الخميس 17 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«كـاريـزمـا» البـابـا القـادم

«كـاريـزمـا» البـابـا القـادم


ما تمر به الكنيسة الأرثوذكسية الآن هو مرحلة فاصلة مهمة فى تاريخها بشكل خاص، وكجزء من تاريخ مصر بشكل عام، ولذلك ينتظر الجميع البابا القادم ليس فقط للتعرف عليه بعد كل هذا الجدل الحادث الآن، بل أيضاً للتعرف على شخصيته وكاريزمته التى ستحدد مواقفه التى سيتم مقارنتها بالبابا الراحل شنودة الثالث، وبالتبعية التعرف على موقف الكنيسة فى علاقتها بالمجتمع.
 
إن التفكير فى هذه المرحلة فى اختيار شخص البابا القادم يرتبط لدى بثلاثة محددات أساسية هى: قانون الكنيسة، ومعايير اختيار البابا، وسلامة الكنيسة.. ولأهميتها سوف أتناول كلاً منها بشىء من التفصيل.
 

 
قانون الكنيسة: وهو يحمل الكثير من الجدل والاختلاف لوجود نصوص واضحة تمنع أساقفة الإيبارشيات من الترشح للكرسى البابوى، وفى الوقت نفسه توجد قلة تحاول إثبات العكس بالتأكيد على أنه لا يوجد ما يمنعهم من الترشح مدللين على ذلك بحالات مشابهة من التاريخ رغم ما تتسم به هذه الأمثلة من سلبية سواء فى الشكل أو المضمون وهو ما يعنى أن هناك اجتهادات لها الغلبة والحجة، واجتهادات أخرى محل اختلاف.. لكنها موجودة تاريخياً.
 
معايير اختيار البابا الجديد: وهى معايير على غرار مدى إجادته للغات الأجنبية، وإسهاماته الفكرية من مؤلفات وكتابات، وعدد سنوات رهبنته، وعلاقاته بالكنائس الأخرى فى مصر سواء الكاثوليكية أو الإنجيلية أو الأسقفية.. وهى معايير «فضفاضة» إلى حد كبير لأنها تتفق مع العديد من المرشحين، كما أنها ليست معايير حاسمة وقاطعة إن غالبية المرشحين للكرسى الباباوى تنطبق عليهم المعايير المذكورة ولا أعرف مدى الاهتمام ببعض المعايير الأخرى على غرار رؤيته لإدارة الكنيسة، وإصلاحها، وتطويرها سواء على المستوى الروحى أو المستوى الإدارى.
 
سلامة الكنيسة: وأقصد بسلامة الكنيسة هنا مدى عبور مرحلة انتخابات واختيار البابا الجديد بسلام بدون الدخول فى أزمات قضائية على غرار الطعون المقدمة لوقف الانتخابات، وما يترتب على ذلك من تأجيل الانتخابات، ومن الواضح أن أنصار بعض المرشحين إلى البابوية قد بدأوا فى اتخاذ إجراءات استباقية لتأمين وجود سبيل آخر لخوضهم انتخابات البابوية وعدم استبعادهم.. خاصة فى ظل وجود 17 مرشحاً.. سيتم استبعاد بين 10 و 12منهم، بالإضافة لمحاولات البعض الآن فى إشاعة فشل القائمقام الأنبا باخوميوس فى إدارة تلك المرحلة بسبب تمسكه بتطبيق لائحة 57 لانتخاب البابا كما هى، وهو الأمر الذى يصب فى نهاية المطاف فى صالح مرشح بعينه سواء لرفع أسهمه لعدم استبعاده من خوض الانتخابات البابوية أو ليحل محل القائمقام الأنبا باخوميوس الذى يتم الزج به الآن لمنطقة افتراضية تتسم بالسلبية والفشل.
 
 

 
وما سبق، فى اعتقادى هو ما جعل الأنبا باخوميوس يصرح بمدى حزنه على ما يحدث فى الكنيسة الآن.. والذى تناسى بعض المرشحين بكونها انتخابات كنسية، وليست انتخابات برلمانية بأدواتها ووسائلها للترويج والتشهير و..إلخ.
 
إن الحديث عن مواصفات البابا القادم كصفات وسمات.. لا تخلو من مقارنات ومفارقات بينه وبين كل من: البابا الراحل الأنبا كيرلس السادس وبين البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث.. خاصة أن الفريق المؤيد للبابا شنودة الثالث يرى فيه النموذج الكاريزما والقدوة.
 
 أما الفريق الثانى، فيرى فى شخص البابا كيرلس السادس البساطة والقداسة.
لقد رفض البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث فى السنوات الأخيرة تعديل لائحة انتخاب البطريرك لكى لا يكون قد وجه الانتخاب لشخص محدد، كما صرح بأنها ستكون من اختصاص من يأتى بعده.
 
