
محمد جمال الدين
حدث فى مستشفى حكومى
الأسبوع الماضى فوجئت باتصال تليفونى من رقم ليس مسجلاً فى قائمة اتصالاتى، لم أرد على التليفون كعادتى فى عدم الرد على الأرقام التى ليست مسجلة فى قائمتى، ولكن مع توالى واستمرار الطلب اضطررت إلى الرد، قالت محدثتى: هل لديك ابنة تدعى (نور)؟.
قلت: نعم، فأخبرتنى أن ابنتى موجودة الآن فى العيادة الطبية لمحطة مترو السادات لإصابتها ببعض الإرهاق المصحوب بهبوط، سارعت بالذهاب إلى حيث توجد ابنتى، ولكن عند وصولى أخبرنى رجال أمن المحطة أنه تم نقلها إلى مستشفى المنيرة العام التابع لوزارة الصحة، هنا فقط تملكنى الخوف، لأن ذلك معناه أو كما اعتقدت أن حالة فلذة كبدى حرجة، ومما زاد من مخاوفى السمعة السيئة عن مستشفيات الحكومة التى تتردد بين الناس أن الداخل إلى هذه المستشفيات مفقود والخارج منها مولود، وصلت إلى المستشفى، وعند دخولى قسم الاستقبال، وجدت ابنتى وبجوارها طبيبة، التى بدورها طمأنتنى على حالتها بعد أن استفسرت منى عن بعض أمورها الصحية بوجه عام، وطلبت منى إحضار تذكرة من شباك التذاكر التابع لقسم الاستقبال فى المستشفى، طلب منى موظف الاستقبال بطاقة الرقم القومى ثم سألنى عن مدى قرابتى بالمريضة، فقلت له: إنها ابنتى، وعقب ذلك سألته عن ثمن التذكرة؟ فقال لى: التذكرة مجانية، ونفس السؤال وجهته لرجال عربة الإسعاف؟ فقالوا لى: خدمة توصيل المرضى إلى المستشفى مجانية أيضا، عدت بالتذكرة إلى الطبيبة ليتم تسجيل ما بها من معلومات فى دفتر قسم الاستقبال، الطبيبة هدأت من روعى مرة أخرى وقالت إن ابنتى بخير، ولكن أصابها بعض الإجهاد الذى تسبب فى انخفاض ضغطها، للأسف لم أعرف اسم الطبيبة الشابة، ولكن أبسط ما يمكن أن يقال عليها إنها ملاك نزل عليَّ من السماء ليلجم من مخاوفى على فتاتى الصغيرة خاصة بعد أن طلبت منى ضرورة وضع محاليل طبية قبل عودتها للمنزل للاطمئنان عليها، بالمناسبة المحلول الطبى مجانى أيضًا، بصراحة استغربت من حسن المعاملة والاستقبال فى المستشفى ومن درجة النظافة ومستوى الخدمة الطبية، التى محت من ذهنى تمامًا ما يقال عن مستشفيات الحكومة، ولكن الذى لفت نظرى منذ دخولى المستشفى وجود فتاتين وشاب بجوار ابنتى لا أعرفهم، تعرفت عليهم بعد أن هدأت نفسى واطمأن قلبى على ابنتى، فإحداهما هى من اتصلت بى وأخبرتنى بما حدث والثانية حملت (شنطتها) وأصرت على تسليمها لى فى المستشفى وبها كيس نقودها وتليفونها المحمول، أما الشاب فهو من حمل كريمتى من رصيف المترو حتى عربة الإسعاف، بالمناسبة الثلاثة لا يعرفون بعض، ولكن حب الخير وتقديمه للغير هو ما جمعهم ليتشاركوا جميعا فى الوقوف بجانب (نور)، وهو أيضا ما جعلهم ينتظرون حتى تمام انتهاء المحلول الطبى والاطمئنان عليها، ليثبتوا أن الدنيا مازالت بخير وأن شهامة وجدعنة المصريين متأصلة فى عروق ودماء هذا الشعب، ثم طلب منى ثلاثتهم السماح لهم بالاتصال بى عقب عوددتى أنا ونور إلى المنزل، تركت المستشفى مصطحبًا ابنتى التى جعلت الدم يهرب من عروقى وأنا أحمد الله على نعمة الصحة والستر التى أنعم بها عليَّ وعادت ابنتى إلى منزلها وهى فى صحة وسعادة، ولكن ظل ما مررت به منذ تلقى المكالمة التى علمت من خلالها بما حدث، وتعرفى على طبيبة شابة فى مستشفى حكومى وضع الله فى قلبها رحمة تسع العالم، وخدمة طبية متميزة لم أكن أحلم بوجودها سوى فى المستشفيات الخاصة، ومعرفة شباب مصرى محترم يمحو الصورة العالقة فى ذهن البعض عن الشبا ب المصرى الذى لا يعرف معنى الشجاعة والنخوة، شباب يقدم الخير ويقف بجانب فتاة لا يعرفها ولا ينتظر المقابل، ولكنها (الشهامة والأخلاق) التى دائمًا ما تميز جميع المصريين وقت المحن والصعاب.