الأحد 11 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

البداية الصعبة.. من البورصة!

البداية الصعبة.. من البورصة!
البداية الصعبة.. من البورصة!


 
الضربة التى تعرضت لها «البورصة المصرية» بسبب الضريبة على التعاملات هى استثنائية بكل معنى الكلمة خاصة بعد الخسائر التى وصلت إلى 5,36 مليار جنيه، وهو مؤشر فى غاية الأهمية فى أن الحكومة والنظام الجديد مصر على استراتيجية القرارات الصعبة، مهما كانت فاتورتها خاصة أن قطاعات الدولة وشعبه يقف وراءها، وهذه الاستراتيجية ليست رفاهية، بل تأكيد على الضرورة القصوى لدعم الموازنة ا لجديدة بما تعانيه من عجز وصل إلى 14٪!
«عونى عبدالعزيز» رئيس شعبة الأوراق المالية بالاتحاد العام للغرف التجارية كشف لنا كواليس مشروع القانون، بأنه الثلاثاء قبل الماضى المتزامن مع ثانى أيام انتخابات رئاسة الجمهورية استدعى وزير المالية أعضاء من الجمعية المصرية للأوراق المالية وشعبة الأوراق المالية باتحاد الغرف التجارية، وأعلمهم بدون مشاورة بأن الحكومة ستتخذ حزمة من الإجراءات خلال الفترة المقبلة لسد عجز الموازنة العامة الجديدة، والذى من المتوقع أن يصل إلى 350 مليار جنيه، وتسعى لتخفيضه إلى 288 مليار جنيه، تتمثل فى فرض ضرائب ومنها إصدار قانون بفرض ضريبة بنسبة 10٪ على صافى أرباح المستثمرين الناتجة من التعاملات بالبورصة فى نهاية العام، مع ترحيل أى خسائر يحققها المستثمر لمدة 3 سنوات، أما إذا كانت النتيجة النهائية هى الخسارة فإنه لا يدفع أى ضرائب، كما سيتم فرض ضريبة 10٪ على التوزيعات، وستتولى شركة مصر للمقاصة حساب صافى ربح المتعاملين خلال العام والذى سيفرض عليه الضريبة، وسيتم إلغاء ضريبة الدمغة على التعاملات بالبورصة والمفروضة حاليا بواقع 1 فى الألف عن كل عملية بيع أو شراء تتم على الأسهم سواء حقق ربحا أم خسارة!
 
وبعد استعراض وزير المالية لقانون الضريبة اعترض الأعضاء على هذا القانون كونه سيؤثر سلبيا على مناخ الاستثمار بصفة عامة، فضلا عن كون هذا القانون لا يفرق بين الأوعية الاستثمارية المختلفة، فمن يقوم بادخار أمواله فى البنوك ويحصل على عائد بعيدا عن المخاطرة لا يتم فرض ضرائب عليه، بينما يتم فرض ضريبة على المستثمر الذى يخاطر بأمواله فى البورصة، وبعد جدل اقترح الأعضاء أن تخضع توزيعات الأرباح النقدية التي يتحصل عليها المستثمر للضريبة بعد منح حد إعفاء وإخضاع المتبقى للضريبة، وأيضا إعفاء التوزيعات المجانية من الضريبة التى يحصل مقابلها المستثمر على أسهم مجانية بدلا من النقود للتوسع فى الشركة المدرج أسهمها بالبورصة، فاستجاب الوزير لهذا المقترح، كما تم اقتراح إعفاء جزء من الأرباح الرأسمالية الخاضعة للضريبة بنسبة تعادل متوسط أسعار الفائدة على الودائع بالبنوك كمقابل لتكلفة الفرصة البديلة للمستثمر بالبورصة لو كان قام بإيداع أمواله بالبنك، لأنه يخاطر بأمواله فى التعامل بالبورصة وسيفرض عليه ضريبة، أما غيره فيضع أمواله فى البنوك ويحصل على عائد بدون مخاطرة، وبدون أن يفرض عليه ضريبة، لتشجيع المستثمر بالبورصة لجذب مدخراته إليها.
وفى اليوم التالى تسرب خبر فرض ضريبة على التعاملات بالبورصة، ففوجئنا بقيام المستثمرين بالبورصة بعمليات بيع مكثفة للأسهم، وخسرت البورصة فى 4 ساعات فقط نحو 12 مليار جنيه رأس مالها السوقى، ثم خسرت أيضا فى اليوم الذى يليه، لتبلغ خسائر البورصة خلال تعاملات يومى الأربعاء والخميس قبل الماضيين نحو 3,18 مليار جنيه، وتم تبادل الاتهامات عمن قام بتسريب خبر فرض الضريبة بعد الاجتماع مع وزير المالية، فقامت شعبة الأوراق المالية باتحاد الغرف التجارية بعقد اجتماع مع مجلس إدارة الجمعية المصرية للأوراق المالية وجمعية الاستثمار والتمويل، لمعرفة حقيقة الوضع ورأب الصدع، وتم التوصل إلى أن فرض هذه الضريبة بهذا الشكل وفى هذا التوقيت الذى يعانى فيه الاقتصاد ستكون له آثار سلبية على مناخ الاستثمار، كما تم التأكيد على أن تسرب خبر الضريبة لم يكن من الأعضاء الممثلين لأسواق الأوراق المالية الذين حضروا الاجتماع مع وزير المالية.
 
