الأربعاء 23 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حضور قوى للقضية الفلسطينية فى جلسات المؤتمر ودعوات باستمرار الدفاع عنها مؤتمر الإفتاء الدولى التاسع رسالة أخلاقية للعالــــم

رسائل مهمة حملها المؤتمر الدولى التاسع لدار الإفتاء المصرية تحت مظلة دور وهيئات الإفتاء فى العالم برئاسة د. شوقى علام مفتى الجمهورية كان على رأسها استعادة البناء الأخلاقى الإنسانى، وأهمية دور الفتوى فى تأصيل الأخلاق والقيم، المؤتمر الذى عقد على مدار يومى 29 و30 يوليو فى القاهرة برعاية كريمة من الرئيس عبدالفتاح السيسى لاقى ترحيبًا دوليًا بأهمية التكاتف الدولى  فى استعادة القيم الأخلاقية.



الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، عبر فى بداية المؤتمر عن أنَّ مصر كانت -ولا زالت- قائدة رائدة على مر العصور، خاصة فى عصر الرئيس عبدالفتاح السِّيسى، الذى بذل -وما زال- يبذل كلَّ الجهود لدعم المؤسسات الدينية، وفى مقدِّمتها دار الإفتاء المصرية، حيث قدَّم لها كلَّ أنواع الدعم الماديِّ والمعنويِّ الذى ساعدها لتخطو خطوات جادَّة فى تجديد الخطاب الإفتائيِّ وجمع المؤسسات والهيئات الإفتائية على كلمة سواء. 

 

 

 

وأضاف أننا أمام أزمات تعصف بمحيطنا الإقليمى والدولى، وصارت الأزمات التى تلاحق الجنس البشريَّ تضعنا فى موضع المسئولية للحفاظ على المجتمع الإنسانيّ من التدهور والدخول فى منحدر أخلاقيّ يفقد به الإنسان قيمته الوجودية فى هذه الحياة.

وتابع المفتي: إن ما نراه واضحًا فى تلك المحاولات العديدة لتفكيك البناء الأخلاقى المستقرِّ الذى يستند إلى الأديان وإلى حفظ مقاصد الاجتماع البشريّ؛ كان دافعًا لعقد هذا المؤتمر تحت عنوان «الفتوى والبناء الأخلاقى فى عالم متسارع» بغرض البحث والتّواصل بين دور الإفتاء ومؤسّسات الفتوى حول الدَّور الفعَّال الذى يمكن أن تقوم به فى دعم المنظومة الأخلاقية، وما يمكن أن تساهم به الفتوى فى ترسيخ المبادئ والقيم الإنسانيّة المشتركة، ودورها فى مواجهة التّحديات الأخلاقية التى بات التعامل معها ضرورة إنسانية، فى ظلّ الصراعات والأزمات التى يعيشها العالم، وفى ظلّ ذلك السّعى الحثيث لتحييد العنصر القيميّ والأخلاقى فى خضمّ ذلك التّطوّر المتسارع والمتلاحق.

وأكد فضيلة المفتى أنه لا بدّ من الاعتراف أنّنا أمام أزمة أخلاقية ونفسية وروحية، صنعتها محاولات الهيمنة والسيطرة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، التى يقوم بها من يريدون إخضاع العالم لنموذج أحاديّ، تغيب عنه الرؤية الأخلاقية، وتتحكّم فيه نظرة ماديّة تركت فراغًا روحيًّا عميقًا فى النفوس، أدَّى إلى وجود نزعتى التّطرّف والانحلال.

ولفت إلى أنه فى ظل غياب الوعى والضمير الإنسانى الأخلاقى فى منع الصراعات، ووقف الاحتلال العسكريّ الغاشم الذى يمارس الإبادة ضدّ المدنييّن فى فلسطين وغيرها من دول العالم، نتحمّل مسئولية كبرى تفرض علينا توظيف العمل الإفتائيّ فى ترسيخ منظومة القيم والأخلاق الدينية والإنسانية للخروج من هذه الأزمة، وهو ما نأمله من هذا المؤتمر الذى يضمّ نخبة من العلماء والمؤسسات الدّينيّة المؤثّرة.

