بكرة الكل يقلدنا

هدي منصور
غياب الأسرة، واستمرار البطالة وانتشار الفوضى التى صاحبت الثورة وراء هذه الظاهرة الجديدة والغريبة على المجتمع المصرى المعروفة بـ (السرسجية)، وتتميز بـ مظهر شاذ ولافت سواء فى ألوان ملابسهم الصارخة أو قصات الشعر الغريبة أو اللغة الهابطة المتداولة بينهم، اعتقادا منهم أنهم بذلك يمتازون عن غيرهم، زاعمين أن الآخرين حتما سيقلدونهم يوما ما.
على مقهى (غزال) بشارع شمبليون بوسط البلد، يجلس عدد من الشباب ذوى مواصفات تبدو غريبة جدا من حيث المظهر، فالقمصان ذات الألوان الصارخة وغالبا ما تكون مفتوحة فضلا عن شكل الشعر الذى يبدو كأنه (زرعة قمح) على رأسه أو الشعر الممزوج بالجل ليأخذ أشكالا غريبة فى التسريحات إضافة إلى (الشوز) الفاقع أيضا، أو الحذاء ذو الـ(بوز) الطويل.
المشهد ذاته على مقهى (عم صالح) بشارع شمبليون أيضا. فالجميع يجلس دون أى انتباه من الجالسين حولهم وهو ما اعتادوا عليه فأصبحوا لا يلقون للأمر بالا، فهذا هو وصف (الشباب السرسجى)، الذى عرف بشكله وتصرفاته المختلفة عن الآخرين فى جيله وأيضا استخدامه للكلمات المعتادة بمصطلحات عجيبة، يطل عليه الرجل المبهرج أو الرجل المتعدد الألوان، فإذا شاهدته ستعلم أنه (الشاب السرسجى) وربما النموذج الأقرب له شخصية (أساحبى) الفيسبوكية ومن خلال الحديث معهم تعرفنا على طقوس حياتهم ولغتهم الخاصة وطبيعة تعاملاتهم.
أحمد سيد وشهرته (ساسا) الذى يسكن بشارع الهرم وينتمى إلى الطبقة المتوسطة قال أن مظهره هذا يجعله مختلفا عن الآخرين فمن دونه كان سيصبح (دقة قديمة)
ساسا أضاف : كل واحد حر، بس بكرة هتلاقى الكل بيقلدنا (يا مان) وعن الألوان الصارخة يقول (ساسا) هذه الألوان هى ما يميزنا عن الغير، هى أحدث صياحات الموضة الجديدة كما أنه يعتمد على الجل فى شعره بكثافة من أجل الحفاظ على مظهره طوال اليوم، إضافة إلى تعمده إظهار توكة البنطلون الكبيرة، أما بالنسبة للإكسسوار، فوجدنا بيده اليمنى بعض الخواتم ذات الفصوص الكبيرة فضلا عن دبلتين فوق بعضهما وهو طقس ثابت لدى تلك المجموعات، وعن انتقاد الآخرين لهم يقول (دول عالم متخلفة لسه ما وصلوش للروشنة دى، وكل اللى بيقعد يبصلنا بيبقى غيران أصلا ونفسه يبقى كده.. بس مش عارف عشان هو مش حر قراره).
(ميزو كاتا) هذا هو اسمه ينتمى إلى الطبقة الثرية بدأ حديثه بشىء من (التناكة) والتكبر، يقول ميزو إن مظهره هو أهم شىء بالنسبة له، وأن السرسجية يستطيعون التواصل والتفاهم والتأقلم بسرعة كبيرة مع بعضهم البعض، ويستمتعون بالحياة كما يريدونها، كما أن صديقاتهم من الفتيات يشاركنهم هذه السمات، وعادة ما يتجمعون فى الحفلات الليلية أو المصايف الجماعية مع بعضهم. فالصوت العالى و(الدوشة) هى أحد الطقوس الذى يفضلها ميزو ومجموعته، يقول (الدماغ تحب الصحيان)، ويضيف: التاتو النوبى هو المفضل خلال هذه الأيام، وهم يحاولون أن ينافسوا الموضة العالمية بتلك الابتكارات ويتابع : إحنا لازم نكون مثل أعلى لملوك الموضة يا (بسبس) فهو يرتدى عددا من السلاسل، فسر ارتداءه بقوله (كل ما حاجة بتعجبنى بلبسها، وبعدين دول هدايا من أصدقاء فى الشلة لازم ألبسهم كلهم علشان محدش يزعل).
