بومة الحظ السعيد!

من باب الاستئناس أو البيزنس، أصبح اقتناء وتربية الحيوانات فى الآونة الأخيرة أمرًا ملفتًا ومثيرًا.. إذ تنوعت اهتمامات المربين.. حتى إن بعضهم انجذب لتربية حيوانات غير شائع تربيتها كبعض الزواحف أو الطيور، ولكن تربية البومة التى ارتبطت فى الوعى المصرى منذ القدم بأنها مصدر للتشاؤم ينفَضّ من حولها الجميع خوفًا من الإصابة بلعنة الفقر أو خراب المنزل، كان هو الأمر الذى يستحق التوقف أمامه قليلًا.
حمل أحد الشباب على عاتقه مهمة تغيير ثقافة المجتمع ونظرته للبومة باعتبارها مصدرًا للتفاؤل وليس التشاؤم فى البيت، يسير فى الشارع وهو يحملها على كتفه، لا يبالى بنظرات الاستهجان التى يتلقاها بمجرد أن تلمس قدماه الشارع، يأخذها معه أينما ذهب؛ لتكون هى الرفيق الوحيد ليأتمنها على سِرّه، تستلقى لتسند رأسها على كتفه فى محاولة لشُكره على الجميل الذى قدّمه لها من خلال مصالحتها على المجتمع الذى دائمًا اعتبرها نذير فقر وشؤم.
تربية البوم باب رزق
بينما كانت «دهب» تعلو كتفه وقف «طه»- صاحب الـ23 عامًا- يتحدث عن علاقته بها قائلًا «البومة ملهاش صلة بالفقر، الفقر هو إللى البنى آدم بيجيبه لنفسه، ده طير عادى، إحنا بس البلد الوحيد إللى بنقول عليها كدا».
منذ 6 سنوات بدأت رحلة «طه» للبحث عن بومة لتربيتها فى منزله، غير أنه لم يتمكن من الوصول إليها حتى عام مضى، وجد الشاب ضالته داخل سوق السيدة نفيسة للحيوانات، التى تقام كل جمعة؛ ليصل إلى غايته أخيرًا ويرحب فى منزله بضيفه الجديد «البومة» التى اشتراها فرخًا صغيرًا مقابل 200 جنيه.
لم يرفض أهله تربية بومة فى المنزل لعلمهم بحلمه الذى استمر معه طوال 6 سنوات، فى يومها الأول خاف أصدقاؤه وأهله منها لصغر حجمها، ولأن شكلها لم يكتمل بعد «كل الناس استغربت، كانوا بيقولولى انت جايب ديناصور، مكنتش بتقف على رجْلها بطريقة كاملة وبوزها كبير، كلهم بيسألونى إيه ده؟!»، لكن سرعان ما تخلصت والدته من خوفها من البوم ليجدها فى اليوم الثانى تتولى إطعامها وتقوم على شئونها حتى أصبحت البومة تجلس بجانب والدته باستمرار.
لم يلق «طه» بالًا للكثير من العبارات التى ترددت على مسامعه بعد شرائه لبومته الأولى، وهى عبارات من نوعية «انت مش ناقص فقر، إيه الفقر ده، البومة بتخرب البيوت»!، ودائمًا كان يرد «لا البنى آدمين هم اللى فقر».
بعد أسبوع من شراء بومته الأولى استطاع الشاب العشرينى شراء 3 بومات جُدد ليصبح رفقاء منزله 4 من صغار البوم، وسماها «فلوكى، دهب، كوفو، ضحى».. «دهب» هى أكثر بومة ظلت فى منزله لفترة طويلة، وهى أقربها لقلبه، اعتادت على مرافقته أينما ذهب، تقف على كتفه مواجهة طوال اليوم حتى خلال ساعات العمل.
شيئًا فشيئًا راح «طه» يتعرف على عالم البوم، وأول ما تعلمه هو أنواع الأكل المقدم للبومة، ففى بداية عمر الصغير يقتصر الطعام على صدور الدجاج غير المطهو، بالإضافة للكتاكيت الحية، والفئران إذا وُجدت، ومن المفضّل إطعامها مرتين باليوم، أيضًا تستطيع البومة الصمود دون غذاء لثلاثة أيام.
«البومة ممكن تبقى أليفة وتبقى زى القطة، هى هادية طول ما مفيش حد بيئذيها، ولو هى خايفة لازم يثبتلها دايمًا أنه مش مصدر أذى، يأكّلها بإديه، ودايمًا يطبطب عليها وعلى راسها، دايمًا عايزة تبقى حُرة، ومبتحبش حد يقرّب من مكانها كتير». ويشير إلى أنه من الممكن تدريبها وتعليمها للنزول للشارع أو للخروج للطيران والعودة مرّة أخرى للمنزل مثل «الحمَام». مؤكدًا أن تدريبها صعب للغاية.