 حضور أزهرى بارز 

ولقد كان حضور الأزهر بارزًا فى مؤتمر الإفتاء الدولى التاسع لدور وهيئات الفتوى فى العالم حيث  نقل د. محمد الضوينى، وكيل الأزهر الشريف، كلمةَ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب  التى أكدت على أهمية قيام الفتوى بدَورها الحيوى فى حياة الناس فى ظلِّ زمن صعب تجرى فيه انتهاكات حقوق الإنسان بلا هوادة، وانتهاك القيم الأخلاقية والفطرة البشرية، والتجرؤ على الفتوى الصحيحة، وانتشار دعاوى تسعى لتمييع الدين أو تنشد التطرف والإرهاب.

 

 

 

وأبدى شيخ الأزهر الدعم الكامل لأشقائنا الفلسطينيين وهم يقفون فى وجه الآلة الصهيونية المتغطرسة، وتأكيده أنَّ استهداف المدنيين جريمة ووصمة عار على جبين البشرية يسجلها التاريخ. 

ولفت وكيل الأزهر إلى أن ما يشهده المجتمع الدولى من تفكك واضطراب فى نواته الصلبة، وهى الأسرة، يكفى دليلًا على أهمية تضمين البعد الأخلاقى التوجيهى فى الفتوى، مشيرًا إلى الأصوات المنكرة التى ما زالت تنادى إلى إعلاء علاقات الشذوذ باسم الحرية، متناقضين مع ناموس الكون الذى خلق الله فيه كل شيء ذكرًا وأنثى، وما ينفق من أموال طائلة لإنتاج أدوات تدمير الشعوب من أسلحة ومخدرات ورعاية جماعات تخريبية، تعمل على إشعال الحروب، وتجذير الخلافات، والعبث بالهويات والخصوصيات، وكانت هذه الأموال كافية لمحاربة الفقر والجهل والمرض، وما يجرى حولنا من تلاعب وعبث ومقامرة بالمجتمعات وأحلام أهلها، دون شعور بوخز من ضمير حى يتألم لمشاهد القتلى والجرحى والثكلى والمهجرين والنازحين.

وأشار وكيل الأزهر إلى أنه قد يكفينا شر هذا الواقع أن تلتزم المنظمات الدولية بما تعلنه فى مواثيقها ولوائحها، مستنكرًا كون هذه المواثيق واللوائح والمعاهدات لا تعرف الطريق إلى بعض المجتمعات، كما أن القائمين على حراستها يمنحون الأمن والسلام والرخاء من يشاءون، ويمنعونه عمن يشاءون.

 

 

 

 الفتوى والأخلاق المحمدية 

من جهته لفت د. أسامة الأزهرى وزير الأوقاف إلى أن السنة المحمدية تركت لنا ميراثًا عظيمًا من الأخلاق والقيم وقال: إن من عجائب الأخلاق المحمدية على المستوى الأممى والقومى والإنسانى تتمثل فى العدالة والإنصاف والإحسان والتنسيق والتعاون واحترام حقوق الإنسان بل حقوق الأكوان واحترام المواثيق والوفاء بالعهد ومحاربة الفقر والجوع وإطفاء نيران الحروب والفتن وإطفاء فلسفة الصراع والصدام بين الحضارات والانتقال منها إلى تعارف الحضارات (لتعارفوا) وفى إطعام الطعام حتى لا يبقى على وجه الأرض جائع وفى إفشاء السلام حتى لا نضع على الأرض حربًا مشتعلة وفى صلة الأرحام لأن الثمانية مليارات إنسان على ظهر الأرض جميعًا هم أبناء آدم فبينهم رحم يجب أن توصل) داعيًا كافة القيادات الدينية فى العالم إلى حملة توعية شاملة تتعامل مع الأزمات بمنتهى الرقى اللائق بقيم وأخلاق الأنبياء الكرام.

