الثلاثاء 17 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (8) نصيحة أمريكية للعرب..   بأن يعطوا لنتنياهو الفرصة!

استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (8) نصيحة أمريكية للعرب.. بأن يعطوا لنتنياهو الفرصة!

«ألتزم (ربما أكثر من غيرى) بمنطق «قل كلمتك وامش»، ولى فى ذلك أسباب.. مقدمة الأسباب أننى أنتمى إلى منهج فى العمل الصحفى هو أقرب إلى «التقرير الإخبارى»: بمعنى  التمهيد لأى موضوع بالوقائع الرئيسية فيه والمستجدة عليه، ثم يتبع ذلك طرح الأفكار الرئيسية المحيطة بهذا الموضوع، وفى الآخر يجىء الدور على استخلاص المعانى والدلالات، وهكذا فهو بالتسلسل المنطقى:



- وقائع أى خبر أكيد وموثق قدر ما هو ممكن.

- تحليل للخبر دقيق وواضح قدر ما هو متاح.

- وفى النهاية تعليق صحيح ومسئول قدر ما هو مستطاع.

 الأستاذ وأنا

تطابق منهجنا فى الصحافة، فالتقيت مهنيًا مع أفكار الأستاذ محمد حسنين هيكل فى هذه المساحة الحرة نتجادل فكريًا ونتحاور سياسيًا و«بصراحة»، كعنوان مقاله الشهير فى جريدة «الأهرام» عندما كان رئيسًا لتحريرها وصانعًا لمجدها الصحفى وراعيًا لقيمة الصحافة.

وقد وصف الأستاذ منهجه الصحفى وصفًا تفصيليًا دقيقًا، مما جعل سطوره السابقة درسًا فارقًا للمشتغلين بالمهنة، نقلته نصًا وأحيل المهتمين إلى كتابه «عام من الأزمات» كى يستكملوا بقية فصول الدرس، والتى أراها مدخلاً مثاليًا لقراءة ما يجرى فى عالمنا العربى خلال الأيام الأخيرة، والتى دفعت بالمنطقة كلها إلى حافة الهاوية.

 بطل من ورق

كانت الزيارة الميمونة التى قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى أمريكا وخطبته العصماء أمام الكونجرس الأمريكى هى ساعة الصفر للتصعيد، تبعها ما جرى فى «مجدل شمس» بالجولان السورية المحتلة، تلك الحادثة اللغز التى ألصقتها إسرائيل بحزب الله، فيما نفى الأخير قيامه بها، واستغلها نتنياهو وحكومته وجيشه فى استنفار دولته وشحن حلفائه الغربيين لتقبل رده الانتقامى، مهما كان قسوته، والذى لن يتوقف عند حدود اغتيال فؤاد شكر القيادى بحزب الله فى بيروت، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى طهران، لأن اغتيالهما هو إعلان للحرب الشاملة فى الشرق الأوسط، وتتويج لنتنياهو الذى يروج لنفسه غربيًا كبطل يحارب إرهاب إيران.

 مهنية هيكل

واتساقًا مع مهنية هيكل وتعاليمه الصحفية التى أشرت إليها، دعنى أبدأ من حيث يخشى الآخرون، وأطرح رأيًا قد يخالفنى فيه البعض، هل أخطأت حماس فى طوفانها؟، وأجيب بإيجاز مباشر.. نعم أخطأت حماس خطأ لا يغتفر.. خطأ سيكون ثمنه ضياع غزة والضفة الغربية وتصفية القضية، وهو ثمن لن يقدر الشعب الفلسطينى على تحمله، أما الحركة فستدفع الثمن الأغلى بعد أن أصدر نتنياهو شهادة وفاتها وذيّلها بتوقيعه.

وننتقل إلى الملف اللبنانى، وفى مقالات سابقة أشرت إلى عدم جدوى ما يقوم به حزب الله من عمليات فى الشمال الإسرائيلى بدعوى دعم المقاومة الفلسطينية فى غزة، وتحت شعار «وحدة الساحات»، فلا المقاومة استفادت ولا الشعب الفلسطينى تم إنقاذه، وكانت عمليات الحزب سببًا فى أن تتسع دائرة الضحايا بدخول لبنان وشعبها إلى دائرة العذاب والألم، حتى وصلنا إلى نقطة اللاعودة ومنح الحزب لإسرائيل شرعية القضاء عليه، وفق ما تمنته حكومات إسرائيلية سابقة، ومهما طالت العمليات فإن قرار الحرب فى لبنان قادم وتدمير قدرات حزب الله هو ضمن أهداف نتنياهو، حتى لو كان الثمن اجتياحًا عسكريًا كاملاً لبنان مثلما حدث عام 1982.

 عفريت الشرق الأوسط

وما زال العالم رغم كل ما جرى، يطارد وهمًا اسمه «هدنة غزة» ووقف القتال فيها، وفى عالمنا العربى الطيب لا تزال بعض الأصوات تحدثنا بخجل عن السلام وحل الدولتين، فيما يتلاعب نتنياهو بالجميع ليطيل أمد الحرب بلا شروط وبلا نتيجة حاسمة، يخطط لمستقبل غزة وفق رؤيته، ليحرم الشرق الأوسط من أى استقرار محتمل.

