الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«جدعة» وموهوبة وضحكتها لا تُنسَى

فقدَ الوسط الفنى منذ أيام قليلة النجمة القديرة «نادية لطفى»، التى تُعتبر أحد أهم رموز العصر الذهبى للفن، فهى المتمردة على ملامحها البريئة، المثقفة، الواعية التى تمثل بعقلها قبل قلبها وإحساسها.. هى التى قدمت ألفَ وجْه ووجْه للمرأة المصرية بمختلف العصور. وللجانب الإنسانى منها وجْهٌ لم يرَه سوى المُقربين منها. والذين كشفوا لـ«روزاليوسف» بعضَ أسرار شخصيتها التى لن تتكرر واهتمامها بالإنسانيات وعشقها لمساعدة الآخرين وتواضعها الكبير.



 

 

 

 

 يسرا: كانت تودعنى فى آخر مكالمة بيننا

الفنانة «يسرا» تحدثتْ عن أول لقاء جمعها بالفنانة الراحلة، الذى جعلها من أقرب فنانات العصر الذهبى إلى قلبها؛ حيث قالت: «أنا من قررت التقرب لتلك المرأة الجميلة عندما ذهبت للاطمئنان على صحتها بعد مرورها بوعكة صحية، وذلك رُغم صغر عمرى الفنى وقتها ولم تكن نادية تعرفنى بالمَرّة، ومع ذلك رحّبتْ بى بشكل كبير وتعرفتْ علىَّ ولم نفترق منذ ذلك الوقت.. لقد كنت أعتبرها قريبة منّى بشكل كبير، فكانت بمثابة أمّى الثانية.. كنت دومًا أنتظر رأيَها فى الأعمال التى أقدّمها، فكانت سندًا كبيرًا لى وسيدة لا يمكن أن تُعوَّض؛ لأنها كانت ترعَى كل من حولها، كما أنها كانت تبادر بالسؤال عن الجميع بشكل دائم. ولاأزال أتذكر آخرَ مكالمة تليفونية بيننا؛ حيث كانت الراحلة تتحدث معى طويلًا فى كل الموضوعات وكأنها كانت تودعنى».

 

 

 

 إلهام شاهين: كانت تعوّض غياب أمّى

قالت الفنانة «إلهام شاهين» إن الراحلة «نادية لطفى» لن تُعوّض فنيّا وإنسانيّا، فهى شخص استثنائى فى اهتمامه بعمله وبمن حوله على حد سواء؛ حيث قالت إنها تتذكر أول تقارُب بينهما كصديقتين، حين فوجئتْ باقتراب «نادية» منها بشكل كبير بعد وفاة والدتها. مؤكدة أن «نادية» كانت تقوم بزيارتها ومساندتها وتُحدثها يوميّا تقريبًا وتحثها على الخروج من المنزل والعمل وتقبُّل الحياة حتى لا تدخل فى حالة اكتئاب. وأضافت قائلة: «لا أنسَى عندما كانت تفاجئنى بإعداد الأكلات التى كنت أحب أكلها من يد أمّى حتى تشعرنى بالدعم والسَّنَد وتعوّض غيابها عنّى، فهى شخصية تهتم بالآخرين أكثر من اهتمامها بنفسها، وعندما يحدث أى ظرف لأى شخص حولها تكون أول الناس توجهًا إليه». وأكدت أن «جدعنة» نادية لن تتكرر؛ خصوصًا أنها كانت تدعو كل محبيها من الوسط الفنى لدعم الآخرين، مثل دعمها للفنان «جورج سيدهم» فى محنته وإصرارها على مشاركته الاحتفال بعيد ميلاده سنويّا وجمع الفنانين حوله ليدخلوا على قلبه السرور. وأنهت حديثها بأن «نادية لطفى» لن تتكرر فنيّا، فهى أكثر الفنانات اللاتى استطعن تقديم كل أنواع الأدوار بمختلف أشكالها.>

 

 

 

 

