنتى وابنتك، وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور تنتظر كل من يخالف هذه التعليمات، وقص الشعر بالكتر أو بالمقص جاهز لكل من ارتضت ألا تستر نفسها.
سؤال أخير لجميع المسئولين عن هذا المرفق الحيوى المهم: ما فائدة البوابات الإلكترونية الموجودة فى مداخل المحطات إن لم تستطع هذه البوابات كشف أى آلة حادة فى شنط سيدات عديمات الضمير والإنسانية؟!.