الخميس 20 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

زمن الـ «نوستالجيا» الجميل

صورة ودميّة وعدد من أشرطة الكاسيت وبعض من مشاهد الأفلام القديمة ربما كانت سببًا فى شعور صاحبها ببعض لحظات من السعادة الخاطفة، خصوصًا لدى الشباب من جيلى الثمانينيات وأواخر السبعينيات.  تحتفظ كل من هذه التفاصيل الصغيرة فى داخلنا ببعض من روحنا ومشاعرنا وذكرياتنا بحلوها ومرها، يمثل النظر إلى هذه الأشياء بوابة للمرور عبر الزمن وربما كانت هى نفسها حلقة الوصل بين الماضى بكل نجاحاته وإخفاقاته والحاضر بكل معاناته والمستقبل بما يحمله من مفاجآت.



حالة الحنين إلى الماضى وأمنيات للعودة إليه أو «النوستالجيا» هذه باتت من أقوى المشاعر تأثيرًا على قطاعات واسعة من الشباب، ويتم استخدامها الآن على نطاق واسع فى الترويج للمنتجات والسلع أحيانًا وللبحث عن عدد المشاهدات أحيانا أخرى.

نوستالجيا السوشيال ميديا

تحولت مواقع التواصل الاجتماعى لمنصات للنوستالجيا، وذلك من خلال استعراض بعض الصور لديكور الشقق القديمة والتى تحتوى على الهاتف ذى القرص، والراديو القديم وزينة أعياد الميلاد اللامعة وغيرها من مظاهر الاحتفال من الكعكة المصنوعة بالمنزل والتجمع العائلى ووجود مشروب (الشاى باللبن) وغيرها. كما تطرق الأمر إلى السخرية من ملابس فترتى الثمانينيات والتسعينيات وتم استرجاع الحنين لبعض الموديلات مثل شرابات الفتيات بالمدرسة أو التصوير أول يوم بالزى الرسمى للدراسة. كما استفاد صانعو الكوميكس والنكات الفكاهية على هذه المواقع من الأغانى والمسلسلات واسعة الشهرة فى فترة التسعينيات، من خلال إعادة نشر بعض كليبات الأغانى القديمة لمطربين مثل مصطفى قمر وإيهاب توفيق وحكيم وغيرهم كـ«تريند» مرة أخرى على الساحة بعد تركيبها على بعض المواقف الكوميدية. بالإضافة إلى استخدام حكم ومشاهد من بعض الأفلام والمسلسلات مثل أعمال النجم أحمد عبدالعزيز والزعيم عادل إمام، بالإضافة إلى التعليقات على الأفلام الهندية وكيفية قضائنا لأيام العيد أمام شاشة القناتين الأولى والثانية.

وسيلة نجاح للبرامج

تعتبر النوستالجيا أسرع الطرق لقلب المشاهد والتى تجعله يتابع برنامجًا ما عن غيره، وذلك كان السبب فى نجاح الكثير من البرامج، ويعد أشهرها برنامج «صاحبة السعادة»، الذى تقدمه النجمة إسعاد يونس؛ حيث إنها استطاعت أن تتفرد بحلقات مختلفة عن النوستالجيا من خلال استرجاع تترات المسلسلات القديمة ومقاطع أغانٍ  وابتهالات من الإذاعة المصرية. بالإضافة إلى استضافة عدد من إعلاميي التليفزيون والذين ساهموا بشكل كبير فى تشكيل وجدان هذا الجيل. ولم يتوقف الأمر عند هذا؛ بل سعت لتقديم حلقات عن أغانى الطفولة والمدبلجين العرب المشاركين فى أشهر مسلسلات الكارتون المختلفة والذين يظهرون على الشاشة لأول مرة مثل أصحاب أصوات الكابتن ماجد ومازينجر والمحقق كونان وغيرهم. وربما أصبح نجاح «صاحبة السعادة» وغيره من البرامج مؤشرًا لاستخدام بعض البرامج الشهيرة للنوستالجيا كفقرات داخل البرنامج مثل «معكم» للإعلامية منى الشاذلى و«تعشرب شاى» للفنانة غادة عادل و«دارك» و«عيش الليلة» للفنان أشرف عبدالباقى. كما اعتمد بعض البرامج أيضا على النوستالجيا بفكرتها مثل «Back to school» الذى قدمه الفنان عمرو يوسف.. وأيضًا برنامج «شريط كوكتيل» الذى يقدمه حاليًا الفنان هشام عباس والذى يسعى لإعادة تقديم الأغانى القديمة ودمجها بتوزيعات جديدة.

