الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المسرح المصرى والمعتاد الجديد

تفكر وزارة الثقافة الآن فى إطار تفكير الحكومة المصرية لمحاولة استعادة المسارات الحياتية الطبيعية مع اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية ضد الوباء، الذى يحاول البقاء معنا لفترة أطول.



 

وفى هذا الإطار تتشاور وزيرة الثقافة الفنانة د.«إيناس عبدالدايم» مع عدد من الدوائر ذات الصلة فى مسألة إعادة افتتاح المسارح فى مصر.

 

يأتى ذلك التفكير بعد تأمل ما فعله عدد من الدول التى قررت استئناف النشاط العام.

 

 

ووفقًا لتقرير لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، وبمتابعة ما أطلق عليه نظام الحياة العادى الجديد new normal، وبالنظر إلى ما فعلته ألمانيا وإسبانيا وسنغافورة فى الشأن المسرحى، فى إطار استئناف الفعاليات المسرحية مع الإبقاء على مسافة التباعد الاجتماعى وهى المتر ونصف المتر، بين كل مقعد لمتفرج ومقعد المتفرج المجاور داخل قاعات العرض المسرحى. واقترحت لجنة المسرح مجموعة من الشروط فى تقديرى أنها ستتسبب فى حال تنفيذها فى تغير معالم الصياغة الجمالية للعروض المسرحية، منها عودة المونوداما، وهى مسرحة الممثل الواحد داخل القاعات الصغيرة، ومراعاة صياغة درامية لا يزيد عدد الفنانين فيها على أربعة أشخاص، على أن يتم خلال عملية الإخراج المسرحى وصياغة المشهد مراعاة التباعد الاجتماعى.

 

بحيث يقوم مخرج العمل بالاستعاضة عن التلامس والمواجهة والاحتكاك إلى آخر هذه الأشكال من أشكال الحركة المسرحية بحيل مسرحية جديدة تحافظ على المعنى.

 

ولعل المحاذير تصنع إبداعات جديدة، ذلك أن الحاجة حقًا هى أم الاختراع.

 

كما تضمن تقرير المجلس الأعلى للثقافة اقتراحًا بالتوجه نحو مسارح الهواء الطلق، والأماكن الأثرية، وما إلى ذلك من مناطق مفتوحة مع الحفاظ على مسافات التواصل الآمنة.

 

وفى التفكير السابق رؤية جوهرية عميقة لمعنى المسرح، ألا وهو الحضور الإنسانى الحى بين المبدع والجمهور.

 

وإن كنت ممن يرون ضرورة التريث قليلاً فى الفعل المسرحى الحى بحضور الجمهور العام. لأن الطبيعة البشرية والمصرية على وجه الخصوص لا تستطيع إلا الاستجابة لغريزة الاجتماع البشرى رغم كل المخاطر.

 

وإن كنت أرى أن المسرحيات المصورة بطريقة الإخراج التليفزيونى.. وفى ذلك السياق المتصل مبادرة اضحك.. فكر.. اعرف، التى أطلقها المسرح القومى ما هى إلا استمرار للمسرح التليفزيونى التقليدى، بينما كانت هناك إبداعات تكنولوجية ممكنة تمزج المسرح بالوسائط المتعددة بما يجعل من الأزمة فتحًا لطريق جديد، سار فيه العالم ولم نتلمسه بعد فى مصر.

 

إلا أن ما يحدث الآن من إصرار المسرحيين المصريين على ممارسة إبداعاتهم رغم الظروف الصعبة لهو دليل على حيوية وانتباه لأهمية دورهم المهنى الفنى الإنسانى.

 

وهذا الإصرار على عودة العمل المسرحى فى مصر ودول العالم المختلفة يؤكد على أهمية الفعل المسرحى وضرورته فى المجتمعات الإنسانية، وأن المسرح كما بدأ مع بداية الحضارة الإنسانية فى قرون ما قبل الميلاد لهو ضرورة باقية طالما بقى الاجتماع الإنسانى، مَهما تقدمت وتعددت الفنون الجماهيرية الأخرى.

 

وبما أن المسرح هو أحد مقتربات الفكر الإنسانى فى فهم وتفسير السلوك البشرى، فهو فى جوهره يؤكد كما كتب مشاهير مسرح العبث، أن غياب التواصل الإنسانى الحى يفقد الحياة معناها، ويجعلها سلوكًا عبثيًّا، وكما كتب الوجوديون المسرحيون فى المذهب المسرحى الوجودى فى المعضلة البشرية بين الاقتراب والتباعد الإنسانى إذ إن الجحيم هم الآخرون.

 

ومصدر كونهم جحيمًا هو احتياجنا الغريزى للتواصل الحى المباشر مع الآخر، حتى لو كان مصدرًا للتهديد، كورونا تعيد تفسير الحياة والموت والحرية والحب، إن الأطفال والمستقبل هو إنجاز الاقتراب التام بلا حدود، جوهر الإنسانية هم المقتربون فى عالم مهدد بالتباعد الإنسانى.

 

يؤكد المسرح لنا الآن أنه فن غير قابل للاندثار؛ لأنه جوهر الاحتياج الإنسانى للاجتماع والاقتراب الحى المباشر.

 

إن عودة الاعتيادى المفقود قسرًا سيجعل الاعتيادى الجديد فى حياتنا اليومية مدهشًا وجديدًا، سنرى ماذا سيحدث فى المعتاد الجديد.>