كما كانت القضية الفلسطينية حاضرة فى مؤتمر الإفتاء باعتبارها أكبر مثال عالمى على انهيار البناء الأخلاقى والإنسانى وهو ما عبر عنه د. أسامة الأزهرى وزير الأوقاف فى كلمته حيث قال: «إن القضية الفلسطينية ستظل قضيتنا الكبرى، وسنظل هنا فى مصر داعمين لأشقائنا فى فلسطين، وفى حقهم فى الحياة، وفى رفض كل صور الظلم والقهر لهم ونؤكد على ثوابت الدولة المصرية تحت قيادة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى دفع الظلم والعدوان عن أشقائنا فى فلسطين عمومًا وفى غزة خصوصًا وفى حق أشقائنا الفلسطينيين فى إقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وكما ننادى بالبناء الأخلاقى فى الفتوى فإننا ننادى بالبناء الأخلاقى فى السياسة الدولية وننادى باحترام كافة المواثيق الدولية القاضية باحترام حق الشعوب فى تقرير مصيرهم وفى حق شعبنا الفلسطينى فى بناء دولته».

فيما أكد د. محمود الهباش مستشار الرئيس الفلسطينى أن فلسطين بخير رغم كل الجراح التى تعانى منها، وهى تجود بدمها من أجل أمة الإسلام، وشدد على أنه لولا مصر وموقفها فى بداية العدوان الإسرائيلى لكان الاحتلال نجح فى إفراغ قطاع غزة، لكن موقف مصر بقيادة الرئيس السيسى أفشل مؤامرة الاحتلال، وقال: «شكرًا لمصر وشكرًا لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى وشكرًا لمصر التى ندخلها آمنين نستمد منها الصمود».

وقال الهباش: «فلسطين التى شربت أرضها طوفانًا من دماء المجاهدين ليستعيدوا فلسطين ويحرروها من الرومان.. هذه فلسطين التى يعرفها التاريخ رأيتها فى كلمات من وقفوا فى مؤتمر الإفتاء الدولى التاسع ليقولوا إن فلسطين لنا ولن تكون إلا لنا فلسطين من الأمة وستظل للأمة رغم الدماء والآلام ورغم القصف والعدوان والضحايا».

وأوضح أن فلسطين تنتفض اليوم وينتفض من أجلها العالم، فمحكمة العدل الدولية أصدرت قرارها فى 19 يوليو بأن الاحتلال الإسرائيلى عدوان مخالف للأعراف الدولية، صدقونى إن فلسطين تنتصر والاحتلال ينهزم وسينهزم أكثر، وفلسطين تتقدم والاحتلال يتقهقر.

ولفت إلى أن الأمة كلها تقف على قلب رجل واحد خلف فلسطين وخلف حقوقها وأبنائها، والتى تجود بدمها من أجل القدس والمسجد الأقصى وكنيسة المهد ومن أجل العهدة العمرية التى رسخت مبادئ التسامح. 

 

 

 

وقال الهباش: «نحن متسامحون مع من يتسامح معنا وأشداء على الكفار الذين لا يتسامحون معنا أو مع غيرنا، موضحًا أن مؤتمر الإفتاء الدولى التاسع مثل نقطة مضيئة أخرى من أجل مصر».

فيما دعا مفتى القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، إلى أن يكون صوت الساسة ورجال الدين والمفكرين عاليًا أمام ما يحدث من استباحة للمسجد الأقصى المبارك والأبرياء المرابطين فوق كل ذرة من تراب فلسطين الطاهر، وهم يعانون القتل والتشريد والإبادة، على مرأى ومسمع من العالم كله.

وأضاف : لقد اتَّفقت الإنسانية على قيم الأخلاق، لكنها فضيلة غائبة فى وقت يظلم الإنسان فيه أخاه الإنسان، ورحم الله الإمام على كرم الله وجهه القائل: الناس صنفان؛ إمَّا أخ لك فى الدين، وإما أخ لك فى الإنسانية.

وأكد مفتى القدس أن عالمنا غلبت عليه القسوة وذهبت حقوق الإنسان جراء الحيف والميل عن الأخلاق بعيدًا عن المبادئ السليمة التى تحافظ على الإنسان وكرامته.

بينما يؤكد الدكتور أحمد الحسنات، مفتى المملكة الأردنية الهاشمية أن ما نشهده اليوم على أرض غزة يمثل واقعًا عمليًّا على هذا الانحدار الأخلاقى الذى تتبناه جهات متطرفة وتسخر فى سبيله جميع الوسائل العسكرية والسياسية والدبلوماسية فى سبيل ترسيخ مفاهيم العنصرية الدينية، أو من أجل مصالح سياسية شخصية، وقد بلغ هذا التطرف ذروته بما شهدناه من استدعاء النصوص الدينية، لنفى صفة الإنسانية والبشرية عن الآخرين.