فى الأحد الماضى الذى سماه البعض مذبحة البورصة توالت الخسائر لنحو 20 مليار جنيه، ثم كسبت البورصة فى اليوم التالى نحو 2,4 مليار جنيه، ثم خسرت البورصة مرة أخرى فى اليوم الذى يليه نحو 2 مليار جنيه، لتصل خسائر البورصة حتى يوم الثلاثاء الماضى نتيجة التعاملات خلال 5 أيام فقط لنحو 36 مليار جنيه، وهذا الوضع يمثل كارثة، فتم عقد جمعية عمومية لشعبة الأوراق المالية باتحاد الغرف التجارية الثلاثاء الماضى وحضره كل المتعاملين من الشركات لمناقشة القانون، وانتهى الاجتماع إلى رفض الأعضاء الكامل لسياسة الحكومة فى فرض هذه الضريبة، وطالبوا وزير المالية بضرورة إعادة النظر فيها حفاظا على سوق الأوراق المالية لما لها من آثار سلبية على الاستثمار فى مصر.
 
وطبقا لقانون 10 لسنة 2009 الخاص بسوق المال أى بلاغ للنيابة لابد أن يحال لهيئة الرقابة المالية للتحقيق، ورفع دعاوى قضائية لعدم دستورية فرض هذه الضريبة فور نشرها فى الجريدة الرسمية، لأنها تؤدى للازدواج الضريبى لأن الأرباح التي سيأخذها حملة الأسهم والتي ستفرض عليها هذه الضريبة سبق أن خضعت لضريبة الدخل من أرباح الشركة التي طرحت هذه الأسهم، كما أن التوزيعات النقدية للمتعاملين على أسهم شركة والتى ستفرض عليها هذه الضريبة الجديدة أيضا سبق أن خضعت لضريبة الأرباح التجارية والصناعية بالشركة نفسها.
 
وعلى الجانب الآخر أشار «شريف سامى» رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية إلى أن وزير المالية قبل إعلانه عن مشروع قانون ضريبة التعاملات بالبورصة اجتمع مع أطراف سوق المال، ومحاسبين ومراجعين قانونيين للتعرف على آرائهم حوله، وتم الاجتماع معه 5 جلسات على مدى 3 أسابيع، بالإضافة إلى المكالمات التليفونية المستمرة معه، وكان صبورا فى الاستماع وحريصا على ألا يكون هناك شىء خارج عن المألوف، ووافق على إدخال بعض التعديلات والتي تم اقتراحها على مشروع القانون، حيث جعل عائد وثائق صناديق الاستثمار لا تفرض عليها ضريبة وإنما تفرض على حامل السهم، كما رفع حد الإعفاء على التوزيعات النقدية إلى 15 ألف جنيه وبعدها تحسب الضريبة بنسبة 10٪، كما تم إعفاء التوزيعات المجانية، بالإضافة إلى تخفيض الضريبة لتصبح 5٪ على صافى الأرباح الرأسمالية للتعاملات بالبورصة للمساهم الحائز على 25٪ فأكثر من رأس مال شركة ومحتفظ بالسهم لعامين على الأقل، لأنهم مساهمون استراتيجيون مباشرون وليسوا مضاربين وذلك تشجيعا للاستثمار المباشر، وبالتالى فإن هذه التعديلات سوف تعيد الهدوء للتعاملات بالبورصة، بعد حالة الذعر غير المنطقية التي انتابت المتعاملين بالبورصة الأربعاء قبل الماضى، وقيامهم بالبيع العشوائى للأسهم، مما كبّد البورصة خسائر فادحة فى أيام قليلة، عقب تسريب خبر فرض الحكومة لهذه الضريبة قبل إجراء هذه التعديلات السابقة عليه، وقبل أن يعلن وزير المالية عنها لأنه كان لايزال يتشاور مع أطراف سوق المال حول مشروع قانون هذه الضريبة.. موضحا أن الهيئة العامة للرقابة المالية لا تحقق فى تسريب الخبر للصحافة، وإنما تحقق فى تسريب معلومة للمتعاملين بالبورصة.
 
