الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من أستاذية العالم إلى السقوط المدوى: سقوط مشـــــروع «الإسلام السياسى» الوهمى

سقط مشروع الإرهاب.. سقط فى مصر كما بدأ فيها.. وبسقوط رأس الأفعَى تهاوَى باقى الجسد فى باقى الدول العربية كورقات الدومينو، وانتهى ما يُعرَف بمشروع الإسلام السياسى إلى الأبد.. انتهى فى قلب وعقل أتباعه قبل خصومه، واتضح أن مشروع الوهم ما هو إلا نزاع على السُّلطة ومحاولة لفرض نظام سياسى وميليشيات مسلحة لا ولاء لها إلا للتنظيم ومعتقداته.



 

سقط الإسلام السياسى فى مصر مع نجاح ثورة 30 يونيو التى قام بها المصريون وساندها الجيش الوطنى العظيم استجابة للملايين التى خرجت فى ميادين مصر رافضة حُكم المرشد وحُكم التنظيم، ودخل الثوار قلعة الإرهاب المعروفة بمكتب الإرشاد بعد الحريق الذى نشب به وداسوا بأقدامهم على صور مرشد الإرهاب محمد بديع وصور المؤسّس الأول حسن البنا الذى صوَّر لأتباعه أنهم خُلقوا لسيادة العالم مستخدمين كل الطرق للوصول لهذا الهدف.

أنشأ البنا تنظيم الإخوان عام 1928 ومر التنظيم بعدة مراحل كانت مرحلتها الأولى معروفة بمرحلة التكوين؛ حيث استمرت عشر سنوات تظاهر فيها البنا وأتباعه بالدعوة إلى الله والعمل على إصلاح المجتمع والاهتمام بالتربية والمحافظة على شعائر الإسلام حتى ظهر الوجه الحقيقى للجماعة عام 1938 عندما عقدت مؤتمرها الخامس؛ حيث مهدت للانتقال للصدام تحت دعوى السيطرة على العالم باسم «أستاذية العالم» من خلال تدريب الإخوان نفسيًا وبدنيًا كى يخوض «لجج البحار، ويقتحم عنان السماء، ويغزو كل جبّار عنيد»- على حد قوله- هذه الكلمات التى تعتبر إعلان حرب من التنظيم لكل العالم، والتى أدخلت مصر فى دوامات عنف من الجماعة وذيولها التى انبثقت منها بعد الخلاف على فكرة الحاكمية والتعامل مع المجتمع.. بعد أن وضعت الولاء للمرشد من خلال القسم على المصحف و«المسدس» قبل الدين والوطن؛ بل استهدفت أبناء الوطن وكل من يختلف معهم، فقاموا باغتيال القاضى أحمد الخازندار، ثم اغتيال محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء؛ بخلاف حوادث التفجير والتخريب التى قامت بها الجماعة فى هذا الوقت فى فشل مدمر لما أطلقوا عليه مشروع الإسلام السياسى.

حتى تلاميذ البنا أو القطبيين ممن كانوا يبحثون عن فترة التمكين ساروا على درب الإرهابى الأول من مبدأ الاستعلاء وأستاذية العالم وجاهلية المجتمع الكافر، هذا الفكر الذى ظهر جليًا بعد أحداث يناير 2011؛ حيث كشف التظيم عن وجهه القبيح ومارَس كل أشكال الإرهاب الفكرى والبدنى حتى عندما وصل للسُّلطة كان فكر الجماعة هو المسيطر، فحاول أن يذيب المجتمع والبلد فى فكر التنظيم تحت مظلة كاذبة هى الإسلام السياسى.. لكن سقط التنظيم ولم يسقط الإسلام.

فشل المشروع الذى تأسّس على الخراب والأوهام والشعارات.. فشل المشروع لأنه لم يكن «مشروعًا» بالأساس، لكن مجموعة من الشعارات والأحلام بدولة الخلافة.. فلا أقام الخلافة ولا انصهر فى الوطن ولم يندمج مع المصريين؛ بل كان يتعامل معهم على أنهم طبقة دنيا لا تفهم ولا يحق لها أن تفكر.

حتى عندما وصل مشروع الإسلام السياسى إلى الحُكم فى مصر بعد أحداث يناير لم يظهر المشروع الذى روّجوا له طوال أكثر من 90 عامًا؛ بل كان الفشل هو المشروع الأبرز، الفشل فى الإدارة والفشل فى تجميع الشعب على مشروع واحد وظن أتباع المرشد بعد أن سيطروا على الأغلبية البرلمانية فى مجلسى الشعب والشورى أنهم سيبدأون فى مشروع التمكين، روّجوا أن هذه آخر انتخابات وستبدأ بعدها دولة الخلافة الإسلامية.

