الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ليلة نهوض بغداد

ليلة نهوض بغداد
ليلة نهوض بغداد


قبل أيام، حلت الذكرى السادسة عشرة لسقوط مدينة بغداد تحت الاحتلال الأمريكى فى العام 2003، وعلى الرغم  من مرارة هذه الذكرى الأليمة، فإن التطورات التى تشهدها العلاقات بين مصر والعراق تبعث على الأمل فى استعادة «بلاد الرافدين» من جديد.


ويتعاظم هذا الأمل مع استعادة مصر لأدوارها العربية والإقليمية والدولية، خاصة  خلال العامين الماضيين، الأمر الذى يمكنها من السعى وراء انتشال العراق من الخندق الإيرانى التركى،  الذى أوقعه الغزو الأمريكى فيه بدافع تحويله إلى بوابة تنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذى تبنته إدارات «البيت الأبيض» السابقة لخدمة مصالح إسرائيل.
تبادل تجارى بـ1.5 مليار دولار
ولعل ما حظيت به زيارة رئيس الوزراء العراقى عادل المهدى إلى القاهرة مؤخراً من أهمية قصوى أكبر دليل على ذلك، خاصة أنها تناولت كافة  الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية بين البلدين، وأطلقت شراكة اقتصادية ثلاثية تضم مصر والعراق والأردن، من شأنها أن تكون أداة لانتشال العراق من الهيمنة الاقتصادية الإيرانية التركية المفروضة عليه.
وكان من أهم بنود البيان الختامى للقمة المصرية العراقية الأردنية التى  عقدت فى القاهرة، بجانب  تأكيد تعاون البلدان الثلاثة على المستوى الأمنى فى محاربة الإرهاب ودعم مؤسسات الدولة الوطنية، هو التركيز على التعاون الاقتصادى،  ليكون الاقتصاد والاستثمار هو أداة مصر  خلال الفترة المقبلة  لاقتحام السوق العراقية بقوة.
وذكر البيان أن قادة البلدان الثلاثة ناقشوا عددا من الأفكار لتعزيز التكامل والتعاون الاقتصادى فيما بينهم، من بينها تعزيز وتطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون فى قطاعات الطاقة والبنية التحتية وإعادة الإعمار  وغيرها من قطاعات التعاون التنموى،  بالإضافة إلى زيادة التبادل التجارى وتعزيز الاستثمارات المشتركة وتطوير علاقات التعاون الثقافى.
والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والعراق تنظمها العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات التى شكلت بيئة تشريعية جيدة لتسهيل حركة التبادل التجارى بين البلدين ولزيادة  الفرص الاستثمارية، أهمها البروتوكول التنفيذى لإقامة منطقة التجارة الحرة بين البلدين، الذى دخل حيز التنفيذ فى 16 أغسطس 2001، بجانب كونهما عضوين بارزين فى اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجارى،  وبرنامجها التنفيذى لإقامة منطقة التجارة الحرة بين الدول العربية.
ومن الاتفاقيات الأخرى بين البلدين: مذكرة تفاهم بشأن التعاون فى مجالات الكهرباء والطاقة، فى 10 نوفمبر 2003، ومذكرة تفاهم فى مجالات الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، فى 18 نوفمبر 2005، ومبادرة للتعاون الاستراتيجى فى مجال البترول والغاز، فى 20  مايو 2009، فضلاً عن 9 مذكرات وقعت خلال زيارة وفد الاستثمار المصرى إلى بغداد فى الفترة من 11 لـ13 أغسطس 2009.
وفيما يتعلق بالتبادل التجارى بين البلدين، فقد ارتفع من 800 مليون دولار عام 2015 إلى نحو 1.650 مليار دولار فى 2018، وهى الزيادة التى تتحقق للمرة الأولى منذ الغزو الأمريكى. وتشمل قائمة صادرات مصر إلى العراق قطاعات الأدوية والسيراميك ومستلزمات الكهرباء والخضروات والفاكهة، بينما تمثل التمور والبترول أهم قطاعات الصادرات العراقية إلى مصر.
