الثلاثاء 12 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الاستسلام الفرنسى لأوباما!

الاستسلام الفرنسى لأوباما!
الاستسلام الفرنسى لأوباما!


فرنسا التى كانت دوما حليفة للعرب خاصة مصر تحولت اليوم بسبب رئيسها الاشتراكى هولاند إلى دولة داعمة لكل القرارات الأمريكية والتى تصب فى النهاية فى مصلحة إسرائيل، كذلك لم يقم الرئيس الاشتراكى فرنسوا هولاند بزيارة واحدة إلى مصر منذ تم انتخابه على عكس الرؤساء الفرنسيين السابقين، بل قام بزيارة إلى الدوحة فى إطار استمرارية العلاقات الجمهورية لفرنسا مع قطر واستمرار روابط الصداقة الموجودة أصلا بين باريس والدوحة منذ عهد الرئيس جورج بومبيدو متناسيا تاريخ فرنسا والعلاقات المصرية - الفرنسية التى كانت دوما فى أفضل حالاتها مع كل الرؤساء السابقين.
وكانت العلاقات السياسية بين فرنسا ومصر تتميز بالعمق والمتانة فى ضوء التقدير الكبير الذى يكنه المسئولون الفرنسيون للدور القيادى الذى تقوم به مصر على الصعيدين الإقليمى والدولى، فضلا عن حرصهم علىالتشاور المستمر مع القيادة السياسية فى مصر للتعرف على رؤية القاهرة لتطورات الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الموضوعات الدولية الأخرى، إلا أن الفترة السابقة ومنذ بدايات ما سمى بالربيع العربى لم تشهد العلاقة أى زيارات رئاسية أو وزارية متبادلة إلا من زيارة واحدة فقط قام بها وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس استقبله خلالها المعزول محمد مرسى فى 18-9-2012 وتم خلال اللقاء بحث تطوير وتنمية العلاقات التاريخية المتميزة بين البلدين، فى حين كانت تشهد العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر وفرنسا نموا ملحوظا منذ بداية الثمانينيات وفرنسا كانت من أهم المستثمرين فى مصر وأحد أهم الأسواق التصديرية للمصدر المصرى. ويحكم العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر وفرنسا عدد من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون. تم توقيع الاتفاق الخاص بتمويل الشق الأجنبى من المرحلة الثالثة للخط الثالث لمترو الأنفاق بإجمالى 940 مليون يورو فى 28-8-.2012
 
تأتى اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية كأهم هذه الاتفاقيات، خاصة أنها أتاحت لعدد كبير من بنود السلع المصرية دخول أسواق الاتحاد الأوروبى بصفة عامة وفرنسا بصفة خاصة بدون رسوم جمركية. وبعد مرور 8 سنوات على دخول الشق التجارى حيز التنفيذ حقق التبادل التجارى بين مصر وفرنسا نموا بنسبة 41٪ فى عام 2009 مقارنة بعام 2002 ليبلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين 3,2 مليار يورو وذلك نظرا لتحول فرنسا إلى دولة قطر.
 
وأكد وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس فى الكلمة التى ألقاها وزير الخارجية الفرنسية فى ختام أعمال المؤتمر السنوى للسفراء الفرنسيين، والذى عقد على مدى 3 أيام بباريس إن بلاده ستواصل إيصال رسالة إلى مصر تفيد أنه لن توجد نتائج إيجابية على المدى الطويل دون احترام سيادة القانون وعملية شاملة، وحماية جميع الأقليات، وأضاف «فابيوس» أنه وفى الأزمة التى مزقت مصر، البلد الصديق لفرنسا، سعينا جاهدين للعمل لصالح طريق سلمى وديمقراطى وتناست فرنسا ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو وما عاناه المصريون خلال عام كامل من حكم المعزول محمد مرسى وجماعته الإرهابية بالرغم أنهم عاشوا فى ثورتهم ما لا يقل عن ثلاثين عاما لحين استقرت الأمور لديهم.
 
