الخميس 20 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

شروق وغروب الجماعة

شروق وغروب الجماعة
شروق وغروب الجماعة


 
أبدأ من العنوان الذى يتفق مع المثل الشعبى المصرى «الجواب بيبان من عنوانه» إلا أننى لا أصب جام غضبى على جماعة الإخوان المسلمين كقائد لتيار الإسلام السياسى فى مصر ولا بوصفها تنظيما دوليا يشمل فى هيكله حوالى 80 تنظيما فرعيا فى 80 دولة حول العالم يدينون بالولاء التام لفكر الجماعة وانتماؤهم الأساسى للتنظيم لا الأوطان، وقد يكون هذا ما أضفى عليها شيئا من التراص والرصانة القشريين.

 
فمنذ التأسيس فى عام 1928 على يد حسن البنا أستاذ اللغة العربية وحتى اغتيال النقراشى رئيس الحكومة آنذاك فى مصر والقاضى الخازندار وتفجير مكتب النائب العام فى نفس السنة كانت قد مرت على الجماعة حوالى 20 عاما من الإصرار على أن فكرها الدعوى بالأساس والذى يدفع المجتمع المحيط للانتهاج بسلوك الإسلام، بل إن الكلمة المستخدمة فى أدبيات حسن البنا إذا أردنا تحرى الدقة هى «سلوك المسلم» وهنا تبرز إشكاليتان مركزيتان فى فكر الجماعة وهما:
 
1- نظرة الجماعة لما أسمته «المجتمع المحيط» وهو ما يبتعد عن كونها تنظر لمصر بوصفها وطنا ننتمى له، بل إن الجماعة لديها نظرة أممية تتخطى فكرة الأوطان وبالتالى تكرس لرفض فكرة الانتماء الوطنى، ولكن الانتماء الفكرى فى إطار أكثر توسعا وشمولية.
 
2- رؤية الجماعة للمجتمع المحيط بنظرة طاردة لمن هو دون المسلم «سلوك المسلم» وكأنها لا ترى فى المجتمعات المحيطة أبناء الديانات الأخرى أو حتى اللا دينيين، وكأنها ترى أنه على أى طرف آخر أن يعتنق الدين الإسلامى ليتحلى بسلوكه القويم، أما من هو دون ذلك فلن يصبح مؤهلا لـ «سلوك المسلم» بما يشى بأنها لا ترى فى الآخرين من هو أهل للبقاء داخل دائرة الضوء السياسى أو السلطوى إن أردنا الدقة طبقا للفكر العام الغالب عليه داخليا بين الإقصاء والاستقطاب الطائفى كما رسخه البنا فى أدبيات الجماعة عند التأسيس رغم المحاولات الحثيثة على التأكيد الظاهرى على أنها جماعة إصلاحية فى المجتمع أو محاولات مخلصين من أحد مرشديها (عمر التلمسانى)، ولكن غلب هذا الفكر الإقصائى ورفضهم النسيج المجتمعى الذى يجب أن ينبنى على التعددية وقبول الأفكار حتى إن الجماعة مرت بتأسيس التنظيم السرى فى عهد البنا للكفاح ضد الاحتلال لنجدها تذهب إلى استخدام العنف مع المخالفين لها لمجرد اعتراضها على سياسة معينة أو عدم قبولها لحكم قضائى كما حدث فى منتصف القرن الماضى، بل ذهبت فى خلال تاريخها غير القصير إلى إنكار الواقع والتعتيم على الحقيقة، حيث بدأ الأمر من عند البنا إنكاره معرفته بقاتل الخازندار على الرغم من أنه كان مساعده الشخصى.

