عندما تنتصر مهن «الموسم الرمضانى»!
هند خليفة
عرفت موائد الإفطار عددًا من الأطباق الرئيسية التى اشتهر بها الشهر الكريم، إذ تعد الكنافة والقطائف والطرشى من الطقوس الرئيسية فى شهر رمضان.. تحرص جميع الأسر على شرائها حتى أصبح شهر رمضان هو الموسم السنوى لأصحاب تلك المهن.
لكن كيف هو حال تلك المهن فى ظل الأجواء التى نشهدها والخوف السائد من الوباء؟.. هذا ما سنعرفه فى السطور التالية.
التزام المسافات الآمنة أمام «الكنفاني»
فى قلب ميدان السيدة زينب، تتزين الشوارع وتنتشر المحال وشوادر بيع الفوانيس والياميش، جميعها أجواء مبهجة احتفالًا بقدوم شهر رمضان، وفى أحد جوانب هذا الميدان، يقع محل «عرفة الكنفاني» أحد أقدم محال الكنافة فى مصر، الذى يعود إلى عام 1870 بحسب ما هو مدون على واجهته، حيث يعتبر صاحب المحل أن عائلته هى من أعادت صناعة الكنافة إلى مصر بعد أن اختفت لسنوات.
يقول الحاج محمد، أحد أبناء عائلة عرفة الكنفانى، إنهم أول من أدخلوا جهاز الكنافة الآلى إلى مصر، مرجعًا سبب اندثار شوادر الكنافة اليدوى إلى عزوف «صنايعية الكنافة» عنها وعدم دخول صنايعية جددًا نظرًا لمشقتها وانتشار صناعة سوق الكنافة الآلية.
لافتة صغيرة مدون عليها «رجاء ترك مسافة أمان حرصًا على سلامتك» ملصقة على كل جانب من جدران المحل، الذى يحاول صاحبه أن يلتزم بتطبيق قواعد التباعد تجنبًا لانتقال عدوى كورونا، فعلى الرغم من ذلك إلا أنه قبل شهر رمضان بأيام ظهر الزحام أمام المحل من الزبائن الذين يشترون الكنافة الآلية والقطايف والبسبوسة والحلوى المختلفة، لتخوفهم من الزحام فى أول أيام رمضان للإقبال على الشراء.
الحاج محمد، كان حريصًا على الوقوف وسط المحل، لتوجيه العاملين والزبائن أيضًا ومنع الزحام، يقول «بنحاول ننظم الزحمة عن طريق تجهيز البضاعة ووضعها ملفوفة بأكياس، فحين يطلبها الزبون تكون جاهزة، والأسعار زادت بنسبة قليلة عن العام الماضى فسعر كيلو الكنافة والقطايف أصبح عشرين جنيهًا بعد أن كان 18».
وفى محاولة أخرى لتدارك هذا الزحام قرر البيع أون لاين واستقبال طلبات الدليفرى «عملنا خدمة دليفرى وأونلاين عشان نقلل الزحمة على المحل وعشان نلحق نشتغل ونخلص قبل الحظر، فبعد ما كنا بنشتغل 24ساعة أصبح العمل من السابعة صباحًا حتى الخامسة مساء، التزامًا بقرار الحظر».
تقليل عدد ساعات العمل جعل أصحاب المحل يقررون أيضًا تخفيض العمالة، فيشير الحاج محمد إلى أن العمل كان يتم بطريقة الورديات وكل وردية عددها 15 فردًا، لكن هذا العام يعتمدون على وردية واحده عدد العمال فيها 8 فقط.
غلق الفنادق أثر على تجارة «الطرشي»
طبق «الطرشي» بمثابة البطل على الموائد فى شهر رمضان، فبجانب قدرته على فتح الشهية، إلا أن أسعاره فى متناول يد جميع طبقات المجتمع، ما جعل الإقبال عليه كبيرًا طوال أيام الشهر الفضيل.
يقف الحاج «حسين الونش»، صاحب الـ60عامًا، الذى ورث مهنة بيع المخلل عن جده ووالده، داخل محله الصغير بمنطقة السيدة زينب، يستقبل المواطنين ويقوم بتجهيز أكياس «الطرشي»، التى يكون عليها إقبال كبير وبشكل يومى طوال شهر رمضان، فيقول: «ده الطبق الرئيسى على كل الموائد».
بملامح مبتسمة، وعينين تبرزان مدى حب «الونش» لمهنته، تحدث عن أهمية طبق «الطرشي» على موائد المصريين فى رمضان، قائلًا: «طبق محدش يقدر يستغنى عنه فى رمضان سواء الغنى أو الفقير، بيفتح الشهية على الأكل بعد يوم الصيام».
كان «الونش» يستعد لبدء الموسم الرمضانى بعرض الأصناف المختلفة من المخلل بشكل مبهج يظهر ألوان الخضراوات والدقة داخل العبوات والأكياس على الأرفف فى كامل المحل، مؤكدًا أنه كان فى المواسم الماضية يعرض كميات كبيرة من المخللات، المزينة بالألوان الطبيعية مثل البنجر والفلفل، لكن هذا العام لم يفعل ذلك، فلم يعد هناك أى داعٍ لمظاهر البهجة التى اعتاد عليها.
أما عن الاستعداد وتخليل الخضراوات المختلفة، فيوضح أن كل صنف له مدة للتخليل ويختلف عن الآخر، مشيرًا إلى أنه يشترى كل صنف حسب الموسم الخاص به ويقوم بتخليله بالبراميل، عن طريق وضعه فى المياه والملح، والتى يتم تغييرها أكثر من مرة طوال فترة التخليل.
