انحسار العولمة وصعود القطب الشرقى .. العالم مابعد (coved-19 )!
آلاء شوقى
بينما يشكل فيروس «كورونا» الحدث الأهم والأكثر خطورة ولا يمكن أن نتخيل عواقبه بعيدة الأمد الآن، يتفق خبراء السياسة الدولية أن هذا الوباء سيغير ملامح العالم، فكما أدى الوباء إلى توقف شبه تام للحياة، وتعطيل الأسواق، وكشف القدرات المتفاوتة للدول والحكومات، فإنه سيؤدى إلى تحولات دائمة فى القوة السياسية، والاقتصادية، تظهر تبعاتها فى المستقبل.. ليظهر الذى طرحته مجلة «فورين بوليسى» على 12 باحثًا ومحللًا سياسيًا «كيف سيبدو العالم بعد جائحة COVID-19؟!».. بعرض إجابتهم على هذا السؤال نحاول أن نُكوّن تصورًا عن العالم بعد انتهاء الوباء والتغيرات التى تطرأ على الأنظمة السياسية.
لمزيد من الدول الفاشلة
يرى «ريتشارد إن. هاس» رئيس مجلس العلاقات الخارجية CFR، أن أزمة كورونا ستؤدى إلى تركيز معظم الحكومات على الداخل، أى التركيز على ما يحدث داخل حدودها، بدلًا من التركيز على أحداث تقع فى مناطق أبعد منها، وسيستمر ذلك لبضع سنوات على الأقل.
ويتنبأ أن تكون هناك تحركات أكبر نحو الاكتفاء الذاتى الانتقائى، وضعف سلسلة التوريد، ومعارضة أكبر للهجرة على نطاق واسع، وانخفاض الرغبة، فى معالجة المشكلات الإقليمية، أوالعالمية، أوالالتزام بذلك نظرًا للحاجة إلى تكريس الموارد، من أجل إعادة بناء الداخل، والتعامل مع العواقب الاقتصادية للأزمة.
كما توقع «هاس» أن تجد العديد من البلدان صعوبة فى التعافى من الأزمة، مع ضعف مفهوم الدولة، وستصبح الدول الفاشلة سمة أكثر انتشارًا فى العالم، ومن المرجح أن تساهم الأزمة فى التدهور المستمر للعلاقات الصينية - الأمريكية، وإضعاف التكامل الأوروبي.
عالم أقل انفتاحًا وحرية
يتفق «ستيفن والت»، أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة «هارفارد»، إلى حد كبير مع رؤية «ريتشارد هاس»، ويرجح أن العالم سيشهد تراجعًا عن العولمة المفرطة، وسيخلق (COVID-19) عالمًا أقل انفتاحًا، وأقل ازدهارًا، وأقل حرية.. فالجمع بين فيروس قاتل، وتخطيط غير ملائم، وقيادة منخفضة الكفاءة، وضع البشرية على مسار جديد مثير للقلق.
ويتوقع أن الوباء سيعزز مفهوم «القومية». وستتبنى الحكومات بجميع أنواعها إجراءات طارئة لإدارة الأزمة، وسيكره الكثيرون التخلى عن هذه السلطات، بعد انتهاء الأزمة.
كما أضاف أن أزمة (COVID-19) ستسرع أيضًا من عملية تحول السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق، حيث استجابت «كوريا الجنوبية»، و«سنغافورة» للمرض بشكل أفضل، وكان رد فعل «الصين» جيدًا، بعد أخطائها المبكرة؛ ىبينما كانت الاستجابة فى «أوروبا»، و«الولايات المتحدة» بطيئة، وعشوائية، مما زاد من تشويه هالة «النفوذ الغربى».
ويشير إلى أنه رغم التحول المتوقع للنفوذ إلى الشرق؛ فإنه لن يغير من الطبيعة المتضاربة للسياسة العالمية «لم تنه الأوبئة السابقة حدة التنافس بين القوى العظمى، ولم تبدأ أيضًا حقبة جديدة من التعاون العالمى».
