الفصل الأخير فى حرب اليمن !
منذ عدة أيام نشرت جريدة الإندبندنت البريطانية مقالًا يتوقع انتهاء الحرب فى اليمن، أو كما يستشف القارئ من عنوان المقال ومضمونه بأنها بداية النهاية للحرب الدائرة هناك، فالمقالة المدعومة بالكثير من الأرقام والتحليلات لأحداث كثيرة جرت على أرض اليمن وفى محيطها يؤكد صاحبها أن الحرب فى اليمن على وشك الانتهاء مستندًا إلى اعتراف مسئول رسمى سعودى الأسبوع الماضى بأن الرياض تجرى محادثات مع الحوثيين هى الأولى منذ عام 2016.
أشارت المقالة إلى أن هذه المحادثات تجرى بالرغم من أن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء والأجزاء الأخرى الأكثر اكتظاظًا بالسكان فى شمال اليمن «مما يدل على أن السعوديين يتأقلمون مع هذا الوضع الراهن»، معتبرة أن هذه المقاربة الجديدة لقبول الحوثيين كجزء من الواقع الجديد بعد الحرب فى اليمن، هى «المقاربة الأكثر تطورًا».
كما أوضحت مقالة الإندبندنت أن السعوديين أصبحوا واقعيين فى تبنى هذا التحول الاستراتيجى فى سياستهم، بعد ما يقرب من خمس سنوات من الحرب، التى أسفرت عن سقوط أكثر من 100 ألف ضحية، مخلفة أزمة إنسانية كبيرة وألحقت أضرارًا بصورة البلد على المسرح العالمي، مما يعنى أن هناك حاجة ماسة إلى التغيير، لكن المقالة اعتبرت أن هذه التداعيات «ليست المحفزات الوحيدة وراء هذا التغيير».
المجتمع الدولى اتخذ القرار
مقالة الإندبندنت تتماشى مع التوقعات المتعلقة بهذا الملف الساخن، فى تقدير الكثير من الخبراء الذين يعتبرون أن المجتمع الدولى اتخذ قبل عدة أشهر قرار وقف الحرب فى اليمن وبأنه تجرى عملية ترتيبات الحل السياسى النهائى وفق صفقة سعودية إيرانية بمباركة أمريكية تتجاوز رياح أرامكو، وأن ما يجرى فى لبنان وسوريا والعراق واليمن كله متشابك وهو يقع فى إطار ترتيبات الشرق الأوسط الجديد الذى سيتجسد على الواقع من خلال حلول سياسية فى المنطقة أو من خلال تصادمات عسكرية مفتوحة بين مشروع شيعى تتبناه إيران فى المنطقة وبين مشروع سنى تتبناه السعودية.
لا صراعات عسكرية قادمة بل هناك تفاهمات سياسية فى المنطقة وسيتم تأجيل الصراع السياسى إلى حين تنضج الطبخة. كما يشيرون إلى أنه من ضمن هذه التفاهمات هو حل الدولتين فى اليمن وسيحصل الجنوبيون على حقهم فى استعادة دولتهم برعاية ووصاية سعودية.
قبل اتفاق الرياض الأخير بعدة أشهر، ظهرت بوادر قوية لسعى أمريكى خليجى إيرانى لإنهاء الحرب فى اليمن، كشفت عنها زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكى للشرق الأدنى ديفد شينكر إلى السعودية فى منتصف سبتمبر الماضى وإعلانه خلال الزيارة أن واشنطن تُجرى محادثات مع الحوثيين بهدف إيجاد حل مقبول من الطرفين للنزاع اليمنى، وأوضح حينها أن تركيز الولايات المتحدة ينصب على إنهاء الحرب فى اليمن.
كانت هذه هى المرة الأولى التى يعلن فيها مسئول فى إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن محادثات مع الحوثيين المقربين من إيران، وقبلها مهدت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية بأن الولايات المتحدة بصدد الإعداد لمحادثات مباشرة مع الحوثيين لمحاولة وضع حد للحرب.
7 محددات لإنهاء الحرب
بعد ذلك بأيام قليلة من شهر سبتمبر نفسه حث المبعوث الأممى لليمن مارتن جريفيث على ضرورة إنهاء الحرب فى اليمن طارحًا 7 نقاط لذلك عبر مقال له نشرته النيويورك تايمز بعنوان: «نستطيع إنهاء الحرب فى اليمن»، ثم أعادت جريدة الشرق الأوسط نشره بعد ذلك، لافتًا إلى أن طريقة إنهاء الحرب ليست سرًا على الإطلاق وتتضمن 7 عناصر أبرزها وجوب إعادة احتكار القوة إلى الحكومة اليمنية، والشراكة الشاملة بين الأحزاب السياسية وضمان عدم استخدام الحكومة بلادها فى الهجوم على دول الجوار وغيرها.
كما أكد جريفيث أن المجتمع الدولى لديه إمكانية لحل هذا الصراع قائلاً: لنكن واضحين، اليمن لا يُمكنه الانتظار، علاوة على ذلك ينبغى ألا ينتظر اليمن ونحن كذلك.
