فى بيتنا مدمن!

فى العادة يبدأ الطريق إلى الإدمان من جلسات «المزاج».. لكن هناك من قرر أن ينقل هذه الجلسات إلى بيته، مجبرًا زوجته على تعاطى المواد المخدرة رغبة فى الاستمتاع سويًا، وهو ما أدى لأزمات أسرية كبيرة، وظهور مصطلح «الأسرة المدمنة».. إذ تتحول رعاية الأبناء فى ظل تلك الأجواء إلى أمر صعب.
«انتصار» أجبرها زوجها فى ليلة الدخلة على تعاطى المخدرات معه، وأقنعها بأنه أمر طبيعى تقوم به كل الزوجات فى ليالى زفافهن، لكن الأمر لم يقتصر على ليلة واحدة واحدة وتكرر كثيرًا ما بين تدخين الحشيش وتعاطى الترامادول، فانجرفت إلى طريق الإدمان تحت مسمى «لزوم الفرفشة».
القيام بالأعمال المنزلية، أو العلاقة الزوجية أصبح مقرونًا لدى «انتصار» بتناول الترامادول مما أدى لإجهاض جنينها الأول، لكنها لم تفكر فى العلاج إلى أن حملت فى الجنين الثانى وولدت طفلة تعانى من إعاقة نتيجة تناول المخدرات، وقطع اللبن لديها منذ الأيام الأولى، فلم تستطع إرضاع طفلتها، لتبدأ الطفلة معاناتها مع الإعاقة من ناحية وأسرتها المدمنة من الناحية الأخرى.
رائحة حريق ستائر الصالون هى التى كشفت لـ«دعاء» إدمان زوجها فى الأسبوع الأول من الزواج بعد أن غاب عن الوعى أثناء تدخينه الحشيش، فلم يلتفت للحريق، ليتحول بعدها إلى «وحش» يقوم بالاعتداء عليها وضربها، وإجبارها على العلاقة الزوجية.
قبل طلب «دعاء» الطلاق فوجئت أنها حامل وتدخل الأهل بإقناعها بأن تعطى فرصة أخرى للزوج، وسط وعد من الزوج بالابتعاد عن طريق الإدمان، فلم تجد سوى الاستسلام من أجل جنينها.
عاشت دعاء بعد إنجاب طفلتها تحت ابتزاز مادى من زوجها حتى يستطيع شراء المخدرات، حتى بعد إنجابها للطفل الثانى، فقررت العمل لتنفق على أبنائها وزوجها فى نفس الوقت، كما تصطحب أطفالها كل يوم من الصبح حتى المساء، خوفًا عليهم من الأب المدمن، بعد أن قام بضرب أحد أطفاله إلى حد كاد أن يصل للموت.
تأثير الإدمان على الأسرة
قالت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس، أن الإدمان من أهم عوامل التفكك الأسرى، لأن إدمان أحد الزوجين يضطر الطرف الآخر للانفصال حفاظا على حياته أو حياتها، وحماية لحياة الأبناء، مشيرة لانتشار الخلافات الأسرية بسبب الإدمان مثل الأم المدمنة التى عرضت ابنتها للبيع من أجل شمة هيروين، والأب الذى ضرب ابنه حتى الموت بعد تعاطى جرعة من المخدرات، والابن الذى سرق والدته حتى يشترى جرعة هيروين أو شريط ترمادول.
كما أكدت «فايد» أنه فى بعض حالات الانفصال يصبح الأبناء فريسة سهلة لمروجى المواد المخدرة بسبب أن كلًا من الوالدين يغدق على الابن أو الابنة بالمال تعويضا عن التقصير عن دورهما، إضافة لأنه فى أحيان كثيرة يتعرض الأبناء لضغوط نفسية شديدة بسبب استخدام أحد الوالدين لهم كأداة ضغط على الطرف الآخر أو وسيلة للانتقام فتنتابهم الحيرة بين مشاعر الحب والكراهية لهم التى يعجزون عن التعامل معها مما يدفعهم لتعاطى المخدرات.