وأعود للأستاذ هيكل وكتابه «سلام الأوهام»، وأنقل من ملحق أضيف للكتاب فى طبعته العربية، وهو ملخص مهم جدًا، أنصح بقراءته خاصة هذه الأيام، فهو يرصد بالتحليل الدقيق ملامح بداية الرحلة التى أوصلتنا إلى اليوم «الحالى» وتبشرنا أيضًا بـ«التالى»، حيث يقول: «ما يلقى بظله الآن على الشرق الأوسط ليس عفريتًا أفلت فجأة من قمقمه وإنما هو ظاهرة طبيعية على أرض وتضاريس مهيئة وجاهزة وفى جو ومناخ يسمح ويفتح. وحسب ما أظن فإن البداية كانت إعلان أوسلو سنة 1993، ثم ما زاد عليه من اتفاقات تلته فى القاهرة وفى واشنطن وكلها اتفاقات أقبلت عليها الأطراف المشاركة فى صنعها ولكل منها أسبابه وأسلوبه».

 الفرصة مع نتنياهو!

«إن العرب فوجئوا تمامًا بما كان عليهم أن يقرأوه فى الساحة الإسرائيلية والتحركات بعيدة المدى التى جرت عليها. وعندما وصلت مخاوف العرب إلى الإدارة الأمريكية الغارقة فى مشاكلها، كان الرد عليها من الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته هو النصيحة بعدم التسرع فى الحكم على (نتنياهو)، وأن يعطوا الرجل فرصة، وتناست الإدارة الأمريكية أنها هى التى كانت تحذر العرب من أسوأ الاحتمالات إذا نجح نتنياهو، والمدهش أن بعض العرب رددوا نفس الكلام فيما بعد».

ربما ستندهش عزيزى القارئ أن السطور السابقة يحكى فيها الأستاذ عن بنيامين نتنياهو عندما شغل منصب رئيس وزراء بلاده سنة 1996 للمرة الأولى بعد شهور قليلة من اغتيال إسحق رابين، وكان الأستاذ سيندهش إن كان حيًا بيننا اليوم من أن العرب لا يزالون ملتزمين بالنصيحة الأمريكية، فالواقع العربى كما وصفه هيكل، رحمه الله ولا يزال الوصف صالحًا حتى اليوم: «محكومًا بالماضى أكثر من المستقبل»، «متأثرًا بالنزعات الضيقة للأنظمة أكثر من تأثره برؤى أكثر اتساعًا وعمقًا لنظام عربى له مقوماته».

 رسالة أبو عمار من قبره

يروى الأستاذ القصة كاملة، قصة السلام الزائف وأوهامه، والتى قادتنا بعد 30 عامًا من انطلاق قطار أوسلو إلى النهاية المرة، والمدهش أن الراحل ياسر عرفات -بطل أوسلو- كان مدركًا لهذه النهاية، وكتبها بقلمه فى مستهل مشواره النضالى كما ذكر هيكل فى كتابه، عندما أشار فى أول فصوله إلى نص بيان عرفات بعد أن ترأس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية فى ديسمبر سنة 1967، والذى علق عليه هيكل بـ«أنه كان يتنبأ بالمستقبل»، وقد جاء فيه: «تسعى الحركة الصهيونية والاستعمار وأداتهما إسرائيل إلى تثبيت العدوان الصهيونى على فلسطين – بإقامة كيان فلسطينى فى الأراضى المحتلة بعد 5 يونيو- كيان يقوم على إعطاء الشرعية والديمومة لدولة إسرائيل، الأمر الذى يتناقض كليًا مع حق الشعب الفلسطينى فى كامل وطنه فلسطين. إن مثل هذا الكيان المزيف هو فى حقيقة حاله مستعمرة إسرائيلية، يصفى القضية الفلسطينية تصفية نهائية لمصلحة إسرائيل. وهو فى الوقت نفسه مرحلة مؤقتة لتتمكن فيها الصهيونية من تفريغ الأراضى الفلسطينية المحتلة من السكان العرب تمهيدًا لدمجها دمجًا كاملاً فى الكيان الإسرائيلى. هذا بالإضافة إلى خلق إدارة عربية عميلة فى الأراضى المحتلة تستند إليها إسرائيل فى التصدى للثورة الفلسطينية».

لقد كان السلام أملاً صادقًا لدى أطراف عدة فى أمتنا العربية، دشن مساره الأول الرئيس السادات، واستوعبه بعد بسنوات حكام آخرون فأدركوا أهميته وجدواه، لكن بعد كل ما رأيناه من إسرائيل وجيشها وحكومتها، وهيمنة المتطرفين فيها على السلطة، وتصدرهم المشهد وعدائهم للسلام ورفضهم لقيام دولة فلسطينية، فإنه أصبح واضحًا للجميع أن إسرائيل لا تعترف إلا بالقوة ولا تفاهم معها إلا بالحرب.

لكن متى وكيف؟، هذا هو ما يستحق منا البحث والاجتهاد، وأولى خطواته؛ ميلاد جديد للمقاومة الفلسطينية الوطنية.