غير أن هذا لا ينفى أن البابا القادم سيجد نفسه فى مقارنة مستمرة وشديدة بينه وبين البابا شنودة الثالث من جميع المواطنين المسيحيين المصريين قبل غيرهم.. ليس تشكيكاً فى قدراته ومهاراته أو الاستهانة به.. بقدر ما هو تأثير الصورة التى رسخها أداء البابا شنودة مصرياً وعربياً ودولياً.
 
هناك أفراد تصنعهم المؤسسات التى يتولون رئاستها لما لهذه المؤسسة من ثقل أو تأثير فى المجتمع، غير أن الحال تختلف مع البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث الذى تولى رئاسة الكنيسة القبطية.. فأحدث فيها تحولاً جذرياً فى آلية عملها وتفاعلها.. مما زاد من أهمية الكنيسة ومكانتها فى المجتمع من جانب، وأعطى للكرسى البابوى هيبته بإضافة أبعاد أخرى جديدة له من جانب آخر، كما أنه مع مرور الوقت وتنوع الخبرات وتراكمها تنامى حضور البابا شنودة الثالث ودوره فى المجتمع، وبالتبعية الكنيسة.
إن تلك المرحلة من الانتخاب واختيار البابا القادم.. يمكن تناولها عبر رؤية جديدة من خلال طرح مواصفات خاصة تتعلق بشخص البابا القادم نفسه، وبمواصفات عامة للدور المنوط القيام به فى ظل زخم الميراث التاريخى المهم والضخم للبابا الراحل الأنبا شنودة الثالث نفسه على النحو التالى:
 
المواصفات الخاصة هى: أهمية أن يكون البابا القادم من الشخصيات المعروفة ليس فى الداخل فقط، بل وفى الخارج أيضاً.. خاصة بين المهاجرين المسيحيين المصريين.. ليكون بمثابة نقطة الالتقاء التى تجمع جميع الأطراف، ولكى لا يبدأ عهده بتحفظات وافتراضات وطعون وقضايا تحكمها عدم المعرفة به، وهو ما حدث مع البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث نفسه حيث كان ضمن عدد من الشخصيات الشهيرة بجوار البابا الراحل الأنبا كيرلس السادس.. فكان هناك الراحل الأنبا غريغوريوس والأنبا صموئيل «الذى أغتيل فى حادث المنصة مع الرئيس أنور السادات سنة 1981»، مما كان له أثر كبير فى دعمه ومساندته من قبل العديد من المواطنين المسيحيين المصريين.
 
أن يكون البابا القادم مطلعاً على الخريطة السياسية فى الداخل من تيارات فكرية وسياسية ومجتمع مدنى لكى يكون للكنيسة دور وطنى فى دعم نهضة هذا الوطن.. خاصة فى ظل تغيير خريطة النظام فى مصر ووصول تيارات الإسلام السياسى إلى الحكم، بالإضافة لمعرفته بسير العلاقات الدولية خاصة فى القضايا التى تعد محط اهتمام وأولويات النظام المصرى على غرار القضية الفلسطينية أو قضية تدويل هموم المواطنين المسيحيين المصريين ومشاكلهم أو قضية علاقة الكنيسة بالمهاجرين المسيحيين المصريين.
 

 
 
أن يكون البابا القادم صاحب منطق فكرى فى قدرته على الفهم الدينى «اللاهوتى» للقضايا الاجتماعية ذات الدلالات الدينية، وذلك على غرار علاقة الكنيسة بالدولة أو بالحديث عن قضايا الأحوال الشخصية، والعولمة، والاستنساخ.
 
أما المواصفات العامة، فهى: أن يكون للبابا القادم توجه ملحوظ نحو الارتقاء بالمستوى العلمى لرجال الدين المسيحى.. ليس فقط من حيث كونهم حاصلين على شهادات جامعية. فهذا فى اعتقادى غير كاف الآن فى ظل الأهمية القصوى للحصول على درجات علمية فى اللاهوت المسيحى، ولابد من العمل على زيادة درجة وعيهم واستيعابهم للمتغيرات الحديثة وموقف الدين منها، وعلى سبيل المثال: العولمة، والإنترنت، والاستنساخ، والهندسة الوراثية، أضف إلى ذلك الوعى بالقضايا السياسية على مستوى العالم، وهو ما ينسحب على الاقتصاد والإعلام والتكنولوجيا المعاصرة.
 
وبالتالى أعتقد أننا أصبحنا فى أمس الحاجة لتفعيل دور أسقفية التعليم وأسقفية الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى على أسس منهجية من جانب، وعلى أساس استقلاليتهم عن مسئوليات البابا من جانب آخر، لأنه من خلالهما يمكن الارتقاء بالكنيسة بما يتناسب مع العصر ودون التخلى عن الثوابت الروحية والمعتقدات الإيمانية أو إهمالهما.
 
