الخميس 20 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

تفاؤل بلا نتيجة وكارثة منتظرة للأسواق العالمية .. هل ينجو العالم من أزمة الدَّيْن الأمريكى؟

رغم أنه لم يتبق سوى 10 أيام على بلوغ الدين العام الأمريكى السقف المحدّد له قانونًا، إلا أن مفاوضات جديدة لـ«رفعه» منيت بالفشل.



المفاوضات عقدها الرئيس الأمريكى جو بايدن، ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثى، لكن الأخير أعلن أنه «لم يتم بعد التوصل لاتفاق»، ووصف الاجتماع فقط بأنه كان «بنّاء».

 

 تفاؤل «بلا نتيجة»

وتأتى تلك النتيجة رغم التفاؤل الذى سيطر على الجانبين فى مستهلّ الاجتماع، الذى يعلق عليه الجميع الآمال فى التوصّل إلى اتّفاق مع المعارضة الجمهورية يجنّب الولايات المتّحدة أول تخلّف فى تاريخها عن سداد مستحقّات ديونها.

وفى بداية اجتماعهما فى البيت الأبيض قال بايدن «أنا متفائل بأنّنا سنحرز تقدّمًا».

ومن جهته، قال مكارثى إنّه يأمل «أن نتوصّل إلى أرضية مشتركة بحلول نهاية اليوم»، لكن لم يتوصلا فى النهاية لاتفاق.

وفى أعقاب اللقاء قال مكارثى فى تصريحات صحفية: «لقد شعرت أنّنا أجرينا محادثات بنّاءة. ليس لدينا اتّفاق بعد، لكنّنى شعرت أنّ النقاش كان بنّاء فى مجالات لدينا فيها اختلافات فى الرأى».

فيما قال بايدن: «نؤكد أن التخلف عن سداد الدين ليس مطروحًا للنقاش، وأن السبيل الوحيد هو المضى قدما بحسن نية نحو اتفاق بين الحزبين».

وكان بايدن ومكارثى التقيا مرتين فى أسبوعين فى المكتب البيضاوى، كما تحادث الرجلان هاتفيا، واستخدم مكارثى نفس المصطلح الذى استخدمه ووصف المكالمة بأنها «بنّاءة»، فيما قال بايدن إنها كانت «جيدة جدا» رغم عدم التوصل لأى اتفاق.

 سباق مع الزمن

وتخوض الإدارة الديموقراطية والمعارضة الجمهورية سباقا مع الوقت لتجنّب احتمال تخلّف الولايات المتحدة عن سداد التزاماتها بعد الأول من يونيو.

ويشترط الجمهوريون أن يوافق بايدن على خفض كبير فى نفقات الميزانية، مقابل موافقتهم على رفع سقف الدين، فيما يتهمهم الديمقراطيون باستخدام «تكتيكات» لدفع أچندتهم السياسية، معرضين الاقتصاد الأمريكى للخطر.

ومع أن رفع سقف الدين كانت عملية روتينية، إلا أنها أصبحت خلال السنوات الأخيرة محور خلاف مع المشرعين الجمهوريين الساعين إلى الحصول على تقليص للإنفاق فى مقابل رفع السقف، وزاد استغلالها مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية.

وكان بايدن حذّر فى تغريدة من أنّه سيرفض اتفاقا «يحمى مليارات (الدولارات) من الإعانات للشركات النفطيّة الكبرى ويعرّض للخطر الرعاية الصحية لـ21 مليون أمريكى، أو يحمى أغنياء الاحتيالات الضريبيّة ويُعرّض للخطر المساعدات الغذائيّة لمليون أمريكى».

 عواقب «كارثية»

وليس أمام الفريقَين سوى أيّام قليلة للتوصّل إلى اتّفاق يسمح للولايات المتحدة بمواصلة سداد ما يتوجّب عليها، وفى حال عدم التوصّل إلى هذا الاتفاق، فإنّ البلاد ستكون فى حالة تخلف عن السداد غير مسبوقة وتنطوى عليها تداعيات قد تكون «كارثية» للاقتصادين الأمريكى والعالمى، وذلك اعتبارا من 1 يونيو.