ويعتبر القميص السواريه أمرا طبيعيا لديهم فى النهار، ويقول ميزو إن (الطقس فى الدماغ) مش فى الجو، ومن خلال الحديث معهم تأكدنا أنهم لا يرغبون فى الحديث فى السياسة، فهم لهم طقوسهم الترفيهية الخاصة، كما أن لكل مجموعة قائدا أو كبيرا وهو ما يسمونه بـ (الكوتش) هو أقدم شخص فى المجموعة أو أكثرهم ثراء إذ يتولى تنظيم الحفلات الجماعية والرحلات ويحدد الفعليات الشهرية لهم.
أما (مودى سايكو) الذى لم يكشف عن اسمه الحقيقى، فيقول لكل مجموعة بعض الطقوس الخاصة فى المظهر والشكل، فهناك مجموعات تفضل مظهر الشعر النوبى (المجدل) وتاتوهات النوبة، والبانتكور والألوان الغامقة، أما المجموعات الأخرى الأصغر سنا، فتفضل الباديهات والشعر الواقف والحظاظات الكثيرة المتنافرة الألوان، والسلاسل الطويلة ونظرات الشمس كبيرة الحجم، وهذه المجموعات يتراوح عمرها ما بين الـ 16 و,19 وغالبا ما يكونون طلبة الدبلومات الفنية سواء شبابا أو بنات، ويعتمدون على الخروجات البسيطة ومراكب النيل وحدائق الحيوان وغيره.
أما المجموعات الأرقى فى المجتمع نسبيا فيقول عنها : المجموعات هى (الأصل) البقية تقلدها (فهى دائمة صاحبة الاختراع) والتقدم والرقى - حسب وصفه، ودائما ما تلتقى هذه المجموعات إما على مقهى (البورصة) أو مقاهى وسط البلد المختلفة، طوال الليل وينامون نهارا، فيقول إحنا كائنات ليلية : (أما عن قاموس مفرداتهم فمعظم الكلمات تعتمد على حرف الـ (س) سام أى نام، بيس، سمبيلا تعنى سمبتيك على الآخر وأهم ما يميز البعض منهم هو الشنب الأخضر الذى يقتصر على مجموعات شعبية جدا، وكذلك الذقن الخفيفة المحددة وهى أحد مظاهرهم، مع تطويل الشعر، أو عمل ذيل، أو خطوط صلعاء أو تسريح الشعر بنصف زجاجة جل واستعمال جيلات وماسك الوجه، والوقوف فى الشارع بالماسك قبل إزالته، مع عمل سوالف رفيعة وطويلة وأحيانا بطول الذقن كلها، والحفاظ على الأظافر طويلة، ويقول مودى إنهم فى بعض الأحيان يضعون المانكير فى الحفلات الليلية. وتعتبر صورة ريكى مارتن هى أهم ما يميز حجرته.
وعن القاموس اللغوى للسرسجية يقول أحمد شاكر : إن هناك قاموسا لغويا ليوميات السرسجية، فكلمة (استمورننج) لفظ يقال فى الصباح ويعنى تناول الطعام أو التدخين أو شرب الشاى حتى يفيق الشاب من نعاسه مثل : (هاروح أعمل استمورننج على القهوة وجاى)
(الأبلتين لدع فى دهاليز الحياة) عبارة تدل على الخواء أو الفوضى فى الحياة وغالبا ما تأتى بقصد الإفلاس مثل : مفيش فلوس والأبلتين لدع فى دهاليز الحياة أى (الحياة خربانة)، (اعمل دماغ) وهى أشهر لدى المدخنين، ويقصد بها ضبط الحالة المزاجية عند المدخن.
(إديها جاز) عبارة تقال فى مواقف المشاحنات بين الأصدقاء لزيادة حدة المشاجرة مثل (ادى الخناقة جاز علشان تولع) أو (شعللها) سواء بالكلمات أو توجيه اللوم لأحد المتشاجرين لكى يثور على الآخر.
(إيه النظام) عبارة بمعنى ما الموضوع، وقد استغلت الكلمة فى أحد إعلانات الموبايل فى نظام كروت الشحن، وتدخل فى العديد من الأحداث التى يتساءل فيها الشاب عن الأحداث الجديدة مثل (إيه النظام.. النظام فى العظام) والعبارة الأخيرة تفيد الاعتراض على الإجابة بأسلوب فى ادعاء للسذاجة.