 سقوط مشروع الإسلام السياسى فى مصر التى وُلد فيها كان له بالتبعية زلزال على كل أتباعه فى المنطقة وأصبح المشروع محل شك ليس فى تنفيذه على أرض الواقع فقط؛ بل فى بنيته وأهدافه، فكيف يفشل بعد أن روّج أتباعه شعارات طوال عقود بأن الإسلام هو الحل.. وكيف يفشل فى ظل وجود مكتب الإرشاد العقل المدبر ورأس الأفعى الذى يدير التنظيم كله محليًا ودوليًا.. استتبع هذا السقوط أن هذا الخلاف ليس بين أعضاء التنظيم الدولى الذى يروج لمشروع الإسلام السياسى دوليًا ولكن بين فروعه فى كل الدول.. وبدأت تماثيل الشمع فى التهاوى مع ظهور شمس الحقيقة التى تؤكد فشل التنظيم فى كل شىء سوى الشعارات الفارغة.

ما جرى لمشروع الإسلام السياسى جرى للتنظيم الدولى ودبت الخلافات فيمن بقى منهم خارج السجون وخارج البلاد وظهر جليًا أن الخلاف على الزعامة أكثر منه خلافًا على إنقاذ المشروع الوهمى.. ظهر الصراع إلى العلن وهو الصراع الذى كان التنظيم حريصًا طوال نشأته أن يجعله قيد الكتمان.. وطالما تسربت المعلومات حول خلافات بين أعضاء التنظيم الدولى حول اختيار مرشد التنظيم من دولة المنشأ مصر.. وكان آخرها اختيار محمد بديع الذى سيسجل له التاريخ أنه مرشد السقوط.

طريقة اختيار «بديع» نفسها عليها خلافات داخل الإخوان، فبعد إعلان مهدى عاكف أنه سيتقاعد عن منصب المرشد ولن يطلب التجديد.. ظهر الاختيار السرى لاسم محمد بديع.. شخص مجهول لا علاقة له بالعمل الإخوانى.. فتكونت لجنة علاقات عامة من سعد الكتانى وسعد حسين للترويج للمرشد المجهول فى محاولة لإسكات أصوات التنظيم الدولى الرافضة الاختيار.. ولكن أصوات الرفض تعالت مع سقوط المشروع الوهمى ومع سقوط أعضاء التنظيم أنفسهم بتهم الإرهاب والتحريض عليه واستهداف المواطنين الرافضين لهم ولأفكارهم.

حيث تبنّى التنظيم عقيدة الإرهاب بعد أن نجح المصريون فى طرده وإنهاء حُكمه.. وفى 26 ديسمبر 2013، صنفت الحكومة، ولأول مرة منذ تأسيس تنظيم الإخوان على يد حسن البنا عام 1928؛ الإخوان «جماعة إرهابية»، وذلك بعد ساعات من التفجير الانتحارى الذى استهدف مديرية أمن الدقهلية، وخلف العديد من الضحايا، لكن القرار لم يثنى الجماعة عن عملياتها التى استهدفت كل المؤسسات سواء من خلال أذرعها المسلحة مثل حسم ولواء الثورة وغيرهما، أو عبر حلفائها من التنظيمات الأخرى.

القاسم المشترك فى مشروع الإسلام السياسى فى كل الدول التى وصل فيها للحُكم هو «الفشل» فى كل شىء، فلا أبقى على مشروعه الوهمى ولا استطاع النجاح؛ بل تسبب فى انقسامات مجتمعية كبيرة بين من أطلق عليهم الإسلاميين وغيرهم.. وفرض نموذجه بالقوة.. وتولدت عنه تيارات إرهابية فى إماكن عدة هدفها فرض مشروعها الفاضل بالقوة حتى كادت الدولة الوطنية أن تختفى.

لقد أثبتت تجربة الإسلام السياسى فى الحكم أن برنامجه كان مجرد وعود وهمية وشعارات فقط، هدفها السيطرة على المجتمع.. ومن نجح منهم فى الوصول إلى الحكم استهدفوا الاستيلاء على الدولة والمجتمع بشكل مطلق.

فى النهاية بدأ مشروع الإسلام السياسى غريبًا فى مصر بدعم مادى سخىّ من الاحتلال الإنجليزى لحسن البنا ليبدأ فى هدم الدولة الوطنية، وانتهى المشروع قبل أن يتمكن بالفعل من أن ينشئ دولته التى حلم بها وكانت نهايته بغير رجعة..أنصار الإسلام السياسى لا يعرفون وطنًا، ولا يؤمنون بالانتماء، وطنهم هو الجماعة، ومصالحهم مقدمة على مصلحة الوطن، لذا لا يجدون غضاضة فى الاستقواء بالخارج ضد أوطانهم.