وحذّرت وزارة الخزانة من عواقب وخيمة إذا نفد النقد من الدولة لسداد استحقاقاتها، ما سيجعلها عاجزة عن دفع رواتب الموظفين الفدراليين ويؤدى إلى ارتفاع محتمل فى أسعار الفائدة مع آثار غير مباشرة على الشركات والرهون العقارية والأسواق العالمية.

ويدرك الرئيس الأمريكى جو بايدن، أن هزيمة اقتصادية محتملة، أيا كان مصدرها السياسى، من شأنها أن تهدد فرصه فى إعادة انتخابه.

ويدعو الجناح اليسارى فى الحزب الديمقراطى بايدن إلى عدم الرضوخ واللجوء إلى المادة 14 التى أضيفت إلى الدستور فى 1868، وتنصّ على أنّ «صلاحية الدين العام للولايات المتحدة المسموح به بموجب القانون يجب ألا تكون موضع شكّ»، أى بعبارة أخرى «النفقات التى أقرّت بالتصويت يجب أن تحترم».

وذلك يعنى أنّ «الرئيس سيتصرف كما لو أن سقف الديون غير موجود».

ويدرس بايدن هذا الاحتمال، المحفوف بالمخاطر القانونية، خاصة حينما يكون فى مواجهة محكمة عليا تميل بشدّة إلى اليمين.

 خبراء يحذرون

حذر العديد من الخبراء من أنه لن ينجو أى ركن من أركان الاقتصاد العالمى إذا تخلّفت حكومة الولايات المتحدة عن سداد ديونها ولم تُحل الأزمة بسرعة، مؤكدين أن أزمة الديون التى تعصف بواشنطن ستدفع الاقتصاد العالمى بأكمله إلى الركود، وفقا لوكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية.

وأكدت الوكالة، فى تقريرها، أنه سرعان ما يتردد أصداء تداعيات التخلف عن سداد الديون الفيدرالية لأول مرة فى جميع أنحاء العالم، فقد تجف طلبات المصانع الصينية التى تبيع الإلكترونيات للولايات المتحدة، وسيتكبد المستثمرون السويسريون الذين يمتلكون سندات الخزانة الأمريكية خسائر، ولم تعد الشركات السريلانكية قادرة على استخدام الدولارات كبديل لعملتها المراوغة.

من جانبه قال مارك زاندى، كبير الاقتصاديين فى وكالة موديز: لن ينجو أى ركن من أركان الاقتصاد العالمى إذا تخلفت الحكومة الأمريكية عن السداد ولم تُحل الأزمة بسرعة.

وأشار «زاندى» واثنان من زملائه فى وكالة موديز، إلى أنه حتى لو تم تأخير حد الدين لمدة لا تزيد على أسبوع، فإن الاقتصاد الأمريكى سيضعف كثيرًا وبسرعة كبيرة، ما يؤدى إلى القضاء على ما يقرب من 1.5 مليون وظيفة.

ووجد زاندى وزميلاه فى تحليلهم، أنه إذا استمر التخلف عن السداد الحكومى لفترة أطول- حتى الصيف- فإن العواقب ستكون أكثر وخيمة، والنمو الاقتصادى الأمريكى سيتراجع، وستختفى 7.8 مليون وظيفة أمريكية، وستقفز معدلات الاقتراض. فإن معدل البطالة سيرتفع من 3.4 % إلى 8 % وسيؤدى هبوط سوق الأسهم إلى محو 10 تريليونات دولار من ثروة الأسرة.

وقال إسوار براساد، أستاذ السياسة التجارية فى جامعة كورنيل وزميل أول فى معهد بروكينجز: «إن التخلف عن سداد الديون سيكون حدثًا كارثيًا، مع تداعيات لا يمكن التنبؤ بها ولكن من المحتمل أن تكون دراماتيكية على أسواق المال الأمريكية والعالمية».

وأضاف: «لقد ظهر التهديد فى الوقت الذى يتصارع فيه الاقتصاد العالمى مع مجموعة من التهديدات، من ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة إلى التداعيات المستمرة لغزو روسيا لأوكرانيا إلى إحكام قبضة الأنظمة الاستبدادية، وفوق كل ذلك، أصبحت العديد من الدول متشككة فى الدور الضخم لأمريكا فى التمويل العالمى».

