الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مطلوب استعادة مشروع ناصر الثقافى والفنى

مطلوب استعادة مشروع ناصر الثقافى والفنى


لا شك أن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر (1918 2018-) الذى يكمل مئوية ميلاده الذى أشرق على مصر وطنية وإنجازا، لا يزال حتى الآن يملك ذلك السحر الجذاب والجماهيرية الكبيرة، قد قدم لمصر الحديثة الدولة الوطنية والمجتمع مشروعا مكتملا فى الرؤية والمؤسسات والتصورات المستقبلية للثقافة والفنون فى مصر، كان البناء الفكرى لهذا المشروع يستهدف الوعى العام للشعب المصرى، إذ بدأ هذا المشروع بالاهتمام بالتعليم العام ومنح المجانية للتعليم الجامعى، وإطلاق الأفذاذ من أبناء الفقراء من قيد الفقر الذى يأكل الموهبة ونور العلم إلى إمكانية السفر عبر البعثات العلمية لجهات الدنيا الأربع.
 ولا شك أن مشروع الدولة الوطنية فى الستينيات قد صنع حراكا اجتماعيا كبيرا غير شكل المجتمع والسلطة فى مصر، وكان بالفعل بمثابة حراك ديمقراطى فى إطار فكرة تداول السلطة والمكانة والعوائد الاقتصادية فى المناصب المتوسطة والعليا فى الدوائر الرسمية والمناطق السكنية والمصاهرة وصناعة نجوم المجتمع، إذ إن الديموقراطية فى جوهرها هى تداول السلطة ورأس المال، وإن تحققت نتائجها دون المرور بجوهر وإجراءات العملية السياسية الديمقراطية.
تلك المكاسب الملموسة للجماهير هى التى تبقى خلف سحره ومحبة المصريين له حتى الآن. أما فى دوائر الفن والثقافة فقد أحدث هذا التغيير الجذرى أيضاً فى نوعية الجمهور الذى بدأ يتعرض لمشاهدات جديدة للمسرح والسينما، ناهيك عن سلاسل الكتب الثقافية العميقة بأسعار زهيدة فى متناول الجميع، مما ساهم فى نشر روائع الإبداع المصرى والعربى والإنسانى لجماهير جديدة، ما زالت المكتبة المصرية والعربية تفخر بما صدر عن إصدارات يجب استعادة نشرها حتى على سبيل الإتاحة على موقع إلكترونى يصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب مثل الألف كتاب وأعلام العرب والمكتبة الثقافية والمكتبة العربية ومسرحيات عالمية وغيرها، وهى الهيئة التى يعود تاريخها لعام 1961 وكانت -آنذاك- تتبع الرئاسة مباشرة وكان اسمها الهيئة العامة للأنباء والطباعة والنشر.
كان عبد الناصر مؤمنا حقا بالقوة الناعمة، ولذلك فالمشروع الثقافى يصدر عن اعتقاده هو كرئيس لمصر، لأن صانع الثقافة العبقرى والبنًّاء العظيم د.ثروت عكاشة كان مفكرا كبيرا تم تمكينه من تنفيذ الأفكار الكبرى وبدفع حقيقى اقترب بلا شك من مفهوم الصناعات الإبداعية بالمفهوم الكبير لها من مؤسسة المسرح والموسيقى إلى شركة «فيلمنتاج» للإنتاج السينمائى مرورا بالآثار المصرية ومشروعات إنقاذها فى أبو سنبل والتى قدرتها المؤسسة الثقافية الدولية الأكبر وهى مؤسسة اليونسكو.
ومشروعات الصوت والضوء التى تضيء الآثار المصرية حتى الآن من مقترب ثقافى، وهى التى تستحق التطوير ومنحها فرصة التواجد الكثيف كوسيلة لجذب الجمهور العام فى مصر والشباب والناشئة على وجه الخصوص لفهم تاريخ مصر القديمة وإدراك هويتهم الحضارية الأولى التى ألهمت العالم، إلى مشروعه العظيم الذى لم ير النور بتقديم عمل مسرحى مصرى قديم يعود تاريخه لما قبل المسرح اليونانى كان قد بدأ التحضير له بدعم من اليونسكو مع المخرج الفرنسى الكبير جان لوى بارو ثم توقف بسبب الانكسار الوطنى فى 1967 وحاول مرة أخرى مع الإيطالى زيفاريللى، ولكنه تعثر أيضا، ولكن تبقى هذه هى رؤيته لوحدة التراث المادى واللامادى لمصر القديمة، وإنشاء أول جامعة عربية لتعليم الفنون، هى أكاديمية الفنون 1969 وقد ساهمت فى إعداد الفنانين المصريين لنشر الفنون الرفيعة فى كل المجالات.
وقد توافق ذلك مع مشروع الدولة الوطنية فى إطلاق البرنامج الثقافى والبرنامج الموسيقى عبر الأثير، وإنشاء التليفزيون العربى 1960 وفى إرادة قوية أصرت الدولة الوطنية الستينية على جعل العدالة الثقافية أمرا حادثا على أرض الواقع عبر الثقافة الجماهيرية 1958والتى خلقت مراكز ثقافية قوية فى الأطراف ومنحت لقرى ومدن مصر إمكانية تلقى وإنتاج الثقافة والفنون.
وهو الأمر الذى أراه الإنجاز الأهم  مصر المستقبل كى يكمل استعادة وبناء وأن تكون الأطراف والمدن الإبداعية، والمدن الجديدة منتشرة كمراكز لامعة مضيئة قادرة على صناعة مراكز عمرانية حضارية متعددة، تغير مصر للأفضل وتستعيد إيمان المصريين بالمستقبل، وهو الأمر الواضح فى تفكير المركز الثقافى فى العلمين والمشروع الثقافى الحضارى فى العاصمة الإدارية الجديدة، حتى تصبح مدن مصر فى الشمال والجنوب مراكز لصناعة الإبداع والحضارة والتنوع الثقافي.
أما المسرح المصرى فى الستينيات فيبقى هو مصدر الإلهام الأساسى للمسرح المصرى والعربى حتى الآن، بل وبعض منه دخل فى قوائم الثقافة الإنسانية، ويبقى المسرح المصرى أيضا - آنذاك- يطرح علينا ذات أفكاره وقضاياه القابلة للاستعادة المعاصرة مثل الكوميديا المرتجلة لعلى الراعى وإمكانية إدماجها فى المسرح التليفزيونى المعاصر، ويبقى تفكير المخلص المبدع يحيى حقى فى برامج الفرق المسرحية والموسيقية واستلهام التراث الشعبى فى فرقتى رضا والفرقة القومية للفنون الشعبية رصيدا يجب تطويره.
المشروع الثقافى لمصر فى عهد عبدالناصر يبقى قابلا للاستعادة، بل واستعادته ضرورة وطنية، فقط مع إدراك فروق التوقيت وطبيعة اقتصاد المعرفة المعاصر وإمكانية إدارته فى إطار المحافظة على تنافسية الاقتصاد الحر ودور الدولة المهم فى المؤسسات الثقافية الكبرى، إذ يبقى السؤال: كيف يمكن للدولة الوطنية المعاصرة استعادة مشروع الدولة الوطنية الستينية الثقافية فى إطار متغيرات محلية وإقليمية ودولية معاصرة؟
ذلك أن التعليم والثقافة وصناعة الوعى بمثابة جوهر ثقافة الديمقراطية والتغيير الحقيقى التى تسعى إليها مصر الآن.>