وأوضح أن رسالة الإسلام ركزت على تعزيز القيم الأخلاقية فى المجتمع، وأن الأحكام الشرعية تهدف إلى ترسيخ مفهوم الأخلاق المشتركة بين جميع الأمم والعيش على أساس الكرامة الإنسانية، مشيرًا إلى أن الفتوى تلعب دورًا مهمًّا فى حفظ الأمن الاجتماعى.

وشدد مفتى الأردن على ضرورة التنسيق والتكامل بين المؤسسات الإفتائية والقادة الدينيين لبناء إنسانى مبنى على القيم الأخلاقية، مشيرًا إلى أن التعاون والتكامل بين المؤسسات الإفتائية يساهم فى تحقيق الأمن الاجتماعى والحفاظ على البناء الإنسانى.

 عولمة الأخلاق 

رابطة العالم الإسلامى عبرت من خلال كلمة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الزيد، نائب الأمين العالم لرابطة العالم الإسلامى، عن أهمية المؤتمر الدولى التاسع للإفتاء المصرية وقال: إذا تأملنا فى أبعاد الفتوى وأهدافها وجدناها تتصل بمنظومة القيم فى الإسلام اتصالًا وثيقًا، وأحكام الشرع التى تهدف إلى بناء التكامل والتوازن، وتنمى فيه النظرة الإيجابية والتعاطى معه لبناء الإنسان الصالح، ولا شكَّ أن تلك الرسالة الأخلاقية حاضرة فى اهتمام المفتين للمحافظة عليها والنهوض بالأمة على أساسها. 

 

 

 

واستطرد: نحن أمام بحثٍ عن سُبل عولمة الأخلاق والقيم الإنسانية وإعادة دَورها فى المجتمعات، والتوعية بها؛ نظرًا للحاجة إليها، والعمل على صياغة ميثاق عالمى للأخلاق لمواجهة القيم المادية التى طغت على العالم المعاصر، وأن نسابق النشاط الإلحادى الذى يسعى إلى تقليص الإنسان من الدين. وفى ختام كلمته أكد أن الدين هو منبع الأمان النفسى والقيم الخلقية، وأن رابطة العالم الإسلامى تدرك أهمية الدين لتحقيق الأمن والسلام، ومن ثَمَّ سعت إلى إيجاد إطار من الشراكة مع مختلف الأديان من أجل سلام البشرية.

 الأخلاق والفتوى المعاصرة 

من جانبه أكد الدكتور عمر حبتور الدرعى رئيس الهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات: أن السياق العام يتسم بـ«السرعة والعالمية» وشبكة كبيرة من التحديات التى تحتاج إلى السعى الدؤوب لمواجهتها.

 وتساءل الدرعى عن دور الأخلاقيات فى فن الفتوى المعاصرة، مجيبًا بأنهما لا تنفصلان، فـ«الشريعة كلها إنما هى تخلُّق بمكارم الأخلاق»، ومن هنا فوظيفة المؤسسة الإفتائية كانت دائمًا تهدُف لترسيخ الأخلاق وتعزيز القيم الإنسانية، وهى بحاجة إلى تكاتف الموقف الدينى والأخلاقى والقانونى، سواء فى مجال الطب والأسرة، أم الاقتصاد والتقنية، والمسائل الإنسانية كمسائل الاستنساخ والقتل الرحيم والأجنة والحمل خارج الرحم، ومسؤولية الروبوتات، والأغذية المستنبتة، وزراعة الأعضاء.

 ثم تساءل الدرعى عن سؤال الراهنية، وما تحمله التطورات المعاصرة من مستجدات، قائلًا: لقد أصبحت آفاق الفتوى أرحب، والمقاربات الإفتائية التقليدية باتت من الماضى، وواجبنا أن نجعل من أولوياتنا فهم واقعنا الراهن والخروج من أوهام التصورات المغلوطة، والأخذ بوصية سيد الخلق صلى الله عليه وسلم «بأن لا نحجِّر واسعًا» فالحقائق يصعب إنكارها، وها هى تطورات الاختلاط بين الثقافات والذكاء الاصطناعى، والعوالم الرقمية، تحمل أسئلة مُلحَّة أخلاقية وشرعية واجتماعية.

