الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
تصحيح "أخطاء التاريخ" في جامعة القاهرة

تصحيح "أخطاء التاريخ" في جامعة القاهرة


على صفحات [كتاب الوطن]؛ لا مكان للخطأ، أو الحلول الوسط.. تكون أو لا تكون.. فعندما تسعى نحو «المستقبل»؛ عليك أن تُراجع «حسابات التاريخ»، وكيمياء السياسة، وبيولوجيا البَشَر.. وبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء (!)
الأمر [حقيقى] تمامًا.. يلتقى الرئيس «اليوم» بنحو 3 آلاف طالب وطالبة خلال فعاليات المؤتمر الوطنى السادس للشباب (بجامعة القاهرة).. وهُنا.. تبدو قراءة «البيانات الإحصائية» ذات دلالة [مُهمة]؛ لفهم طبيعة التعامل مع المستقبل، الذى نتحدث عنه (!)
تُمثل فئة الشباب إجمالاً نحو 23.6 % من عدد السكان (البالغ 104.2 مليون نسمة، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء).. كما تبلغ- أيضًا- الفئة العمرية [ما بين 18 سنة إلى 29 سنة]، نحو 21.7 مليون نسمة من إجمالى عدد السكان (بنسبة 20.8 %).. أى أن شباب المرحلتين: (الجامعية/ وما بَعدها) يُمثلون ما يتجاوز الـ 80 % من إجمالى الشريحة الشبابية فى مصر.
ومع ذلك.. لا يُمكننا التعامل مع التأثير «المُباشر» الذى تتركه هذه الشريحة [مُجتمعيّا] قياسًا على حجمها الإحصائى فقط؛ إذ ينسحب تأثيرها داخل الأسَر المصرية المُختلفة (نحو 24 مليون أسرة) على الشرائح العمرية الأقل.. إذ غالبًا ما يتم التعاطى مع أفراد هذه الشريحة العمرية [من قبل شرائح المراهقين ومن هم دونها]، باعتبارها الشريحة النموذج [أو القدوة].
وهو ما يعنى أن التعاطى «الجيد» مع هذه الشريحة؛ يُمكن أن يُمثّل، فى جوهره [قاطرة حقيقية] لرسم ملامح جيدة للمُستقبل فى مصر.. خصوصًا إذ ما توقفنا أمام حجم الشريحة التالية عليها، والأكثر [تأثرًا] بها.. إذ يبلغ تعداد الشريحة العمرية [الأقل من 18 سنة] نحو 38 مليون فرد (أى نحو 40 % من إجمالى عدد السكان!).. أى أنّ التأثير «المجتمعى» لهذه الشريحة العمرية، يتجاوز [من الناحية الفعلية] أكثر من نصف المجتمع المصرى(!).. ومن المتوقع أن يمتد هذا التأثير خلال الأعوام العشر التالية (أى مع اقتراب حلول العام 2030م/ عام خُطة التنمية المُستدامة)؛ ليشمل نحو
75 % من المجتمع.

لا يُمكننا- يقينًا- أن نَعتبر نمو تأثير «القطاعات الشبابية» (من الناحية المُجتمعية) وليدًا للحظة.. إذ كانت مُعدّلات «النمو السكانى» داخل المجتمع العربى (بشكل عام)، خلال الـ 50 عامًا الماضية، من بين أعلى المعدّلات فى العالم.. ونتيجةًَ[لارتفاع معدّلات الخصوبة، وانخفاضِ مُعدَّل الوفيات]؛ كان أن أسفر هذا الأمر عن موجة من «التضخم الشبابى» (بدأت فى ستينيات القرن الماضى)، ووصل نموّها إلى الذّروة فى الوقت الحالى.
وبحسب «تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2016م» (الصادر عن الأمم المتحدة): لم يحدث قَط أنْ كان للمنطقة العربية، مثل هذه الحصة الكبيرة من الشباب.. ومع أنّ «التوزيعَ العُمرى» ليس إلّا متغيّرًا ديموجرافيّا (سكانيّا) واحدًا فى تعقيدات الحياة الاجتماعية والسياسية؛ فإنّ العدد الكبير للشباب فى البلدان العربية، عاملُ واقعيةٍ [حاسم] يُكيِّف التطوراتِ السياسيةَ والاقتصاديةَ والاجتماعيةَ والثقافية فى المنطقة.