وأوضحت أن صعوبة توفير ما يحتاجه من الرعاية النفسية والصحية المناسبة، تفرض ضغوطا إضافية وصعوبات جديدة على الأسرة، وتبقيها رهينة تبعات مرضه من جهة، وأفكار المجتمع وطريقة تعامله معها من جهة أخرى،مؤكدة أنه يجب على الأسرة احتضان الأطفال وتوفير الرعاية والاهتمام للأبناء خاصة المراهقين، وعدم إطلاعهم على الخلافات الأسرية أو التشاجر أمامهم، والمحافظة على علاقة قائمة على الثقة والحب والاحترام المتبادل حتى لا يقعوا ضحية للإدمان.
وأكدت أستاذ علم النفس، أن تثقيف المجتمع بضرورة عدم وصم الشخص المدمن وأسرته أو نبذهم وتجنبهم، هو أهم الطرق فى مواجهة الإدمان، مشيرة لأن المدن فى النهاية ليس سوى ضحية فى ظل توافر المخدرات وضعف الروابط الأسرية، ويحتاج إلى رعاية صحية نفسية تساعده فى تجاوز أزمته.
من جانبه، قال دكتور أحمد الكتامى، المشرف العام على الخط الساخن بصندوق مكافحة وعلاج الإدمان؛ إن الخط الساخن للصندوق استقبل خلال عام 2018 زيادة عن 70ألف اتصال لراغبى العلاج، وبلغت نسبة السيدات فيها 7 % فى مقابل نسبة الذكور 93 %، وأن أغلب السيدات المتعاطيات للمخدرات من الأمهات، مشيرًا إلى التوسع فى أقسام علاج إدمان الإناث حيث قام الصندوق بتوقيع عدد من البروتوكولات للتوسع فى أقسام السيدات، وذلك لإتاحة خدمة العلاج لتلك الفئة، وتخصيص عيادات منفصلة لاستقبال السيدات فى مستشفى المعادى العسكرى والعباسية والمعمورة ومصر الجديدة والدمرداش الجامعى.
وكشف الكتامى أن صندوق مكافحة وعلاج والإدمان التعاطى قام بدارسة أسباب إدمان الإناث فى مصر وكان أهم الأسباب هو «التعرض للضغوط النفسية، العنف والتفكك الأسرى، الصدمات العاطفية، ووقت الفراغ، والتعرض لإلحاح من الأصدقاء»، كما أوضحت الدراسة أن الكثير من الأمهات عرفن طريق الإدمان نتيجة إجبار أزوجهن، إضافة لوجود الكثير من السيدات أدمنّ «الترامادول» حتى يستطعن تحمل العمل والإنفاق على أسرهم.
وأشار الكتامى إلى أن نتائج إحصائيات الخط الساخن أظهرت انخفاضًا ملحوظًا فى سن التعاطى،إذ بلغت نسبة الراغبين فى العلاج أقل من 15 سنة 4،6 %، بينما بلغت نسبة الأقل من سنة 40،8 %، وهو ما أدى لتخصيص الصندوق بالتعاون مع الأمانة العامة للصحة النفسية مستشفى حلوان للصحة النفسية للمراهقين فقط.
قال أحمد عبدالغنى، مدير إدارة البحوث والدراسات، بصندوق مكافحة وعلاج الإدمان؛ إنه وفقًا للمسح القومى الشامل للمواد المؤثرة على الحالة النفسية بمشاركة الصندوق مكافحة الإدمان ومركز البحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس القومى لمكافحة وعلاج الإدمان والذى أجراه على 25 ألف حالة مفردة، موزعين على 10 محافظات أوضح أن نسبة التعاطى فى المجتمع المصرى بلغت 10،4 % وهى ضعف المستوى العالمى،مشيرا لأن نسبة الإدمان جاءت مساوية للنسب العالمية 2،4 %، كما جاء الحشيش بنسبة 80 %، والترامادول بنسبة 32 %، على قائمة اكثر أنواع المخدرات انتشارا وفقا لنتائج المسح.