الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
تواصل النبلاء

تواصل النبلاء

 استكمالًا لمقالنا السابق حول تواصل الأجيال فى الماضى وأثره العميق فى النهضة الأدبية والفكرية – وهو ما نفتقره تمامًا فى واقعنا المعاصر الضنين – يمكننا أن نضيف أن هذا التواصل الحميد يعكس أيضًا تواصلًا حميميًا بين معاصريه كان حصاده وفيرًا وثريًا وملهمًا..  والأمثلة على ذلك لا حصر لها.



المثال الأول فى (30 مايو 1926) تقدم أحد طلبة القسم العالى بالأزهر ببلاغ إلى النائب العام يتهم فيه «د.طه حسين» أنه ألف كتابًا سماه «فى الشعر الجاهلى» ونشره على الجمهور وفيه طعن صريح فى الدين.. وبعد أسبوع واحد تقدم فضيلة شيخ الأزهر إلى النائب العام ببلاغ آخر مرفق به تقرير علماء جامع الأزهر عن الكتاب وطلب تقديم المؤلف للمحاكمة.. ثم تقدم النائب «عبدالحميد البنان» بطلب إلى مجلس النواب بتكليف الحكومة بمصادرة وإعدام الكتاب وتكليف النيابة العمومية برفع الدعوى على مؤلفه وإلغاء وظيفته بالجامعة.. وقد توقع الجميع عند مناقشة طلب النائب فى مجلس الأمة أن ينحاز إليه النائب الوفدى الكبير «عباس العقاد» وأن يكون الموقف من الكتاب ومن مؤلفه هو موقف الخصومة التامة لأسباب كثيرة أولها منافسة طه حسين له.. وهذه هى فرصته فى القضاء عليه.. وثانيها لأنه كان فى ذلك الوقت كاتب الوفد والوفد هو الحزب المناهض للحزب الذى ينضم إلى صفوفه «طه حسين» والمعروف بحزب «الأحرار الدستوريين».. وثالثها هذا الإجماع الذى اتفق على أن «طه حسين» استفز المشاعر بالتطاول على بعض المقدسات.. لكن رغم ذلك لم يتنكر العقاد لمبادئه وانتصر لحرية الفكر والرأى والتعبير.. فانبرى مؤيدًا «طه حسين» مؤكدًا أن حرية الفكر هى حرية التعبير عن الشخصية الإنسانية بكل ما تشمل من حس وإدراك عن حرية الحياة أو حرية الوجود.. والفكرة التى لا ترى ضوء الشمس هى فكرة ميتة.. لكن حياتها هى سبب الألم والفساد.

المثال الثانى فى (فبراير 1932) أقامت «هدى شعراوى» حفل تكريم باسم جمعية الاتحاد النسائى المصرى للاحتفال بأولى خريجات الجامعة وأول طيارة مصرية.. وتحدث فى الحفل الأستاذ «محمد علوبة» باشا وقدم روب المحاماة هدية من الاتحاد النسائى إلى «نعيمة الأيوبى» خريجة كلية الحقوق.. وقدم «د.طه حسين» تلميذاته خريجات كلية الآداب «سهير القلماوى» و«فاطمة فهمى» و«زهيرة عبدالعزيز» و«فاطمة سالم»، وقال فى كلمته التاريخية إنه يسمح لنفسه الآن فى أن يكشف عن مؤامرة خطيرة جدًا حدثت منذ أعوام سابقة وكان قوامها جماعة من الجامعيين قرروا فيما بينهم أن يخدعوا الحكومة وأن يختلسوا منها حقًا لا يشاورونها فيه وهو الإذن للفتيات بالتعليم العالى فى الجامعة المصرية مؤكدًا أنه لولا هذه المؤامرة التى اشترك فيها «أحمد لطفى السيد».. و«على إبراهيم باشا» و«طه حسين» والتى دبرت سرًا فى غرفة محكمة الإغلاق لما أتيح له أو للاتحاد النسائى أن يقدم محامية مصرية وأديبات مصريات... لقد اتفقوا الثلاثة أن يضعوا وزارة المعارف أمام الأمر الواقع.. وكان القانون الأساسى فى الجامعة يبيح دخول المصريين وهو إن كان لفظًا مذكرًا فإنه ينطبق على المصريين والمصريات.. وعلى ذلك تمت المؤامرة على أن تقبل الفتيات إذا تقدمن إلى الجامعة.. وقد كان وقبلت الفتيات المكرمات حتى إذا تم الأمر وأصبح لها حق مكتسب فى الجامعة علمت الوزارة أن الفتيات دخلن الجامعة.. حدث ذلك فى عام 1932 وعبرت هدى شعراوى عن سعادتها مؤكدة أن الفضليات بناتنا حققن بنبوغهن آمالنا وبرزن فى ميادين العلم والعمل.. فرفعن رؤوسنا بين نساء العالم وأضفن بذلك قوة إلى قوتنا فى جهادنا من أجل الحرية.

أما فى عصرنا السعيد هذا.. فترتفع الصيحات من فقهاء التحريم والمنع والمصادرة مطالبة بعودة المرأة إلى البيت لا تخرج منه إلا إلى القبر.. منضمة إلى قعيدات الشلت.. وهوانم الطبيخ.