
هاني عبد الله
من يحكم أمريكا؟!
ما بين قرار «واشنطن» بإرجاء تقديم مساعدات قيمتها 290 مليون دولار لـ«القاهرة»، والاتصال الهاتفى الذى أجراه الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، مع الرئيس المصرى «عبدالفتاح السيسى» مساء أمس الأول (الخميس)؛ لتأكيد حرصه على تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، وتجاوز أية عقبات فى الطريق.. ثمة مساحة مناسبة يُمكننا أن نقترب منها (تحليلاً)؛ للوقوف على أبرز العقبات (المحتملة) فى مسار العلاقة بين البلدين.
فواقعيًا.. بدت العلاقة بين «القاهرة»، و«واشنطن» خلال الأشهر القليلة الماضية فى صعودٍ مستمر؛ خصوصًا بعد سنوات من «التوتر» فى ظل الإدارة الأمريكية السابقة (أى: إدارة أوباما).. إلا أنّ أكثر ما يعكسه موقف تقليص المساعدات (الأخير)، هو أن ثمة «حالة صراعية» [بامتياز] داخل مؤسسات صُنع القرار الأمريكية ذاتها، حول إدارة العديد من ملفات «الشرق الأوسط»، وآليات التعامل مع الشركاء «الإقليميين» فيما يتعلق بالملفات نفسها.. وهو ما يقتضى منا – فى المُقابل – تحليل أركان «صناعة القرار الأمريكى» من حيث الأصل.
إذ تستحوذ الإدارة داخل «البيت الأبيض» (الرئيس ونائبه) على نحو 30 % [تقريبًا] من رسم السياسات الأمريكية.. بينما تتوزع النسبة الباقية على عددٍ من «مراكز الثقل» المختلفة، يأتى فى مقدمتها: وزارة الدفاع (البنتاجون)، ومجلس الأمن القومى، ومجتمع الاستخبارات (وفى القلب منه «وكالة الاستخبارات المركزية»)، ثم «وزارة الخارجية»، و«الكونجرس» الأمريكى (فضلاً عن «لوبيهات الضغط» وجماعات المصالح).. وداخل القطاعات «الأخيرة» تلك؛ تتداخل العديد من السيناريوهات، والتوجهات، والتقاطعات السياسية بين (الجمهوريين والديمقراطيين).
وهى تركيبة، تُعلى – فى حد ذاتها – من مساحة «البراجماتية السياسية» فى رسم التحركات الأمريكية (خصوصًا ما يتعلق، منها، بالشق الخارجى).
■ ■ ■
وداخل مساحة «البراجماتية» تلك؛ يُمكننا أن نتلمس عديدًا من تقاطعات، و«منحنيات» المشهد الذى شهدته أروقة «الكونجرس» عند مناقشة ما تم توصيفه بـ«ملف الحريات» فى مصر.. إذ بدت الصورة، التى تم خلالها كيل الاتهامات كيلاً للقاهرة (فيما يتعلق بمجال حقوق الإنسان)، وكأنها أشبه بـ«تصفية حسابات» سياسية (تتجاهل عن عمدٍ أبعاد وتحديات «مواجهة الإرهاب» فى مصر)، أكثر من كونها مناقشات [حقيقية]، تسعى لرسم صورة «واقعية» عما يحدث بالقاهرة.
إذ قاد المشهد (الهجومى) داخل الكونجرس، عددٌ من الوجوه الفاعلة داخل ما عُرف، فى وقت سابق، بـ«مجموعة عمل مصر» (The Working Group on Egypt).. كما جاء أغلب التوصيات التى انتهى إليها «الكونجرس«؛ لتعبر عن أغلب المطالب التى تبنتها «المجموعة» ذاتها بامتداد العام الماضى (أى: العام 2016م)، مثل تقليص المساعدات العسكرية، وتخفيض المعونة، تأسيسًا على دعاوى انتهاك حقوق الإنسان.
وفى الحقيقة.. فإنّ «المجموعة» التى تأسست (من حيث الأصل) فى إبريل/ نيسان من العام 2010م (أى: قبل الانتفاضات التى شهدها الشارع العربى، بأشهر معدودة)؛ كان قد تم تشكيلها (بشكل تكتيكى) من قبل عدد من «الخبراء» المنتمين لـ«مراكز التفكير الأمريكية» المتنوعة.
وفيما كان الهدف «المعلن» للمجموعة (إلى جانب دراسة «عملية التغيير» فى الحالة المصرية عن قرب)، هو الدفاع عن «نشطاء الديمقراطية»، والترويج لها على نطاق واسع (!)،. إلا أنها، فى الواقع، كانت صوتًا إعلاميًّا «صاخبًا» للقطاعات الصقورية بـ«الحزب الجمهورى».. إذ يُمكننا - هنا - ملاحظة أن غالبية أعضاء «المجموعة» من المحسوبين على تيار «المحافظين الجدد»، مثل:
•«إليوت أبرامز» (Elliott Abrams): عضو مجلس العلاقات الخارجية، وهو ممن خدموا، أيضًا، بـ«مجلس الأمن القومى» خلال «إدارتي«: «رونالد ريجان»، و«جورج بوش» (الابن).
•«روبرت كيجان» (Robert Kagan): عن «معهد بروكينجز» (عمل، أيضًا - فى وقت سابق - بمؤسسة «كارنيجى» للسلام الدولى)، إذ كان وقتها سكرتيرًا لـ«مجلس السياسات الخارجية» التابع لوزارة الخارجية الأمريكية.
•«سكوت كاربنتر» (Scott Carpenter): عن «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، وكان - فى وقت سابق - أحد الكوادر النشطة بالمعهد الجمهورى الدولى (IRI).