فى سياق آخر، أكد وزير الخارجية الفرنسى أن بلاده تؤيد جهود الولايات المتحدة فى عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، مشددا على استعداد باريس للمساهمة فى جهود دفع المفاوضات. واستعرض رئيس الدبلوماسية الفرنسية التحديات الحالية، ومن بينها الحركات الديمقراطية، التى تعكس التوق للحرية والكرامة والتغيير، مشيرا إلى أنه بالنسبة للثورات العربية، فإن الوضع يبدو غالبا مأساويا، حيث أثبتت الثورات أنها لايمكن أن تنجح إذا ما أرادت السلطات بها أن تقوم بأسلمة المجتمع بالقوة، إذا رفضت وجود حكومة شاملة أو إذا لم تعمل على معالجة المشكلات الاقتصادية متجاهلا تماما ما قامت به جماعة الإخوان المتأسلمين خلال عام من حكم المعزول مرسى وقيام ثورة 30 يونيو التى صححت مسار الثورة المصرية.
 
وعلى جانب آخر فقد نفضت بريطانيا وألمانيا أيديهما من المشاركة فى ضرب سوريا، بينما لم تظهر تركيا أى دلالة على دعم كلامها بالأفعال، بعد أن تحدثت بلغة صارمة تجاه ما يحدث فى سوريا، وفى وقت أبدى فيه أوباما استعداد بلاده لتوجيه ضربة عقابية لنظام بشار الأسد، إلا أن دولة واحدة كانت على استعداد للمشاركة العسكرية ومازالت وهى فرنسا، التى كان يستهزأ بها لوقت طويل لضعفها المميز.
 
وقالت مجلة فورين بوليسى الأمريكية إن مسئولى البيت الأبيض يصرون على أن أوباما مازال يفكر فى الاختيار ما بين توجيه ضربة صاروخية محدودة، أو تنفيذ غارات جوية على أهداف داخل سوريا، ولا توجد أية إشارة عن موعد اتخاذ القرار. وأضافت المجلة أن الأيام الأخيرة كشفت عن شىء واضح، ألا وهو أن الولايات المتحدة فى حال قرر أوباما التدخل ستكون تقريبا وحيدة فى هجومها ومعها فرنسا.
 
ففى الأسبوع الماضى، وجه البرلمان البريطانى هزيمة مهينة لديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى، وصوت ضد تدخل لندن ضد دمشق، أما وزير خارجية ألمانيا فصرح لصحيفة زايتونج بأن ألمانيا لم يطلب منها المشاركة فى الضربة، عوضا عن تفكيرهم أصلا فى عمل ذلك، أما تركيا التى عبرت عن استعدادها للتدخل فى سوريا دون انتظار قرار من مجلس الأمن، فساد الصمت موقفها الرسمى فى الأيام القليلة الماضية مع ظهور بوادر تدخل أمريكى فى سوريا. وتقريبا رفضت كل الدول المشاركة فى الضربة إلا فرنسا فكانت الاستثناء، إذ صرح الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند لصحيفة لوموند، أن استخدام الأسلحة الكيماوية فى ضواحى دمشق «يجب ألا يمر بدون عقاب»، وأن فرنسا «مستعدة لمعاقبة» الأسد على تلك الهجمة، كما أن هولاند يتمتع بميزة لا تتوفر لديفيد كاميرون، إذ إن صلاحياته تتيح له توجيه ضربات عسكرية دون موافقة البرلمان، وتوحى لغة الرئيس الفرنسى القوية بأنه مستعد لعمل ذلك.
 
وأشارت الصحيفة إلى أن المشاركة الفرنسية المحتملة فى سوريا ستكون الثالثة لها فى خلال الأعوام الماضية كشريك رئيسى أو وحيد فى عمليات عسكرية، خشيت إدارة أوباما أن تنخرط فيها بشكل فردى. وحلت فرنسا محل بريطانيا كحليف رئيسى لواشنطن فى العمليات العسكرية المحدودة حول العالم.
 
وهذا النهج القوى أظهرته فرنسا خلال أزمة ليبيا، عندما قاد الرئيس الفرنسى فى ذلك الوقت نيكولا ساركوزى الجهود لفرض منطقة حظر جوى فوق الأراضى الليبية، ولاحقا أمر القوات الفرنسية بتوجيه الضربات الأولى للتدخل العسكرى هناك، كما لعبت القوات الجوية الفرنسية -التى لحقت بها قوات بريطانيا والولايات المتحدة فيما بعد- دورا محوريا فى تدمير معظم القوات العسكرية لمعمر القذافى، وأدى ذلك فى النهاية إلى الإطاحة به وموته على يد قوات الثوار.
 