 

إعادة بعض الملامح للواقع

فى الوقت الذى يتمنى الشباب العودة إلى ماضيه بحلوه ومره، قامت بعض القنوات والشركات بالإعلان عن عودة بعض هذه الملامح؛ حيث تم الإعلان عن استيراد ودبلجة حلقات جديدة من المسلسل الكارتونى الشهير «الكابتن ماجد»، وما إن سمع رواد مواقع التواصل الاجتماعى هذا الخبر، إلا وتم الترحيب بهذا الخبر. مؤكدين أن أجيالهم هى التى ستتابعه وليس أجيال الأطفال الصغار. كما طالب البعض محاولة توصل القنوات الفضائية لاستيراد عدد أكبر من المسلسلات الكارتونية القديمة مثل «مازينجر» و«جرندايزر» وغيرهما والتى لم يتم سوى عرض حلقات قليلة منها فى مصر،  بينما تم إنتاج أكثر من مئة حلقة للعمل الواحد. ومن جانب آخر، أعلن الكاتب خالد الصفتى عن عودة طباعة كتب وقصص «فلاش» و«سماش» والتى حققت نجاحًا كبيرًا منذ منتصف التسعينيات وحتى أوائل الألفينات ورحب رواد مواقع التواصل الاجتماعى بإعادة طرحها.

 

قنوات «من فات قديمه تاه»

منذ عدة سنوات، وهناك صراع ما بين القنوات المختلفة حول امتلاك وترميم الأفلام القديمة. ولكن ظلت مكتبة ماسبيرو محتفظة بالعديد من المسلسلات والبرامج التى أُنتجت فى عصر التليفزيون الذهبى. ومع اهتمام الكثير من الأجيال الشابة بهذه المواد النادرة والبحث الدائم عنها.. قرر قاع الإنتاج بماسبيرو افتتاح موقع رسمى لماسبيرو يعرض كل ما هو قديم ونادر من أعمال تليفزيونية وإذاعية. كان الأمر فى البداية يقتصر على موقع الإنترنت الشهير اليوتيوب. ولكن سرعان ما تم إطلاق قناة «ماسبيرو زمان» والتى نقلت الأجيال الحالية لعالم الماضى الجميل والنوستالجيا التى يعشقونها.

 

الفنانون يرفعون شعار «زمان وأنا صغير»

استطاعت صفحات التواصل الاجتماعى أن تقرب الجمهور من نجمهم المفضل بشكل كبير والتعرف على أسرار حياته الخاصة وعائلته وغيرها من المعلومات التى يحب مشاركتها على صفحاته. ويتسابق عدد من الفنانين بالاحتفاء بطفولتهم أو صورهم  القديمة ومشاركة جمهورهم بها؛ بل والتعليق عليها بسخرية منهم. فالبعض يقوم بنشر صوره أثناء الاحتفال بعيد ميلاده والبعض الآخر ينشر صورة مضحكة له. وباتت تلك المنشورات تلقى إعجابًا وتأييدًا كبيرًا من متابعي النجوم، فمنها يتعرف الشخص منهم على شكل نجمه المفضل فى مرحلة عمرية ما،  ومنها مشاركة هؤلاء النجوم النوستالجيا حول تلك الفترة التى كانوا بها أطفالًا واستعادة ذكريات الماضى؛ بل ويقوم بعض المتابعين للنجوم بنشر صورهم الخاصة والتى تشبه صورة النجم فى مرحلة عمرية ما، خاصة أن الأطفال قديما كانوا يرتدون نفس الأزياء ويلتقطون الصور المختلفة بنفس احتفال عيد الميلاد ونفس ديكور المنزل وغيرها.

 

استغلال إعلانى

سرعان ما بدأت الشركات الإعلانية فى استغلال حب الناس للنوستالجيا ومحاولة استخدام تقنيات وديكور من الزمن الماضى، بل واعتمدت بعض الشركات فى إعلاناتها على إثارة حس الذكريات السعيدة لدى الناس، فمنهم من يستخدم الأيقونات القديمة للشهر الكريم بما فيما من فوانيس وصور لشخصيات أثرت فى طفولتنا مثل «عمو فؤاد» و«بوجى وطمطم» و«فطوطة» وغيرها من الشخصيات المشهورة فى مرحلة الطفولة والشباب. بينما عاد للساحة بشكل كبير نجوم غناء فترتى الثمانينيات والتسعينيات وذلك بعد اختفاء دام ما يزيد على عشر سنوات؛ حيث تمت الاستعانة بأعمالهم القديمة لإعادة تقديم ألحانها وغنائها كإعلان للمنتج ومنهم حميد الشاعرى والذى ظهر بعدة إعلانات كان أشهرها عندما أعاد تقديم الدويتو الشهير «حلال عليك» مع صديقه الفنان هشام عباس وتم استخدام الأغنية كإعلان لمنتج أيضًا.