ونفي أن يكون البيع العشوائى للأسهم الذى سبب الخسائر بالبورصة لابتزاز الحكومة لتعدل عن فرض الضريبة، لأنه لا يوجد مستثمر يضحى بأمواله من أجل أن يوصل رسالة، وإنما ما حدث طبيعى، لأن المستثمرين عندما علموا بخبر فرض الضريبة أرادوا أن يتخلصوا من الأسهم ويحصلوا على الأرباح قبل فرض الضريبة وخصم 10٪ من هذه الأرباح.. لافتا إلى أن الأهم من الضريبة هو سهولة تطبيقها وتحقيق الهدف منها، وأقترح أن يكون داخل شركة مصر للمقاصة التى ستقوم بحساب صافى تعاملات المستثمرين بالبورصة خلال عام للشركات المدرجة أسهمها فى البورصة ليتم فرض الضريبة عليها، مكتب لمصلحة الضرائب بداخل الشركة، تسهيلا للمستثمرين لتذليل أى عقبات قد تواجه المتعاملين وتضطرهم للذهاب «للضرائب».
 
طارق عبدالبارى العضو المنتدب لشركة مصر للمقاصة قال لنا: إن الشركة جهة تنفيذية مسئولة عن تنفيذ القوانين التى تصدرها الدولة، وفى حالة إصدار قانون الضريبة على التعاملات بالبورصة وجعل الشركة هى المسئولة عن حساب صافى الأرباح للمتعاملين ليفرض عليها الضريبة، فإن ذلك شىء يسير يمكن أن تقوم به الشركة بدقة، لأن لديها بالفعل البيانات الخاصة بكل مستثمر بالبورصة وقيمة ما لديه من استثمارات وسعر شراء كل سهم وسعر بيعه وتاريخ كل سهم يتم تداوله بالبورصة.
 
مشيرا إلى أن آلية تطبيق الضريبة غير واضحة بعد، وهل سيتم حساب الضريبة على صافى الربح الناتج من الفرق فى التعامل على الأسهم بين سعر الشراء والبيع، أم سيتم إضافة باقى المصروفات مثل عمولة شركات السمسرة ومصاريف الحفظ المركزى والبورصة والمقاصة وخدمة هيئة سوق المال على سعر الشراء كتكلفة إجمالية ومقارنتها بسعر البيع لينتج صافى الربح الخاضع للضريبة، والطبيعى أنه بعد صدوره يتبعه صدور اللائحة التنفيذية له والتي توضح آلية تطبيقه.. مطالبا بإعادة النظر فى المقترح الخاص بإنشاء مكتب لمصلحة الضرائب داخل شركة مصر للمقاصة، تسهيلا للمستثمرين بالبورصة كما يقولون، والانتظار حتى صدور القانون ولائحته التنفيذية، لأن الشركة إذا طلب منها حساب صافى أرباح التعاملات بالبورصة للمستثمرين، فإنها ستقدم شهادة معتمدة منها لمصلحة الضرائب، وذلك خدمة للمستثمرين بالبورصة، ولن يقوم كل عميل بالبورصة بحساب تعاملاته بنفسه وحساب كل فاتورة بيع وشراء للسهم، والذهاب بذلك لمكتب محاسب قانونى ليعد له الإقرار الضريبى واعتماده، ثم يذهب به إلى مصلحة الضرائب.
 