وتابع: «تمكن القادة السياسيون الأمريكيون فى الماضى، عمومًا من الابتعاد عن حافة الهاوية ورفع حد الدين قبل فوات الأوان، ورفع الكونجرس أو نقح أو مدد سقف الاقتراض 78 مرة منذ عام 1960، كان آخرها فى عام 2021، ومع ذلك تفاقمت المشكلة واتسعت الانقسامات الحزبية فى الكونجرس بينما زاد الدين بعد سنوات من ارتفاع الإنفاق وتخفيضات ضريبية كبيرة».

وحذرت وزيرة الخزانة جانيت يلين من أن الحكومة قد تتخلف عن السداد فى أقرب وقت فى 1 يونيو إذا لم يرفع المشرعون السقف أو يعلقوه.

قال موريس أوبستفيلد، الرئيس السابق لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولى: «إذا تراجعت المصداقية لأى سبب، فسوف يكون هناك موجات صادمة عبر النظام، وستكون لها عواقب وخيمة على النمو العالمى، واقتصادى فى صندوق النقد الدولى».

وأضاف: «تُستخدم سندات الخزانة على نطاق واسع كضمان للقروض، وكحاجز ضد خسائر البنوك، وكملاذ فى أوقات عدم اليقين العالية وكمكان للبنوك المركزية لإيقاف احتياطيات النقد الأجنبى».

وقال أوبستفيلد: «الاقتصاد العالمى فى مكان هش للغاية فى الوقت الحالى، لذا فإن الدخول فى هذا المزيج أزمة حول الجدارة الائتمانية لالتزامات الولايات المتحدة أمر غير مسئول بشكل لا يصدق، ونظرًا لأن هيمنة الدولار جعلته العملة العالمية الفعلية منذ الحرب العالمية الثانية، فمن السهل نسبيًا على الولايات المتحدة الاقتراض وتمويل كومة متزايدة من الديون الحكومية».

وتابع: «لكن ارتفاع الطلب على الدولار يميل أيضًا إلى جعله أكثر قيمة من العملات الأخرى، وهذا يفرض تكلفة الدولار القوى يجعل السلع الأمريكية أغلى مقارنة بمنافسيها الأجانب، مما يترك المصدرين الأمريكيين فى وضع تنافسى غير موات. هذا هو أحد الأسباب التى تجعل الولايات المتحدة تعانى من عجز تجارى كل عام منذ عام 1975».

ومن بين جميع احتياطيات النقد الأجنبى التى تحتفظ بها البنوك المركزية فى العالم، يمثل الدولار الأمريكى 58 %، ورقم 2 اليورو: 20 %، ويشكل اليوان الصينى أقل من 3 %، وفقًا لصندوق النقد الدولى.

وقدر الباحثون فى مجلس الاحتياطى الفيدرالى أنه من عام 1999 إلى عام 2019، تم إصدار فواتير بنسبة 96 % من التجارة فى الأمريكتين بالدولار الأمريكى، وهكذا كان 74 % من التجارة فى آسيا، فى أماكن أخرى خارج أوروبا، حيث يهيمن اليورو، شكلت الدولارات 79 % من التجارة.

وتعتبر عملة أمريكا موثوقة للغاية لدرجة أن التجار فى بعض الاقتصادات غير المستقرة يطالبون بالدفع بالدولار، بدلًا من عملة بلدهم.

وذكر التقرير على سبيل المثال سريلانكا، التى ضربها التضخم والانخفاض المذهل فى العملة المحلية، ففى وقت سابق من هذا العام، رفض الشاحنون الإفراج عن 1000 حاوية من المواد الغذائية التى تمس الحاجة إليها ما لم يتم دفعها بالدولار، وتراكمت الشحنات فى الأرصفة فى كولومبو لأن المستوردين لم يتمكنوا من الحصول على دولارات للدفع للموردين.

وقال نهال سينيفيراتنى، المتحدث باسم جمعية مستوردى وتجار الأغذية الأساسية: «بدون دولارات لا يمكننا إجراء أى صفقة، وعندما نستورد يتعين علينا استخدام العملة الصعبة بالدولار الأمريكى فى الغالب».