ستخرج الديمقراطيات من قوقعتها
يتوقع «جيه. جون إيكنبيرى»، أستاذ السياسة والشئون الدولية فى جامعة «برينستون»، سيناريو مخالف وهو نشوء نوع من (الأممية المتشددة)، مثلما كان فى الثلاثينيات والأربعينيات، ومشابهة لذاك الذى بدأه «فرانكلين روزفلت»، وعدد قليل من ذوى النفوذ، قبل الحرب العالمية الثانية، وكانت الرؤية التى نفذها «روزفلت»، عبارة عن (نظام ما بعد الحرب)، الذى أعيد بناؤه كنظام مفتوح بأشكال جديدة من الحماية، والقدرات، لإدارة هذا الترابط. وقد تطلب هذا بناء بنية تحتية عالمية للتعاون متعدد الأطراف، لذلك قد تسلك «الولايات المتحدة»، والدول اليمقراطية الغربية الأخرى التسلسل نفسه، لكنها ستكون مدفوعة بإحساس الضعف، ما يجعل الدول الديموقراطية تبحث على المدى الطويل عن نوع جديد من الأممية البراجماتية.
ويوضح أنه على المدى القصير، ستمنح أزمة كورونا دفعة لمختلف المعسكرات لمراجعة الاستراتيجية الغربية الكبرى، إذ سيرى كل من القوميين، والمناهضين للعولمة، والصقور الصينيين، وحتى الأمميين الليبراليين، أدلة جديدة على وجهات نظرهم، وأنه بالنظر إلى الضرر الاقتصادى، والانهيار الاجتماعى الذى يتكشف الآن، أضحى من الصعب رؤية أى شيء آخر غير تعزيز الحركات القومية، وتنافس القوى العظمى، والفصل الاستراتيجي.
يمكن أن يكون للوباء غرض مفيد
يرى «شيفشانكار مينون»، الباحث المخضرم فى معهد «Brookings India»، ومستشار سابق للأمن القومى لرئيس الوزراء الهندى «مانموهان سينج»، أن جائحة فيروس كورونا ستغير سياسة الجميع، سواء داخل الدول، أو فيما بينها، وهو أمر بدأ بالفعل، إذ تغير شكل المجتمعات، بما تحتويه حتى من ليبراليين، للتوجه إلى (سلطة الحكومة). فبشكل عام، سيؤدى النجاح النسبى للحكومات فى التغلب على الوباء، وآثاره الاقتصادية، إلى تفاقم القضايا الأمنية داخل المجتمعات أو تقليصها، مؤكدًا أن التجربة -حتى الآن- أظهرت أن (الشعبويين) و(السلطويين) ليسوا الأفضل فى التعامل مع الوباء، فالواقع أن الدول التى استجابت فى وقت مبكر، وبنجاح، مثل: «كوريا الجنوبية»، و«تايوان»، كانت دول ديمقراطية، لا يديرها قادة شعبويون، أو سلطويون.
يضيف «مينون» أن ما يحدث ليست نهاية (العالم المترابط) بعد، ولكن فى جميع الأنظمة السياسية، هناك –بالفعل- تحول إلى الداخل (أى الاهتمام بالمصلحة الخاصة)، بحثًا عن الاستقلالية، والتحكم فى مصير المرء.. إذ سيتجه الجميع نحو عالم أكثر فقرًا وبخلًا.
ووسط القلق من الوباء يوضح الباحث أنه لا يزال هناك بارقة أمل؛ إذ أخذت «الهند» زمام المبادرة لعقد مؤتمر عبر الفيديو لجميع قادة منطقة «جنوب آسيا»، من أجل صياغة استجابة إقليمية مشتركة للتهديدات، وأجبرهم الوباء على الاعتراف بمصلحتهم الحقيقية فى التعاون متعدد الأطراف، بشأن القضايا العالمية الكبرى التى تواجههم، ما يجعلنا نقول إن الفيروس حقق غرضًا مفيدًا.
نهاية العولمة التى نعرفها
من جانبه، أشار «روبن نيبليت»، المدير والرئيس التنفيذى لمنظمة «Chatham House»، إلى أن جائحة كورونا قد تكون (القشة التى قصمت ظهر البعير) فيما يخص العولمة الاقتصادية حيث صار الفيروس يجبر الحكومات، والشركات، والمجتمعات -الآن- على تعزيز قدراتهم على التعامل مع العزلة الاقتصادية الذاتية لفترات طويلة من الزمن.