وقالت فرنسا الأحد الماضى الأول من سبتمبر إنها ستنتظر منح الكونجرس الأمريكى الرئيس باراك أوباما تفويضا لتوجيه ضربة عسكرية مرتقبة لسوريا ردا على الهجوم بالسلاح الكيميائى على غوطة دمشق مؤخرا، وهو ما يرجح أنه لن تقدم أى دولة على عمل عسكرى ضد دمشق.
 
وقال وزير الداخلية الفرنسى مانويل فالس فى مقابلة مع إذاعة فرنسية إن فرنسا لا يمكنها تنفيذ الضربة العسكرية المرتقبة بمفردها. وأضاف أن هناك حاجة إلى ائتلاف لتنفيذ الضربة التى لن تحدث فى كل الأحوال قبل التاسع من هذا الشهر وهو التاريخ الذى حدده الكونجرس الأمريكى لبدء النقاش بشأن العملية العسكرية ضد نظام الرئيس السورى بشار الأسد.
 
وكان البرلمان البريطانى قد رفض بأغلبية بسيطة طلب تفويض من رئيس الحكومة ديفيد كاميرون للمشاركة فى عمل عسكرى ضد سوريا وهو القرار الذى حد من اندفاع واشنطن وباريس ودول غربية أخرى لضرب مواقع داخل سوريا رغم أن دولا مثل كندا وأستراليا تدعم التحرك الأمريكى. وأكد الرئيس الفرنسى هولاند مجددا اعتزامه معاقبة النظام السورى على الهجوم الكيميائى الذى قال وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى إنه أودى بحياة أكثر من 1400 سورى. وتحولت فرنسا إلى حليف رئيسى للولايات المتحدة فى الملف السورى بعد الانسحاب البريطانى.
وفى ظل إحجام بريطانيا عن المشاركة فى تدخل أمريكى قادم فى سوريا، أعطت فرنسا إشارات تؤكد أنها الحليف الوحيد للولايات المتحدة، المستعدة للمشاركة عسكريا بجيشها حتى لا تخوض واشنطن حربها بمفردها، وتملك فرنسا قواعد عسكرية فى دولة الإمارات العربية المتحدة وجيبوتى، يمكنها نظريا أن تمهد الطريق أمام غارات جوية فى سوريا، كما أن طائراتها - بعد موافقة تركيا - يمكن أن تقلع من قاعدة أنجرليك فى جنوب تركيا.
 
ونقلت مجلة فورين بوليسى الأمريكية عن مايكل شوركن الخبير فى الشئون الفرنسية فى مؤسسة راند قوله: إن فرنسا تبنت نهجا أحادى الجانب لأمنها القومى، وتنوى استخدام قواتها العسكرية بدون مصادقة حلف شمال الأطلسى- الناتو - أو الأمم المتحدة، وأنها تفضل العمل ضمن تحالف واسع من دول صديقة، مؤكدا أن فرنسا على استعداد تام فى الوقت الراهن لأن تحارب بمفردها أو مع الولايات المتحدة.
 
وقالت المجلة إن النهج الجديد لفرنسا المتسم بالقوة، يعكس تغيرات القيادة فى فرنسا وتاريخها المعقد فى الشرق الأوسط وإفريقيا، فقد كان الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى الذى قاد فرنسا أثناء حرب ليبيا مؤيدا لأمريكا، وأكثر ارتياحا لاستخدام القوة العسكرية على عكس أسلافه، كما أنه أول رئيس فرنسى يعيد باريس إلى حضن الناتو بعد عقود من الجفاف.
وأما الرئيس هولاند فهويسارى، لكنه يعتقد أن أحداث الشرق الأوسط وإفريقيا يمكن أن يكون لها تأثير مباشر على مصالح بلاده، فالشركات الفرنسية تنشط من خلال المنطقتين، كما أن قرب فرنسا من الشرق الأوسط يعرضها لضربات صاروخية من دول مثل سوريا، أو هجمات إرهابية من دولة مثل مالى. وأضاف شوركن، أنه سأل أحد ضباط الاستخبارات الفرنسية عن سبب اهتمام باريس بمنطقة الساحل فى إفريقيا، فأجابه بأن فرنسا تعتبر المنطقة كدولة «المكسيك» بالنسبة للولايات المتحدة.
 