 

الأجانب «Old is Gold»

 

النوستالجيا ليست مقتصرة على الشعوب العربية فحسب، فهناك العديد من مظاهر الحنين إلى الماضى فى العالم الغربى أيضًا. فوسط كل التكنولوجيا المقدمة فى السينما بتقنياتها العالية لا تزال الجماهير تحن إلى الأفلام القديمة، خاصة المقدمة بطريقة الانيميشن «2D» مثل أفلام ديزنى الشهيرة، ما دفع العديد من الشركات المسئولة عن إنتاج الكارتون لإعادة إنتاج نفس الأفلام مرة أخرى؛ سواء بتقنيات أحدث أو باستخدام شخصيات واقعية. بالإضافة إلى استخدام قصص جديدة ومختلفة.. مثل شركة لونى تونز والتى لا تزال تعيد إنتاج أفلام شخصية «buges bunny» الشهيرة.كما تقوم شركة Metro Goldwyn Mayer بإعادة تقديم كارتون «Tom and Jerry» بتقنيات حديثة ولكن تظل المغامرات القديمة هى الأنجح. بينما يتشوق الجمهور حول العالم لإعادة إنتاج فيلم أو مسلسل تليفزيونى امتدادًا لأحداث مسلسل «فريندز» الشهير، حيث قامت إحدى شركات الدعاية والإعلان العام الماضى بطرح ما يشبه البرومو الصغير لفيلم قيل أنه سيعيد نجوم المسلسل الشهير بعد مرور 25 عامًا على انطلاقه. ولكن سرعان ما تفهم الجمهور أن البرومو كان مجرد جس نبض لمعرفة إذا كان الجمهور على استعداد لاستقبال الأبطال الستة الأشهر عالميا أم لا. وأن البرومو تكون من مشاهد قديمة لهم تم اقتطاعها لتكون ما يشبه الحوار. ورغم مطالبة الجماهير أكثر من مرة بعودة فريق الأصدقاء مجددًا فى عمل يعكس حياتهم بعد مرور كل تلك السنوات؛ فإن نجمة العمل جينيفر انستون أطلقت منذ أشهر تصريحًا ناريًا تؤكد فيه أنه لا يوجد عمل فعلى يجمعهم خلال الفترة الحالية وكل ما تمت إذاعته حول الأمر مجرد شائعات. وفى الرياضة كشفت تقارير إخبارية عن إقبال الجمهور الأجنبى على شراء قمصان الكرة الخاصة بفرقتهم المفضلة ولكن القديم منها، حيث يقبل عدد كبير من جماهير الأندية العالمية الشهيرة على شراء قمصان أنديتهم القديمة وتشجيعهم بها، خاصة أنهم يعتبرونها فأل خير على الفريق، كما أن يعضهم يلبسها كرمز لوفائه لهذا الفريق على مر السنين.

 

صحية إن لم تزد عن حدها

كشف د. محمد عادل الحديدى أستاذ الطب النفسى بجامعة المنصورة عن الأسباب التى تؤدى بالشخص الراشد للحنين إلى ماضيه، حيث قال إن من أبرز الأسباب هو رغبته فى الهروب من الحاضر والمستقبل وذلك فى حالة شعوره بأنه يعانى بلا أمل أو بلا هدف، فيشعر أن كل ما حوله يفقد قيمته الجميلة فيحن بشكل كبير إلى ماضيه ليس لأنه الأفضل، ولكنه كان يمر بمراحل عمرية لم يتحمل بها المسئولية ولم تكن حياته قاسية فيها أثناء فترات الطفولة والمراهقة وغيرهما. وأضاف قائلا: «النوستالجيا تعد نوعًا من أنواع الدعم النفسى للإنسان، ففكرة استذكار الإيجابيات فى وسط الإحباطات التى يعانى منها قد تجعله يشعر بالراحة وبالسعادة ويستطيع أن يستكمل طريقه اعتمادًا على المراحل النفسية التى تربطه بالماضى. ولكن المشكلة أن هناك نوعًا آخر من البشر يحن إلى الماضى من باب الحزن والإحباط ومحاولة البحث عن فترات لم يكن عليه كل هذا الكم من ضغوط الحياة ومسئولياتها.. وهنا تبدأ خطورتها لأنه قد يرفض الحاضر والمستقبل ويحن كثيرًا ويفكر كثيرًا بالماضى، ما يجعله لا يستطيع التقدم ويتحول الأمر لاكتئاب حقيقى مع الوقت». وعن فكرة استخدام شركات الدعاية للنوستالجيا قال الحديدى، إنهم يعلمون جيدًا أن الحنين إلى الماضى من أكثر المشاعر التى تمس الأشخاص من داخلهم، خاصة الأجيال الكبيرة والتى شهدت تغييرًا مجتمعيًا أكبر من الأجيال الناشئة. فتقوم تلك الشركات بإعادة بعض الملامح لربطها بالمنتج فى ذهن المشاهد ليكون تلقائيًا استخدامه لهذا المنتج يشعره بالسعادة كما تفعل النوستالجيا.