 سمير صبرى: كانت تشعر أنه آخر عيد ميلاد لها

فى بداية حديثه قال الفنان القدير «سمير صبرى» إنه عمل مع «نادية لطفى» نحو خمسة أفلام يَعتبرها من أبرز وأنجح الأفلام بالسينما المصرية. وقال إن أول شىء جمعه بالفنانة الراحلة أنهما من البلدة نفسها؛ حيث إنها كانت أيضًا من مواليد محافظة الإسكندرية. وكانت قد ربحت بمسابقة مَلكة جمال شاطئ جليم فى شبابها.. ويضيف صبرى: «حياة نادية الفنية مرّت بالعديد من التطورات والمراحل البارزة؛ حيث إنها كانت من الفنانات اللاتى خدمهن الحظ بالعمل مع كبار المخرجين فى الأفلام الخمسة الأولى فى مشوارها، مثل: نيازى مصطفى ويوسف شاهين، ومن أبرز النقلات الفنية فى حياتها دخولها مجال الأفلام الكوميدية ثم انتقالها لمرحلة أفلام الروايات والقضايا الشائكة بأفلام مثل فيلم: (قصر الشوق) و(النظارة السوداء)، وهو الدور الذى تخوفتْ منه كثيرات من الفنانات.. وقد تمكنت نادية من التمرد على أصولها الأجنبية، وذلك بتصميمها على تقديم جميع الأدوار المختلفة والبعيدة تمامًا عن ثقافتها ونشأتها. فوالدتها هنجرية، ومع ذلك استطاعت أن تُقدم أدوارًا مثل الساقطة والغازية بشكل مِهَنى ومُقنع جدّا، حتى إنها قامت بالاستعانة بـ«غازية» لتعلمها أصول المهنة فى بيتها قبل بدء تصوير (قصر الشوق). وكانت عاشقة لمهنتها وملتزمة بها لأبعد حد، وتتعامل بتواضع مع كل العاملين بالاستوديو، أمّا على المستوى الإنسانى فكانت نادية من أكثر الفنانات اهتمامًا بدعم الآخرين. كما أن لها مواقف وطنية لا تُعَد ولا تُحصَى، منها دعمها لتاريخ دير سانت كاترين، الذى ذهبت إليه وقدمت عنه فيلمًا تسجيليّا، وهو الفيلم الذى لم تشتره أى جهة ولم يتم تسويقه للأسف حتى فى وزارة السياحة.. كما أن دور نادية الوطنى وحسّها كان كبيرًا تمثل فى اهتمامها بالسَّفر للجنود على جبهة حرب الاستنزاف لدعمهم والترفيه عنهم بصحبة مجموعة من الفنانين، بالإضافة لموقفها ودعمها للقضية الفلسطينية».

وقد كشف «صبرى» أنه يُعتبر من أقرب أصدقاء «نادية» فى السنوات الخمس الأخيرة؛ حيث أصَرّ على حضور احتفالها بعيد ميلادها الأخير فى المستشفى، الذى أقيم فى يناير الماضى، مؤكدًا أنها كانت سعيدة بجموع الفنانين المجتمعين حولها، وقالت له وهى تضحك: «الحمد لله.. كفايا عليّا كده».. ما أثار دهشته متمنيًا لها دوام العمر، ولكنها كانت تشعر بأنه آخر عيد ميلاد لها.. ورُغم أنها كانت تتقدم فى علاجها؛ فإن ما أثّر عليها بالسلب وتسبب فى نكسة لمرضها هو موت زوجة ابنها الوحيد؛ حيث أصرت على الخروج من المستشفى وحضور الجنازة والعزاء بنفسها.. بالإضافة إلى حزنها على فقدان صديقتها الفنانة الراحلة «ماجدة».

 

 على عبدالخالق: الزمن لم يُغيّر ضحكتها

لم يشارك المخرج «على عبدالخالق» الراحلة «نادية لطفى» إلّا بفيلم واحد عام ١٩٧٤م هو فيلم (بيت بلا حنان)، الذى قال عنه «عبدالخالق» إنه كان ثانى فيلم روائى طويل له. ورُغم قلقها الشديد؛ فإنها لم تبدِ أى تصرُّف يُقلل من قيمة أحد. وكانت حريصة على معرفة تفاصيل العمل، ما يوضح مدَى دقتها وقلقها، ومع ذلك كانت تلتزم بكل تعليمات التصوير دون اعتراض أو تعديل على الرؤية. وبعدما شاهدتْ جزءًا صغيرًا من المَشاهد الأولى التى تم تصويرها ارتاح قلبها وعلمتْ أنها تعمل مع محترفين، ومنذ تلك اللحظة سلمت نفسها للتعليمات دون قلق أو خوف، وبالفعل أعجبت كثيرًا بالعمل فى عرضه الخاص». وعن كواليس هذا الفيلم يضيف: «كانت تتمتع بروح دعابة عالية وضحكات رنانة تدخل القلب وتجعل كل من يتعامل معها يحبها كثيرًا ويشعر بألفة. وعندما شاركت أسرة مهرجان الإسكندرية باحتفالية تكريمها، فوجئت بالنجمة الراحلة تتذكر تفاصيل مَشاهد الفيلم وأسماء الشخصيات، كما أنها كانت تطلق نفس ضحكاتها العفوية العالية وكأن الزمن لم يمر ولم يُغيّر بها شيئًا».

