الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
إرهــاب الـقـضــاء

إرهــاب الـقـضــاء


أتعجب لأمر البعض فى بلادى اليوم، فعندما يصدر حكم من أى محكمة لصالحهم يفرحون ويهللون، وفى النهاية يقولون «يحيا العدل».. ولكن عندما يكون هذا الحكم فى غير صالحهم يصبح الهتاف «الشعب يريد تطهير القضاء»، هذه هى الحال فيما تعانيه مصر حاليًا، وأصبح سمة فى كل مكان خاصة بعد الأحداث المأساوية التى تعرض لها مجتمعنا من أعمال بلطجة وخطف وقطع طرق فى ظل انهيار أمنى مازلنا نعانى منه حتى الآن.. وحدث ما توقعناه وانتقل هذا الانفلات الذى يميز شوارعنا إلى قاعات العدل «المحاكم» وبقدرة قادر شهدت هذه القاعات نفس حالات الانفلات التى يعانى منها الشارع، فما حدث مؤخرًا فى قاعة محكمة القضاء الإدارى يوم الثلاثاء الماضى لخير دليل على ذلك، هذا الحدث الغريب علينا لا يجب أن يمر بسلام بل يجب أن تتم دراسته جيدًا للبحث فى أسباب حدوثه حتى لا يتكرر مرة أخرى.
 

 
فوسط هتاف الحضور فى القاعة بسقوط الفلول وتأييد الرئيس محمد مرسى، قال المستشار عبدالسلام النجار نائب رئيس مجلس الدولة الذى تنظر دائرته قضايا حل البرلمان والجمعية التأسيسية لوضع الدستور والإعلان الدستورى المكمل «إن فى مصر قضاة لا يخافون إلا الله»، وقال أيضاً «إنه لم يولد بعد من يفرض وصايته على المحكمة أو يوجهها أو يفرض عليها إملاءً بحكم معين، وإن المحكمة لا تخشى إلا الله ولا تقبل وصاية من أحد ولا يرهبها الكثرة والعددة، وناشد الحضور داخل القاعة بالهدوء، إلا أنه لم يجد صدى يذكر لطلبه هذا فقرر رفع الجلسة وسط حالة من الهرج والمرج، وفى ظل تواجد أمنى لا يذكر.
 
بداية علينا أن نعترف أن ما قام به المنتمون إلى تيار الإسلام السياسى من تصرفات فى قاعة المحكمة غير مقبول وليس لهم حق فيه حتى ولو فعلهم هذا غرضه الأساسى التأثير على قرار القاضى الذى لن يحكم فى النهاية إلا بما هو مقتنع به.
 
الهجوم على القضاء واقتحام قاعات المحاكم والاحتشاد أمامها لم يكن وليد يوم الثلاثاء فقط، وإنما سبقه بكثير أكثر من حدث.. لدرجة تصور معها البعض أن الأمر لا يخرج عن كونه ليس سوى معركة لتصفية الحسابات منذ أصدرت المحكمة الدستورية حكمها بحل مجلس الشعب، فهناك حالة من التربص غير الطبيعى بالقضاء وبأحكامه وخرج علينا البعض من تيار الإسلام السياسى لينادى بضرورة تطهير القضاء رغم تأكدنا من أن القضاء يطهر نفسه بنفسه ولا يسمح بأن ينتمى له عضو فاسد، لأن استمرار هذا العضو يلطخ سمعة القضاء المصرى الذى نتباهى ونفخر به بين الأمم.
 
ولهذا تحديدًا لا يجوز لنا أو لغيرنا أن نتحدث عن التطهير، وحتى إذا جاز لنا أصلاً أن نتحدث فى هذا الشأن فليكن شريطة أن يبدأ هذا التطهير بمن يلوثون سمعة القضاء دون دليل، وعلى من يقومون بإرهاب القضاة وهم فوق منصاتهم يحكمون بعدل الله الذى لا يوجد فوقه عدل.
 
هؤلاء هم أول من يجب أن يتطهروا، لأنه من العيب أن نهدد القضاة حتى يحكموا بما يريدون، أو بما أمر به الله الذى نخشاه جميعا بمن فيهم القضاة.
 
والمؤسف أن يخرج علينا البعض ممن ينتمى لهذا التيار ليقول «إنه ليس هناك إرهاب على قضاة محاكمة يوم الثلاثاء إياه».
 
