الأحد 18 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

لست مهزومًا ما دمت تقاوم

لست مهزومًا ما دمت تقاوم
لست مهزومًا ما دمت تقاوم


يجرون على المستطيل الأخضر بسرعات كبيرة، يمرون من منافسيهم بخفة ودلع، ويمررون لزملائهم بدقة صانعى اللعب العالميين، وما أن يصلوا إلى شباك المرمى يصوبون بقوة كبيرة معلنين إحرازهم الهدف الأول الذى يخطف أنظار المتابعين ويحرك أيديهم بالتصفيق.


ربما أفقدت غارات العدوان الإسرائيلى وألغامه ورصاصه لاعبى كرة القدم الفلسطينيين سيقانهم لكنها لم تستطع أن تهزم شغفهم بكرة القدم وعشقهم إياها، وراحوا يلعبون «الساحرة المستديرة» ضمن فرق تضم زملاءهم من نفس الحالة.
ورغم وجود ملاعب مخصصة لـ«كرة البتر» فى قطاع غزة، حيث تلعب هذه الفرق، ولا توجد أندية لهم، ويعانون صعوبة الانتقال وعدم توافر الإمكانيات المادية اللازمة، لايزال هؤلاء اللاعبون يسجلون «أهدافًا» فى مرمى «اليأس» و«الاستسلام للإعاقة»، نتعرف على حكايتها فى السطور التالية.
من المستشفى إلى الملعب
لم يتوقع محمد أبو الغيط وهو يمارس كرة القدم فى أحد أندية قطاع غزة أنه سيفقد «رأس ماله الكروى»، حتى وجّه العدوان الإسرائيلى نيران مدافعه وأسلحته الثقيلة تجاه القطاع فى 2014، وكغيره من المرابضين المدافعين عن أرضهم نال نصيبه من إصابات الأبطال ما تسبب فى بتر إحدى ساقيه.
 «لم أستسلم أو أترك شغفى الأول.. كرة القدم».. أعلنها «محمد» بإرادة قوية رغم الإصابة التى لحقت به، وقرر استكمال مشواره الكروى، وتوجه إلى جمعية فلسطين لكرة القدم لمبتورى الساق»، لينضم بالفعل إلى الفريق الذى كونته الجمعية.
«محمد» يحلم بأن يشارك وزملاؤه فى الفريق باسم فلسطين فى المحافل الدولية، ويأمل فى زيادة الاهتمام العربى بكرة القدم لمبتورى الساق، وخلق حالة من التفاعل بين الفرق العربية فى هذه الرياضة الخاصة، مضيفًا: «نجحنا مع  أشقائنا فى تونس وليبيا والمغرب فى تشكيل فريق لكرة القدم من بين مبتورى الساق».
أما أحمد الرملاوى فلم يكن لاعب كرة قدم قبل إصابته، بل كان أحد أعضاء منتخب فلسطين لألعاب القوى من ذوى الهمم. يحكي: «أثناء أحد المعسكرات التدريبية فى العام 2010 شاهدت مباراة لكرة القدم بين مبتورى الساق، ثم بحثت عنها وشاهدت كثيرًا من فيديوهاتها على موقع «يوتيوب»، ووجدت أنها تحظى بجماهيرية كبيرة حول العالم». وبعد أن عاد «أحمد» إلى فلسطين بدأ البحث عن فرق مماثلة فى بلده فلم يجد، حتى سمع بـ«جمعية فلسطين» وانضم إلى فريقها.
ويأمل «أحمد» فى انتشار فرق كرة القدم لمبتورى الساق فى جميع أنحاء فلسطين، وليس فى قطاع غزة فقط، خاصة أن اللعبة انتشرت وجمهورها يتزايد، مختتمًا: «نحلم بالوصول إلى العالمية».
إصابة محمد علاوة التى أدت إلى بتر ساقه، أصيب بها فى «مسيرات العودة» على حدود قطاع غزة، ولأنه كان يلعب كرة القدم قبلها، ولا يستطيع العيش بدونها كهواية وموهبة، لم يعتبر بتر ساقه نهاية للعالم، وقرر الاستمرار ممارسًا لكرة القدم، يقول: «لم أتوقع أن ألعب مجددًا بعد بتر ساقى، لكنى الآن أعيش هذا الحلم واقعًا، وأطمح أن أكون لاعبًا عالميًا فى الساحرة المستديرة».
وفى العام 2014، وبينما كان إبراهيم خطاب، يلعب كرة القدم رفقة شقيقه أمام منزلهما فى قطاع غزة، تعرضت المنطقة إلى قصف جوى من طيران الاحتلال الإسرائيلى، فأصيب كليهما، وكانت النتيجة بتر ساق «إبراهيم» وإصابة شقيقه بإعاقة حركية فى قدمه، وكسابقيه لم يستسلم وأكمل طريقه فى عالم اللعبة الشعبية الأولى.