ويرى أنه من غير المحتمل إلى حد كبير فى هذا السياق، أن يعود العالم إلى فكرة العولمة، التى تم بلورتها فى أوائل القرن الـ21 مؤكدًا أنه بدون حافز لحماية المكاسب المشتركة من التكامل الاقتصادى العالمى، فإن بنية الحوكمة الاقتصادية العالمية، التى تم إنشاؤها فى القرن العشرين ستتدهور بسرعة، وسيتطلب الأمر وقتها انضباطًا هائلًا من قبل القادة السياسيين، من أجل الحفاظ على التعاون الدولى، وعدم التراجع إلى المنافسة الجيوسياسية العلنية.
كما أكد أن القادة الذين سيتمكنون من إدارة أزمة (COVID-19)، هم الذين سيشترون (رأس المال السياسى)، فيما سيجد الذين فشلوا صعوبة فى إلقاء اللوم على الآخرين لفشلهم.
العولمة ستتمحور حول «الصين»
أوضح «كيشور مهبوبانى»، الباحث فى «معهد آسيا للبحوث» بجامعة «سنغافورة الوطنية»، أن الفيروس الجديد لن يغير الاتجاهات الاقتصادية العالمية. ولكنه، سوف يسرع من التغيير الذى بدأ بالفعل، وهو الانتقال من العولمة التى تتمحور حول «الولايات المتحدة»، إلى العولمة التى تتمحور حول «الصين».
ويبرهن على وجهة نظره بأن الشعب الأمريكى فقد ثقته بالعولمة، والتجارة الدولية، ورأوا أن اتفاقيات التجارة الحرة سامة، سواء فى عهد الرئيس الأمريكى الحالى «دونالد ترامب» أو غيره، وفى المقابل، لم تفقد «الصين» إيمانها، وكانت رؤيتها للعقود القليلة الماضية من الانتعاش الاقتصادى نتيجة للمشاركة العالمية، هى الطريق لأن يعتقد الشعب الصينى أنه قادر على المنافسة فى أى مكان.
ونتيجة لذلك، فإن «الولايات المتحدة» أمام خيارين، من وجهة نظره، وهما: إذا كان هدفها الأساسى، هو الحفاظ على التفوق العالمى، فسيتعين عليها الانخراط فى منافسة جيوسياسية صفرية صفرية؛ دون استعلاء، سياسيًا، واقتصاديًا مع «الصين»، أما إذا كان هدف «الولايات المتحدة»، هو تحسين رفاهية الشعب الأمريكى -الذى تدهورت حالته الاجتماعية- فعليه أن يتعاون مع «الصين»، مؤكدًا أن الخبراء الأكثر حكمة اقترحوا خيار (التعاون).
مزيد من الاستقرار بأرباح أقل
أعربت «شانون كيه. أونيل» كبير باحثى دراسات أمريكا اللاتينية فى «مجلس العلاقات الخارجية» (CFR)، أن (COVID-19) يقوض المبادئ الأساسية للتصنيع العالمى الآن، لافتة إلى أن الوباء كسر العديد من هذه الروابط، مثل: إغلاق المصانع فى المناطق المنكوبة، تاركًا الشركات المصنعة الأخرى محرومة من المخزونات، والمنتجات، كما الحال فى المستشفيات، والصيدليات، ومحلات السوبر ماركت، ومحلات البيع بالتجزئة.
وتتوقع أن تعيد الشركات تفكيرها فى سلاسل التوريد متعددة البلدان، التى تهيمن على قطاع الإنتاج اليوم، وتقلصها.
استراتيجية جديدة للقوة الأمريكية
قال البروفيسر«جوزيف إس. ناى جونيور» بجامعة «هارفارد»، إن الرئيس الأمريكى «ترامب» أعلن فى عام 2017، عن استراتيجية جديدة للأمن القومى الأمريكى تركز على منافسة القوى العظمى. ولكن، (COVID-19) أظهر أن هذه الاستراتيجية غير كافية.