•السفير «إدوارد ووكر» (Edward Walker): مساعد وزير الخارجية الأمريكية «الأسبق»، عن «معهد الشرق الأوسط».
•«توم مالينوفسكى» (Tom Malinowski): مدير منظمة «هيومان رايتس ووتش» (Human Rights Watch)، وعضو «مجلس الأمن القومى» خلال «إدارة كلينتون».
•«إلين بورك» (Ellen Bork): المديرة السابقة لمؤسسة «فريدم هاوس» (Freedom House)، عن «مبادرة السياسة الخارجية» (Foreign Policy Initiative)، كما كانت النائبة «السابقة» لمدير مشروع القرن الأمريكى الجديد (PNAC).
•«توماس كاروثرز» (Thomas Carothers): عن مؤسسة «كارنيجى» للسلام الدولى، وسبق له العمل بوزارة الخارجية الأمريكية عبر «الوكالة الأمريكية للتنمية» (USAID) ببرامج نشر، ودعم الديمقراطية بدول «أمريكا اللاتينية» خلال إدارة «رونالد ريجان».
•«ميشيل دن» (Michele Dunne): عضو مجلس إدارة «الصندوق الوطنى للديمقراطية (NED)، كممثلة عن «مؤسسة كارنيجى»، كما كانت عضوة سابقة بـ«إدارة التخطيط السياسى» بوزارة الخارجية الأمريكية، و«مجلس الأمن القومى».
• «دانيل كالينجيرت» (Daniel Calingaert)، النائب السابق لرئيس مؤسسة «فريدم هاوس» (Freedom House)، ممثلاً عن مركز «راند» (RAND)، كما كان أحد القيادات الفاعلة بالمعهد الجمهورى الدولى (IRI).
■ ■ ■
وبحسب «المعلومات» المتاحة؛ فإنّ أغلب أفراد المجموعة يتمتعون بعلاقات مثمرة – أيضًا – مع الدويلة «القطرية»، التى تم توظيفها من قبل الإدارة الديمقراطية السابقة (أى: إدارة أوباما) فى سياق أجندة التغيير بالشرق الأوسط.. كما وصلت تلك الصلات إلى ذروتها مع إرهاصات ما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربى» (أى: بالعام 2010م).
وبالتوازى مع «التحركات القطرية»؛ للمساهمة فى إعادة ترتيب «البيت العربى» من الداخل (وفقًا لـ«الأجندة»، التى تبنتها «الإدارة الأمريكية» الديمقراطية)؛ كان أن واصلت «مجموعة عمل مصر» (المحسوبة على «المحافظين الجُدد»)، ضغوطها «المتتابعة» فى الداخل الأمريكي؛ لتكثيف «الضغط» على القاهرة، فى سياق «الأجندة» نفسها.
وفى «مايو» من العام نفسه (أى: العام 2010م)؛ كان أن أرسلت «المجموعة» ثانى خطاباتها لـ«هيلارى كلينتون» (وزيرة الخارجية، وقتئذ)؛ للمطالبة بالضغط على «النظام المصرى» من أجل إيقاف تمديد العمل بقانون الطوارئ.. وقالت «المجموعة»: إن «الديمقراطية فى مصر» عانت من «ضربة جديدة»، إذ مدّت «الحكومة المصرية» العمل بـ«قانون الطوارئ» لمدة عامين إضافيين.. وكان ممن وقّعوا - إذ ذاك - على الرسالة، كلٌّ من: «توماس كاروثرز» (Thomas Carothers) من «مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى».. و«إليوت أبرامز» (Elliott Abrams) من «مجلس العلاقات الخارجية».. و«بريان كاتوليس» (Brian Katulis) من «مركز التقدم الأمريكى».. و«توم مالينوفسكى» (Tom Malinowski) من «هيومان رايتس ووتش».. و«ميشيل دن» (Michele Dunne) من «مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى».. و«روبرت كيجان» (Robert Kagan) من «مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى».. و«سكوت كاربنتر» (Scott Carpenter) من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى».. و«إلين بورك» (Ellen Bork) من «مبادرة السياسة الخارجية».. و«دانيل كالينجيرت» (Daniel Calingaert) من مؤسسة «فريدم هاوس» (بيت الحرية).
■ ■ ■
وفى الواقع؛ لم تكن «مجموعة عمل مصر» بعيدة (من الناحية الفعلية) عن التداخل فى العديد من المواقف مع «الإدارة الديمقراطية» بالبيت الأبيض.. إذ كثيرًا ما حَملت «إدارة أوباما» مطالبها على محمل الجد (!).. كما كان ثمة لقاءات منتظمة بين أعضائها وقيادات «مجلس أوباما القومى».. وهى لقاءات وصلت لذروتها (هى الأخرى) فى أعقاب تقرير أغسطس من العام 2010م، الذى أعدته «الاستخبارات الأمريكية» عن التغيير المقبل بالمنطقة العربية (!)
ومن ثمَّ.. فإن فشل المشروع (الذى كانت المجموعة جزءًا منه) فى أعقاب ثورة 30 يونيو من العام 2013م؛ أورثها إرثًا مناهضًا للدولة المصرية، التى استعادت تماسكها (من جديد) فى أعقاب هذا التاريخ الحاسم.. وباتت العديد من تحركاتها تستهدف تقويض الدور المصرى (عبر التداخل مع دوائر أمريكية عدة)، ومحاولة تطويعه عبر الترويج لانتهاكات حقوقية «غير واقعية» تارة.. أو الترويج [إعلاميًا] لعلاقات مصرية ذات طبيعة خاصة، وخصوم «واشنطن» الحاليين (تارة أخرى).