 
ويجد المتابع أن الجماعة أو قائد سرب تيار الإسلام السياسى تعانى منذ النصف الأول للقرن العشرين من انقسام فكرى أصيل متمثل فى الصراع بين أدبيات البنا وأفكار سيد قطب، وهو ما يستمر حتى لحظة كتابة المقال كما نراه فى صراع أقوى بين تيار يحاول أن يقترب من الأفكار المدنية، الخاصة بدور المرأة والعلاقة مع المسيحيين بقيادة أبوالفتوح والعريان، وتيار آخر يتبنى فى أساسه مرجعية فكرية وبناء أيديولوجيا شديدة اليمينية بقيادة الشاطر ومالك.. إلا أن الجماعة التى تأسست منذ 84 عاما مرورا بكل هذه الخلافات الداخلية والصراع النوعى على السلطة وتطوير الخطاب السياسى نجدها قد استطاعت تكوين روافدها فى مختلف أنحاء العالم تحت سيطرة المرشد العام المصرى، لكن فيما يبدو أن البراجماتية السياسية التى تشكل الوجدان العام لأعضاء الجماعة حالت دون الوصول إلى تطور سبقتها فيه بعض هذه الروافد فى تونس والمغرب، حيث حرص الرافد التونسى على إضفاء مسحة تقدمية على مساره السياسى بعد وصولهم للحكم عقب الثورة فأتى برئيس من اليسار، أو كما جرى فى المغرب حين انفصلت الجماعة عن حزبها لتتفرغ لدورها الدعوى وتترك للحزب أعباء السياسة إلا أنها لم تنجح على سبيل المثال فى التجربة الفلسطينية «حماس»، وهو ما أعادت إنتاجه الجماعة المصرية، حيث ظن كلاهما أن صناديق الانتخابات حتى إن كانت حرة ونزيهة (حماس 2006) و(الجماعة 2011) بصرف النظر عن شكل التعاطى مع المشكلات وطريقة الأداء السياسى، وهو الأمر الذى زاد من عزلة حماس بعد عزلها ومقاطعتها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.
 

 
وبعودة إلى ماض قريب فلم تكن الجماعة هى الداعية للاحتجاجات فى يناير ,2011 بل كان موقفها الرسمى هو عدم المشاركة حتى، إلا أنه ظهرت بعض وجوه الصفين الأول والثانى من أبناء الجماعة فى مسيرات ولا نستطيع إنكار مشاركتها فيما بعد وإن كانت متأخرة بعض الشىء، حيث كانت قد لملمت شتات أمرها للبدء فى الدخول إلى معركتها السياسية الأشرس والأهم فى تاريخها السياسى بعد خلع «محمد حسنى مبارك» فبدأت فى محاولة الوصول إلى المقاعد السلطوية فى مصر منطلقة من بعد ظاهره اجتماعى وأدواته دينية محضة، وبإصرار على حرق القوى المدنية فى الشارع متناسية أو جاهلة أن المحرك الرئيسى للثورات ليس الفقر، فالفقر المطلق وحده نادرا ما أدى إلى ثورات جماعية فى التاريخ ومحاولات تسكينه أو علاجه سطحيا ليست هى ما تسمح لنظم قمعية بالاستمرار، فمعاناة الشعوب الحقيقية تبدأ عندما:

 
- تتسع الفوارق فى الدخل والثروة.
 
- تضطر الحكومات للتضحية بمصالح شعوبها لإرضاء قوى دولية تضمن لها الحكم (أمريكا وإسرائيل - فى الحالة المصرية).
 
- تقمع الحريات العامة (المتوازنة) التى اصطلح عليها المجتمع فى نسيجه العام.
 
- يتم الاستئثار بالسلطات.
 
- تتصاعد الاتهامات بالفساد والمحسوبية.

 
وقد سارعت الجماعة بتحقيق الأسباب الخمسة السابقة فى توقيت قياسى من حيث قصره فلا هى عملت على تقليل الفوارق فى الدخول رغم أغلبيتها البرلمانية وراحت بشراسة فى استئثارها بالسلطة التشريعية ومحاولات للاستئثار بالسلطة التنفيذية، كما قامت بقمع أصوات المعارضة وتشويه صورتها شعبيا، وبدأت بالسماح لأفكار وتيارات تعمل على قمع الحريات العامة (المتوازنة) التى اصطلح عليها المجتمع فى نسيجه العام، كما اجتهدت فى تفصيل قوانين وتشريعات لخدمة أهدافها السلطوية وحتى المالية وانتهجت طريق الفساد والمحسوبية ثم فعلت ما فعله سلفها النظام المخلوع من تقارب مع الولايات المتحدة لضمان استمرارهم فى السلطة لأطول وقت، وهو ما كان واضحا من خلال اجتماعات الشاطر بجون ماكين وخلق تفاهمات أدت لخفوت صوت الجماعة فيما يختص بالعلاقة بين مصر وإسرائيل، وعدم الترويج للدور القيادى المصرى فى الإقليم، وهو ما لم تستحسنه الدوائر السياسية المدنية من جهة ولا الحكم العسكرى الحالى للبلاد والذى يرى أن الجماعة تحاول اختطاف هذه العلاقة منه والتى يراها استراتيجية طبقا لما قاله اللواء العصار فى اجتماعه الصيف الماضى مع أعضاء غرفة التجارة الأمريكية فى فندق كونراد بصرف النظر عما إذا كان هذا هو المطلوب شعبيا أو لأجل الصالح الوطنى من عدمه.
 