ولم يختلف عنه كثيرًا ناجى ناجى، كابتن الفريق البالغ من العمر 27 عامًا، ففى سن الثالثة عشرة، وأمام منزله انفجر فيه لغم من مخلفات العدوان الإسرائيلى، فبُترت ساقه اليمنى، لكنه تحدى ذلك وأخرج لسانه للاحتلال مع كل «ترقيصة» وتمريرة وتصويبة على البساط الأخضر.
أصغر لاعبى الفريق هو عبدالرحمن نوفل، الذى لا يتجاوز عمره الـ13 عامًا، وأصيب برصاص متفجر لقوات الاحتلال الإسرائيلى أثناء «مسيرات العودة» الأخيرة على حدود قطاع غزة، وبعد بتر ساقه تواصلت «جمعية فلسطين» مع والده وانضم لصفوف فريقها لكرة القدم لمبتورى الساق، حيث بدأ مشوار حلمه الكبير: «أمنية حياتى أن أصبح لاعبًا مشهورًا مثل ليونيل ميسى».
صاحب الفكرة
«تأسيس فريق لكرة القدم من مبتورى الساق ليس فكرة جديدة، فعلى الرغم من حداثتها فى وطننا العربى، توجد وتنتشر بكثافة فى القارة الأوروبية».. بهذه الكلمات بدأ فؤاد أبو غليون، رئيس جمعية فلسطين لكرة القدم لمبتورى الساق، حديثه عن تأسيس الفريق الفلسطينى.
ويوضح «أبو غليون»: «توجد 22 لعبة رياضية يمارسها ذوو الاحتياجات الخاصة فى العالم، فلماذا هنا فى الوطن العربى نحصر رياضات تلك الفئة فى 6 ألعاب فقط ليس من دونها كرة القدم، التى تعد اللعبة الشعبية الأولى فى العالم، سواء لدى الأسوياء أو ذوى الاحتياجات الخاصة.
ويضيف: «فلسطين بها عدد كبير من مبتورى الساق أو الساقين، والذين فقدوها فى الحرب مع الاحتلال الإسرائيلى أو خلال حوادث عادية، وبعدما شاهدت مباريات كرة القدم بين مبتورى الساق، قررت نقل الفكرة إلى بلدى بتأسيس الفريق».
وعن مراحل تأسيس الفريق يقول: بدأت البحث عن قوانين ولوائح تنظيم لعبة كرة القدم لمبتورى الساق، وتواصلت مع شباب فى قطاع غزة تعرضوا إلى بتر للساق، فى البداية واجهت صعوبة فى إقناعهم لوجود مخاوف لديهم بشأن مواجهتهم لصعوبة كبيرة فى ممارسة اللعبة، وهو ما جعلنا نبدأ بـ 3 لاعبين فقط زادوا بعد ذلك إلى 7 وصولًا إلى 80 لاعبًا فى عام واحد فقط».
ويشير إلى أن أكثر من 15 لاعبًا بالفريق كانوا يمارسون كرة القدم فى أندية مختلفة بقطاع غزة قبل بتر ساقهم، ومنهم من كانوا أبطالًا فى ألعاب أخرى مثل اللاعب الدولى فى سباق الدراجات، علاء الدلى.
ويتابع: «أعمار اللاعبين تتراوح بين 13 إلى 28 عامًا، وأغلبهم أصيب فى غارات طيران جيش الاحتلال الإسرائيلى، خلال الحروب الثلاثة الأخيرة على قطاع غزة، وفى مسيرات العودة»، لافتًا إلى تعمد قوات الاحتلال إصابة صغار فى السن، وهو ما يفسر كون العدد الأغلب من مبتورى الساق لم يبلغوا الـ15 عامًا، فضلًا عن تعمد إصابة لاعبين دوليين سواء فى كرة القدم أو ألعاب أخرى، كما حدث مع «الدلى» بطل الدراجات، والذى أصيب خلال «مسيرات العودة» برصاص متفجر فى ساقه تسبب فى بترها، وذلك فى العام الذى كان من المفترض أن يشارك فيه بالبطولة الآسيوية فى إندونيسيا.
وعن إمكانية التسجيل فى الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا» يقول «أبو غليون»: «التسجيل الدولى لا يكن فى يوم وليلة، ويلزمه مجموعة من الخطوات بدأنا فى تنفيذها بالفعل، وفى مقدمتها إقامة دورى خاص بين فرق كرة القدم لمبتورى الساق».
ويوضح أن هناك 6 فرق فى 5 محافظات بقطاع غزة، كل منها يضم 20 لاعبًا، وهي: «الأبطال 1» و«الأبطال 2» و«غزة العزة» و«شمال الصمود» و«قلعة الجنوب» و«رفع التحدى»، مضيفًا: «بعد شهر رمضان المقبل سيكون الدورى ذهابًا وإيابًا، لزيادة التدريب وخلق روح تنافسية أعلى على الدورى بين الفرق الست، لنتمكن بعدها من تشكيل أول منتخب عربى لكرة قدم مبتورى الساق، يحمل اسم فلسطين فى المحافل الدولية».