(أليط) لفظ بمعنى المتكبر الذى يتعامل مع الآخرين بأسلوب فيه تعال أو ينظر إلى الآخرين نظرة دونية متعجرفة
ANOTHER STONE تعنى بلغتهم حجر آخر لشاربى الشيشة على المقاهى، (اتشبح) مصطلح بمعنى الضرب لدرجة التعذيب وتقال شبحته أى اعتديت عليه بالضرب المبرح، (ازبهل) لفظ يدل على الذهول الشديد ويقال (أنت مزبهل كده ليه) أى مندهش لدرجة العبط.
(احلق) وهو لفظ لا يعنى الذهاب إلى الحلاق لقص الشعر، لكنه يفيد تجاهل الغير مثل (احلق له) اى لا تفكر فيما يقول فهو لا يستحق.
(أتوبيس راجع بضهره) ويقولها الشاب على الفتاة (غير الجميلة) ولها لدى الشباب صفات أخرى مثل (زى الكرة الكفر) أو (صب حتة واحدة).
(أعلمه) ويقصد بها التشويه فى الوجه بآلة حادة مثلما فعل محمد سعد فى فيلم الناظر مع (علاء ولى الدين) أعلمك بمطوه يا أبو صلاح ده ختم الصياعة).
(انش) لفظ مختصر لاسم (انشراح الخباثة) وهى شخصية خيالية تعنى السذاجة لدرجة الهبل.
(إمبلايز) وتعنى فى الفاشوش اى أن الموضوع الذى سعيت من أجله لم يتم أو تعبت على الفاضى، وتقال (الحياة فى الأمبلايز) أى أن الحياة خربانة وفاشلة، و(أبجنى تجدنى) التى تعنى (أنا يمكن شرائى بالمال)، وغالبا ما يقولها الموظفون، (إنجز بالونجز) كل المشاكل التى تقابلها لها حل سريع مادمت تدفع المقابل، ويقولون إنها كانت نوعا من أنواع السجائر قديما، (إيه الحياة ؟) سؤال (ماذا حدث اليوم وما هو الجديد؟).
أما (الجفت) فهى كلمة تقال عند تجار الذهب، بمعنى غير الموضوع لأن هناك زبون، ويقال (روح هات الجفت وتعالى) أى اسكت (اخلع الفرد) وهى مأخوذة من لسان شاب يعمل فى مجال الأحذية وتفيد أن من نتلكم عنه قادم، (إحنا اللى بهيظنا الفهايص) عبارة يطلقها قائد شلة الفساد افتخارا بنفسه و(أنتر) وهى مأخوذة من أمر الكمبيوتر ومعنها (أنا اللى خليت الجميع يغيب عن الوعى)، ويعنى الشخص الذى لا يعيش له سر أو كاشف لأسرار الآخرين أو لديه استعداد للاستدراج فى الحديث، أنتخ = أينح) لفظ بمعنى جلس بدون هدف ينتظر الفرج حتى يأتى له.. (افتكس) كلمة تعنى القدرة على الاختراع أو التأليف فى مجالات الحياة المتعددة.. والافتكاسة تتم (بطابع العبط والاستظراف مثل: (إيه آخر افتكاساتك يا عم)؟
وتقول الدكتورة (ثريا عبدالجواد) أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: ظاهرة الشباب (السرسجية) نتيجة لحالات الفراغ التى يعانيها الشباب فى مصر فى الآونة الأخيرة، وتظهر فى كل فترة ظاهرة معينة تخص الشباب مثل ظهور الشباب السيس والشباب الفانكى وعبدة الشيطان، وتلك الظواهر تصاحبها مجموعة من السمات السلوكية على فئة من الشباب الذى يعانى فراغا ثقافيا وغيبة لرعاية الأسرة له ومتابعته، فى هذه الآونة أصبح دور الأسرة غائبا تماما عن سلوك أبنائها، كما يعانى الشباب من غياب دور الدولة لتوجيههم فى وظائف أو قنوات شرعية أو قنوات سياسية تستوعب طاقاتهم، لذلك يلجئون إلى عالم خاص بهم يشعرون فيه بالتميز والاختلاف عن الغير، وأنهم حديث الناس، وهذا يعطيه قيمة لوجودهم لكن فى الحقيقة هو شاب يواجه حالة من الفراغ النفسى وانعدام الأمن بأن مستقبله غير واضح أمامه فيذهب إلى عامل آخر يمارس فيه لغة أخرى وينشئ فيه شريعة أخرى وقيما يثبت فيها ذاته بسبب تعقد الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية فى مصر.