ونحن بدورنا نقول لهم: ألم يكن الطرق على أبواب القاعة الثانية التى انتقلت إليها هيئة المحكمة ولم يسمح فيها بالدخول سوى لمقيمى الدعاوى ورجال الإعلام بإرهاب والاعتداء على المحامين مقيمى الدعاوى الذين يرفضون سيطرة الإخوان على كل شىء ليس بإرهاب، وكذلك الهتاف بضرورة تطهير القضاء وحشد المؤيدين فى خارج وداخل القاعات التى يتم فيها نظر قضايا مصر وشعبها أليس إرهابًا؟! الغرض الوحيد منه التأثير على سير الدعاوى وقرارات المحكمة.
 
ولهؤلاء نقول لهم اتقوا الله فى قضائنا ورجاله.. فلم يعد لدينا الكثير من المؤسسات التى نلجأ إليها ونحتمى بها، فأغلب المؤسسات تعرضت للهجوم.. فها هى مؤسسة الأزهر أكبر مؤسسة دينية وسطية فى العالم تطاول عليها البعض وتم التشكيك فى رجالها، وإذا كانت هذه حال الأزهر.. فإن المؤسسات الصحفية أيضا يتم اغتيالها عمداً من قبل البعض ويتم التدخل فى شئونها دون علم أو دراسة، حتى المؤسسة العسكرية نالها ما نالها وتعرض رجالها لاتهامات عديدة أثبتت الأيام عدم صحتها.. بالطبع لن أتحدث عن مؤسسة الشرطة التى تجاهد لاستعادة قوتها لأن الشارع المصرى فى احتياج لها لتكون فى خدمة شعب مصر وليس حاكمها.
 
أما أبانا الذى فى المقطم.. فأقول له إن تشويه القضاة جريمة سنكتوى جميعا بنارها ولن يسلم منها أحد، لأنك إذا اعتقدت أن جلوسك فوق هضبة المقطم العالية سيحميك من هذا التشويه فهذا لن يحدث، ولذلك وباسم الإسلام لابد أن تبين لأتباعك والمنتمين لهم أنه لابد من احترام القضاء واحترام أحكامه، وأنت أول من تعرف أن أى حق يضيع إذا لم يكن هناك عدل، وهذا العدل تحديدًا يقوم عليه رجال يصرحون ليل نهار «أنهم لا يخشون سوى الله»، فعلينا جميعا وعليك أن نعينهم حتى يكشفوا لنا هذا الحق، لأن ما حدث فى مجلس الدولة جعلنى وجعل غيرى يخافون على مصر ومستقبلها، فلن يكون الهتاف والصوت العالى والطرق على الأبواب وضرب البعض وافتعال المشاجرات والمشاكل هو الحل لما نحن فيه.
 
أفهم كما يفهم غيرى أن هناك العديد من الإجراءات القانونية التى من خلالها يستطيع أى مصرى أن يحصل على حقه والقانون يحدد كيفية التعامل مع هذه الإجراءات، وبالتأكيد ليس من بينها ما شاهدناه مؤخرًا فى قاعات المحاكم واتهام الأحكام التى يصدرها قضاتها بالتزوير والتجمهر والاحتشاد أمامها والهتاف لمن هم فوق منصاتها.. فثورة يناير لم تعطنا هذا الحق، وليعلم هؤلاء أن القاضى باستطاعته وطبقًا لسلطاته التى حددها له القانون أن يتخذ إجراء عقابيًا لكل من يهدر آداب وأمن الجلسة فى حالة الخروج عن هذه الآداب.
 
فلنكن دعاة حق وليس دعاة فتنة وإرهاب ولنحترم أحكام القضاء ورجاله، لأن التأثير على ضمائر القضاة خطر، فغل يد المحاكم عن طريق حشد الشباب داخل وخارج قاعات المحاكم للتأثير على سير العدالة من قبل المنتمين لتيار الإسلام السياسى من العيب أن يكون منهج هذا التيار الذى يتعارض مع كل قيم ومبادئ استقلال القضاء واحترام أحكامه.
 
فهذا القضاء هو نفسه الذى أشرف على الانتخابات التى جاءت بأصحاب هذا التيار، فنالوا الأغلبية فى مجلسى الشعب والشورى، ومن خلاله أيضا حصلوا على مقعد رئاسة الجمهورية وأشدتم به وبرجاله وبجهدهم حتى خرجت مصر ولأول مرة بانتخابات حرة ونزيهة.
 
وللأسف هو نفسه اليوم الذى تحاولون التأثير عليه وتشويه سمعته واتهمتم أحكامه بالتزوير وتدخلون معه فى معارك تهدم ولا تبنى فى وقت تحتاج فيه مصر لكل سواعد أبنائها حتى يتحقق العدل الذى من خلاله تستطيعون أن تحكموا بين الناس إن استطعتم.