فتاريخيّا- وفى فترات النمو السكانىِّ السريع - يُصبح الشباب (من دون سواهم) لافتين للنظر فى الحياة العامة.. وعَلى مدَى السنوات الماضية (منذ اندلاع ما اصطلح على تسميته بانتفاضات الربيع العربى)؛ برز الشبابُ كقوة تحفيزٍ على التغيير فى المجتمعات.. كما مارست تحركاتُهم واحتجاجاتُهم فى بلدانٍ عِدّة ضغطًا على الهياكل [التقليدية] للسُّلطة.. ومن المؤكدِ أن هذه التطوراتِ ضخّمت «الأصواتَ الشابّة»، ووضعت الشبابَ فى صلب المناقشات.
وبالتالى.. كان من الحصافة السياسية، تلك الخطوات التى قطعتها «الدولة المصرية» نحو خَلق مساحات زائدة للعناصر الشبابية فى المشاركة [الفعالة]، بما فى ذلك [التعبير عن المخاوف]، وطرح وجهات نظر [مغايرة]، بشأن المستقبل والمجتمع والاقتصاد والمنطقة.
ففيما كشفت «انتفاضات العام 2011م»، عن وجود عديد من أخطاء الممارسة (أو بالأحرى ثلاث أزماتٍ مترابطة) على مستويات: السياسة والاقتصاد والدولة؛ فإن الاكتفاء بالتحرك على «المستوى السياسى» فقط (كأغلب الدعاوَى المتداولة)، من شأنه- كذلك- تعميق الفجوة على مستويات: [الاقتصاد والدولة].. وبالتالى.. فإنّ أى تحرُّك للأمام خلال الأعوام العشر المقبلة (أى باقتراب العام 2030م)؛ يجب أن يعتمد- واقعيّا- على الأبعاد الثلاثة مُجتمعة.. فحلول الأزمات- ربما- تكون معروفةً جيدًا؛ إلا أن المشكلةَ تكمُن (على نحوٍ أكبر) فى تسلسل الحل، ودورِ الشباب فى إحداث التغيير [المأمول].
وبنظرة سريعة على المحاور المطروحة للنقاش خلال فعاليات المؤتمر الوطنى السادس للشباب (بجامعة القاهرة)؛ يُمكننا أن نستنتج حضورًا [بارزًا] للمستويات الثلاثة (السياسة/ الاقتصاد/ الدولة).. إذ يتصدر أجندة العمل قضايا: «استراتيجية بناء الإنسان المصرى»، و«استراتيجية تطوير التعليم»، و«تطوير منظومة التأمين الصحى»، و»البنية المعلوماتية للدولة المصرية».. فكلّما مُنِح الشبابُ إمكانيات [متساوية] فى الحصول على التعليم، ومتوافقةً والمعاييرَ الصحيحة للتحصيل والإنجاز [العلميَّين]، وتوفير فرص العمل [المُرضية]؛ أصبحوا أكثر ديناميكية فى إثباتِ ذواتهم [كأدوات قوية للتغيير]، وبناء المُستقبل.

فى موضِع سابق.. أكدنا على أن التعاطى «الجيد» مع «الشريحة الشبابية»؛ يُمثل، فى جوهره [قاطرة حقيقية] لرسم ملامح جيدة للمُستقبل.. إذ إنّ ترك أى مساحات شاغرة بتلك المنطقة؛ يُسهم- من دون مواربة- فى تمدد الأجندات [الخارجية]، وتوجيه الطاقات الشبابية (الساعية نحو المُستقبل والتغيير)، بشكل معاكس.. بما يصب فى صالح استراتيجيات قوى دولية، تسعى لترسيخ مصالحها بالمنطقة (بشكل أكبر).. ولو على حساب مفاهيم [الدولة الوطنية].
فعلى أرض «جامعة القاهرة» أيضًا.. وفى العام 2009م؛ كان أن شهدت الجامعة العريقة أحد أخطر «الخطابات السياسية» التى أُعيد على إثرها تشكيل أنظمة المنطقة، تأسيسًا على وجود شركاء من [تيار الإسلام السياسى] على رأس السُّلطة بدول المنطقة (وهى النتيجة التى لطالما جادلنا حولها كثيرًا، استنادًا إلى عديدٍ من الوثائق، والمعلومات التفصيلية).
