فريق قصار القامة: كرة القدم «مش بالطول»

عانوا كثيرًا من التهميش وسخرية المجتمع، قدمتهم السينما والدراما المصرية كمادة مضحكة ومهرجين، فوق كل هذا لا يعرفون كيف يجرى تصنيفهم داخل المجتمع هل كأشخاص طبيعيين أم ضمن ذوى الاحتياجات الخاصة، الخلاصة أنهم مجموعة من الحالات الإنسانية شديدة التعقيد والبساطة فى آن واحد، وغالبًا ما تجدهم يميلون للعيش فى حالة «عزلة» بعيدًا عن نظرات المجتمع.
مجموعة من الشباب «قصار القمامة» أو «الأقزام» كما يطلق عليهم، قرروا التمتع بأبسط حقوقهم فى ممارسة الرياضة، وتشكيل أول فريق كرة قدم للأقزام بمصر، على أمل أن يصبح لديهم فى المستقبل اتحاد رياضى للألعاب الأقزام، حتى يستطيعوا ممارسة جميع الرياضات والاشتراك بالمسابقات العالمية.. «روزاليوسف» حاورت أعضاء فريق نجوم الخير لكرة القدم للأقزام.
قائد كتيبة المحاربين
أحمد عبد الرازق، كابتن ولاعب خط الوسط لفريق نجوم الخير لكرة القدم من قصار القامة، وهو أكبرهم سنًا (36 عامًا)، ويأمل أن يصبح قريبًا أول مدرب للفريق قصار القامة، بعد مشاركة الفريق فى كوبا أمريكا، وهى تعد البطولة العالمية لفرق قصار القامة.
بدأ «أحمد» لعب كرة القدم منذ أن كان ابن أربع سنوات، لكن لأنه قصير القامة، فقد واجه عقبة كبيرة أمام تحقيق حلم النجومية فى عالم كرة القدم، ولكن سرعان ما يعود الحلم من جديد بعد أن أصبح هناك أول فريق لقصار القامة لكرة القدم.
يقول كابتن «أحمد»: كنت أتمتع بالموهبة منذ الصغر، لهذا كنت أحاول البحث عن مجموعة من شباب من قصار القامة، لكن للأسف مشكلة قصار القامة أنهم يعانون دائمًا من نظرة المجتمع الساخرة، فلهذا لا يوجد مكان يجمعنا، أغلب قصار القامة يفضلون «العزلة» بعيدًا عن المجتمع، بالتالى كان من الصعب تشكيل فريق كرة قدم.
ويضيف أحمد: الحلم تجدد بعد ثورة يناير، من خلال جمعية «نجوم الخير» لرعاية الأقزام، وتعد أول جمعية خاصة بالأقزام، وهى للأسف لا ترضى كل طموحاتنا، لكن استفدنا أن تجمعنا لأول مرة، من هنا بدأت اللقاءات، وتبادل الأفكار فى كيفية جعل قصار القامة يشاركون فى الألعاب الرياضية المختلفة، فكانت ضمن أفكارنا تشكيل فريق كرة القدم.
كانت البداية بالنسبة للجمعية بتشكيل فريق الغطس تحت الماء من «الأقزام السبعة»، وفى العام الماضى بدأنا فى تشكيل فريق كرة القدم، وجمعنا الأعضاء من جميع محافظات الجمهورية، وتابع: جميع اللاعبين كانوا يمارسون كرة القدم فى السابق، لكن لم يكن لديهم طموح نتيجة لعدم وجود فريق للأقزام، مؤكدًا الموهبة التى يتمتعون بها، فقد شاهدنا فيديوهات للفرق بالعالم لديهم فرق للأقزام كالبرازيل والأرجنتين والمغرب بالعراق، نحن نشعر أننا أكثرهم لياقة وموهبة.
نقص الموارد أهم التحديات
أوضح كابتن الفريق: نواجه تحديات أهمها نقص الدعم المالى، فالموارد تتمثل فى الدعم المقدم من جمعية النجوم الخيرية، بالإضافة إلى الجهود الذاتية من أبناء الفريق، فعلى سبيل المثال نتحمل جميعا تكلفة الانتقالات، فنحن من محافظات مختلفة فهناك أعضاء من الإسكندرية، وأسيوط، والإسماعيلية وهكذا، وعدد أعضاء الفريق 24 لاعبًا حتى الآن، فأعمارنا تتراوح بين 14 و36 عامًا، وأن يتم التدريب مرتين من كل أسبوع، فى ملعب شباب الساحل والجزيرة.
عاملونا كذوى الاحتياجات
وأكد أن القانون يُلزم الدولة توفير الرعاية الصحية والاجتماعية والرياضية لنا، متسائلاً: أين حقوق الأقزام من تلك الحقوق؟ ونحن «ثلث أقزام العالم»، حيث يصل عددنا لأكثر من 100 ألف قزم؛ لقد طالبنا بأن نتدرج ضمن فئة 5 % من ذوى الاحتياجات الخاصة، فلديهم اتحادات رياضية تقوم على رعايتهم، وطالب وزارة الشباب والرياضة بإصدار إشهار للفريق الأقزام حتى يستطيع تشكيل الاتحاد تحت رعاية وزارة الشباب، بالتالى يشارك فى البطولة الدولية فى كوبا أمريكا بصفة رسمية.
