الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى ذكرى رحيله: أحمد راتب.. فنان بألف وجه

قرن وأكثر مَرّ على تاريخ السينما فى مصر، عشرات الوجوه تَعبر، بعضُها يمر مرور الكرام وبعضُها يترك أثرًا لا يُمحَى، بعضها يلعب أدوار البطولات فقط، وبعضها يتخصص فى لعب الأدوار الثانية ويبدع فيها حتى ترتبط باسمه. ورُغم أن جوائز الأوسكار الأمريكية اعترفت منذ زمن بعيد بأهمية وقيمة الممثل المساعد؛ فإن معظم المهرجانات والنقد السينمائى لايزالان يتجاهلان دورَ ومكانة الممثل المساعد.. ويكفى القول إن هؤلاء الذين ساندوا نجومنا، هم من أفنوا أعمارَهم لخدمة الفن ربما أكثر من النجوم الذين يقفون أمامهم.  



 

من هؤلاء الفنان الراحل «أحمد راتب» الذى مرّت يوم الاثنين الماضى 14 ديسمبر الذكرى الرابعة لوفاته. قدّم «أحمد راتب» خلال مسيرته الفنية الطويلة ما يقرب من خمسمائة عمل ما بين أفلام ومسرحيات ومسلسلات وسهرات تليفزيونية، قدّم خلالها عشرات الشخصيات. كان «معجونًا» بالتمثيل وقادرًا على التلوّن والتحوّر والتحوّل والتنقّل بخفة بين مختلف الشخصيات. هو الصعيدى قاسى القلب فى (غوايش)، الفلاح الساذج فى (على باب الوزير)، الموظف الشريف فى (طيور الظلام)، والثرى الفاسد فى (المال والبنون)، هو القبطى المسالم فى (فى شقة مصر الجديدة) والإرهابى القاتل فى (الإرهابى).. 

 

كل شخصية تقريبًا من هذه الشخصيات متفردة ولا تشبه الأخرى، ومعظمها تصلح أن تنال دور البطولة فى فيلم أو مسلسل يحكى عنها وحدها. هذه الميزة التى لا تتوافر لدى الكثيرين هى أكثر ما جعل أدوار «راتب» راسخة فى الذاكرة تستحضرها بسهولة وتتذكر كيف كانت تتحدث وتضحك وتسير، تتذكر ملامحها وملابسها وعباراتها. ورُغم أنه كان فنانًا غزير الإنتاج يشارك فى عشرات الأعمال سنويّا؛ فإنه تمتع بموهبة التقاط روح الشخصية التى يؤديها بسهولة، وهى القدرة التى سبقه فى التمكن منها العملاق «محمود المليجى».

 

فى معظم أعماله كان «أحمد راتب» يقدم «ماستر سين»، أو مشهد مهم ورئيسى، إذا حذف من الفيلم يؤثر على المضمون. مثلا ذاك المشهد العبقرى فى (المنسى) عندما يحكى للبطل عن قصة العشيقين اللذين قُتلا فى كُشُك التحويلة، دراما بالغة فى الحكى وتدرج نبرة صوته مع تعبيرات وجهه وعينيه تظل فى ذاكرة المشاهد طوال أحداث الفيلم رُغم أنه لم يظهر سوى فى مشهدين. وفى (الإرهاب والكباب) وهو أيضًا مع المجموعة نفسها، «وحيد حامد، شريف عرفة وعادل إمام»، نجده يقدّم «مونولوجًا» طويلا لا ينسى أيضًا عن الظُلم الذى تعرّض له وحلمه بالعدالة.

 

ظل «أحمد راتب» منذ بداية ظهوره فى أدوار كوميدية صغيرة فى السينما والتليفزيون والمسرح وحتى الأدوار الجادة التى قدمها فى مراحل نضجه المختلفة إلى أواخر ظهوره على الشاشة؛ نموذجًا للفنان الملتزم، الذى يدرك مساحة دوره ولا يحاول خطف الكاميرا ممن حوله، سواء بالأداء الكوميدى أو الدرامى المبالغ فيه، كان يعتنى بدوره فقط ويعرف حدود ظهوره ولكنه يبدع فى هذا الظهور القليل، ويُعلى من شأن الشخصيات المتواضعة التى يقدمها بأداء لا يُنسَى. ومع ذلك لم يكن يتهاون عندما تتاح له الفرصة فى أى عمل، فمثلا لا يمكن أن نتخيل ممثلا غيره فى أدوار «محمد القصبجى» فى (أم كلثوم)،أو «سلامة الحلوانى» فى (بوابة الحلوانى)، أو «إيزاك بن عميتاى» فى (رأفت الهجان)،أو «الكحيت» فى (ناس وناس).. وغيرها من الأدوار المهمة فى السينما والمسرح.

 

«أحمد راتب» فنان لا يتكرر كثيرًا، عاش حياته بأكملها للفن، وهو من أكثر من يستحقون التذكّر والتكريم مَهما مرّت السنوات. 