فعندما حَلَّ «باراك أوباما» ضيفًا على القاهرة؛ ليُلقى خطابه لـ«العالم الإسلامى» من «جامعة القاهرة»، فى 4 يونيو من العام 2009م، قال الرئيس الأمريكى: إننا نلتقى فى وقت يشوبه التوتر بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامى، وهو توتر تمتد جذوره إلى قوَى تاريخية تتجاوز أى نقاش سياسى راهن.. وتشمل العلاقة ما بين الإسلام والغرب قرونًا سادها «حُسن التعايش»، والتعاون.. كما تشمل هذه العلاقة «صراعات»، و«حروبًا دينية»، إذ ساهم «الاستعمار»، خلال العصر الحديث، فى تغذية التوتر بسبب حرمان العديد من المسلمين من الحقوق، والفُرص.. كما ساهم فى ذلك «الحرب الباردة»، التى عوملت فيها كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بلا حق؛ كأنها مجرد دول «وكيلة»، لا يجب مراعاة تطلعاتها الخاصة.. وعلاوة على ذلك حدا التغيير الكاسح الذى رافقته الحداثة والعولمة بالعديد من المسلمين إلى اعتبار الغرب معاديًا لتقاليد الإسلام.
لقد استغل «المتطرفون»، الذين يمارسون العنف هذه التوترات فى قطاع صغير من العالم الإسلامى بشكل فعال.. ثم وقعت أحداث «11 سبتمبر 2001م».. واستمر هؤلاء المتطرفون فى مساعيهم الرامية إلى ارتكاب أعمال العنف ضد المدنيين.. الأمر الذى حدا بالبعض فى بلدى إلى اعتبار الإسلام معاديًا لا محالة، ليس- فقط- لأمريكا وللبلدان الغربية، وإنما- أيضًا- لحقوق الإنسان.. ونتج عن ذلك مزيد من الخوف وعدم الثقة.
وأضاف: لقد أتيت إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامى؛ استنادًا إلى «المصلحة المشتركة»، و«الاحترام المتبادل».. وهى بداية مبنية على حقيقة: «إن أمريكا والإسلام لا يعارضان بعضهما البعض، ولا داعى أبدًا للتنافس فيما بينهما؛ بل لهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها.. ألا وهى: مبادئ العدالة، والتقدم، والتسامح، وكرامة كل إنسان».. إننى أقوم بذلك إدراكًا مِنّى بأن «التغيير» لا يحدث بين ليلة وضحاها.. ولا يمكن لخطاب واحد أن يُلغى سنوات من «عدم الثقة».. كما لا يمكننى أن أقدم الإجابة على كل المسائل المعقدة، التى أدت بنا إلى هذه النقطة.. غير أننى على يقين من أنه يجب علينا من أجل المضى قُدُمًا؛ أن نُعبّر بصراحة عما هو فى قلوبنا، وعمّا (لا يقال إلا وراء الأبواب المغلقة!).
.. وكان من بين النقاط التى ركز عليه «خطاب أوباما»:
(أ)- من منطلق تجربتى الشخصية؛ أستمد اعتقادى بأن الشراكة بين أمريكا والإسلام، يجب أن تستند إلى «حقيقة الإسلام»، وليس إلى (ما هو غير إسلامى).. وأرى فى ذلك جزءًا من مسئوليتى كرئيس للولايات المتحدة.
(ب)- لقد تم تعليق أهمية كبيرة على إمكانية انتخاب شخص من أصل أمريكى «إفريقى»، يُدعى «باراك حسين أوباما» إلى منصب الرئيس.. ولكن قصتى الشخصية ليست فريدة إلى هذا الحد.
(ج)- المسألة الأولى التى يجب أن نجابهها هى «التطرف العنيف» بجميع أشكاله.. وقد صرحتُ بمدينة «أنقرة» بكل وضوح أن أمريكا ليست، ولن تكون أبدًا، فى حالة حرب مع الإسلام.. إلا أننا نتصدى لمتطرفى العنف، الذين يشكلون تهديدًا جسيمًا لأمننا.. والسبب هو أننا نرفض ما يرفضه أهل المعتقدات كافة.
(د)- سندافع فى أمريكا عن أنفسنا محترمين فى ذلك سيادة الدول وحُكم القانون.. وسوف نقوم بذلك فى إطار الشراكة بيننا وبين (المجتمعات الإسلامية)، التى يُحدق بها الخطر أيضًا؛ لأننا سنحقق مستوَى أعلى من الأمن فى وقت أقرب إذا نجحنا بصفة سريعة فى «عزل المتطرفين»، مع عدم التسامح معهم داخل المجتمعات الإسلامية.
