الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

(التاج).. الذى سقط سهوًا

مثلما تمكنتْ من خطف القلوب وسلب العقول فى حياتها، تمكنتْ أيضًا أميرة القلوب الراحلة «ديانا» من فعل الشىء نفسه فى المسلسل الذى صنع لكى يقدم الحياة الكاملة للملكة «إليزابيث الثانية». ولكن من جديد تخطف «ديانا» الأضواءَ على الشاشة كما فعلتها من قبل فى الحياة.



 

مسلسل (the crown) دليل جديدٌ على أن «ديانا» لن تسمح حتى وهى فى العالم الآخر أن تمنح قبسًا من النور لأىّ من أفراد العائلة الأقوَى والأقسَى فى العالم. المسلسل عُرض منه حتى الآن أربعة مواسم على منصة نتفليكس. وكان من المنتظر عرض موسمَيْن جديدَيْن خامس وسادس، إلّا أن صُنّاعه قرّروا مؤخرًا إلغاء الموسم السادس والاكتفاء بخمسة أجزاء فقط تنتهى بموت «ديانا»، ما يؤكد أن صُناع المسلسل أدركوا العامل الرئيسى لجذب الجمهور للحكاية، قصة «ديانا» التى لا يكتفى الناسُ من سماعها مثلما لم يكتفوا من سماع حكايات (السندريلا، الجميلة والوحش أو سنو وايت).  وما أشبه قصتها بحكايات هؤلاء.

فى الجزئَيْن الأول والثانى شاهدنا قصة تولّى ملكة إنجلترا للحُكم وهى فى الخامسة والعشرين. وكيفية تعاملها مع ثلاثة عناصر فى غاية الأهمية: شعبها، عائلتها، ورؤساء وزراء مملكتها.. وبوضوح شديد يُبرز المسلسل العيوبَ قبل المميزات، والإخفاقات قبل النجاحات.

وإن كانت «إليزابيث» قد تعلّمت الدرسَ الذى لقنتها إياه جدّتها (دورك هو ألا تفعلى شيئًا، وهذا أصعب شىء)؛ لتكون صورة رمزية للإمبراطورية «التى غابت عنها الشمس»، لا رأى لها أمام رؤساء وزراء مملكتها، لا مساندة ولا مَحبة تقريبًا لأفراد عائلتها.

الحلقات الثلاثون فى المواسم الأول والثانى والثالث من تلك المَلحمة الدرامية، ورُغم جديتها وأهميتها تاريخيّا؛ فإنها تمُرُّ بشكل هادئ ورتيب. الملكة مهمشة الدور، باهتة الحضور فى الدراما كما فى الحياة، يسرق منها الأضواء شخصيات ثانية وثالثة، منها أختها «مارجريت»، «تشرشل»، و«جمال عبدالناصر». 

أتبع السيناريو على مدار تلك الحلقات، نفس التقليد فى الخلط بين الخاص والعام، فى حلقات منفصلة متصلة نتابع فى كل منها واقعتين تتعرض الملكة لواحدة والمملكة للثانية.. فمع أزمة تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثى تكتشف خيانة زوجها، ومع أزمة الاتحاد السوفيتى تكتشف مقدار محدودية تعليمها وثقافتها، ومع أزمة غيرتها من «جاكلين كنيدى» وشعورها بالتهميش بجوارها تقع أزمة استقلال غانا.. وهكذا.

فى الموسم الثالث يزداد وهَج المسلسل بظهور «أوليفيا كولمان» و«هيلينا بونهام كارتر».. «كولمان» التقطت روح «إليزابيث» واعتمد على ذلك فى أدائها على عكس بطلة الموسمَين الأول والثانى «كلير فوى» التى اعتمدت على الاقتراب من الشكل الخارجى فقط. «كولمان» وصلت بنا إلى أقصى نقطة  اقتراب من الملكة، نكاد نسمع نبضات قلبها، نستنشق رائحتها، ونلمسها بأيدينا. الملكة مدانة ومتهمة بالقسوة والعنف وغياب كلى لأى معنى من معانى التعاطف، حتى نهاية الموسم الثالث.  

فى الموسم الرابع، نجد أنفسنا أمام امرأتين غيّرتا وجه وتاريخ المملكة، منافسة شرسة لم تتمكن الملكة من مضاهاة أىٍّ منهما. «مارجريت تاتشر» و«ديانا»، بطلتا الموسم الرابع، الثلج والنار، الملاك والشيطان. وبينهما وقفت الملكة مكبلة اليدين وقليلة الحيلة.. «تاتشر» أو المرأة الحديدية، بأداء مذهل من «جيليان أندرسن» شكلًا ومضمونًا، رئيسة وزراء إنجلترا لأحد عشر عامًا متواصلة، تسخر من النساء وتكاد تحتقرهن، ومع ذلك نجدها تناقش أزمة دول الكومنولث وهى تطهو الطعام فى المطبخ لمساعديها ونوّابها مثل ربّات البيوت اللائى تنتقدهن.

على نقيض المرأة الحديدية نجد الأميرة الضعيفة، الهزيلة التى تتعرض لمآسٍ متواصلة من الملكة وابنها وجميع عائلتها.. لا يخفف عنها هذا العبء وذاك الثقل سوى محبة الناس التى تنغمر عليها.. كل تصرفات «ديانا» كانت غير مقبولة، تمجيدها فى الصحف واقترابها من الناس واجهته بتنغيصها وابتعادها عن العائلة.. الغيرة تكاد تدمر نساء العائلة ورجالها، لا يترددون فى التعبير عن حنقهم وكراهيتهم لها، إن لم يكن بالكلمات كما فعل زوجها «تشارلز» وأخته «آن» فبالنظرات واللفتات والتصرفات كما تفعل الملكة نفسها وأختها مارجريت.. «ديانا» الوجه الوحيد الذى تقبّله الناسُ فى هذا القصر، وهى أيضًا الوجه الوحيد الذى رفضه كل سكان نفس القصر.

ينتهى الموسم الرابع بنظرة ذات مغزى من «ديانا»، الفتاة المهزومة من قِبَل تلك العائلة تستعد للتمرُّد؛ لاستعادة كرامتها، للانتقام.