وأشارت المجلة إلى أن اتفاق الطرفين الأمريكى والفرنسى لاح عبر عبارات المودة المتبادلة بين مسئولى البلدين، فقد أشاد وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بفرنسا، واصفا إياها بـ «الحليف القديم»، مشيرا إلى أن آخر مرة وقفت فيها فرنسا إلى جانب أمريكا فى صراع كانت عام 1778 خلال حربها ضد بريطانيا.
 
وعلى جانب آخر فقد كشفت قناة المنار اللبنانية التابعة لحزب الله أنهعقد اجتماع ثلاثى خلال الأيام الماضية يوم 31 من أغسطس فى قاعة جامعة تل أبيب حضره الموساد الإسرائيلى وممثل عن القوات البريطانية ووزارة الدفاع الفرنسية، وهى الأطراف نفسها التى شنت العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 أثناء عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهذه المرة من نافذة إعادة جماعة الإخوان المسلمين للسلطة من خلال دعمها بالسلاح وحماية صفها القيادى الثانى، وتصعيد حملة تشويه لوزير الدفاع عبدالفتاح السيسى، وإحداث فتنة طائفية، وإحياء مخطط التقسيم فى مصر.
 
وجاء فى محضر الاجتماع أن الوضع فى مصر، أصبح مؤسفا بعد سقوط الإخوان المسلمين وتحالف الجيش والشرطة والشعب معا، إضافة إلى بعض الأحزاب التى تتعاطف معهم، وأن استمرار هذا الوضع يطيح بالخطط التى وضعها الغرب لتقسيم مصر، كما أكد الحضور أن جماعة الإخوان، لم تحقق خلال الأيام التى تلت فض اعتصامى رابعة العدوية فى مدينة نصر والنهضة بالجيزة إلا نجاحات ضعيفة جدا على مستوى إعادة الاستيلاء على السلطة.
 
وأكد الحضور أنه طوال معركة الإخوان مع القيادة السياسية فى مصر، نجحت إسرائيل وبريطانيا وفرنسا فى مدها بسلاح تم تهريبه من ليبيا على الطريق الصحراوى إلى بنى سويف، والمدن المحيطة بها، إلى جانب خط الواجهة البحرية العلمين، إضافة إلى وسائل النقل البحرى، كما نجحت هذه الأجهزة الغربية فى تهريب أسلحة قادمة من إسرائيل إلى الإخوان من سيناء.
 
ومما جاء فى محضر الاجتماع أن الأجهزة الأمنية الغربية طلبت من الإخوان تقليص دور وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى والإنقاص من شعبيته لدى المصريين من خلال حملات لتشويهه، إضافة إلى محاولة بث الخوف لدى ضباط وقيادات الداخلية لعدم الاحتكاك بالإخوان خشية تعرضهم للمحاكمات الجنائية بتهم قتل المتظاهرين، ومحاولة إشعال الفتن الطائفية باستهداف الأقباط، حتى يطالبوا بالتدخل الأجنبى فى مصر.
 
وانتهى الاجتماع إلى الاتفاق على نقاط عديدة أبرزها أن تبقى العمليات المركزية المسئولة عن مراقبة الأوضاع فى مصر، تدار فى منطقة هرتزليا، وتستمر القاعدة البحرية البريطانية فى dekhlia فى قبرص مسئولة عن الإشراف على إيصال الأسلحة برا وبحرا إلى بقايا الإخوان، وتكثيف نقل الأسلحة إلى مصر وتخزينها فى المدن، والمحافظات، وإطالة التفاوض بين القيادة السياسية والإخوان وعدم التوصل لحل، وتمويل المعارضة حتى تتحول مصر إلى سوريا، وفقا لمحضر الاجتماع.
 
كما أوصى الاجتماع كذلك بالحفاظ على قيادات الصف الثانى لجماعة الإخوان بعد سقوط الكبار، ومحاولة منع مقاضاتهم قانونيا، وقياس قدرة الجيش والشرطة على الاحتمال عن طريق تصعيد متدرج والتوقف حال التأكد من إرادتها على الرد والحسم، والمحافظة على مستوى العنف بلا تصعيد، وبلا تخفيف حتى لو أدى ذلك إلى اقتصار التجمعات والاعتصامات على مركزين أو ثلاثة.
 
