الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قصة فنان صنعته الآلام طوغان بقلم: أنور السادات

قصة فنان صنعته الآلام طوغان بقلم: أنور السادات
قصة فنان صنعته الآلام طوغان بقلم: أنور السادات


رحل فى هدوء وصمت ودون ضجة الفنان الجميل الأستاذ «طوغان» شيخ رسامى كاريكاتير مصر ومبدعها الجميل وإنسانها النبيل.
لا أدعى أننى عرفت الأستاذ الرائع «طوغان» عن قرب للأسف الشديد لكننى أحببت رسومه المصرية الأصيلة، وبساطة رسومه وعمق أفكاره وأهداف كتابه «كاريكاتير طوغان»، وأحتفظ له فى مكتبتى بكتابه النادر «قضايا الشعوب» الذى صدر شتاء أكتوبر سنة 1957 والمفاجأة أن الرئيس الراحل «أنور السادات» هو من كتب للكتاب مقدمة بسيطة عميقة المعنى والدلالة عن «طوغان» الإنسان والفنان والموقف.

بل إن كتابه «كاريكاتير طوغان» كتب له المقدمة د.أسامة الباز، وكان ذلك عام 1998 وكان «الباز» وقتها ملء السمع والبصر: المستشار السياسى لرئيس الجمهورية الأسبق «مبارك» وصديق المثقفين أيضا.
وليس عندى قصص وحكايات عن «طوغان» فكل الحكايات والذكريات الجميلة معه أو عنه كتبها نجوم الصحافة المصرية الذين عرفوه عن قرب  أيام الفقر وأيام المجد من كاتبنا الكبير الأستاذ محمود السعدنى إلى الأستاذ «يوسف الشريف». حكايات ومواقف تملأ مجلدات.
وأكثر ما أسعدنى بعض الذكريات التى كان الأستاذ «طوغان» قد بدأ ينشرها منذ شهور فى جريدة الأهرام.. يوم الجمعة - تمهيدا لنشرها فى كتاب ولعل من أهم الحوارات التى استمتعت بقراءتها تلك التى نشرتها فى صباح الخير وقت رئاستى لتحريرها وأجرتها بقلمها الرشيق الأديبة الصحفية «د.عزة بدر» واستمرت لعدة أسابيع، وكان الأستاذ «طوغان» سعيدا بها كما أبلغنى بنفسه.
∎∎
ولم أكن أعرف أن عم «طوغان» اسمه بالكامل «أحمد ثابت طوغان» صعيدى من مواليد محافظة المنيا فى 20 ديسمبر سنة 1926 ولم أكن  أعلم أن رسوماته السياسية كانت بمثابة منشورات ثورية يتداولها ثوار  الجزائر أثناء نضالهم ضد الاستعمار الفرنسى وكل الثوار الأحرار فى أقطار قبرص وكينيا، بل شارك مقاتلا فى ثورتى الجزائر واليمن.
وهو صاحب الفضل فى ابتكار شخصيات نمطية مثل الرجعية العربية والقبضاى واللورد الإنجليزى وغيرها.
«طوغان» تاريخ طويل ومجيد من الفن والرسم والموقف والرؤية الصحيحة لهموم ومشاغل أبناء وطنه، من أجلهم كان يبدع ويرسم على صفحات جريدة الجمهورية، وقبلها فى صحف ما قبل ثورة يوليو ,1952 كما أصدر معظم هذه الرسوم الرائعة فى عدة كتب، وطاف برسومه عواصم العالم!
لكن ماذا كتب «أنور السادات»  صديق عمر وزميل أيام الكفاح عن الفنان طوغان فى المقدمة التى أشرت إليها:
المقدمة عنوانها «فنان صنعته الآلام» وفيها يكتب قائلا:
«كان ذلك فى أمسية من أمسيات صيف ,1948 وكنا نجلس فى مقهى من تلك التى تطل على النيل بالجيزة، شلة من الفنانين والكتاب والأدباء اعتدنا أن نلتقى كل ليلة بعد أن يفرغ كل منا من كفاح يومه فى سبيل العيش وتأمين البقاء.
وكنت فى تلك الحقبة حديث عهد بالحرية، فلم يكن قد مضى علىّ إلا بضعة أسابيع خارج الزنزانة التى قضيت فيها واحداً وثلاثين شهرا سويا، قضيتها بين جدران أربعة صماء تحاصرنى فلا أستطيع منها الفكاك وتفرض على روحى وعقلى عزلة تؤرق النفس وتزلزل الكيان.
ولعل ذلك كان هو سر لهفتى على لقاء الصحاب كل ليلة إلى جوار النيل.
ولعله كان أيضا حرصى على الاستمتاع بأشهى ثمرة من ثمرات هذه الحياة، أعنى الصداقة، الصداقة فى أصفى وأجمل ألوانها وأرق وأدفأ ما تغمر به الوجدان بانفعالاتها.
هناك وفى ظلال تلك الأمسية قابلت «طوغان» لأول مرة وهناك أحببت طوغان الصديق البرىء الفنان، وطوغان الذى ستقرأ له الصفحات التالية وستنفعل نفسك من هدير ريشته وعنف أدائها وعمقه، طوغان هذا شاب لم يتعد العقد الثالث من عمره!
ولعلك تعجب كيف يستطيع شاب فى مثل هذه السن أن يجعل من الخطوط والظلال قصصا خالدة تروى لنا وللأجيال من بعدنا حديث أشرف معركة خاضها بلدنا ضد السيطرة وضد الاستغلال لا من أجل مصر وحدها، وإنما من أجل كل الشعوب الصغيرة، وباسم كل من يؤمن بالحرية فى كل مكان، يرويها «طوغان» الشاب بريشته فى وضوح ورزانة وإصرار لايقدر عليها إلا من أفنوا عمرا طويلا فى البحث والخبرة والمران.
لكنها الآلام، إنها الآلام التى صهرت هذه النفس الوادعة فى مستهل العمر وفى مطلع الشباب، لقد عرفها طوغان وهو حدث، وبدأ يصارعها وهو يافع وأفاد منها فى شبابه خبرة وحكمة لاتصنعهما فى سنين قليلة إلا آلام كبيرة.
وطوغان فى هذا الكتاب يحكى لنا أيضا عن الآلام، آلام الشعوب البريئة التى تفترسها ذئاب الغاب، وآلام الإنسانية الجريحة بعد أن ديست قيمها فى التراب.
وبعد فإننى لا أريد أن أشغلك عن القصة وكل ما أردت أن أقوله هو أنها قصة لفنان صنعته الآلام».
رحم الله طوغان فنانا ومبدعا وإنسانا!!∎