صرخة روزاليوسف

عاصم حنفي
أدركت «روزاليوسف» منذ بداياتها عام 1925 أن الصحافة لا يمكن أن تكون محايدة.. وأنها بالضرورة لابد أن تكون منحازة لقضية الوطن، وقد اختارت مبكرا أن تكون فى صفوف الجماهير العريضة تتوحد معها وتنصهر فى قضاياها وتغرق فى همومها وتتحدث باسمها.
وعلى العكس أعدادها الأولى كمجلة فنية.. اختارت روزا الحياة السياسية مجالا لها.. تعرى وتحلل وتفضح وتقاوم وتعارض وتقاتل.. كل هذا بلسان ساخر وأسلوب رشيق وحجج منطقية ومقنعة.
ما من قضية تعرضت لها مصر إلا وكانت روزا لها بالمرصاد تناقشها وتفندها.. وتحلل عناصرها.. وتصدت روزا علي وجه الخصوص لذلك النوع من السياسيين المؤيد دائما.. والموافق على طول الخط، والمبرر لأفعال الحكومة والقصر والإنجليز.
ولهذا كله تعرضت روزا للمصادرة وإلغاء الرخصة.. وخلال العامين الأولين لها.. بدلا من إصدار 104 أعداد صودرت روزاليوسف 62 مرة وتكررت المصادرة فى عهد حكومات محمد محمود وإسماعيل صدقى.. وحتى فى عهد رئيس الوزراء والزعيم الوطنى مصطفى النحاس.
روزاليوسف المجلة.. لم تكتف بالوقوف أمام المحاكم وإنما عاودت الصدور بأسماء أخرى.. وفى كل مرة يصادرون عددا كانت روزا تصدر باسم جديد حتى لا تتوقف رسالتها للقارئ.. وأحيانا كانت تصدر من خلال صحف أخرى.. مثل صحيفة البلاغ التى صدرت ذات يوم وفى صدر صفحتها الأولى كتبت عنوانا يقول: مقالات روزاليوسف المصادرة.. ونشرت كل المقالات التى كتبتها روزا.
كان نجم روزاليوسف فى ذلك الوقت هو الكاتب اللامع جدا وقتها محمد التابعى.. أستاذ جيل الرواد وباعث النهضة الصحفية الحديثة.. والكاتب الرشيق وصاحب الجملة السلسة.. الجملة الصحفية بعيدا عن المحسنات البلاغية التى كانت عليها مقالات كبار الكتاب منذ مائة عام.
ذات يوم وقد تكررت المصادرة.. ذهبت صاحبة المجلة السيدة فاطمة اليوسف ومعها العدد المصادر إلى بيت مصطفى النحاس رئيس الوزراء الوطنى وزعيم الأمة بلا منازع.. لتقابله للمرة الأولى فى حياتها.. وجدته جالسا مع عدد من زعماء الأمة.. قدمت إليه العدد المصادر.. طلبت الإنصاف والإفراج عن المجلة فورا.. تصفح النحاس العدد وتحمس له كثيرا.. وقد تصورت أنه سوف يأمر بالإفراج عن العدد.. لكنه طلب عددا من المحامين الوفديين.. طالبهم بالدفاع عن حق روزا فى الصدور.. فى دعوى مستعجلة.. لكن الدعوى رفضت.
فى عهد رئيس الوزراء إسماعيل صدقى قررت الحكومة إلغاء رخصة روزاليوسف نهائيا.. بعد أن نشرت كاريكاتيرا للرسام صاروخان ينقل على لسان إسماعيل صدقى أن البلاد تحكم بالعناصر الرشيدة.. الحديد والنار!!
فى عام 1930 عثرت فاطمة اليوسف على رخصة لمجلة اسمها الصرخة استعارتها من صاحبها مقابل 12 جنيها فى الشهر لتستخدمها كبديل لروزاليوسف الملغاة رخصتها.. وكتبت على غلافها محمد التابعى وروزاليوسف وعلى حماد يحررون هذه المجلة التى نفذت من الأسواق على الفور واستمرت الصرخة 42 عددا.. قبل أن تعود روزاليوسف للصدور.
الزميل والصديق والصحفى اللامع والمؤرخ المحترم رشاد كامل عثر فى سور الأزبكية على مجلد قديم يحتوى على أعداد مجلة الصرخة.. أو المجلة المنسية التى لم يشر إليها المؤرخون وحتى فاطمة اليوسف فى مذكراتها لم تشر إلى الصرخة سوى فى سطور قليلة.. مع إن الصرخة كانت تضم مقالات نارية ورسوما كاريكاتيرية محرضة وجريئة إلى درجة كبيرة ناهيك عن مقالات محترمة للأستاذ.. أستاذ الجيل محمد التابعى.
روزاليوسف 2014 أعادت نشر الصرخة فى مجلدين يضم كل مجلد منهما ستة أعداد من المجلة المحترمة لتذكر القارئ بتاريخ روزاليوسف المجلة وإلى صاحبتها السيدة فاطمة اليوسف التى كانت واحدة ست.. إلا أنها كانت من أشجع رجال الصحافة على مدى أربعين عاما.
وتحية للصديق الجميل رشاد كامل لجهده ودأبه والذى أحسده شخصيا لتفوقه ونبوغه الصحفى.