ويكشف عن تلقى عروض احتراف لبعض اللاعبين: لكن «لسنا مستعجلين على احتراف لاعبينا فى الوقت الحالى، قبل بناء منظومة متكاملة لهذه الرياضة فى فلسطين، خاصة بعد تحقيقنا إنجازًا بحضور سيمون بيكر أمين الاتحاد الدولى لكرة قدم مبتورى الساق لتقديم دورة للاعبينا».
ويشير إلى أزمة عدم وجود اتحاد لكرة القدم لمبتورى الساق فى وطننا العربى ولا حتى الآسيوى، ما يصعب خلق تفاعل بين بلداننا فى ذلك المجال، مطالبًا فى الوقت ذاته بمساندة مصر فى تسهيل عملية دخول فرق كرة القدم لمبتورى الساق عن طريق معبر رفح، لإقامة معسكرات فى «أرض النيل»، ولعب مباريات ودية مع فريق «المعجزات» المصرى لكرة قدم مبتورى الساق.
وعن عدم وجود فريق لكرة القدم لمبتورى الساق فى الضفة الغربية، يوضح: «عدد المصابين ببتر فى الساق بالضفة الغربية قليل، إضافة إلى بعد المسافات بين محافظاتها، ووجود حواجز عسكرية لقوات الاحتلال، لكننا نأمل مستقبلًا فى تكوين فريق هناك».
إمكانيات «تحت الصفر»
اعترف خالد المحبوح، مدرب فريق «الأبطال 1» لكرة قدم مبتورى الساق، بأنه تخوف فى بداية الأمر من تدريب مبتورى الساق لشعوره بصعوبة الأمر، لكن العزيمة والإرادة والمهارات الكروية التى امتلكها لاعبو الفريق شجعته على خوض التجربة، مضيفًا: «خضنا العديد من المباريات، وبفضل الله حققنا نتائج إيجابية، وآخرها فوزنا بالدورة التى نظمت تحت رعاية الصليب الأحمر، والاتحاد الدولى لكرة البتر، وبحضور أمينه العام».
وكشف عن حاجة «لاعبى البتر» لـ3 خطوات تأهيلية: النفسى والاجتماعى والرياضى، موضحًا: «تأهيل اللاعبين استغرق فترة طويلة من 3 إلى 6 أشهر، على عكس اللاعبين الذى لعبوا كرة القدم فى أندية قبل بتر ساقهم لكونهم مؤهلين كرويًا، لكنهم يحتاجون فقط إلى تأهيل نفسى للتعامل مع وضعهم الجديد».
وأضاف: «مع بدء تأسيس الفريق، استعنّا بأطباء علاج طبيعى، حتى نستطيع تأهيل الشباب بدنيًا، بالإضافة إلى مشاهدة مباريات كرة القدم لمبتورى الساق فى الخارج».
وعن توزيع اللاعبين فى المستطيل الأخضر، يقول: «يكون ذلك بحسب كفاءة اللاعب نفسه، التى تظهر خلال التدريب، كما أن المصابين ببتر القدم اليسرى يلعبون فى الجهة اليمنى، والمصابين ببتر القدم اليمنى يلعبون فى الجهة اليسرى».
ويلفت إلى أن أكثر ما يواجهه من صعوبات هو عدم توافر الأدوات اللازمة لممارسة اللعبة، مثل العكازات الطبية والكرات، فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة جدًا فى قطاع غزة، فضلًا عن حاجة اللاعبين إلى مصاريف انتقال للتدريب نتيجة عدم وجود أتوبيسات، ما يسبب عبئًا ماليًا على الأهالى، بجانب عدم القدرة المالية على تأجير ملاعب خاصة، ما يجعلهم يلعبون فى ملاعب تابعة لجامعتى الأزهر والأقصى أو لأندية رياضية أو للبلدية، ويتدربون 3 مرات فقط فى الأسبوع.
ويوضح: «لاعبو البتر يحتاجون إلى أرضية ملاعب معينة، يتوافر فيها النجيل الطبيعى المستوى بشكل مميز دون وجود أى مطبات أو حفر، حتى لا يعلق عكازهم الطبى فيها ويجنبهم السقوط، وهى الأرضية غير المتوافرة فى ملاعب غزة».
ويضيف: «توجد لدينا ملاعب صناعية فقط، تتسبب فى كسر العكازات الطبية، حتى إن الدور الأول للدورى شهد كسر أكثر من 16 عكازًا، لذا نحاول توفير عكازات احتياطية أثناء المباريات والتدريب».
ودعا «المحبوح» الحكومة الفلسطينية والبلدان العربية الشقيقة، بتوفير الدعم اللازم لتأسيس منتخب فلسطين لكرة القدم لمبتورى الساق، حتى يمثل اسمها فى جميع المسابقات الدولية، لافتًا إلى تلقيهم دعمًا كبيرًا من أهالى غزة، الذين يحرصون على التواجد بأعداد كبيرة فى التدريبات والمباريات.