(هـ)- يجب- كذلك- على الدول العربية أن تعترف بأن «مبادرة السلام العربية»، كانت بداية مهمة.. وأن مسئولياتها لا تنتهى بهذه المبادرة.. كما ينبغى عليها ألّا تستخدم الصراع بين «العرب وإسرائيل»؛ لإلهاء الشعوب العربية عن مشاكلها الأخرى.. بل يجب أن تكون هذه المبادرة سببًا؛ لحثهم على العمل لمساعدة الشعب الفلسطينى على تطوير مؤسساته، التى سوف تعمل على مساندة «الدولة الفلسطينية»، ومساعدة «الشعب الفلسطينى» على الاعتراف بـ»شرعية إسرائيل».. واختيار سبيل التقدم بدلاً من السبيل الانهزامى،الذى يركز الاهتمام على الماضى.
(و)- لا يُمكن لأى دولة- ولا ينبغى على أى دولة- أن تفرض نظامًا للحُكم على أى دولة أخرى.. ومع ذلك؛ لن يقلل ذلك من التزامى تجاه الحكومات التى تُعبر عن إرادة الشعب، حيث يتم التعبير عن هذا المبدأ فى كل دولة وفقًا لتقاليد شعبها.
(ز)- لا يوجد طريق سهل، و»مستقيم»؛ لتلبية هذا الوعد.. ولكن الأمر الواضح بالتأكيد، هو أن الحكومات التى تحمى هذه الحقوق، هى فى نهاية المطاف الحكومات التى تتمتع بقدر أكبر من الاستقرار والنجاح والأمن.. فقمع الأفكار لا ينجح أبدًا فى القضاء عليها.
(ح)- إن أمريكا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم؛ للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمى، يراعى القانون.. حتى لو كانت آراؤهم «مخالفة لآرائنا».. وسوف نرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة، شريطة أن تحترم جميع أفراد الشعب فى ممارستها للحُكم.
(ط)- تتركز أهمية «النقطة السابقة» فى أن «البعض» لا ينادون بالديمقراطية، إلا عندما يكونون خارج مراكز السُّلطة.. ولا يرحمون «الغير» عبر ممارساتهم القمعية لحقوق الآخرين عند وصولهم إلى السُّلطة.

ويُمكننا قبل أن نتابع «ملاحظاتنا الخاصة» حول رسائل «التغيير»، التى حملها «خطاب أوباما» فى جامعة القاهرة لتيار «الإسلام السياسى» (لا الأنظمة القائمة بالمنطقة!)؛ أن ننطلق (استرشادًا) من الملاحظات التى ساقها بنفسه، المدير الأسبق لـ»برنامج تحليل سياسات واستراتيجيات الإسلام السياسى« بوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، إذ قال الرجل خلال محاضرة له، ألقاها فى 28 سبتمبر من العام 2010م، بجامعة سانت جونز (أى قبل وصول موجات ما عُرف بـ»انتفاضات الربيع العربى« للقاهرة، بأربعة شهور فقط):
(1)- إن أحد الدلائل المهمة الّتِى تضمنها خطاب «أوباما» فى جامعة القاهرة، هو اختياره لمكان الخطاب فى حد ذاته.. فالأجيال الصاعدة فى مصر هى الهدف.
(2)- كانت رسالة البيت الأبيض- الّتِى لم يدركها الكثيرون- أن ثمة تغييرًا لا بُدّ أن يحدث.. فالولايات المتحدة سترتبط فى المقام الأول بالمجتمعات الإسلامية (الّتِى تشهد نموّا لقوَى «الإسلام السياسى»)، لا «الأنظمة الحاكمة» للمجتمعات الإسلامية.. وارتباطنا بتلك «المجتمعات» من أجل موضوعات تتعلق بالأمن القومى بالأساس.
(3)- إنّ «أوباما» أراد القول: «إننا تخلينا عن فكرة تصدير الديمقراطية للأنظمة الحاكمة، واستبدلناها بدعم نمو الديمقراطية من داخل هذه المجتمعات نفسها».
