«ماسبيرو» بين «يدى الله»

مصطفى ماهر
مِثلما فرضت الثورة آثارها على مُعظم قِطاعات الشعب المصرى، استطاعت أيضاً أن تصل إلى مؤسسات مهمة مِثل الإعلام الرسمى أو الحكومى، وتظهر على الشاشة مِن خِلال بعض المواقف الواضحة لمُذيعين ومذيعات وضيوف التليفزيون المصرى ــ وكان آخرها موقفى «بُثينة كامل» و «هالة فهمى» فلم نكُن نتخيل أن نرى انتقاداً مُباشراً لرئيس الجمهورية، بل كان انتقاد رئيس الوزراء شبه مُستحيل قبل الثورة.
بداية التحول فى «ماسبيرو» كانت مِن العُنصر النسائى، فبعد ظُهور المُذيعات المُحجبات على الشاشة كـ«نيفين الجندى» و«مُنى الوكيل»، بالإضافة لغِياب الإعلاميين الذين كانوا غير مُنتمين للتليفزيون بشكل رسمى، ومُعاناة الإعلاميات - غير المُحجبات - كـ «هالة فهمى» و«بثينة كامل» وأُخريات - مِن هذا التغيير، خاصةً أنهُن على يسار النظام.. فى حين تَرك الفُرصة داخل ماسبيرو للمَوظفين للظهور على الشاشة، حتى وإن كان ذلك غير مُربح مادياً بسبب انخفاض نِسبة الإعلانات لكن رُبما يُعتبر ذلك مَظهراً مِن مَظاهر «العدالة الاجتماعية» بالنسبة لهم.
هذا التغيير لم يحدث مِن تلقاء نفسه، لكن مِن خلال مواقف ثورية لبعض العاملين بـ «ماسبيرو»، ومِن حينٍ لآخر تزداد حِدة المُناوشات داخل هذا القطاع، وأحياناً ما تظهر على الشاشة للجمهور، مِثلما حدث فى قناة النيل الثقافية فى مايو 2011 عندما قال المُذيع «محمود شرف» على الهواء مُباشرةً فى ختام برنامج «كلام الشارع» أنه جاءت له أوامر بإنهاء الحلقة - قبل موعدها- بسبب آراء الإعلامية «بثينة كامل» التى كانت ضيفته فى الحلقة، وبعد هذا الحدث بـ 5 أشهر، حدثت «مَجزرة ماسبيرو»، والتى شارك فى إشعالها التليفزيون المصرى عن طريق تحريض المُذيعة «رشا مجدى» أثناء تقديمها لنشرة الأخبار الرئيسية.
«مجزرة ماسبيرو» وارتباطها بالتليفزيون أغضب بعض العاملين به، مِثل الإعلامى «عاطف كامل» الذى كان مُضطهداً قبل الثورة، وعاد للظهور مِن جديد بفضلها، حيث هاجم بشدة أداء التليفزيون فى برنامجه «الحِلم المَصرى»، وكذلك «دينا رسمى» و «محمود يوسف» وآخرين.
التحول فى ماسبيرو لم يكُن ثورياُ طوال الوقت، فرغم أن ظهور الضيوف الذين كانوا ممنوعين قبل الثورة يُعتبر مظهراً لحُرية التعبير، فإن ظهور قيادات تيار «الإسلام السياسى» لم يكُن بدوره سوى تعبيراً عن سيطرة تيار جديد على الشاشة الرسمية، تيار بديل لـ«الحِزب الوطنى» الذى كان يُسيطر قبل أن يُحل، هذا بالإضافة لإعطاء التليفزيون الصبغة الدينية فى بعض بَرامجه ومواده الإعلامية، ويبدو ذلك واضحاً أثناء تغطية المُظاهرات المُناهضة للحكم الإخوانى، فمازال التليفزيون يتحيز للحكومة على حساب الشعب!.. فنجد أنه بالرغم مِن تظاهر الآلاف مِن الشعب المصرى أمام القصر الرئاسى، مُطالبين بإسقاط النِظام، وهجوم مِيليشيات الإخوان على الثوار وقتلهم، فالتليفزيون المصرى يبدو وكأنه غير مُهتم بهذا الحدث الضخم، وبينما الثوار يُقتلون فى الشارع، تعرض القناة الأولى مُسلسل «مُحمد رسول الله»!.