للبومة طريقة معاملة خاصة، فهى دائمة الخوف من البشر، لذا فلا بُدَّ من إظهار الحُب لها «البومة بتخاف من الناس ومبتحبش القفص، لازم أطبطب عليها كل شوية عليها عشان تهدى لو بنقلها من مكان لمكان، ونبضات قلبها تهدأ».
لم يواجه «طه» أى مشاكل مع تربية البوم باستثناء «كلام الناس»، أيضًا عدم وجود أطباء بيطريين يستطيعون علاجها فى حالة المرض، فنصائح التجار أفيد فى التربية والتعامل معها وعلاجها.
لم يخطر بباله فى اللحظة الأولى أنه سيتحول إلى التجارة فى البوم غير أن الواقع فرض عليه ذلك، فبَعد فترة من تربية البومة وجد أنه من الأجدى اقتصاديّا بيعها، إذْ أصبح سعرها بعد التربية يبدأ من 500 جنيه ويصل إلى آلاف الجنيهات.
اعتاد «طه» على نشر صوره مع البوم؛ ليجنى ثمار تربيته للبوم بالتجارة، كانت تجارة البوم «فاتحة خير» على «طه»، فبَعد التجارة بالبوم استطاع كسْب المال، ولكنه يعمل بهذه التجارة بشكل غير رسمى، فهو يتواصل مع زبائنه عبر مواقع التواصل الاجتماعى.
وجد المستثمر الصغير أن ثقافة تربية البوم منعدمة؛ خصوصًا فى الصعيد، بسبب السمعة السيئة لهذا الطائر، فقرر أن يحمل على عاتقه نشر ثقافة تربية البوم.. الفتيات كن أكثر تفاعلًا مع أفكار «طه» وإقبالًا على شراء البوم؛ خصوصًا من تتراوح أعمارهن حول 18 عامًا.
لم تؤثر البومة على نظافة المنزل كما أشار «طه»، على العكس، فقد حافظت على عدم وجود حشرات أو فئران، نسبةً لوجودها فى المنزل.
خصص «طه» للبوم 3 أماكن فى منزله، أمّا عن النوم فلكل نوع من البوم طريقته الخاصة، نوع وجه القلب «ينام واقفًا برجْل واحدة، أمّا النوع القزمى فيفضّل النوم فى مجموعات، أيضًا يفضل بعض البوم النوم داخل الأشجار الصناعية التى جلبها لها خصيصًا.
بعدما اشتهَر «طه» بتربية البوم فى منزله أخذ جيرانه وأصدقاؤه منزله كمزار لرؤية البومة واللعب معها، ووجد «طه» أن بيع البوم أصبح تجارة مربحة، ما جعله يتخذها مصدرًا للدخل آملًا بأن يكبر مشروعه يومًا ما.
«مُحب البوم والصقور»
بدأت حكاية أحمد الشريف- صاحب الـ44 عامًا- مع تربية البوم منذ أكثر من 30 عامًا، وقتها كان عُمْرُه صغيرًا، وحين كان يرى البومة محتجزة داخل القفص بأحد محال طيور الزينة الموجودة بجانب منزله قرر شراءها ببعض الجنيهات الزهيدة لتربيتها.
فوجئت أمُّه بوجود البومة فى منزله، وقد حاولت إقناعه بالإقلاع عن تربيتها؛ لأنها مصدر للفقر!، وأنها من الطيور غير الأليفة، إلّا أنه أصَرّ على تربيتها حتى أحَبها جميع أفراد عائلته وظلت موجودة فى منزله لأكثر من شهرين، حتى أطلق سراحها بعدما ظهر ريشها.
منذ أعوام قليلة قرر العودة لممارسة هوايته القديمة والعودة لتربية البوم مرّة أخرى؛ حيث إنه من محبى تربية الطيور الجارحة، فهو من مربى الصقور، ولديه العلم الكافى بتربية جميع الطيور الجارحة.. «نور» هى البومة الجديدة التى جلبها لمنزله منذ عدة أعوام؛ ليخصص لها غرفة صغيرة لتكون بيتها الخاص.
يقول «أحمد»: للبوم عادات معينة لا بُدَّ من احترامها حتى لا تنزعج منها، وأهمها ألّا يقتحم عليها شخصٌ غريبٌ غرفتَها، كما أنها كائن ليلى تنشط فى الفترة من المغرب حتى طلوع الشمس، وتكون فترة النهار مناسبة للخلود إلى النوم، علاوة على ذلك؛ فإن البوم طائر اجتماعى من محبى «اللمَّة» ويحب أن يحمله صاحبه باستمرار.
من خلال الإنترنت حصل «أحمد» على المعلومات الخاصة بتربية البوم والجوارح، وعبر المجموعات الخاصة بتربية البوم فى مواقع التواصل الاجتماعى تبادَلها مع شركائه فى الاهتمام نفسه.