(4)- وبالتالى لا  بُدّ ألا يكون ارتباطنا بالنخبة ذات التعليم الغربى،أو الّتِى تجيد التحدث بالإنجليزية.. بل بالقطاع العريض غير جيد التعليم، الّذِى ربما لا يجيد الإنجليزية على الإطلاق.. وإن كان هناك قطاع داخل هذه «المجتمعات»، لا يتفق وسياستنا الخارجية؛ فلا يعنى هذا ألا نتحدث معهم.
.. وانطلاقًا من «الملاحظات الأربع» التى ساقها، بنفسه، صاحب فكرة ارتباط «الولايات المتحدة الأمريكية» بقوَى «الإسلام السياسى« فى الشرق الأوسط، على محتوى الخطاب؛ لنا أن نضيف- فى المقابل- نحو «سبَع» ملاحظات أخرى:
أولاً: يُمكننا، ابتداءً (وفقًا لتفسير «دوائر الاستخبارات الأمريكية» لمدلولات خطاب أوباما)، أن نحمل (على التغليب) عبارة: «المجتمعات الإسلامية»، التى قرنها الخطاب، بكلمات، مثل: «الارتباط»، و«التعاون»، و«الشراكة»، على قوى «الإسلام السياسى».. إذ إن تلك القوى (وفقًا لفهم الدوائر نفسها)؛ كانت ذات التأثير الأقوى داخل المنطقة.
ثانيًا: وفقًا للمعلومات «المتاحة» حول برنامج «الارتباط الأمريكى بقوى الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط»، الذى أدارته وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)؛ فإن القائمين على البرنامج كانوا يُعولون- إلى أبعد مدَى- على أنّ قوَى الإسلام السياسى (التى صدّرت لهم خطابًا يبدو معتدلاً)، سوف تلعب دورًا «مُهمًا» فى احتواء تيار العنف (الراديكالى)، إذا ما وصلت للحُكم.. وأنها ستصبح مفيدة لـ«الولايات المتحدة» أكثر من الأنظمة القائمة.. ومن ثمَّ.. كان أن انعكست تلك «النتيجة» على العديد من «عبارات مواجهة الإرهاب»، التى حفل بها الخطاب، مثل: [سوف نواجه «التطرف» فى إطار الشراكة بيننا وبين «المجتمعات الإسلامية»؛ لأننا سنحقق مستوى أعلى من الأمن فى وقت أقرب، إذا نجحنا بصفة سريعة فى «عزل المتطرفين»].
ثالثًا: بدت إشارة «أوباما» إلى أنه جاء من أجل «بداية جديدة مع العالم الإسلامى»، مقيدة بأن فكرة «الشراكة» ستتم تأسيسًا على ما هو داخل «الإطار الإسلامى» لا على ما يمكن اعتباره بعيدًا عنه.. ومن ثمَّ.. يمكننا أن نضع (جنبًا إلى جنب) عبارة المدير الأسبق لـ«برنامج تحليل سياسات واستراتيجيات الإسلام السياسى» (الاستخبارى) حول أن «الولايات المتحدة» يجب ألا ترتبط بالنخبة (ذات التعليم الغربى)، مع ما نبهت إليه دراسة مركز «راند» (RAND) بالعام 2003م، من أنه يتعين على «الولايات المتحدة» ألا ترتبط و«التيار المدنى» (العلمانى) بمنطقة الشرق الأوسط، إذ إن منطلقات هذا التيار (القومية، والوطنية) تُعادى، فى مجملها، مفاهيم: «الهيمنة»، و«الأمركة».
رابعًا: يُمكننا (فى سياق ما تم كشفه «أمريكيّا»، حول تفاصيل برنامج الارتباط بقوَى الإسلام السياسى) أن نعيد قراءة عبارة: (لقد تم تعليق أهمية كبيرة على إمكانية انتخاب شخص من أصل أمريكى «إفريقى»، يُدعى «باراك حسين أوباما» إلى منصب الرئيس.. ولكن قصتى الشخصية ليست فريدة إلى هذا الحد)؛ تأسيسًا على أنها عبارة «تشجيعية» للقوَى، التى كانت «بعيدة عن السُّلطة فى الشرق الأوسط» (ومنها: تيار الإسلام السياسى) بأن ما كان يبدو «مستحيلاً» يُمكن أن يُصبح ممكنًا، فى سياق عمليات تغيير «كوزموبوليتانية» متنوعة.