يرى الكثيرون من داخل وخارج الجماعة أنها تصعد على سلم الارتقاء السياسى بمنتهى السرعة لتقدم نموذجا إسلاميا فى الحكم والإدارة السياسية يضاف إلى الموجود على الساحة الإقليمية كما حدث مع الثورة الإسلامية فى إيران 1979 إلا أنه غاب عنهم ثلاثة أمور:
 
أولا: كانت الثورة الإسلامية فى إيران - كما هو واضح من اسمها - ثورة جهز لها وقام بها تيار إسلام سياسى إيرانى بشكل محض وإن تنوعت طوائفه مع جاهزية نوعية داخل الشارع الإيرانى لقبولها ورفض الشاه، وهو ما لم يحدث فى مصر بأى حال من الأحوال، بل لقد كانت الجماعة خلال الـ 20 عاما السابقة على ثورة يناير 2011 فى حالة مستمرة من عقد الصفقات مع الأجهزة الأمنية للنظام المخلوع كما أكد اثنان من قياداتها السابقين (د. محمد حبيب نائب المرشد العام السابق) و(إسلام لطفى أحد أبرز القيادات الشبابية فى الجماعة سابقا ومؤسس حزب التيار المصرى حاليا) من خلال العديد من المناقشات، بل تصريحات علنية فى برامج على الفضائيات المصرية.
 
ثانيا: فى إيران كان الخمينى يعتبر منفردا قائدا عاما للثورة نظرا لمؤهلاته الدينية (طبقا لمنظورهم) وتضحياته ونكرانه الذات فى صراعه مع الشاه لما يقرب من 20 عاما سواء داخل البلاد أو فى المنفى، وكانت رؤيته واضحة بجلاء للنضال والتغيير التى اتسمت بالطابع الدينى فى الأساس بدون أى مواربة وهو الأمر غير الموجود لدى الإخوان ليلعبوا نفس الدور فى الثورة المصرية.
 
ثالثا : المشروع الوطنى أو القومى الذى ظهر لدى إيران من خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980 - 1988 والتى قادها صدام حسين بمرأى ومسمع من بريطانيا وأمريكا وفرنسا، بل بموافقتهم مما أعطى القدرة للخمينى - الذى كان مؤهلا- على تشكيل إيران بعد الثورة فى قالب دينى معين وحتى تشديد قبضته على شعبه واختراع الفزاعات الشبحية مثل (المؤامرة الإمبريالية) و(الشيطان الأكبر)، وهو ما يغيب تماما عن الحالة المصرية والتى لم يستطع الإخوان أو لم يفكروا حتى فى خلق مشروع تتحد عليه الجموع.
 
وهنا قد تبرز بعض التساؤلات حول المشروع القومى الإقليمى للإخوان كمتصدرين للمشهد السياسى المصرى حاليا والتى طرحها المفكر الماليزى المعروف «شاندرا مظفر»: هل سيصر الإخوان على موقف مبدئى لتحرير الأراضى الفلسطينية والعربية، هل ستعارض بوضوح لا شية فيه مواقف إسرائيل الشائنة فى المنطقة؟ هل سيعلى الإخوان شرف وكرامة المضطهدين وضحايا العدوان فى العراق فوق مصالحهم مع النخب الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية؟ أو على الصعيد الداخلى المباشر فى مصر، هل يتقدمون بمرشح رئاسى يجسد تطلعات الشعب ونضاله من أجل الحرية والعدالة وأيضا يسعى لتحرير مصر من الفجوة الاقتصادية الهائلة بين من يملكون ومن لا يملكون؟
 
تمر مصر بمرحلة شديدة الحرج فى تاريخها السياسى بعد ثورة ,2011 بل تعد مرحلة مفصلية لتعويض خسائر بعض القوى إن أخلصت الفعل، بل تحقيق مكاسب إضافية وأعنى هنا القوى المدنية غير المنتمية لتيار الإسلام السياسى والمرحلة ذاتها قد تشهد تواريا حقيقيا لتيار الإسلام السياسى من المشهد السياسى المصرى وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين فبعد سلم صعود سريع وبزوغ يغشى الأبصار يذهبون إلى غروب دائم.