 

 

 

من جانبه قال الشيخ أرون بون شوم، شيخ الإسلام فى تايلاند: إن الدولة المصرية لها فضل عظيم، ودور كبير ورائد فى العالم الإسلامى قديمًا وحديثًا فى نشر الإسلام، وعزته، وكرامته، وتسامحه، إلى بقاع الأرض، فالجميع يعترف بما قدمته هذه الدولة لأمة الإسلام من إشعاعات النور المحمدى التى أضاءت جميع بلدان العالم.

 رؤية المفتين 

ولم تكن رؤية مفتيى العالم الإسلامى مخالفة لرسالة مؤتمر الإفتاء حول أهمية البناء الأخلاقى والقيمى ودور الفتوى فى دعمه، حيث أكد الدكتور ناظر الدين محمد، مفتى سنغافورة أن العالم اليوم يعانى من تدهور أخلاقى ملحوظ، رغم التقدم المادى والتكنولوجى، مشيرًا إلى أن هذا التقدم لم يترجم إلى تحسن فى القيم الأخلاقية. واستشهد بأرقام مؤشرات السلام العالمى التى تبرز تفاقم النزاعات المسلحة وارتفاع عدد اللاجئين والنازحين، حيث يوجد حاليًّا 110 ملايين شخص فى وضع اللجوء أو النزوح، و56 نزاعًا مسلحًا عالميًّا، وهو أعلى عدد منذ الحرب العالمية الثانية.

وأوضح أن القضايا السياسية والاقتصادية التى تواجه العالم اليوم يمكن فهمها كأزمات أخلاقية فى جوهرها، محذرًا من أن انهيار القيم الأخلاقية قد يؤدى إلى الفوضى والاضطراب. 

من جهته أكد مفتى ماليزيا الدكتور لقمان بن عبدالله، أن توحيد الجهود فى إصدار الفتاوى الرشيدة أصبح ضرورة ملحة لمواجهة الخلافات والتوترات، موضحًا أن الفتوى الرشيدة لا تقتصر على تقديم الأحكام الشرعية، بل تلعب دورًا أساسيًا فى تعزيز السلم والأمن الدولى، من خلال تقديم حلول مدروسة تسهم فى تهدئة الصراعات وإخماد نيران النزاعات.

وأضاف مفتى ماليزيا أن الفتوى الرشيدة تتطلب ضوابط دقيقة لضمان تحقيق العدالة والوقاية من النزاعات. يجب أن تستند الفتاوى إلى معايير واضحة ومقاصد أصيلة تتناسب مع الزمان والمكان، وأن يكون هناك تنسيق مستمر بين لجان الفتوى على المستويات الوطنية والدولية.

وشدد الدكتور لقمان على أهمية التعاون بين العلماء والمؤسسات العالمية لضمان فعالية الفتوى الرشيدة فى معالجة النزاعات وتعزيز السلام العالمى، وضرورة تكاتف الجهود لتطوير استراتيجيات فعالة تسهم فى بناء عالم أكثر تسامحًا وتعاونًا.

كما أوضح الشيخ عزيز حسنوفيتش، رئيس المشيخة الإسلامية فى كرواتيا: «إن عصرنا الحاضر يتميز بسمة التطورات المتسارعة التى اجتاحت جميع ميادين الحياة المختلفة مما أدى إلى وجود نوع من الخلل فى البناء الأخلاقى وظهور العديد من التحديات التى تعود إلى التأثر بالمتغيرات العالمية الناتجة عن التقدم المتسارع الذى أحدثته ثورة المعلومات فى أكثر مناحى الحياة». وشدد على أن من أخطر ما يواجهه البناء الأخلاقى اليوم الادعاء بأن الأخلاق الإسلامية لا تصلح للتطبيق فى الوقت المعاصر لبعد الناس عنه وأن منهج الغرب فى الأخلاق أنسب لأنه يقوم على المنفعة الذاتية للأفراد وأن هذا ما يهم الناس اليوم، والخطر الأكبر فى فساد الأخلاق العامة حيث نشهد ازدواجية المعايير وغياب العدالة الدولية والهيمنة وانتشار الفقر والجوع والصراعات المسلحة والتطرف، وقد نبه القرآن على أن فساد الأخلاق كان سببًا لانهيار الأمم.