ورأى «ناى» أنه حتى لو سادت «الولايات المتحدة» كقوة عظمى، فإنها لن تستطيع حماية أمنها من خلال التصرف بمفردها. لذلك، يجب متابعة أنظمة إعداد التقارير المتفق عليها، والضوابط المشتركة، وخطط الطوارئ المشتركة، والمعايير، والمعاهدات كوسيلة لإدارة المخاطر المتعددة. وذلك، لأن مسببات الأمراض، وأنظمة الذكاء الاصطناعى، وفيروسات الكمبيوتر، والإشعاع، الذى قد يطلقها الآخرون عن طريق الخطأ، ستتسبب فى مشكلة لـ«الولايات المتحدة»، مثلما ستتسبب فى مشكلة للآخرين.. مؤكدًا أن مفتاح النجاح، هو معرفة أهمية قوة الآخرين وتقبل ذلك.
سيتم كتابة تاريخ (COVID-19) من قبل المنتصرين
أعرب جون آلين، رئيس «معهد بروكينجز»، بأن المنتصرين أمام أزمة فيروس كورونا سيكتبون التاريخ، مثلما كان الحال دائمًا.. ورجح أن نتائج (COVID-19) ستستمر فى خفض النشاط الاقتصادى، وزيادة التوتر بين البلدان. وعلى المدى الطويل، وأن يقلل الوباء بشكل كبير من القدرة الإنتاجية للاقتصاد العالمى، خاصة إذا أغلقت الشركات، وخسر الأفراد وظائفهم. لذلك، فإن خطر التفكك هذا، سيكون ذا أثر كبير بشكل خاص على الدول النامية، وغيرها ممن لديهم نسبة كبيرة من العمال. وعليه، سيتعرض النظام الدولى بدوره لضغوط كبيرة، مما سيؤدى إلى عدم الاستقرار، ونزاع واسع النطاق داخل البلدان، وعبرها.
مرحلة جديدة مثيرة فى الرأسمالية العالمية
«لورى جاريت» كبير باحثى الصحة العالمية فى «مجلس العلاقات الخارجية» سابقًا، ترى أن العالم سيدخل مرحلة جديدة دراماتيكية فى الرأسمالية العالمية، حيث يتم تقريب سلاسل التوريدات من المنازل، للحماية من اضطرابات المستقبل. وقد يقلل ذلك من أرباح الشركات على المدى القريب، ولكنه يجعل النظام بأكمله أكثر مرونة !!
لقد فشلت «الولايات المتحدة» فى اختبار القيادة
قالت«كورى شاك»، نائبة المدير العام للمعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية (IISS)، إن «واشنطن» فشلت فى اختبار القيادة، ولن يُنظر إلى «الولايات المتحدة» بعد الآن على أنها زعيم دولى، أو قائد دولى، بسبب المصلحة الذاتية الضيقة لحكومتها، وعدم الكفاءة الصارخة.
وتوضح أنه كان من الممكن تخفيف الآثار العالمية لهذا الوباء إلى حد كبير، من خلال قيام المنظمات الدولية بتقديم المزيد والمزيد من المعلومات السابقة، الأمر الذى كان سيعطى الحكومات الوقت لإعداد الموارد وتوجيهها إلى المكان الذى يحتاجها بشدة.
فى كل بلد، نرى قوة الروح البشرية
أكد «نيكولاس بيرنز»، نائب وزير الشئون السياسية السابق فى وزارة الخارجية الأمريكية، أنه: «حتى الآن، التعاون الدولى غير كاف على الإطلاق. إذ لا تستطيع «الولايات المتحدة»، و«الصين»، أقوى دولتين فى العالم، التخلى عن حربهما الكلامية، حول أيهما مسئول عن الأزمة. كما تتضاءل مصداقية البلدين بشكل كبير».
واضاف «بيرنز» أنه إذا لم يتمكن «الاتحاد الأوروبى» من تقديم المزيد من المساعدة الموجهة إلى 500 مليون مواطن، فقد تستعيد الحكومات القومية المزيد من السلطة من «بروكسل» فى المستقبل. أما فى «الولايات المتحدة»، فإن أكثر ما هو على المحك، هو قدرة الحكومة الفيدرالية على توفير تدابير فعالة لوقف الأزمة.







