الفتنة الملعونة .. «الخمسين» فى مواجهة «محامى الشعب»!

وفاء شعيرة
أن يقدم الاقتراح بنزع صلاحيات مهمة من مجلس الدولة واحد من الأعضاء الاحتياطيين بلجنة الخمسين المتقاطعين فى المصلحة الخاصة مع النيابة الإدارية، فهذا أمر جد خطير يلقى بظلاله على أزمة اضطهاد محامى الشعب أو «مجلس الدولة»، فنزع بعض اختصاصات مجلس الدولة المسمى «محامى الشعب» فى الدستور المرتقب أمر لن يمر بخير أبدا لا شعبيا ولا سياسيا ولا طبعا قضائيا، واعتبره الكثيرون من القضاة وفقهاء الدستور والقانون وبعض أعضاء لجنة الخمسين جريمة اغتصاب لاختصاصات مجلس الدولة الذى يعتبر قاضى الحريات والمدافع عن حقوق المواطنين والوطن فى وجه رئيس الجمهورية والحكومة بمن فيها من رئيس الوزراء والوزراء والهيئات الحكومية.
يقف فى وجه كل هؤلاء من خلال أحكامه الصادرة بإلغاء القرارات الخاطئة، فمجلس الدولة بأحكامه ألغى بيع شركات القطاع العام فى صفقة سميت بـ «الخصخصة»، وألغى تكوين الجمعية التأسيسية التى أعدت دستور 2012 وحل الحزب الوطنى الديمقراطى، وينظر الآن العديد من القضايا المهمة منها المطالبة بحل حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان ووضع الإخوان على قوائم الجماعات الإرهابية.
ومع اعتراض الكثيرين من خارج مجلس الدولة على ما كان من نزع لاختصاصاته، عقد رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور اجتماعا مع رؤساء الهيئات القضائية لتقريب وجهات النظر والتفاهم، وانتهى اللقاء كما قال لنا المستشار فريد تناغو رئيس مجلس الدولة إلى إبقاء اختصاصات كل هيئة قضائية كما هى على أن تقوم هيئة قضايا الدولة بإعداد العقود ويقوم مجلس الدولة بمراجعتها من الناحية القانونية.
ومن شدة المعارضين لنزع اختصاصات مجلس الدولة أجريت بعض استطلاعات الرأى بين المصريين حول مدى توقعهم فى محاولات الجهود التى تبذل للتقريب بين وجهات نظر قضاة مجلس الدولة ولجنة الخمسين وانتهى أحد هذه الاستطلاعات إلى التوقع بنسبة 74٪ بنجاح جهود رئاسة الجمهورية فى التقريب بين وجهات النظر فى حين أكد 21٪ فشل الجهود و5٪ لم يهتموا بهذه القضية.
وقال المستشار محمود يونس وكيل أول نيابة السويس: إن القضاء التأديبى أسند إلى قضاة مجلس الدولة بصورة مؤقتة لأن مجلس الدولة أنشئ عام 1941 قبل إنشاء النيابة الإدارية بـ 8 سنوات حتى يكتسب قضاة النيابة الإدارية الخبرة وبعد ذلك سيعود القضاء التأديبى للنيابة الإدارية مرة أخرى.
وأكد يونس أنه لا يوجد بديل لدى مجلس الدولة لإصلاح المنظومة لأن أغلب القضايا بمجلس الدولة تأخذ سنوات وهذا يعد بطئًا لقلة عددهم مقارنة بأعضاء النيابة الإدارية التى يتجاوز أعضاؤها 4 آلاف عضو فالهدف من القضاء التأديبى البحث عن الصالح العام.
وعلق المستشار حمدى ياسين رئيس نادى قضاة مجلس الدولة على ما قاله المستشار عبدالله قنديل رئيس نادى النيابة الإدارية أن قاضى مجلس الدولة يقوم بالإفتاء والتشريع والحكم فى وقت واحد، هذا الكلام غير صحيح فمن يفتى فى أمر ما وهو يجلس بالجمعية العمومية للفتوى والتشريع أو بإدارة الفتوى أو يفتى وهو فى جهة ندب لا يجوز له أن يجلس على منصة القضاء ويحكم بأى حال فى الأحوال فى فتوى شارك فيها وإلا يصبح الحكم الذى يكتبه باطلا.
وقال المستشار ياسين إن غضبة نادى قضاة مجلس الدولة لم يكن إلا لأن الأمر تم بغية الإجراءات المقررة فى اللجان النوعية بلجنة الخمسين فالأصل أن يتم التداول فيها بين اللجنة دون حضور أحد ممن لهم مصالح خاصة.
والثابت والمعلوم أن بعض أعضاء هيئة النيابة الإدارية حضروا جلسات لجنة نظام الحكم بغير حق وأن مقدم اقتراح إنشاء القضاء التأديبى داخل اللجنة ثبت من كثير من القول أن ابنته ضمن المعينين فى النيابة الإدارية.