كابتن محمد السيد، حارس مرمى فريق قصار القامة، عمره 35 عامًا، ويأمل أن يستمر فى الملاعب لأطول فترة ممكنة، ويساعده على هذا أن لائحة الدولية لكرة القدم للأقزام لا تشترط سنًا معينة لممارسى اللعبة، يقول: إنه كان يحلم أن يصبح لاعبًا، لكن لأن رياضة قصار القامة غير منتشرة فى مصر، ولكن حلمه تجدد بعد أن تم تشكيل فريق كرة القدم، ونأمل أن يصبح للأقزام فرق فى كل الألعاب الرياضة.
ويضيف محمد السيد: نهدف لفعل شىء للأجيال القادمة من الأقزام حتى لا يعيشوا مثلنا فى حالة «انطوائية من المجتمع»، موضحًا أن المجتمع ينظر لذوى الإعاقة بـ«شفقة»، أما الأقزام فينظر لهم على أنهم «مهرجون»، وهو ما يسبب مشاكل نفسية قد تصل لأن بعض الأقزام لا يخرجون من منازلهم نهائيًا، لافتًا إلى أن الرياضة هى القادرة على خلق دافع لدى الأقزام للخروج ومواجهة المجتمع.
كابتن حنان تخصص إداريات
كان الإعجاب والاستقبال الجيد من قبل الجماهير، أثناء تدريب الفريق فى نادى الساحل أو مركز شباب الجزيرة، مفاجئًا للفريق بحسب كابتن حنان فؤاد، المسئول الإدارى للفريق، وأحد أبطال رفع الأثقال وألعاب قوى للأقزام، والحاصلة على بطولة الجمهورية وأفريقيا فى رفع الأثقال؛ التى أخذت على عاتقها أن تتولى مسئولية الإدارية للفريق، رغم انشغالها فى لعبة رفع الأثقال، وقالت كابتن «حنان»: إن طبيعة عملها كإدارية للفريق تتمثل فى تنظيم وحجز ملاعب التدريب، والتنسيق مع الفرق الأخرى من طول القامة للعب مع فريق، والتأكيد مع اللاعبين على موعد التدريب، خاصة لاعبى المحافظات، وتجهيز ملابس للاعبين قبل كل مباراة أو تدريب.
تؤكد أن السبب وراء قبولها مهام مسئولة إدارى للفريق، أنها عانت كثيرًا من العزلة من المجتمع نتيجة الخوف من السخرية والمعاكسات: «قررت أن أتحدى الكل، بممارسة لعبة رفع الأثقال، بفضل الله ومساندة زوجى، وهو ليس من الأقزام، استطعت تحقيق بطولات على الصعيد المحلى والأفريقى، وقبلت مهام المسئولية الإدارية، بهدف أن يخرج هؤلاء الشباب قصار القامة من منازلهم لممارسة الرياضة، حتى تخلق أجيالاً من أبطال فى جميع الألعاب من الأقزام، فليس من الصعب أن يكون من بينهم محمد صلاح.
إبراهيم مراد، مدرب فريق الأقزام، والمسئول الإدارى للفريق، كانت له تجربة شخصية هى ما دفعته لقبول تدريب أول فريق لقصار القامة، إذ كانت أخته من قصار القامة وتوفيت منذ سنوات، ويحاول أن يخلق جوًا من الصداقة مع اللاعبين خلال التدريب، حتى إنهم يعتبرونه أخًا أكبر لهم، تطور الأمر حتى إن كابتن إبراهيم تزوج من «حنان» بطل لعبة رفع الأثقال للأقزام.
ويوضح إبراهيم أن فكرة وجود فريق لقصار القامة بدأت أثناء لعبهم كأصدقاء وتكون الفريق فى البداية من 5 لاعبين فقط، تطور الأمر وانضم الكثير من الأعضاء للفريق حتى أصبح 24 لاعبًا متفاوتين فى الأعمار أصغرهم 14 عامًا، ويشير إلى أن اللائحة تشترط ألا يزيد طول اللاعب على 140 سنتيمترًا، كما يتلقى الفريق الكثير من طلبات الانضمام عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك من شباب الأقزام.
اختلافات طفيفة
وعن طبيعة ملعب قصار القامة، أوضح المدرب: تكون فى مساحة ملاعب الكرة الخماسية، ويكون ارتفاع المرمى أقل، على أن يشارك فى المباراة 7 لاعبين طبقًا للائحة، ولا تشترط السن، على خلاف كرة القدم لطوال القامة التى يوجد بها تقسيم للفئات حسب المرحلة العمرية: أشبال، ناشئين، محترفين.
وأكد المدرب عدم وجود فرق بين اللاعبين قصار القامة وطوال القامة سوى «شكل الجسم»، وهو فرق الطول فقط، مشيرًا: أنا أعمل كمدرب للاثنين قصار وطوال القامة، نفس المهارات واللياقة ونفس طريق التفكير. وهذا تبين فى مباريات مع طوال القامة عدم وجود فرق كروى، لدرجة أنهم يستعطون الفوز عليهم.>