خامسًا: تقاطع العديد من العبارات التى استخدمها «أوباما» حول ضرورة البحث عن أرضية من «التفاهمات» المشتركة مع العالم الإسلامى،ومطالبته للدول العربية بالاعتراف بأهمية «مبادرة السلام العربية» مع إسرائيل، مع تلك الرسائل التى دأب «قيادات الإخوان» على إرسالها للقوَى الغربية، منذ مطلع النصف الثانى من الألفينيات، حتى وصولهم إلى السُّلطة بالعام 2012م.
سادسًا: حملت عبارة: (إن أمريكا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم؛ للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمى،يراعى القانون.. حتى لو كانت آراؤهم «مخالفة لآرائنا»)، بُعدًا «تحفيزيّا» جديدًا لقوَى الإسلام السياسى (المستهدفة بالخطاب، من حيث الأصل).. وأنها ستحظى بدعم «الولايات المتحدة»، إذا ما توافق التزامها بـ«قيم الديمقراطية» بعد وصولها للحُكم، مع ما كانت تبديه من احترام لتلك القيم (وهى بعيدة عن السُّلطة!).. ومن ثم؛ كان أن أتبع «أوباما» تلك العبارة بأخرى «شارحة» تقول: (إن «البعض» لا ينادون بالديمقراطية، إلا عندما يكونون خارج مراكز السُّلطة.. ولا يرحمون «الغير» عبر ممارساتهم «القمعية» لحقوق الآخرين، عند وصولهم إلى السُّلطة)!
سابعًا: يبدو، فى ضوء الوقائع، و«المعلومات» التالية؛ أن «إدارة أوباما» كانت فى عجلة من أمرها؛ لتنفيذ «برنامج الارتباط وقوَى الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط» (تحت إشراف المخابرات المركزية)، وإشراكها فى عملية احتواء «تيار العنف» (الراديكالى).. إذ تم فى فبراير من العام 2010م، ترتيب لقاء «مهم» بين «جون برينان»، مساعد أوباما لشئون الأمن الداخلى (مدير وكالة الاستخبارات المركزية، فيما بَعد)، وقيادات الاتحاد الإسلامى لشمال أمريكا (ISNA)؛ لبدء حوار حول الأمن القومى الأمريكى،ومساعدات المسلمين الأمريكيين فى إحباط الأعمال الإرهابية الداخلية.. لتتوالى بَعد ذلك مؤتمرات «إخوان أمريكا»، بمشاركة «فعالة» من شخصيات أمريكية «رسمية»، واستخبارية (!)

كان كل هذا يحدث، ولم يكن قد اكتمل «الوعى السياسى« للعديد من القطاعات الشبابية، التى تم توجيهها فى إطار مشروع خارجى [لم تكن ملامحه قد اتضحت للكثيرين بَعد].. حتى بالنسبة لعديد من «قطاعات النخبة» نفسها.
وبتنا أمام ما يُمكن توصيفه، يقينًا بـ [الوعى الزائف]، الذى استُغلت فيه وسائل التواصل الاجتماعى، و«حروب الشائعات»؛ لإجهاض أى محاولات حقيقية لبناء الدولة، وإعاقتها عن المُستقبل.. إذ باتت المنصات الإلكترونية مغرية للمشاركة (بشكل سريع)، ومن دون التحقيق [من دقة ما يتم ترويجه] عبر تلك «الوسائل» ذاتها(!)
فوفقًا لتقرير «سابق» أعدته كلية دبى للإدارة الحكومية؛ فإنّ عدد مستخدمى فيسبوك فى العالم العربى، ارتفع (بنهاية ربيع العام 2011م) إلى 27.711.503 مستخدمين (مقارنة بـ 12 مليون مستخدم فى العام 2009م).. أى أنّ اضطرابات الشارع العربى،أسهمت فى مضاعفة عدد المستخدمين بنحو [مرّة ونصف المرّة].. واليوم.. وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء؛ فإن 65.4 % من المجتمع المصرى يستخدمون «تكنولوجيا المعلومات»، ووسائل التواصل.
وبالتالى.. تكتسب آليات [التواصل المباشر]، مع الشباب أهميتها من كونها طريقة أكثر دقة [وفاعلية] فى تصحيح المفاهيم، والارتقاء بـ[الوعى العام] للقطاعات الشبابية.. فى مقابل «آلة شرسة»، لا تكف عن إطلاق الشائعات والأكاذيب.■