مذيعتان بالتليفزيون أشعلتا ثورة «ماسبيرو» مِن جديد، الأولى هى «هالة فهمى» التى ظهرت حاملة كفنها فى برنامج «الضمير» على القناة الثانية، وقامت بانتقاد قوى لأداء الإعلام الرسمى الذى وصفته بأنه مازال يتجاهل مَصالح الشعب وثورته، بينما يتحيز للتيار المُتأسلم، كما انتقدت قرارات الرئيس الإخوانى، وفى نهاية مُقدمتها قامت بحمل كفن على يديها وهى تقول: «هذا آخر ما أستطيع قوله.. الإعلام مُتواطئ فى حق الشعب».. ثم بعد ذلك بـ 30 دقيقة، تم قطع البث عن الحَلقة، وعرضت نَشرة القناة الأولى فى سابقة لم تحدث مِن قبل.
أما الإعلامية «بثينة كامل» المَشهود لها بصراحتها على الشاشة، فقامت أثناء تقديمها لنشرة أخبار القناة الأولى بالسُخرية مِن النشرة قائلة: «ومازلنا مع النشرة الإخوانية»، وتسبب ذلك فى تحويلها للتحقيق مثلما حدث مع زميلتها «هالة فهمى».
الإعلامى «عاطف كامل» فسر لنا هذه التحولات التى تعرض لها ماسبيرو قائلا: الثورة أتاحت لنا نِسبة معقولة مِن الحُرية، والمُذيعون الذين يعرفون كيف يستخدمون هذه النسبة هُم مِمَن تم منعهم مِن الظهور على الشاشة قبل الثورة، مِثلما حدث معى، عندما كُنت أُقدم برنامج «لو بطلنا نحلم»، والذى تم إلغاؤه، بعد تولى «أنس الفقى» مسئولية وزارة الإعلام، وكُنت أمام خيارين، إما أن أُصبح مُذيعاً يتحدث باسم النظام، أو أن أُحافظ على مَبادئى وأبتعد عن الظهور.. ثم عُدت إلى الشاشة مِن جديد فى مارس 2011مِنِ خلال برنامج «الحِلم المَصرى» أول «توك شو» بعد الثورة، وخُضتُ مَعركة إعلامية جديدة مع «أُسامة هيكل» عندما أوقفنى لمُدة أسبوعين، وهذه الفترة كانت بمثابة استكمال لعهد «أنس الفقى».
يُضيف «عاطف كامل»: رغم أن «أحمد أنيس» يُعتبر مِمَن عملوا مع نِظام «مُبارك»، فإن الفترة التى تولى فيها مَسئولية وزارة الإعلام بعد الثورة، كانت مِن أكثر الفترات التى أُتيحت فيها نِسبة كبيرة مِن حُرية التعبير، فكُنا ننتقد المجلس العسكرى والإخوان كما نشاء، دون أوامر وتوجهات، لكن بعض العاملين بماسبيرو ثاروا عليه، لكونه كان رئيساً لاتحاد الإذاعة والتليفزيون فى عهد «أنس الفقى»، وهذا مُبرر غير منطقى، لأننا نجد الآن الإخوان يحكمون رغم أنهم كانوا أيضاً جُزءًا مِن نظام «مُبارك»، بل كانوا مؤيدين له.. الحُرية فى ظِل حُكم الإخوان الآن تُنتزع ولا تُمنح، وهُناك مُناوشات واختراقات عديدة تحدث داخل ماسبيرو، مِثل عملية أخونة فريق الإعداد التى تتم بشكل ملحوظ فى كثير مِن برامج التليفزيون الرسمى، فتتحول المادة الإعلامية إلى مادة مُوجهة، وكذلك يتم اختيار الضيوف المُنتمين لتيار الإسلام السياسى، للدفاع عنه.
أما بالنسبة لتغطية التليفزيون للأحداث الأخيرة فى «الاتحادية»، ومَدى اختلافها عن أداء التليفزيون وقت الثورة على «مُبارك»، يقول «عاطف»: الأداء الإعلامى عار علينا جميعاً، فنزول 33 كاميرا لتصوير تظاهرة «ميدان النهضة» يُعتبر تحيزاً واضحاً، بالإضافة للاعتماد على زوايا تصوير، تخدع المُشاهد لتُصور له أن الأعداد ضخمة، مِثلما كان يفعل التليفزيون فى بداية أحداث الثورة، عندما كان يُركز كاميراته على كوبرى قصر النيل وهو خالٍ، بينما التحرير مُشتعل بالأحداث، فمُنذ أسبوع حاولتُ أن أنزل إلى اعتصام التحرير لأُصور تقريراً لبرنامجى، لكنى فوجئت أن الفنيين رفضوا الدخول معى إلى مكان الاعتصام لأن لديهم تعليمات بعدم دخول الميدان، بحِجة الخوف على الكاميرات، فاستغنيت عن الكاميرات، ودخلتُ إلى الخِيام بصُحبة إحدى المُعدات، وصورت التقرير بكاميرا الموبايل!.. وفعلتُ ذلك لأنى أومن أننى أعمل لصَالح الله والناس فقط، حتى وإن تعرضتُ للمُساءلة.