الجمعة 26 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
ذكرى الحبايب حب

ذكرى الحبايب حب


أولا إلى صاحبة السيرة هذه الأبيات إلى روزاليوسف السيدة والمجلة:
دنـيـا الصحـافـة يا روزا إنتى باريزهـا    وأنتى الصبية الحلوة من عواجيزها
غنى القلم يوم ميلادك والورق زغرد    يا مدرسة كلنا كنا تلاميذها
وكتب لها عمنا بيرم التونسى:
روزا تـمـثـيـلـهــــــــــــــا الـفــنــــــــى    يمــــــــــــــــلأ عـــــــــــينى ضــــــــــى
وعـظـمـــــــــــى يـتـفـكـــــــك مـنـــــــي    لمـــا تــــكتب واقـــرأ فــى المجلـــــة     
والـكـلـمـــة مـــن روزالـيـوســــــــــف    تتضرب فى الأمثال

رحم الله الجميع وأبعث إلى أستاذتى ومعلمتى فاطمة اليوسف التى لم أحب بعد أمى أما غيرها.. كانت عندى أغلى من جدتى لأمى وجدتى لأبى.. كان فرق السن بيننا كبيرا ولكن كان التفاهم والتقاء الأرواح قريبا جدا صادقتها كما لم أصادق أحدا قبلها ولا بعدها.. كانت ترتاح لى وكنت أرتاح معها.. كنت ألتقط ما تريد أن تقول قبل أن تنطق وكانت تقرأ ما فى نفسى مجرد أن تلقانى.
علمتنى الكثير واختصتنى بأدق أسرارها وذكرياتها كانت ترتاح وتسعد كثيرا فى إعادة الماضى.. كانت رحمها الله تقول لى.. من لا ماضى له ليس له مستقبل.
ماضى الإنسان تاريخه الذى يستفيد منه المستقبل.
وكانت تقول حاسب ضميرك قبل أن تحاسب جيبك.. كانت تطلب منى الاحتفاظ بكل ورقة مكتوبة حتى ولو كانت كارت معايدة.. كانت تقول كل كلمة لها وقت ترجع لها عند اللزوم حتى من باب الترحم على صاحبها، ونرجع لصاحبة السيرة العزيزة فاطمة اليوسف سيدة المسرح والصحافة فى أهم زمن من تاريخ مصر الحديثة ونصل فى الذكرى إلى يوم أخذتنى معها إلى بيتها القديم فى حلمية الزيتون لتسليم البيت لصاحبه وتبرعت بالمنقولات واحتفظت بصندوق به أوراقها الخاصة وقالت لى بعد أن بدأت تقرأ ورقة ورقة أن أحتفظ بهذه الأوراق حتى أسلمها إلى ابنها أستاذنا إحسان عبدالقدوس فى الوقت المناسب، ولما سألتها يعنى إمتى الوقت المناسب ضحكت وقالت بعد عمر طويل يا عبيطة ولما وجدت التأثر على وجهى وأنا أقول بعد الشر قالت كلنا هنموت لكن هناك فرق فيه ناس تموت وتنتهى وناس زيى تموت وتعيش بسيرتها وتاريخها.. عزيزى القارئ هل وعيت الحكمة!!
ولما قلت لها طيب ليه عايزانى أعطيه هذه الأوراق بعد الوفاة.. قالت يا فالحة لو أخذها وأنا أمامه لن يهتم أما بعد الوفاة فسيهتم ويحتفظ بها وينفذ وصيتى وفعلا أعطيتها له بعد الوفاة.
وبدأت تحكى لى أنها عندما بلغت الخامسة وعيت على أن أسمها روز وأن أهلها يعاملونها بقسوة لا تصدر من أب وأم.. حتى إنهم رحبوا بتسليمها لصديق العائلة يأخذها معه فى هجرته إلى البرازيل صرخت وسألت مربيتها خديجة الوحيدة التى كانت تحبها كيف يفرط أب وأم فى ابنتهما؟ قالت لها خديجة لأول مرة:
يا فاطمة هذان ليسا أمك ولا أباك.. وأكملت المربية لفاطمة كما قالت لى.. يا فاطمة لقد ماتت أمك السيدة جميلة عقب ولادتك عام 1888م فى مدينة طرابلس وأبوكى محمد محيى الدين اليوسف يعنى ولدت من أبوين مسلمين وأطلقوا عليك اسم فاطمة ولما كان والدك محمد محيى الدين اليوسف من أصل عثمانى وكانت تجارته بين طرابلس وتركيا فقد كان كثير الأسفار، لذلك تركك معى عند الجيران وكان يبعث لهم مصاريفنا شهريا ولما كانت العائلة مسيحية فقد كان اسم فاطمة غير مناسب، لذلك أطلقوا عليك اسم روز.. باختصار الاسم فاطمة واسم الشهرة روز.. يعنى فاطمة اليوسف والشهرة روزاليوسف.
طبعا قد احتفظت بكل ورقة وسلمتها لأستاذنا إحسان عبدالقدوس بعد وفاتها ومن بينها شهادة ميلادها!! أما هى أكملت لى:
وبعد.. لقد كانت البداية عندما اصطحبها صديق العائلة فى رحلة هجرته إلى البرازيل.. وعندما توقفت الباخرة فى الإسكندرية.. تسللت الفتاة الصغيرة صاحبة السبع سنوات فاطمة اليوسف لتبدأ حياة وأمجاد سيدة صنعت من نفسها سيدة على كل مجال تعمل فيه.. عملت فى المسرح بدأت كومبارس نطقت ثلاث كلمات «ومنى هذا الخاتم» فى مسرحية نابليون وأنهت عملها فى المسرح بلقب سارة برنار الشرق ولقب سيدة المسرح العربى روزاليوسف.
ثم بدأت الصحافة يوم كانت تجلس فى محل حلوانى كساب مكان سينما ديانا الآن وكان هذا فى شهر أغسطس من عام 1925 وكان بصحبتها الأستاذ محمود عزمى وزكى طليمات وإبراهيم خليل وأحمد حسن.. كل هؤلاء عملوا مع السيدة العظيمة فى روزاليوسف حتى وفاتهم.. تقول رحمها الله.. ألقى علينا بائع الصحف مجلة «الحاوى» التى كان يصدرها حافظ نجيب وكان بيشن حملة قاسية فى نقد الفنانين.
لذلك قالت لقد قررت أن تقوم هى بالدفاع عن الفنانين وسألوها كيف قالت سأصدر مجلة ولما أعجبتها الفكرة وساعدها صديقها إبراهيم خليل وهون عليها الفكرة حتى عندما سألت عن اسم المجلة قالت بكل حزم «روزاليوسف» وقالت مجلتى «روزاليوسف» وترقبوا معى كما تترقب الأم مولودها القادم «روزاليوسف» المجلة.
والذكريات كثيرة والأيام مهما طالت قليلة والمكان لن يتسع لكل ما عندى عن هذه السيدة العظيمة التى صاحبتها وصادقتها كما لم أصاحب أحدا قبلها أو بعدها.. هذه السيدة لقد كانت سيدة قدت من حديد
لقد كانت سيدة صبغت من الرأفة والحنان
لقد كانت مخلوقا صلبا وناعما
وحتى نلتقى فى عيد ميلاد المجلة بإذن الله لو كان فى العمر بقية.. إننى أراها فى منامى مع الحبايب وأمى وأبى وشقيقى وشقيقتى وأستاذى إحسان عبدالقدوس وأقدم لهم وأتذكر قول عمر الخيام:
يا تـرى كـم فـيك من جـوهـر
يبين لـو ينبـش هـذا الـتـراب
نفسى خلت من أنس تلك الصحاب
لما غدوا ثاوين تحت التراب
وتصبحون على حب.