الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

"أضعاف ما قدَّمه الجميع" من "إبراهيم باشا عبدالهادى" إلى دكتور "مصطفى مدبولى وثائق تاريخية رسمية تؤكد موازنة مصر عام 1948 حملت شعار فلسطين أولًا

وثيقتان تحملان أرقام ( 1116/أ) و(1116/ب) صادرتان من وزارة المالية بالمملكة المصرية بتاريخ 17 يناير 1948 مُوقّعتان من وزير المالية «إبراهيم باشا عبدالهادى».. وعَدَد من الجريدة الرسمية لنفس العام.. ودفاتر صكوك تبرعات تحمل صورة مَلك مصر فاروق الأول.. ونسخة من الموازنة العامّة لعام 1947/1948م.



 

هى حافظة مستندات أقَدِّمُها لحضرات القراء والسادة المهتمين.. لا دفاعًا عن مصر؛ فهى أعظم من أن ينال من مكانتها المُغرضون، ولكن.. نحن نُذَكِّر؛ فالذكرَى تنفع المؤمنين بأن مَن حمل هَمَّ القضية الفلسطينية من يومها الأول وقدّمها على أبناء وطنه واحتياجاتهم وضَحّى بالبَنون قبل المال من أجلها هى مصر.. وأقول مصر وكفَى؛ فالأسماءُ والمناصب والحكومات زائلة والوطن باقٍ.. وفلسطين فى قلب مصر.. يقع فيها المُصاب هناك فتسمع الأنين هنا فى قلب العروبة والشقيقة الكبرَى وخَط الدفاع الأول والأخير..

 (((مصر))).

المُغرضون تعالت أصواتهم حتى بدا وكأنه «كورس» يردد مقطعًا واحدًا- نشاز- يهاجم مصرَ ويُقلل من دعمها للأشقاء سواء بنشر أكاذيب عن القوافل التى أرسلتها الدولة ومنظمات مجتمعها المدنى أو بالتقليل من الجهود الدبلوماسية والمساعى التى لم تتوقف لحظة واحدة من بداية الحرب.. وجاء تصريح رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى خلال رَدِّه على استجوابات النواب بالبرلمان قائلاً: ((الرقم اللى تم تقديمه فى ضوء الأزمة الاقتصادية المصرية.. الرقم ده بيمثل 4 أضعاف ما أرسله أكثر من 30 دولة للشعب الفلسطينى.. وكل اللى جالنا 3 آلاف طن من كل دول العالم.. إحنا قَدَّمنا 4 أضعاف هذه الكمية، ومستمرين..)).

تحدّث دكتور مصطفى مدبولى عن حجم المساعدات المصرية وربطها بالأزمة الاقتصادية لا بقصد المَنّ؛ ولكن ليُذَكر الجميعَ ممن يعملون بكل قوتهم ضد مصر ويُحرّضون عليها أن التعاطف ليس شعارات جوفاء وأن صِدْقَ المواقف يُقاس بما تستطيع أن تقدمه.. فمصرُ حَرفيًا تقتسم مقومات الحياة كلها ليس مع سكان غزة فقط وإنما مع كل ضيوفها من لاجئين (عراقيين- سوريين- ليبيين- سودانيين- يمنيين) يعيشون وسط المصريين يتمتعون بنفس الحقوق وينالون نفس الدعم والمميزات، لا تقييد على حركتهم ولا يتم حصارهم فى مخيمات ولا تتوقف مصر عن إرسال المساعدات لمَن لم يستطع أن يغادر تلك الدول وتتحمل فاتورة حماية حدودها معهم، ولكن فلسطين لها موقع متقدم ثابت فى أولويات الدولة المصرية منذ كانت مملكة وقبل 75 عامًا من الآن.

 من أجل قضية فلسطين!

بحُكم المهنة أجمع وأحتفظ بأى ورقة صفراء يتجاوز عمرها عدة عقود، وبينما أستمع لكلمات د.مدبولى تذكرت وثيقتين لدىّ فى مكتبى المرفق صورتاهما تحمل كل منهما الديباجة الآتية:

 الحكومة المَلكية المصرية وزارة المالية 

قرض الحكومة المصرية- ثم بيانات القرض ومدته الزمنية- لقضية فلسطين.. 

وتضمّنت الورقة تفاصيل القرض الداخلى طويل الأجل فى صورة اكتتاب على هيئة سَندات تم بيع بعضها بالفعل وتم الترخيص للبنك الأهلى المصرى بطرح الباقى منها.

الوثيقة الأولى تحمل رقم ( 1116/أ)، وهى تحوى تفاصيل قرض بنسبة 3 % بمجموع إصدار 15 مليون جنيه مصرى، تم اعتماد الاكتتاب فعليًا فى 10 ونصف المليون جنيه والمعروض للاكتتاب العام فقط 4ونصف المليون جنيه من خلال البنك الأهلى يبدأ طرحها فى 28 يناير 1948، والقرض كله يمتد لأحد أجلين؛ الأول فبراير 1969 والأخير فبراير 1979.

أمّا الوثيقة الثانية وتحمل رقم (1116/ب) فهى بنفس القيمة 15 مليون جنيه، ولكن تختلف عن الأولى فى نسبة الفائدة وهى 2.5 %، والقرض يجوز للحكومة سداده جزئيًا ابتداءً من فبراير 1959 وطوال المُدة حتى يحل موعد سداده نهائيًا كاملاً فى فبراير 1961، وقد تم وقتها جمع 11ونصف المليون جنيه من المستهدف، وكان مطروحًا للاكتتاب العام منه 3 ونصف المليون جنيه من خلال البنك الأهلى.