لم ينته سبتمبر والذى شهد أيضًا استهداف منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو السعودية حتى أعلنت إيران استعدادها للمساعدة فى إنهاء حرب اليمن، وكشفت عن تحالف جديد يضمها و7 دول عربية بينها السعودية وقطر.
حيث أعلن وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، أثناء زيارته لنيويورك إن طهران مستعدة للمساعدة فى إنهاء الحرب فى اليمن.
وكشف أن الرئيس الإيرانى حسن روحانى سيقدم مقترحًا للأمن فى منطقة الخليج، يكون تحت رعاية الأمم المتحدة، ويتضمن تشكيل تحالف بعضوية إيران والسعودية والبحرين والإمارات وعمان والكويت.
وقال ظريف فى اجتماع مع الصحفيين فى الأمم المتحدة حينذاك: «العراق والسعودية والبحرين والإمارات وقطر وعمان والكويت يجب أن ينضموا للتحالف الذى تعتزم إيران تقديمه خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة»، وأضاف «سيعمل هذا التحالف تحت رعاية الأمم المتحدة».
وجاءت هذه التصريحات فى وقت تصاعد فيه التوتر بين طهران وواشنطن، خاصة بعد استهداف منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو السعودية، واتهمت كلًا من الرياض وواشنطن إيران بالوقوف وراء الهجوم.
تعهد بريطانى بالمساعدة
مؤخرًا وبعد أن توصلت الحكومة اليمنية إلى اتفاق مع المجلس الانتقالى الجنوبى لإنهاء الخلاف بينهما برعاية سعودية (اتفاق الرياض)، والذى تعهدت بريطانيا التى تسلمت رئاسة مجلس الأمن بأنها تعطى أولوياتها خلال هذا الشهر لدعم تنفيذه وتقديم المساعدة الفنية اللازمة لتطبيقه وإنجاحه على أرض الواقع وكذلك بإحلال السلام فى اليمن، فهناك من يرى فى هذا الحراك الدولى وهذا الاتفاق، بما يحمله من مخاطر محتملة على وحدة اليمن، إلا أنه قد يشكل البداية لوقف الحرب وتحقيق السلام فى هذا البلد.
وفقًا لتقارير غربية فإنه بموازاة هذا الاتفاق - من المحتمل أن تجرى أيضًا محادثات بين الحوثيين والحكومة السعودية والتى رعت على مدى الشهرين الماضيين حوارًا غير مباشر بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالى المطالب بالانفصال، تستند هذه التقارير إلى تصريحات مسئول رسمى سعودى لم يذكر اسمه لوكالات الأنباء بأن هناك قناة مفتوحة للمملكة مع الحوثيين منذ عام 2016.
المسئول السعودى قال: نحن نواصل هذه الاتصالات لدعم السلام فى اليمن» و«لا نغلق أبوابنا مع الحوثيين»، لكن هذه الترجيحات قد يعتبرها البعض غير صائبة بعد رد الفعل الإيرانى إزاء اتفاق الرياض والذى اعتبرته طهران منقوصًا ولن یسهم فى حل أزمة اليمن ومشاكله».
أصحاب الرأى الأخير والذين لا يرون نهاية قريبة للحرب، يرجحون أن تتحد قوة الحكومة اليمنية مع المجلس الانتقالى الجنوبى أمام مواجهة الحوثيين، مما يفرض تحديات كبيرة فى طريق التسوية خاصة فى حالة حصول الحوثيين على مزيد من الدعم الإقليمى والدولى، وفى تلك الحالة ربما تتزايد حدة المواجهات بين القوتين.
إنهاء جماعى للصراع
ولكن يذهب المتفائلون إلى أن الملف اليمنى يرتبط بالملف العراقى والسورى، كما ترتبط الثلاثة ملفات بالصراع الإقليمى والدولى على النفوذ فى المنطقة، وحيث يشهد الملف السورى تقدمًا فإنه من المتوقع أن يشهد الملف اليمنى تقدمًا أيضًا، ومن المتوقع فى عام 2020 أن يتم الدخول فى مرحلة التسويات السياسية، وقد بدأت إرهاصاتها بنجاح النظام السورى فى السيطرة على معظم الأراضى السورية.
وهذا ما سيشجع على التهدئة فى الملف اليمنى، بدعوة من النظام السعودى الذى دعا كلًا من الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالى الجنوبى إلى توقيع اتفاق الرياض لإنهاء الاقتتال بين الحليفين فى التحالف العربى ضد الميليشيات الحوثية تمهيدًا للتسوية السياسية للأزمة اليمنية المستعرة منذ خمس سنوات.
كما أن اتفاق الرياض منطلقًا مهمًا لمرحلة من التعاون وتوحيد الصف بين الأطراف الوطنية، ويعطى إشارة إلى إمكانية التوافق بين الأطراف اليمنية من أجل تجنب الحرب والانقسام، وتوحيد الجهود لمواجهة الحوثى واستئناف عمليات التنمية والبناء، كما سيفتح الباب أمام تفاهمات أوسع بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسى ينهى الأزمة اليمنية.