كان الناس فى الشوارع يندهشون من وجود «نور»، غير أن بعضهم دفعته الدهشة لالتقاط صورة مع «نور»، ومثلما كان البشر يتعجبون من وجود البومة بينهم يبدو أن «نور» كان يبادلهم دهشة بدهشة، فهو دائمًا ما يسعد بوجوده أعلى سور البلكونة فى منزل «أحمد»؛ حيث يقف متأملًا ما يدور من حوله فى الشارع مستمتعًا بمشاعر الحرية.
وضع «نور» صديقه «أحمد» فى مأزق فى المواصلات يومًا أثناء سَفره «قبل ما أجيب عربية كنت واخده فى مواصلات عامة، وكنا مسافرين وممنوع اصطحاب الحيوانات، حطيتها فى كيس، واحدة شافتها وأنا مطلع دماغها عشان تتنفس، وحصل صويت والناس خافت، وحصل مشكلة فى الأوتوبيس».. ولكنه فى المقابل أثر فى حياة «أحمد»، فقد جعله أكثر مسئولية والتزامًا فى مواعيده.
أنيسة «ملكة فى جلسات تصوير هوارى»
استجاب محمود هوارى- صاحب الـ 31 عامًا- لنصيحة أحد أصدقائه باقتناء وتربية بومة، نظرًا لطبيعه عمله وهو التصوير، وبالفعل فتح «محمود» أبواب منزله أمام صديقته الجديدة «أنيسة» منذ عدة أشهُر، يقول إنه فوجئ بحُبّه لأنيسة منذ رؤيتها للمرّة الأولى؛ لتكون هى رفيقته فى المنزل، وأنيسته التى لا يشعر معها بالوحدة منذ أن دبت أرجلها أركان منزله، ومن هنا اختار لها اسم «أنيسة».
تجهيز طعامها هو ما يخطر بباله يوميّا بعد الاستيقاظ؛ ليبدأ بإطعامها صدور دجاج غير مطهوّة، بالإضافة إلى إطعامها بعض الكتاكيت من فترة إلى أخرى حتى لا تفقد غريزة الافتراس.
الإزعاج والضوضاء الذى قد تسببه، كان أكبر هاجس يخيف «محمود» عند التفكير فى اقتناء البومة، ولكنه فوجئ بهدوئها غير المتوقع من جانبه، «لم أشعر فى وجودها غير بالأنس اللطيف، تقف على مكتبى أو على كتفى، فى محاولة للشعور بالأُنس أو لتجعلنى أحنو عليها أو لإطعامها، هى أيضًا لا تحب الضوضاء مثلى، وربما هى التى جعلتنى من محبى الهدوء.. أنا بقيت هادى زيّها وبدوّر على الهدوء».
لدى «محمود» مكان مخصص للتصوير أشبه بالاستوديو، و«أنيسة» هى رفيقته الدائمة فيه كل يوم، فقد ساعدته على إنجاز الكثير من جلسات التصوير، أيضًا بعض الفتيات يفضلن عمل جلسات التصوير بجانب أنيسة «كل الناس عايزة تتصور بأنيسة بقت أشهَر منّى، حتى وأنا ماشى فى الشارع بيوقفونى عشان عايزين يتصوّروا بيها».
خصص «هوارى» لأنيسة شجرة فى مكان عمله؛ ليطلق سراحها على الشجرة حتى لا تشعر بالقيود، فهى من محبى الحرية، أيضًا قد خصص «هوارى» لها غرفة للنوم؛ لأن طبيعتها ترفض أن يقترب أحد من مكان نومها.
عرض عليه أكثر من طلب لشراء «أنيسة» إلى أن وصل سعرها إلى 700 جنيه أسترلينى؛ نظرًا لأنها من نوع قصيرة الأذن، وهو من الأنواع النادرة، لكنه رفض.
لم ترفض أمُّه وجودَها فى المنزل، ولكنها كانت تخاف من أن يصا ب بلعنة الفقر واليأس، ورُغم إيمان أهل قنا بالعادات والتقاليد؛ فإن بعضهم بدأوا بالوقوع فى حب تربية البوم، رافضين الثقافة الخاطئة التى تَعتبر البوم مصدرًا للفقر، وهو ما تأكد لهوارى، فقد كانت «أنيسة» فاتحة خير كثير عليه؛ نظرًا لزيادة ما جناه من جلسات تصوير جاء أصحابها يبحثون عن «أنيسة»، أيضًا زودت معارفه فى المنطقة.
أمّا «يسرا» فقد تلقت الفتاة العشيرينية بومة هدية؛ لأنها من محبى البوم، إلّا أنها لم تظل عندها سوى شهر؛ لأنها وجدت تربيتها صعبة ولم تستطع التعامل معها، ما جعلها تطلق سراحها.