العلاقة بين فرنسا وإسرائيل كانت دائما وثيقة رغم منحى الصعود والهبوط الذى أخذته أحيانا، وقد بدأت حتى قبل قيام إسرائيل، عندما دعمت فرنسا اليهود ضد السلطات البريطانية، وصوتت لصالح قرار التقسيم الأممى، لكنها تأخرت أشهرا معدودة عن الاعتراف بدولة إسرائيل.
 
وعموما يمكن تلخيص العلاقات بين البلدين فى مراحل ثلاث كبرى هى: التحالف الإستراتيجى حتى ,1967 التطبيع مع صعود وهبوط حتى بداية عام ,2000 فالتحالف مجددا خاصة بعد انتخاب ساركوزى. لا نعنى بالتطبيع إنهاء التحالف لأن فرنسا بقيت ملتزمة بأمن إسرائيل، أى علاقة تحالفية، وإنما نقصد بالتطبيع إيجاد مسافة سياسية معقولة تقلل من حدة الانحياز، لكن لا تضع حدا له.
 
ثم إن تراخى التحالف الاستراتيجى الفرنسى الإسرائيلى تزامن مع تعاظم التحالف الاستراتيجى الإسرائيلى الأمريكى وتقاسم للأدوار بين فرنسا وأمريكا. وهناك علاقة طردية بين طبيعة العلاقات الفرنسية الأمريكية والعلاقات الفرنسية الإسرائيلية، إذ كلما تبنت فرنسا توجها استقلاليا عن أمريكا زادت المسافة الاستراتيجية بينها وبين إسرائيل، وكلما قل «تمردها» على أمريكا تقلصت تلك المسافة مثال غزو العراق: اعتبرت إسرائيل الموقف الفرنسى خيانة.
 
ويبدو أن هذه العلاقة السببية لا تنفى وجود مصالح متقاطعة بين فرنسا وإسرائيل فى لبنان وسوريا وإيران والانتشار النووى عموما. وقد تميزت المرحلة ما قبل الحالية، خاصة فى فترتها الأخيرة، باضطرابات بسبب معاداة السامية، وسياسة إسرائيل تجاه حيال عملية السلام وحصارها لعرفات ومجازر جنين ولبنان وهذا حتى نهاية .2005
 
وهنا نلاحظ الصعود والهبوط فى العلاقة، فمثلا نجاح الإسرائيليين والأمريكيين فى تحميل عرفات مسئولية فشل مفاوضات كامب ديفيد وطابا جعل الحكومة الفرنسية تتبنى تقريبا نفس الموقف، لكن سرعان ما توترت العلاقات بسبب عملية السلام (إعادة إسرائيل احتلالها لبعض أراضى الحكم وتدميرها للبنية التحتية الفلسطينية الممولة من طرف أوروبا).
 
وقد وصل الخلاف أوجه فى 2002 لدى زيارة شارون لفرنسا، وتوالت حلقات الأزمات بين البلدين بسبب معاداة السامية فى فرنسا وعلاج عرفات بباريس وغزو العراق. ولم تتحسن إلا بعد انسحاب إسرائيل الأحادى الجانب من غزة الذى سهل زيارة شارون لفرنسا فى يوليو 2005 التى أسست لفصل جديد فى العلاقات الثنائية مهد لبداية مرحلة نوعية تأكدت أكثر حاليا، بعد مواجهتى معاداة السامية وشخص ياسر عرفات.
 
أما شيراك المعروف بمواقفه المساندة للعرب والمنتقدة للسياسات الإسرائيلية، فهو أول رئيس فرنسى اعترف بمسئولية الدولة الفرنسية عن محنة يهودها خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما رفض ميتران الإقرار به محملا نظام فيشى لا الدولة الفرنسية مسئولية ما حدث.
 
من جهة أخرى، حكم شيراك يشبهبعض الشىء من حيث توجهاته الجمهورية الرابعة، ذلك أن الحكومات الفرنسية خاصة بعد رئاسيات 2002 كان معظم وزرائها متعاطفين ومنحازين لإسرائيل (نفس الشىء تقريبا مع الحكومة الحالية)، والبعض منهم أعضاء فى جمعيات موالية لإسرائيل. فهذا الانحياز الذى كان يعمل فى الخفاء شكل موازنا للمواقف الرسمية.
 
