السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
لماذا الآن؟ قنبلة التعداد فى ملف الأقباط!

لماذا الآن؟ قنبلة التعداد فى ملف الأقباط!


تعداد المواطنين المسيحيين فى مصر.. لماذا الآن؟ وهو الأمر الذى نجد من يناقشه بحسن نية مفترض أو بسوء نية متعمد فى الكثير من الأحوال. وما يترتب على ذلك من مناقشة قضية بناء الكنائس بطبيعة الحال، ومدى الحاجة إلى بناء المزيد منها.. وهى المشكلة التى تمثل إحدى ركائز التوترات والأزمات الطائفية خلال السنوات الأخيرة.
 

بدأ الأمر بعد أن تم تأويل لتصريحات اللواء أبو بكر الجندى (رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء)، وهى التصريحات التى تم الترويج لها إعلامياً على نطاق واسع بأن عدد الأقباط رسمياً هو خمسة ملايين ومائة وثلاثون ألف مواطن. وقبل الدخول فى التعليق على لعبة الأرقام لتعداد المواطنين المسيحيين المصريين، والتى كتبت فيها كثيراً على صفحات مجلة «روزاليوسف»؛ أود أن أذكر بتعليق اللواء أبو بكر الجندى بأن الرقم الذى ذكره يخص آخر تعداد تم رصد ديانة المواطنين فيه وكان سنة 1986كما قال إنه لا يمكن إعلان إحصائية خاصة بالديانة فى استمارة التعداد لأنها (اختيارية).    
 
المهم فى هذا النقاش هو أن أمر تعداد المواطنين المسيحيين المصريين.. تتم مناقشته عند البعض من منطلق المساواة فى الحقوق حسب الأغلبية والأقلية.. وما يترتب على ذلك من انتقاص فى الحقوق يبدأ من التمييز فى الحقوق، مروراً بالاستبعاد والتهميش، وصولاً إلى الحديث عن المواطنين المسيحيين المصريين باعتبارهم درجة ثانية فى الوطنية، أو بمعنى أدق فى منظومة المواطنة.
 
بلغ عدد المواطنين المسيحيين المصريين حسب إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء منذ ثورة يوليو وإلى الآن الأرقام والنسب التالية:
 
- سنة 1966: بلغ عدد المواطنين المسيحيين المصريين 017536,2 نسمة من إجمالى 846809,29 نسمة أى بنسبة 2,7 ٪.
 
- سنة 1976: بلغ عدد المواطنين المسيحيين المصريين 285630,2 نسمة من إجمالى 626204,36 نسمة أى بنسبة 2,6 ٪. كما بلغ عدد المهاجرين (المسيحيين والمسلمين المصريين) 42500,1 نسمة.
 
سنة 1986: بلغ عدد المواطنين المسيحيين المصريين 868139,2 نسمة من إجمالى 254238,48 نسمة أى بنسبة 9,5 ٪. كما بلغ عدد المهاجرين (المسيحيين والمسلمين المصريين) 250000,2 نسمة.
 
سنة 1996: وهو التعداد الذى لم يعلن فيه التعداد حسب التصنيف الدينى.
 
وبناء على ما سبق، يختزل البعض النقاش حول تعداد المواطنين المسيحيين فى مصر فى:
ما قاله البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث إلى الرئيس الأمريكى جيمى كارتر سنة 1977 حينما قال له إن تعداد أقباط مصر يبلغ 7 ملايين قبطى.
 

 
ما قاله البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث فى حديث لقناة TV ON فى شهر أكتوبر سنة 2008 من أن عدد الأقباط حوالى 12 مليون مواطن. وهو الحوار الذى قال فيه إن الكنيسة تعرف أعداد الأرثوذكس المصريين عن طريق (كشوف الافتقاد).
 
ما يردده البعض خاصة من التيار الإسلامى عن أن المواطنين المسيحيين لا يزيدون على 5,2 مليون نسمة، أو حسبما قال المستشار طارق البشرى قبل ذلك إن الأقباط يمثلون 6 ٪ من إجمالى 80 مليون نسمة أى أقل من 5 ملايين نسمة.
 
يروق للبعض الحديث عن نسبة تعداد المواطنين المسيحيين المصريين على اعتبار أنها محاولة للحصول على (كوتة سياسية) تعادل النسبة العددية. وهو الأمر الذى تصاعد بعد 25 يناير 2011 حينما طالب العديد من القوى السياسية بإصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة حيث روج البعض للعديد من الأفكار الفاسدة، وعلى سبيل المثال:
 
- إن الكنائس تتناسب مع عدد المواطنين المسيحيين المصريين بدليل أنهم لا يصلون خارج كنائسهم؛ وذلك بعكس المواطنين المسلمين المصريين الذين لا يجدون مكانا للصلاة.. مما يضطرهم لافتراش الشوارع للصلاة.
 
- إن الكنائس تتميز بأنها لا تغلق ومفتوحة طيلة ساعات اليوم للصلاة، بينما المساجد مغلقة.. ولا يمكن فتحها سوى فى أوقات الصلاة.
 