وأكد هشام شلبى الخبير فى أسواق المال أن هذه الضريبة يجب تطبيقها من أول يوليو القادم، فالدولة تعمل على إجراء إصلاحات ضريبية مع تخفيض للدعم ليصل العجز إلى 288 مليار جنيه، بنسبة تصل إلى 12٪ من الناتج القومى، خاصة أن الوقت ملائم الآن لتطبيق هذه الضريبة بعد انتخاب المشير السيسى رئيسا للجمهورية، مما يعنى أن البلد يتجه للاستقرار، وتطبيقها يدلل على هذا الاستقرار.. محذرا حكومة إبراهيم محلب الحالية من الانصياع لابتزازات أصحاب المصالح والذين قاموا بالبيع العشوائى للأسهم لتقل قيمتها وتتكبد البورصة خسائر فادحة، كما حدث فى الأيام الماضية، لتصدير فكرة أن البورصة تنهار والاستثمار فى مصر فى خطر، فتتراجع الحكومة عن تطبيق الضريبة كما حدث بالعهود السابقة، ففى عهد يوسف بطرس غالى وزير المالية أيام مبارك تمت المطالبة بتطبيق هذه الضريبة، ولكن أصحاب المصالح الذين لا يعنيهم إلا زيادة أرباحهم بغض النظر عن مصلحة الدولة والمجتمع الذى يعيشون فيه فعلوا نفس ما يفعله أصحاب المصالح اليوم، فانصاع يوسف بطرس لهم ولم ينفذ الضريبة، كما تم اقتراح تطبيق نفس الضريبة من سمير رضوان وزير المالية أيام حكم المجبس العسكرى بعد ثورة 25 يناير 2011ولكن عصام شرف رئيس الوزراء وقتها خذله ولم يطبقها.. لافتا إلى أن 70٪ من المتعاملين فى البورصة مضاربون، بمعنى أنهم دخلوا السوق ويقومون بعملية شراء وبيع على سهم أو مجموعة أسهم، وهم يجلسون أمام شاشة أسعار الأسهم، ويحققون أرباحا بدون أى عمل فعلى وبدون أى مجهود يبذلونه، ثم يخرجون من السوق، لذلك لا يريدون أن يدفعوا أى ضرائب، أما النسبة الباقية من المتعاملين بالبورصة فهم المستثمرون المباشرون وهم أصحاب المحافظ الذين يحتفظون بالأسهم لمدة ويساهمون فى تمويل المشروعات والشركات التي تطرح أسهمها بالبورصة.
 
الخسائر التى حدثت بالبورصة لابتزاز الحكومة لتتراجع عن قرار تطبيقها، ما هى إلا خسارة على شاشة البورصة فقط، أما الارتفاعات والانخفاضات لأسعار الأسهم فى البورصة فهى نتاج عمليات تداول، وبالتالى فإن ما يحدث بالبورصة هو عمليات تجارية تدخل ضمن الاقتصاد الرمزى ولا تؤثر على الاقتصاد الحقيقى.. مهاجما الذين يملأون الدنيا صخبا لرفض الضريبة بحجة أنها طاردة للاستثمار الأجنبى والعربى، مع أن الحقيقة أنها قد تكون جاذبة للاستثمار، لأن غالبية الدول الرأسمالية والمتقدمة والعديد من الدول النامية تفرض ضرائب على المكاسب الرأسمالية فى البورصة بمعدلات متفاوتة كلها أعلى من المعدل الذى ستفرضه مصر، فمثلا تفرض هذه الضريبة فى أمريكا بنسبة 8,50٪ تقريبا، وفى إيطاليا بنسبة 8,59٪، وفى الهند بنسبة 2,33٪، وفى الصين بنسبة 25٪، ومصر بينها وبين عدد من دول العالم اتفاقيات لمنع الازدواج الضريبى، والمستثمر الأجنبى الذى يحقق أرباحا فى مصر نتيجة تعاملاته فى البورصة ولا يدفع ضريبة عن هذه الأرباح فى مصر فإنه سيضطر أن يدفعها فى بلده وبنسبة أعلى، إلا أنه من مصلحته أن يدفعها فى مصر بالمعدل الأقل المزمع تطبيقه وهو 10٪، وبالتالى فإنه لن يدفعها فى بلده بالنسبة العالية المطبقة هناك طبقا لاتفاقية منع الازدواج الضريبى.