وتابع: «الليمون والزيتون هما الأنواع الأكثر احتياجًا لوقت فى التخليل حيث تتخطى مدة تخليلهما ستين يومًا، ويليهما الجزر الذى يتم تخليله خلال ثلاثين يومًا، بينما اللفت أسبوع، والخيار ثلاثة أيام».
والجديد هذا العام هو تخليل أصناف من الفواكه كالموز والخوخ والمشمش، إضافة إلى مخلل البيض، والتى يتم تخليلها بنفس الطريقة، مشيرًا إلى أن تلك الأصناف لا يوجد إقبال عليها من المواطنين لكنها تباع للفنادق بالقطعة، فسعر البيضة الواحدة أو الموزة خمسة عشر جنيهًا «بسبب كورونا توقف سوق بيع تلك الأصناف، لوقف حال الفنادق».
ويرى «الونش» أن موسم رمضان هذا العام يختلف عن السنوات الماضية بسبب انتشار فيروس كورونا، فلم تعد هناك بهجة للشهر «كل حاجة كئيبة.. أنا بفتح المحل وعارف إن ممكن مفيش ناس تشتري».
وحول طقوسه اليومية خلال شهر رمضان، يقول: إنه كان يعمل طوال اليوم لعدم توقف حركة البيع، فكان يعد المخللات بغسلها بالماء ووضع خل وملح و«الدقة» المكونة من الفلفل الأحمر المفروم، مساء كل يوم، لكن خلال رمضان الجارى، وبسبب مواعيد الحظر اضطر أن يغير مواعيده التى اعتاد عليها طوال السنوات السابقة، ليقوم بتلك العملية فى السابعة صباحًا، ليغلق محله فى الخامسة مساءً.
وعن أسعار المخللات، فيشير إلى أنها لم تتغير فى شهر رمضان عن قبله أو حتى عن العام الماضى، فيبدأ سعر المخلل المشكل من خمسة حتى عشرة جنيهات، بينما الزيتون والليمون يصل سعرهما إلى عشرين جنيهًا، مشيرًا إلى أن الإقبال دائمًا يكون على المخلل المشكل، لافتًا إلى أن أسعاره لم تتأثر بأزمة كورونا.
إعداد العصائر منزليًا وعزوف عن «بائع العصير»
لم يخل أى شارع طوال شهر رمضان من بائع العصير الذى له أهمية خاصة فى هذا الشهر، فى ظل حرص المواطنين على تناول العصائر أثناء إفطارهم، بعد ساعات الصيام الطويلة. اعتاد عم «ناصر» أن يجوب الشوارع منذ 35 عامًا، حاملًا خلف ظهره إبريقًا فضيًا، مرتديًا زيًا تراثيًا، فما أن تراه تشعر أنك تنظر إلى لوحة فنية مبهجة، على أنغام رنة طاسته المألوفة. يوميات عم ناصر فى رمضان تختلف عن الأيام العادية، حيث يتحول من بائع متجول بالشوارع إلى بائع على فرشة بأحد الشوارع، فيقول إنه يقوم بالتحضير لليوم الأول من رمضان قبل أسبوع بتجهيز بضاعته والعدة التى يستعملها.
ولأن الأوضاع التى تمر بها الدولة استثنائية بسبب انتشار فيروس كورونا، وتأثيرها على جميع مناحى حياة المصريين، هناك استعدادات مختلفة واستثنائية أيضًا هذا الموسم الرمضانى، فكما اشترى بضائعه المعتادة اشترى إلى جانبها مواد تعقيم وجوانتى وكمامات، مؤكدًا أنه يحاول أن يعطى طابعًا إيجابيًا ومطمئنًا لمن يأتى ليشترى منه.
«عرقسوس، تمر هندى، سوبيا، عناب» أنواع تتربع على عرش العصائر التى يقبل عليها المصريون فى رمضان، لتروى عطشهم بعد ساعات الصيام، هكذا أوضح عم ناصر، مشيرًا إلى أنه اعتاد أن يكون الإقبال على الشراء طوال اليوم سواء قبل أو بعد الإفطار، لكن بشكل أخص بالساعة التى تسبق أذان المغرب تشهد فروشته زحامًا شديدًا من الزبائن.
وعبر عن تخوفه الشديد من أن يقل هذا الإقبال بسبب انتشار فيروس كورونا، إضافة إلى أن ساعات عمله سوف تقل، فبناء على مواعيد الحظر سيستطيع أن يفرش لمدة ساعات قليل حتى الخامسة.
واستطرد: «خايف أفرش من الكورونا ومواعيد الحظر، لو فى حظر مش هنعرف نشتغل، لا أنا هلحق أبيع ولا الصايم هيلحق يشترى حاجة يفطر بيها»، مؤكدًا أن ذلك الشعور لن يزول إلا بمرور اليوم الأول ورؤيته الزبائن ومظاهر البهجة التى اعتاد عليها.
أمر آخر أثار استياء عم ناصر وهو اتجاه المواطنين لشراء العصائر الجاهزة أو إعدادها فى المنازل، لتخوفهم من عدوى كورونا ما يسبب له هاجسًا من عزوف المواطنين عن الشراء، مستكملًا: «احنا مبقيناش عارفين بكرة شكله إيه».