وأكد مفتى كرواتيا: إن من أدل الأدلة على فساد الأخلاق العامة وانهيار القيم الإنسانية فى العالم ما يحدث فى أرض فلسطين اليوم من قتل الأبرياء والدمار ومعاناة الجوع والعطش والأمراض يعيشها أهل غزة، وأؤكد على جميع المشاركين أن لا ننساهم فى كلماتنا ومداخلاتنا فى هذا المؤتمر المبارك، وأشار إلى أن المؤسسات الدينية عامة والإفتائية خاصة فى مواجهة تحديات البناء الأخلاقى من أكثر الجهات استعدادًا لقوة تأثيرها فى المجتمعات مما يؤكد على دورها ومسئوليتها.

 المنظومة الفقهية والأخلاقية 

من جهته طالب الدكتور محمد البشارى، الأمين العام للمجلس العالمى للمجتمعات المسلمة بضرورة استثمار كافة الإمكانات المتاحة لتطوير المنظومة الفقهية والأخلاقية. وقال: «يجب علينا استثمار الإمكانات المتاحة لإنتاج منظومة تكاملية تعزز القيم الأخلاقية وتساهم فى تطوير الفقه الإسلامى، مما يساهم فى بناء رؤية خلاقة ومستحدثة للمنظومة الأخلاقية فى الفقه».

ودعا الدكتور البشارى إلى إعادة النظر فى المناهج التعليمية وتعزيز البحث العلمى فى مجالات الفقه والأخلاق لمواكبة التحديات الراهنة. وقال: «هناك حاجة ملحة لإعادة النظر فى المناهج التعليمية وتعزيز البحث العلمى فى الفقه والأخلاق. هذا سيساعد فى تطوير علوم الفقه لمواكبة التحديات الراهنة.

 وشدد على أهمية التجديد الفقهى كوسيلة لتحقيق التوازن بين النصوص الشرعية والتحديات المعاصرة. وقال: «إن التجديد الفقهى يعد ضروريًّا لتحقيق التوازن بين النصوص الشرعية والمتغيرات المعاصرة. يجب أن نعمل على إعادة إحياء المقاصد الشرعية وتطوير أساليب الاجتهاد لمواكبة التحديات الحالية».

 مخاوف الذكاء الاصطناعى 

من جانبه حذر الدكتور محمد بن عيضة، وزير الأوقاف والإرشاد اليمنى، من مخاطر الذكاء الاصطناعى على الأخلاق والقيم الإنسانية، وقال إنه على الرغم من فوائده العديدة، قد يهدد الحضور البشرى فى بعض المجالات ويؤثر سلبًا على الفئات المهمشة والمجتمعات الأقل قدرة على التكيف مع هذا التطور. كما أن هناك قلقًا متزايدًا بشأن كيفية تأثير هذه التكنولوجيا على مستقبل الأجيال القادمة.

وأكد وزير الأوقاف اليمنى أن الوقت قد حان لوضع رؤية واضحة وأطر قانونية مبنية على قيم الدين الإسلامى ومبادئه العادلة، تساهم فى تحقيق الاستفادة القصوى من ثورة الذكاء الاصطناعى دون المساس بالقيم الإنسانية والأخلاقية، وشدد على ضرورة تحديث المعايير والالتزامات المتعلقة بالذكاء الاصطناعى بشكل دورى، بما يعزز البعد الأخلاقى ويؤكد على احترام القيم الإنسانية وكرامة الفرد.

  ميثاق عالمى للقيادات الدينية 

وفى ختام المؤتمر تم الإعلان عن الميثاق العالمى للقيادات الدينية والإفتائية من أجل إحلال السلام وحل النزاعات للأقليات المسلمة، حيث أكد الدكتور مصطفى إبراهيم سيرتش، المفتى الأسبق لدولة البوسنة أن الميثاق يؤكد أن الأقليات تعيش فى دار التعارف والعيش المشترك على أساس «العقد الاجتماعي»، وبما يسمح بإمكانية العيش فى أمن وأمان وسلام طبقًا لهذا العقد على أسس من المبادئ التى يقبل بموجبها المواطنون المساهمة فى بناء مجتمعات يتساوى فيها الجميع دون تمييز، سواءً فى الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة أو الجنس. 

