الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أنا أتغير إذًا أنا إنسان

أنا أتغير إذًا أنا إنسان

 عندما كنت فى السادسة من العمر ومع الأيام الأولى على إدراكى عن وجود لعبة اسمها كرة القدم شجعت فريق النصر السعودى، لا أذكر كيف بدأ الأمر ولكن لمدة السنة التى تلتها كنت لا أتكلم إلا عن الكابتن ماجد عبدالله، يبدو أن الكابتن ماجد هو الذى جعلنى أميل للنصر فى تلك السنة من حياتى، حتى أتى ذلك اليوم الموعود الذى اصطحبنى فيه صديق والدى مع ابنته الصغيرة لحضور مباراة لكرة القدم فى الملعب كانت الأولى فى حياتى ،ولكن ليس لمشاهدة ماجد عبدالله بل لمشاهدة فريق الهلال، فاز الهلال فى تلك المباراة على فريق الشباب ومنذ ذلك الحين وأنا هلالى.



فى طفولتى المبكرة كنت أحب البيتزا المارجريتا وفى سن الحادية عشرة تحول ذوقى لبيتزا الفطر ثم بعدها بسنوات معدودة تغير لبيتزا البيبرونى والفطر، كنت أعشق مشاهدة الأفلام البوليسية أما اليوم فأفضل قراءة الكتب، كنت أكتب الشعر واليوم أفضل التعبير بالنثر، فى سنوات المراهقة كنت أريد أن أكون طيارًا حربيًا وفى السنوات الأخيرة من مرحلة الثانوية قررت أن أكون محاميًا ثم قررت فى الفصل الأول من الجامعة أن أغير تخصصى لأكون صحفيًا.

وكما أننا نختار بإرادتنا كما سبق فالقدر يختار لنا فى أحيان كثيرة، فأصبحت عضوًا فى نادى من ينادون احترامًا بـ (يا عم) وانكسر شىء فى داخلى بعد أن فقدت أبى رحمه الله قبل خمس سنوات، لم أعد أستطيع الاستمرار فى تبرير النفاق والتضليل، وأصبحت أكثر عاطفية مع الإنسان والحيوان رغم أنى كنت لسنوات طويلة أكاد لا أشعر أنى أملك شعورًا، فى وقت لم أعد أهتم البتة لكلام الناس ورأيهم فى حتى قد يقول البعض أنى بالفعل لا أملك شعورًا، ولكن هل كان كل ذلك بإرادتى، حتمًا لا.

بإمكانى أن استرسل بلا نهاية عن المرات التى تغير فيها ميلى حول أمر ما فى هذه الحياة المتقلبة، حتى المبادئ لا أنكر أن كثيرًا منها تبدل، لا أعاتب نفسى أو أحكم عليها إن كنت اليوم وصلت للقناعة الصحيحة أم كنت أكثر نضوجًا فى فترات سابقة من حياتى، بل أعيشها وأحاول أن أفهمها وأتعامل معها كما هى، فالأيام القادمة كفيلة بكل شىء حتى فى إثبات إنى لا أفقه شيئًا، ولا بأس فهل نحن حقًا نفهم كل شىء!

ليس مهمًا اليوم ما كنت عليه بل ما أنا عليه اليوم، تمر الأيام وربما أكون فى الغد غير ما أنا عليه الآن، فالتغّير والتغيير إحدى سمات هذا الإنسان الذى يكبر وينضج فيتفكر وربما يكون محظوظاَ فيفهم، وليس من الواقعى القول إن هذا التبدل والتغير نقيصة أو دليل عدم ثبات، فلو كانت الأيام لا تطرز ثوانيها ودقائقها إلا الشمس لأصبحت أيامنا كئيبة مكفهرة، ولو كانت دامسة مسودة بلا ضوء أو حياة لكانت قاتلة حزينة، فتبدل النهار والليل يصبغ على أيامنا جمالًا وحياة ،ولولا هذا التناقض الماثل لأصبح اللون الواحد سمة الجمال الباهت، ولو كانت المياه الراكدة فيها الشفاء والبلسم لبقيت على حالها دون جريان، فانسيابها باتجاه الصعود والهبوط تجديد للضفاف وخلق لسلسبيل يروى العطش ويمد فى الحياة.

التغير والتبدل من آيات الحياة، ليس عيبًا أو حرامًا أو شذوذًا عن الطبيعة أن يتبدل الحال ويتغير، بل هى الطبيعة فى أكمل معانيها تلك التى خلقت منا وفينا وحولنا القدرة والقدر على أن لا يكون الحال دائمًا ساكنًا بلا تضاد لونى أو تناقض كونى.

علينا ألا نخاف التغيير أو نهابه، بل إن نحتضنه بأذرع مفتوحة عندما يحين موعده بإرادتنا كان ذلك أو كنا مجبرين عليه، فكلما تمكنا من أن نرى التبدل الحاصل كنوع من ولادة جديدة لتجربة إنسانية أكثر سموًا وتصالحًا كلما تمكنا من أن نتجاوز كل العقبات التى تقف أمامنا، نتطلع للأمام دائمًا، ولا يعاب أن نقول إننا فشلنا وتعلمنا وتبدلنا وتغيرنا، فربما يكون ذلك فى نظر الإنسان نفسه وفى نظر كل من يعى الواقع تعريفًا صريحًا بأننا بشر عاديون نولد ونعيش ونتغير ونتقدم، وعلينا ألا ننسى أبدًا أن طموحنا جميعًا فى هذه الحياة هو أن نحياها سعداء، لا يهم إن تهنا أثناء المسيرة عن الطريق لأننا دائمًا لدينا الخيار فى أن نعيد النظر ونختار طريقًا آخر يوصلنا لتلك السعادة المنشودة.