أن يعمل البابا القادم على تفعيل ومساندة كوادر من العلمانيين «أى من غير رجال الدين» داخل الكنيسة وهو ليس موجوداً الآن بالشكل الذى نتصوره، وهذا أمر مهم لأن الكنيسة تقوم على ركيزتين، هما: رجال الدين والعلمانيون، ولا يوجد تعارض بين مهام كل منهما أو عمله، بالإضافة إلى أن هذا يساعد على تجديد حيوية الكنيسة وفاعليتها.. خاصة فى ظل التحديث الإدارى لها كمؤسسة دينية.
 
وهو ما يترتب عليه ــ أيضاً ــ تفعيل دور المجلس الملى «وتغيير اسمه» فى الفترة المقبلة.
 
أن يقوم البابا القادم بالتأكيد على أن الكنيسة هى المؤسسة الدينية والروحية الرسمية للمواطنين المسيحيين المصريين، ولكنها لا تمثلهم سياسياً.
 
بمعنى أن الدور الروحى والوطنى للكنيسة هو أمر ضرورى وفائق الأهمية «وعلى سبيل المثال موقفها من: قضية القدس وقضية الحماية الدينية»، ولكن الدور السياسى للكنيسة هو أمر غير مقبول ومرفوض، ولكنه مقبول لأبنائها من العلمانيين كمواطنين مصريين.. أى بمعنى أشمل فصل الدين عن الدولة تماماً. ويترتب على ما سبق، أن يكون البابا القادم وبالتبعية الكنيسة هى المساند والداعم الذى يربط الفرد بالوطن والدولة، وعليه يتحدد مفهوم الانتماء ومعانيه، وهذا لا يعنى بالطبع أننا ننكر هنا الأهمية القصوى للانتماء للدين وللمؤسسة الدينية، لأن هذا الانتماء يمثل واحداً من أهم مرتكزات العقل الجمعى المصرى فى منظومته الفكرية، غير أن الخطر الشديد أن تكون المؤسسة الدينية سواء كانت مسيحية أو إسلامية هى الوسيط بين المواطن المصرى والدولة.
 
وما يمكن أن ينتج عن هذا من حدوث خلل أو شرخ فى منظومة انتماء الفرد لوطنه، بحيث نجد أنفسنا فى مأزق وطنى حينما تصبح المؤسسة الدينية هى البديل الشرعى للوطن والدولة، وهو ما يعنى أن تترك الكنيسة للمواطنين المسيحيين المصريين الحرية الكاملة فى قيامهم بأعبائهم الوطنية، دون أن توحى لهم بالتزام اتجاه سياسى معين، فيتحرك المواطن المسيحى المصرى بحرية تامة بحسب نشأته الفكرية والثقافية وتوجهاته السياسية، ومن ثم تظل الكنيسة فوق كل ذلك تعمل فى اختصاصها الروحى والدينى فقط.
 
اهتمام بالدور الرائد لمدارس الأحد لأنها كانت بمثابة البوتقة التى أفرزت جيل الجامعيين الذى صار فيما بعد يتولى قيادة الكنيسة «مثل البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث نفسه»، وهو ما يحتم علينا الآن أن يكون هناك نوع من التقييم لهذه التجربة المهمة والفريدة، لتطويرها للأفضل فى ظل الدور المفترض أن تقوم به مدارس الأحد فى التنشئة التربوية والدينية والوطنية على قيم الولاء والانتماء والمشاركة.
 
إن انتخاب البابا القادم واختياره لن يخرج فى تقديرى عن المحددات الثلاثة التى ذكرتها فى بداية المقال، بالإضافة إلى المواصفات الخاصة والعامة لشخص البطريرك.. ربما مع تفاصيل أكثر، ولكن يبقى تطبيق ما سبق على مدى وعى الناخبين للبابا الجديد بمناخ انتخاب البابا وإجراءاته فى إطار «الممكن» بعيداً عن الانحيازات الشخصية لمرشح بعينه باعتماد منهج التشهير والترويج للشائعات التى ترسم لمرشح صورة سلبية فى مقابل زيادة رصيد مرشح آخر.. خاصة فى ظل انتهاء فترة تقديم «الطعون»، والتى تتيح لجميع الناخبين حق الاعتراض على مرشح بعينه بالأدلة والأسانيد، وليس بأسلوب الكيد والتشهير.
 
إن انتخابات البابا الجديد.. هى انتخابات لها بعد روحى وإيمانى للمواطنين المسيحيين المصريين، وهى فى كل الأحوال ليست انتخابات برلمانية.
ومن له أذنان للسمع.. فليسمع ويفهم ويفكر.