أما المواجهة الثانية فكانت بشأن عرفات، مواجهة حسمها الموت، وقال الإسرائيليون إن المشكلة هى عرفات نفسه ويجب إزاحته من السلطة لرفضه السلام (رفضه لما عرض عليه فى كامب ديفيد وطابا)، بينما قال الفرنسيون إن تنحيه ليس شرطا ضروريا لإحياء عملية السلام.
 
وشاءت الأقدار أن ينقل عرفات للعلاج فى فرنسا، لتفتح صفحة أخرى من المواجهة حول شخصه بين الإسرائيليين والفرنسيين، ثم يموت هناك فتحسم بذلك المواجهة السياسية، ربما الأشد بين الحليفين فى السنوات الأخيرة.
 
يتضح من خلال كل هذا مدى التناقضات الداخلية فى هذه العلاقة ونسبية مفردات الانحياز والاتزان، فالأمور تبقى نسبية والقاعدة هى تحالف استراتيجى يقوم على التزام فرنسى بأمن إسرائيل، ويتطور مضمونه دون تغيير جوهره. فالتحالف بنيوى وليس وقتيا، لذا فهو يصمد أمام بورصة التوترات السياسية، لأن الحد الأدنى من التضامن الاستراتيجى يبقى قائما، بل إن العلاقة بقيت قوية ومثال ذلك زيارة دو فيلبان لإسرائيل وخطابه فى القدس، حتى فى أحلك مراحل التوتر بين البلدين.
 
وهناك حوار استراتيجى سنوى تعمق منذ 2005 وخص قضايا إقليمية كالنووى الإيرانى، وتطبيق القرارين الدوليين 1559 و,.1710 وقد شكلت مجموعة عمل عالية المستوى مكلفة بالتفكير فى طرق إعادة دفع العلاقات الثنائية، أما المبادلات التجارية فتضاعفت حسب الخارجية الفرنسية خلال عشر سنوات، ومنذ 2003 زادت الصادرات الفرنسية لإسرائيل بنحو 10٪ لتبلغ قيمتها 6,1 مليار يورو فى ,2006 وتعد فرنسا ثانى مصدر لواردات إسرائيل وتاسع وجهة لصادراتها، وهى أيضا ثانى وجهة سياحية للإسرائيليين بعد الولايات المتحدة.
 
أما عسكريا، فيبدو أن فرنسا عاودت تعاونها العسكرى مع إسرائيل فى 1993 عند انطلاق عملية أوسلو، وقد أعلنت فى يونيو 2004 توقيع اتفاقات عسكرية معها. وكدلالة على التحسن الملحوظ فى علاقاتهما، زاد عدد الزيارات الرسمية العالية المستوى بين البلدين منذ ,2003 بوتيرة لم يشهد لها مثيل من قبل، خاصة مع بدء التحسن فى العلاقات بعد احتلال العراق، وتحديدا بمناسبة زيارة دومينيك دوفيلبان، وزير الخارجية فى ذلك الوقت فى مايو 2003 وإلقائه خطابا تاريخيا فى القدس، يذكر بخطاب ميتران أمام الكنيست.
 
وقد أعلن فى هذا الخطاب إعادة تأسيس العلاقات الإسرائيلية - الفرنسية التى هى امتداد للعلاقة بين فرنسا والعالم اليهودى، وعن تنصيب لجنة عليا لإعادة تأسيس الحياة الروحية، وكذا بناء معهد ثقافىفرنسى فى إسرائيل.
 
إن تبعية فرنسا لأمريكا اليوم، وبالتالى لإسرائيل والتى ظهرت واضحة من خلال التحالف الأمريكى - الفرنسى لضرب سوريا أصبح واضحا وجليا للجميع والسبب فى ذلك إسرائيل أولا ثم محاولة لإحياء تنفيذ الأجندة الأمريكية فى المنطقة ومحاولة إعادة نظام الإخوان المسلمين مرة أخرى فى مصر من ناحية ومساعدتهم وإمدادهم بالسلاح فى سوريا من ناحية أخرى.