 

 

 

 كمال رمزى: عكست تطـور المرأة المصرية على الشاشة

وصف الناقد الكبير «كمال رمزى» الراحلة «نادية لطفى» بأنها تمثل قيمة رفيعة للسينما المصرية، وتُعتبر حلقة من الحلقات التى يعتد بها فى تطور صورة المرأة المصرية على الشاشة، وذلك؛ لكونها تمثل جيلًا سينمائيّا متمردًا، يقف فى وجْه كل ما هو سائد ومألوف، الذى فتحت له الباب الراحلة  ماجدة بفيلم (أين عمرى). وأضاف قائلًا: «منذ أول أعمالها السينمائية فى فيلم (سلطان) للمخرج نيازى مصطفى استطاعت أن تضع قدمَيْها على  أرض صلبة وترسم لنفسها طريقًا، فقدمت أدوار المرأة التى تواجه وتعمل وتعيش حياتها رُغم المشاكل والمتاعب التى تلمُّ بها وتواجه الأمور بكل شجاعة. وقدمت مختلف أدوار المرأة بمختلف المجالات». وأضاف «رمزى»: «إن «نادية» تمردت على الأدوار التى قد يحبسها البعض بها لجمالها؛ حيث اعتمدت على موهبتها بالمقام الأول لتقديم أداء يخلو تمامًا من الافتعال والمغالاة.. ولها أعمال بصور عظيمة لا يمكن محوها من الذاكرة، مثل صورتها بفيلم (المومياء) للمخرج شادى عبدالسلام وأيضًا مشاركتها بفيلم تسجيلى عن حرب أكتوبر وزيارتها للجنود ودعمهم وقتها. فهى صورة مشرّفة للمرأة والفنانة المصرية».وعن الجانب الإنسانى أكد على مواقفها التى لا يمكننا نسيانها مثل مساندتها للفتاة ضحية حادثة التحرش بالعتبة منذ سنوات؛ حيث ذهبت لبيتها ودعّمتها ضد هجوم المجتمع، وعلى المستوى السياسى كانت لها مواقف كبيرة ودور ملحوظ فى دعم المقاومة الفلسطينية.

 

 

 

مصطفى محرم: مثقفة وتهتم بالتفاصيل

رُغم أنه لم يعمل كثيرًا مع الراحلة «نادية لطفى»؛ فإنه يعترف أن العمل معها له متعة كبيرة وخاصة.. هكذا أكد الكاتب «مصطفى محرم» الذى أضاف أيضًا أن الفنانة الكبيرة كانت تتمتع بحس فنى وثقافى عالٍ، كما كانت امرأة مرحة ومبهجة. أمّا عن كواليس العمل معها فيقول: «تُعتبر نادية من أكثر الفنانين اهتمامًا بتفاصيل الشخصية. فكانت تسأل كثيرًا فى تفاصيل العمل لرسم ملامح الشخصية التى ستقدمها وتدقق بتفاصيلها، ولكنها لم تتدخل بالسلب فى السيناريو، كما أنها بعد بدء تصوير العمل كانت تنفذ السيناريو والحوار وتخضع لتوجيهات المُخرج بشكل مِهَنى كبير». وأضاف «محرم» أنها كانت تتمتع بدرجة عالية من الثقافة وتعشق الروايات الأدبية فنجدها قارئة جيدة لـ«نجيب محفوظ وعلى إدريس وتوفيق الحكيم» وغيرهم من أدباء العصر الذهبى، بالإضافة لقراءة الروايات الأجنبية المترجَمة التى كانت مولعة بها. كما كشف سرّا ربما لا يعرفه الكثير عنها وهو أنها كانت تُحَوّل المقابلات الاجتماعية لها مع أصدقائها لحلقات نقاش أشبه بالصالون الثقافى. وعلى المستوى الإنسانى قال «محرم» إنها كانت عطوفًا جدّا حتى إنها كانت تقريبًا تنفق كل ما تكسبه على الآخرين والحالات الإنسانية التى تقابلها.