وكان عليه- الكلام مازال للمستشار ياسين- ألا يقدم أية اقتراحات يشوبها أى مصلحة خاصة، كما أن مقدم الاقتراح عضو احتياطى باللجنة لا يجوز له أن يتقدم باقتراح أو التصويت، وغضبة نادى قضاة مجلس الدولة أيضا لأن اللجنة تجرى التصويت على الاقتراح فى غيبة حوار مع قضاة مجلس الدولة والنادى التى ستنزع اختصاصاته.
والحقيقة أن أزمة لجنة الخمسين ليست مع مجلس الدولة فقط، وإنما مع جميع الهيئات القضائية والدليل على ذلك ما قاله المستشار أحمد الخطيب رئيس محكمة استئناف القاهرة الذى قال لنا: الأزمة الحالية إحدى الحلقات التى تشهدها أروقة لجنة الخمسين فيما يتعلق بالهيئات القضائية، وكانت أولى حلقات هذا الصراع مع هيئة قضايا الدولة فى اختصاصها بشأن مراجعة العقود وتسوية المنازعات وتقليص تلك الصلاحيات لحساب مجلس الدولة، ثم الخلاف بشأن إلغاء سلطة النيابة الإدارية باتخاذ الإجراءات لمواجهة الفساد فى الجهات الإدارية التى كان منصوصًا عليها فى دستور .2012
ثم الصراع بشأن نقل تبعية القضاء التأديبى من ولاية مجلس الدولة وإسناده إلى النيابة الإدارية، فضلاً عن الخلاف عن القضاء العادى بشأن اعتزام لجنة الخمسين إلغاء ندب القضاة كليًا، فى حين أن دستور 2012 كان يسمح للقضاة بالندب الكلى.
وأكد الخطيب أن كل هذه القضايا الخلافية تم حسمها قبل ذلك فى دستور 2012 بعد الكثير من الخلافات والتناقضات والاعتراضات مع لجنة دستور 2012واتفقت أغلب الهيئات القضائية على ما انتهى إليه هذا الدستور لتوافقه مع طبيعة النظام القضائى فى مصر، وما استقرت عليه العلاقات القانونية والقضائية.
وطالب الخطيب لجنة الخمسين بالتراجع عن التعديلات التى لا مبرر لها، لأن هذا الأمر أدى إلى ارتباك داخلى ويتعين على الجميع توجيه النصح والإرشاد إلى تلك اللجنة، لأن هذه الخلافات قانونية وليست سياسية، فالهدف من الاعتراض والنقاش هو تصحيح المسار للوصول إلى دستور يلبى طموحات الشعب المصرى.
بينما أكد لنا عصام الإسلامبولى الفقيه الدستورى: نحن نطالب بتوسيع اختصاصات مجلس الدولة وبالنسبة للقضاء التأديبى طول عمره من اختصاص مجلس الدولة الذى وضع أسسه وقواعده القانونية والقضائية، كما أن مجلس الدولة هو صاحب الاختصاص الأصيل فى مراجعة العقود الإدارية، وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية يريدان أن يثبتا لأنفسهما أنهما جزء من السلطة القضائية.
ولابد أن نعترف أن مجلس الدولة هو القضاء الجرىء الذى يواجه جميع أوجه الفساد والتزوير فى الانتخابات، وثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو كان لهما السند القضائى من أحكام مجلس الدولة.
أما المستشار غبريال عبدالملاك رئيس مجلس الدولة السابق فأكد لنا أن مجلس الدولة واجه العديد من محاولات سلب اختصاصاته منذ 1969رغم أن أساس إنشاء مجلس الدولة من أجل الفصل فى المنازعات وقضاته هم الذين يحكمون فى القضايا التأديبية.
أما النيابة الإدارية فمثل أى نيابة وظيفتها التحقيق فى القضايا وعدم الفصل فيها تمامًا، مثل النيابة العامة هل يجوز لها أن تفصل فى القضايا التى تقوم بالتحقيق فيها؟ لا يجوز لأن صاحب الاختصاص هو المحاكم.
وما قالته النيابة الإدارية فى حق مجلس الدولة فيه العديد من المغالطات فقيل إن النيابة الإدارية بها 6 آلاف مستشار، وأن مجلس الدولة به 101 مستشار يعملون فى المحاكم التأديبية وهذا غير صحيح لأنه ليس فى مجلس الدولة قسم خاص لقضاة التأديب، فالمجلس يمكن أن ينقل ما يريده من مستشاريه إلى المحاكم التأديبية.
وبعض مستشارى النيابة الإدارية قالوا إن النيابة لديها أربعة آلاف قاض يمكن أن يعملوا بمحاكم التأديب، وهذا كلام غير منطقى، فهؤلاء الـ4 آلاف قاضى ماذا يفعلون الآن؟ أليس لديهم عمل يقومون به؟!
والحقيقة كما قال المستشار غبريال عبدالملاك أن مجلس الدولة دائمًا يجد غيرة وحسدًا من الجهات القضائية، ودائمًا مستهدف لأنه يعمل فى وجه الحكومة ويقف فى وجه القرارات والأخطاء التى تصدرها الدولة ويلغيها وباستطاعته أن يقف فى مواجهة من يريد أن ينال منه.