وقد صدرت سَندات هذه القروض بموجب قانون رقم 90 لسنة 1948 كما ذُكر بالوثيقتين أن هذا القانون نشر بالجريدة الرسمية فى العدد رقم 84 فى 21 يونيه سنة 1948؛ وذلك لمواجهة المصروفات الإضافية اللازمة لقوات الدفاع المصرية لقضية فلسطين.

وقد وُقّعت كلتا الوثيقتين باسم وزير المالية إبراهيم عبدالهادى بتاريخ 17 يناير لسنة 1949م، وإبراهيم باشا عبدالهادى هو رئيس وزراء مصر الذى تولى تشكيل الحكومة عقب مقتل النقراشى باشا على يد الإخوان، وقد كان يشغل وقتها إلى جوار منصبه كرئيس للوزراء عدة مَناصب وزارية أخرى فى حكومته، منها وزارة المالية، وهو ما يُفَسّر توقيعه كوزير مالية رُغْمَ أنه فى هذا التوقيت كان رئيسًا للحكومة.

إجمالى القرضين فى الوثيقتين 30 مليون جنيه فى زمن كان القرش والتعريفة والمليم وعملات أقل تستطيع شراء أشياء لا تشتريها اليوم بورقة من فئة خمسين جنيهًا!، ربما دفعنى ذلك للتأكد من أصالة الوثيقتين فبحثتُ عن الجريدة الرسمية للوقف على تفاصيل إصدار قانون خاص بالاقتراض تحت مُسمى الدفاع عن القضية الفلسطينية.

وبالفعل عثرتُ على العَدد ونَصّ القانون المنشور ومرفق صورة طبْق الأصل من العَدد رقم 84 فى 21 يونيه سنة 1948 من الجريدة الرسمية، ونَصّ القانون منشور به، ولكن هذا الرقم 30 مليون جنيه، ربما كان رقمًا هامشيًا فى الموازنة العامة للمملكة المصرية وقتها، لذلك ولتقييم أهمية هذا الاقتراض وتحمُّل أعباء فوائده لأكثر من 30 عامًا دفعنى فضولى للبحث عن الموازنة العامة للمملكة المصرية لعام 1948/ 1949 وقد عثرت على نسخة منها فعلاً.

 الميزانية التاريخية!

الميزانية كانت منشورة فى جريدة «اللطائف المصورة» المصرية على هيئة «إنفوجراف» نقلت خلاله ميزانية مصر لعام 1948/1949، والتى تنقل ما كانت تعيش فيه البلاد من حالة اقتصادية على وجه التحديد، وتعكس بالضرورة شكل الحياة الاجتماعية والسياسية.

نقلتْ الصحيفة جميع البيانات المتعلقة بالإيرادات والمصروفات فى جميع مؤسّسات الدولة، بما فيها الجيش ونفقاته، مع توضيح فى البداية أن إجمالى الميزانية المصرية فى هذا الوقت بلغت 183 مليونًا و425 ألفًا و100 جنيه، وفائض فى الميزانية بلغ نحو 10 ملايين جنيه.

وهو ما يعنى أن المملكة إذا ما استدانت بهذا الدَّيْن سينقلب ميزان الموازنة ليتآكل الفائض وتصبح مَدينة بـ20 مليون جنيه، ورُغْمَ ذلك قامت بالاقتراض!

يتضح أيضًا من خلال «الإنفوجراف» المنشور فى صحيفة «اللطائف المصورة» المصرية آنذاك، أن أعلى بند كان ينفق على «دعم فلسطين»، ومن بَعدها تأتى ميزانية الدفاع، ثم التعليم، بما يشير إلى أهم البنود التى كانت تهتم بها الدولة فى هذا الوقت، إلا أنها أيضًا أوضحت ضعف ميزانية وزارة الصحة فى مقابل باقى المؤسّسات، ويشير الرقم المخصّص إليها أنه كان من أولويات الدولة، والذى وصل إلى 11 مليون جنيه. كانت ميزانية مصر هذه تسمى «ميزانية حرب فلسطين» التى حصدت الجزء الأكبر من الميزانية..

 التاريخ يبقى.. «التريند» ينسى!

مصر لم تقدم أضعاف ما قدّمه العالم لفلسطين فى الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر الماضى؛ بل الحقيقة أن مصر قدّمت أضعافًا مضاعفة مما قدّمه العالم أجمع للقضية الفلسطينية منذ أربعينيات القرن الماضى حتى كتابة هذه السطور.. وما يوثقه التاريخ لن تمحوه حملات تشويه أو تريندات ممولة.. وأكرّر لا نَمِنُّ بما قمنا ونقدّمه لإخوتنا؛ ولكن إن أردتم تنصيبَ الشعوب حَكمًا فالرد أمام محكمة الشعب ليس بدغدغة المَشاعر أو بأبيات الشعر الحماسية ولا بالتحريض على الركض تجاه الحدود واقتحامها للقضاء على القضية تمامًا وتحقيق الحلم الصهيونى بإخلاء الأرض الفلسطينية من شعبها وإعادة احتلال سيناء.. فالرد يكون بالأفعال ذات العائد الإيجابى وليس السلبى.. الأفعال التى تقدم يدَ العون وليس يدَ الهدم ليكون شعار مصر طوال 75 عامًا ((اللى تحتاجه فلسطين يحرم على مصر)).