ولفت إلى أن هذا ما يدعو إليه الميثاق العالمى للقيادات الإفتائية والدينية من أجل إحلال السلام وحل النزاعات الذى يصدر فى هذا المؤتمر الكريم؛ إنه يدعو إلى إثراء «الإنسانية» بالحوار الروحى والدينى أساسه إعادة «الإنسانية» إلى مجراها الطبيعى والآدمى الإنسانى كالقاسم المشترك نحو التعايش السلمى والنمو الإنسانى والبقاء الحضارى، وذلك من خلال دور العالِم الدينى والإنسانى العاقل لمنع الإنسانية من الانهيار والتلاشى ولمنع الإبادة الجماعية فى غزة وفلسطين.

مذكرة تفاهم مع الأمم المتحدة 

وفى خطوة لتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، وقَّعت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم وتحالف الأمم المتحدة للحضارات (UNAOC) مذكرة تفاهم مشتركة خلال الجلسة الختامية للمؤتمر العالمى التاسع للإفتاء، حيث قام بمراسم التوقيع الدكتور إبراهيم نجم الأمين العام للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، والدكتورة نهال سعد مدير تحالف الأمم المتحدة للحضارات.

تهدف المذكرة إلى تطوير مشاريع تعزز الفهم والمصالحة بين الثقافات والأديان، مع التركيز على مجالات الشباب، الإعلام، التعليم، الهجرة، والنساء. وسيعمل الطرفان على تنفيذ مشاريع مشتركة لتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، ومكافحة الكراهية وتنفيذ خطة عمل الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية.

كما تسعى الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم من خلال مذكرة التفاهم بالتعاون مع الأمم المتحدة لتحالف الحضارات إلى تجديد الخطاب الدينى الإسلامى وتطويره، وتقديم نماذج واقعية تعزز الفكر الوسطى المعتدل، وتكافح الفكر المتشدد. 

ووفق مذكرة التفاهم سيتعاون الطرفان فى تبادل أفضل الممارسات والمعرفة فى مجالات العمل ذات الاهتمام المشترك، بما فى ذلك تعزيز الإدماج الاجتماعى ومحاربة كراهية الأجانب. 

وتنص مذكرة التفاهم كذلك على التنسيق بين الطرفين من أجل تنفيذ المبادرات والمشاريع المشتركة، والترويج لها على المستوى الدولى من خلال استراتيجيات الرؤية المشتركة والحملات والعروض التقديمية. 

وتعتبر هذه المذكرة خطوة مهمة نحو تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات والأديان المختلفة، والمساهمة فى بناء مستقبل أكثر سلامًا واستقرارًا.

 توصيات المؤتمر 

فيما أعلن فضيلة المفتى د. شوقى علام عن خروج المؤتمر بمجموعةٍ من التوصياتِ والقراراتِ المهمَّةِ التى خَلَصَ إليها من خلال اقتراحاتِ السادةِ المشاركينَ مِنَ العلماءِ والباحثينَ، وجاءت التَّوصياتُ بما يلي:

أولًا: يدعو المؤتمرُ جميعَ الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ إلى تعزيزِ التعاونِ والتنسيقِ فيما بينها لدعمِ القضيةِ الفلسطينيةِ عبرَ الجهودِ الدبلوماسيةِ فى المحافلِ الدوليةِ أو من خلالِ المساعداتِ الإنسانيةِ والتنمويةِ للشعبِ الفلسطينيِّ، تأكيدًا على وحدةِ الصفِّ والتضامنِ الإسلاميِّ.

ثانيًا: يُثَمِّنُ المؤتمرُ جهودَ القيادة المصرية فى تعزيز الخطاب الدينى الوسطى المعتدل، وتقديم خطاب دينى مستنيرٍ يواكب العصر، ويحافظُ على القيم الإسلامية السمحة ودورها كذلك فى مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب، مما يعزز الأمن والاستقرار فى المنطقة.