- إن هناك حرية كاملة للكاهن أن يقول ما يريد على منبر الكنيسة؛ بينما منبر المسجد يقع تحت نطاق سيطرة وزارة الأوقاف. 
 
- إن مساحات الأراضى التى تمتلكها الأديرة تؤكد أن المواطنين المسيحيين المصريين يمتلكون أكثر من حاجتهم، وبالتالى لا يحتاجون إلى بناء كنائس جديدة.
 
وهى أفكار غير دقيقة يمكن الرد عليها بشكل واضح على النحو التالى:
 
1 - إن بناء دور العبادة للصلاة هو أمر مشروع حتى ولو لمواطن واحد.. بشرط عدم تبنى منطق البناء من خلال المنافسة المحتدمة بين بناء المساجد والكنائس.
 
2 - لا يمكن التركيز على بعض المناطق أو المحافظات ذات الكثافة التاريخية للكنائس باعتبارها معياراً لجميع أنحاء الجمهورية.. فلا يمكن قياس عدد الكنائس فى منطقة شبرا بالقاهرة بعدد الكنائس فى المدن الجديدة التى يخلو الكثير منها من الكنائس.
 
3 - إن لجوء الدولة المصرية لإجراء غلق المساجد بهذا الشكل هو أمر معلن للرأى العام بعد أن حولت بعض تيارات الإسلام السياسى الكثير من المساجد إلى مقرات لنشر أفكارها المتشددة والمتطرفة، وليس للعبادة والصلاة. فضلاً عن مئات الزوايا الملحقة بالمساكن الأهلية التى لا تخضع لوزارة الأوقاف.
 
4 - إنه رغم حرية الكاهن على المنبر.. فإنه محكوم بقواعد صارمة للنظام الإدارى الكهنوتى الذى يتسم بكونه نظاما هرميا بطريركيا بالدرجة الأولى.
 
5 - لا يمكن اعتبار مساحات الأديرة بأنها المعادل المساوى البديل عن بناء الكنائس.. لأنها أراضٍ يتم استصلاحها واستخدامها فى مشروعات خدمية، وليست لإقامة الصلاة عليها.
 
 
إن الحديث عن أن نسبة المواطنين المسيحيين فى مصر تدور حول 6 ٪ بأكثر قليلاً أو أقل قليلاً.. والترويج لها فى هذا الوقت هو فى حقيقة الأمر حديث طائفى يستخدم (لعبة الأرقام) بالحديث عن النسبة بما يوحى بالإشارة إلى الأقلية العددية والأغلبية العددية، هو فى تقديرى نوع من المراوغة السياسية.. كحق يراد به باطل. إن هذا المنطق يتعامل مع المجتمع بمنطق التقسيم الطائفى، وهو ما يعتبر ضد منظومة المواطنة المصرية.. لما يمكن أن يترتب عليه من تجاهل حقوق بعض المواطنين المصريين بحجة أنهم (قلة عددية) فى شكل من أشكال انتزاع حق تلك الأقلية العددية عند المجتمع وعند الدولة، وما يتبع ذلك من تهميش واستبعاد وتمييز.. ينزع عنهم ولاءهم ويشكك فى وطنيتهم، والتعامل مع فئات من المواطنين داخل المجتمع الواحد بمنطق الدرجات: مواطن درجة أولى، ومواطن درجة ثانية منتقص الحقوق. وذلك مع مراعاة أن الأقلية والأغلبية هى مفاهيم متغيرة طبقاً للسياق التاريخى والسياسى.. فأقلية اليوم.. يمكن أن تتحول إلى أغلبية الغد، والعكس صحيح. وما حدث بعد 25 يناير 2011 لخريطة القوى السياسية فى المجتمع المصرى يؤكد ذلك.
 
المفترض أن يتم التعامل طبقاً لمبدأ المواطنة لجميع المواطنين المصريين بغض النظر عن معتقدهم الدينى أو انتمائهم الفكرى أو نسبتهم العددية حتى لو لم تتجاوز 1 ٪.. وهو ما لا يؤثر بأى حال من الأحوال فى المساواة فى الحقوق والواجبات.
 
إن الحديث عن أنه يجب على الأقلية أن تخضع لحكم الأغلبية إعمالاً بالديمقراطية.. هو منطق فاسد يرسخ مفهوم (الأقلية) لتبرير المشروعية السياسية لحكم الأغلبية حتى ولو كانت أغلبية ديكتاتورية أو مستبدة من جانب، كما أنه تصنيف عنصرى ضد المواطنة يحمل بذور الطائفية فى طياته من جانب آخر.
 
لا أوافق مطلقاً على أن يستغل البعض أمر تعداد الأقباط فى تخصيص نسبة لهم فى مجلس الشعب أو غيره.. فمنظومة المواطنة التى أطمح فى تحقيقها لا تقصى أو تستبعد أو تهمش أى مواطن بأى شكل من الأشكال.. طالما كان مصرياً. كما أن (لعبة الأرقام) فى الحديث عن الأقلية العددية سواء كانت دينية أو سياسية هو أمر جلل يرسخ مفهوم الاستحواذ والإقصاء والتهميش والاستبعاد.