ثالثًا: يُشيد المؤتمرُ بالسياسات المصرية التى تدعمُ الحوارَ والانفتاح على العالم مع احترام الخصوصيات الدينية، مما يعزز التعاون الإنسانى المشترك.

رابعًا: يُثمن المؤتمرُ دور مصر فى تعزيز الإعلام المستنير، ودعوتها إلى استخدام وسائل الإعلام لنشر القيم الأخلاقية والتوعية بمخاطر الفكر المتطرف.

خامسًا: يؤكد المؤتمر أهمية الدور الذى تلعبه التعاليم الإسلامية السمحة فى الارتقاء بالأفراد والمجتمعات البشرية، وهى التى نجدها منصوصًا عليها فى كافة الشرائع السماوية، ومن ثم فإن المؤتمر يهيب بالمجتمع الدولى بضرورة احترام هذه التعاليم والعمل من خلالها على ضبط التسارع فى الحركة العالمية، وتنامى النزعة الفردية على كافة المستويات؛ من أجل الحفاظ على القيم الإنسانية الرئيسية.

سادسًا: يثمِّن المؤتمر كافة المخرجات التى صَدَرت وعُرِضَت فى فعالياته، ويدعو الباحثين والمختصين للإفادة منها.

سابعًا: يدعو المؤتمر جميع المؤسسات الإفتائية الوطنية إلى التعاون والتكاتف لمواصلة التجديد الفقهى والإفتائى، وتقديم خطاب فقهى وإفتائى يناسب العصر انطلاقًا من مقاصد الشريعة وغاياتها العليا.

ثامنًا: يؤكد المؤتمر على أن ما نملكه من ثروة فقهية وتشريعية غزيرة قادرة على صناعة فتوى تتناسب وحجم التسارع والمتغيرات العالمية فى كافة المجالات.

تاسعًا: يدعو المؤتمر المجتمع الدولى للبعد عن توظيف التفسيرات والتأويلات المتطرفة للتعاليم الدينية السماوية السمحة فى شن الحروب وإذكاء الفتن والنزاعات العِرقية والطائفية، بما يهدد أمن وسلامة المجتمعات البشرية لا سيما الإسلامية، ويحذر المؤتمر من أن هذه التوجهات تمثل وقودًا لتغذية تطرف مقابل لها قد لا يقل خطورةً عنها، وبما قد يدخل منطقتنا والعالم أجمع فى أتون صراعات لا تنتهى

عاشرًا: يؤكد المؤتمر على أهمية مواصلة العمل فى مجال التأهيل الإفتائى، وبناء المزيد من جسور التفاهم والتعاون بين القائمين على صناعة الفتوى فى العالم من مؤسسات وهيئات وطنية؛ لمواجهة التحديات الكبرى التى يفرضها علينا العالم المعاصر بتغيراته وأحداثه المتسارعة.

حادى عشر: يدعو المؤتمر المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية فى العالم كله إلى تكثيف جهودها فى نشر ثقافة الحوار والتفاهم بين الأديان، وتعزيز التعايش السلمى، وتضمين مناهجها الدراسية مواد تعليمية تنشر ثقافة الحوار والتعايش السلمى.

ثانى عشر: يؤكد المؤتمر أهمية تعاون المتخصصين فى مجالات التقنية ووسائل التواصل الرقمية مع مؤسسات الإفتاء لمساعدتها على تدشين بيئة آمنة عبر وسائل الاتصال لأتباع الدين الإسلامى يتم خلالها احترام خصوصياتهم، ومساعدتها فى الترويج عالميًا لرقى وسماحة الدين الإسلامى لباقى الشعوب.

ثالث عشر: يؤكد المؤتمر على أهمية تحليل وتفكيك خطاب الجماعات المتطرفة، ومواصلة الجهود للتحذير منه، وبيان خطورته على أمن المواطنين واستقرار الأوطان.

رابع عشر: يَتوجَّهُ المجتَمِعونَ بالشكر لفخامة السيد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي؛ لرعايته الكريمة للمؤتمر، ولكل من أسهم فى نجاح المؤتمر، مُتمَنِّينَ لمصر وكافة بلاد الأمة الإسلامية والعالمية التوفيق والنجاح والاستقرار الدائم.