وتعليقاً على تلك الأرقام، قال المحلل السياسى العراقى،  باسل الكاظمى،  إن تطور العلاقات العراقية المصرية خلال الفترة الأخيرة، بمثابة رسائل إلى الجميع بأن العراق لن يعود إلى  المربع الأول، وأنه مهما حدث لن يتخلى عن إعادة البناء بمشاركة الأشقاء العرب.
وأضاف «الكاظمى» أن مصر تعد هى القوة الكبرى فى المنطقة، لافتا إلى زيارة رئيس الوزراء العراقى إلى القاهرة مؤخرا، التى تعد مؤشرا إيجابيا على تطور العلاقات واستكمال مساندة القاهرة لـ«بغداد» طوال السنوات التى تلت الغزو الأمريكى.
وحذر من محاولات بعض القوى العراقية لعرقلة تقدم العلاقة مع مصر، لكنه طمأن شعبى البلدين بقوله: «القيادة الجديدة فى العراق يبدو أنها  ستواصل  السير فى طريق تعزيز التعاون الثنائى»، مشدداً على أن مصر من الدول التى تتعامل بجدية ومهنية مع ملف إعادة إعمار العراق، بعكس دول إعطاء الوعود البراقة فقط.
إعادة الإعمار
من المنتظر أن تنعقد اللجنة العليا المشتركة بين مصر والعراق نهاية أبريل الجارى، وهو ما يتم التجهيز له منذ زيارة رئيس الوزراء العراقى مصر نهاية مارس الماضى،  التى شهدت الاتفاق على مجموعة من المشروعات المشتركة سيتم إقرارها ووضعها موضع التنفيذ خلال اجتماعات اللجنة.
وعرضت حكومة العراق خريطة استثمارية لبدء مشروعات إعادة الإعمار أمام الشركات المصرية، تتضمن 717 فرصة استثمارية فى عدد من القطاعات بمحافظات العراق كافة، وهى 9 مشروعات فى قطاع النفط والغاز، و5 مشروعات مصافى،  و4 مشاريع للنقل والتخزين، و44 مشروعا استثماريا فى قطاع التربية والتعليم تشمل إنشاء رياض أطفال ومدارس ابتدائية وثانوية وإعدادية وإنشاء مجمعات تربوية.
إضافة إلى 27 مشروعا فى قطاع الكهرباء والمحطات الغازية والطاقة المتجددة، وفرص بقطاع الاتصالات  تتضمن تسويق خدمات الاتصالات والإنترنت والاستثمار بالكابل الضوئى والطرود البريدية والبرمجيات والحماية الإلكترونية، و40 فرصة فى مشاريع بقطاع الصحة، تشمل إنشاء مستشفيات ومراكز متخصصة ومعامل أدوية ومدينة طبية متكاملة.
وتتضمن كذلك 104 فرص استثمارية فى قطاع الإسكان والبنى  التحتية  تشمل  مجمعات سكنية، و18 مشروعا فى قطاع النقل تشمل 12 مشروعا فى مجال السكك الحديدية و6 مشاريع فى قطاع الطيران تتضمن إنشاء فنادق ومجمع تجارى.
وكذا 49 فرصة استثمارية فى قطاع الصناعة والتعدين تشمل إنشاء مشروعات إنشائية وكهربائية وهندسية ونسيجية وبتروكيماويات، و73 فرصة استثمارية فى قطاع السياحة تتضمن مراسى ومطاعم عائمة  ومدن ألعاب ترفيهية وفنادق ومنتزهات ومجمعات سياحية، و26 فرصة استثمارية فى قطاع الخدمات تشمل معامل منتجات غذائية وأسواق تجارية ومخازن مبردة.
وتشتمل القائمة كذلك على 183 فرصة استثمارية فى قطاع الشباب والرياضة تشمل المسابح الأولمبية ومجمعات رياضية وساحات ومراكز شباب وملاعب وقاعات مغلقة ومبان،  و180 فرصة استثمارية فى قطاع الزراعة تشمل المحافظات كافة بإجمالى مساحة 2.2 مليون فدان تقريباً.
وتسعى مصر، خلال الفترة المقبلة، لزيادة حجم التبادل التجارى مع العراق ليصل إلى 6 مليارات دولار سنويا، وفق ما صدر من الملحق التجارى العراقى فى القاهرة، وذلك وسط هيمنة إيرانية وتضاعف حجم التبادل التجارى بين بغداد وطهران  20 ضعفا، بوصوله إلى 13 مليار دولار سنويا، ونفس الأمر نفسه بالنسبة لتركيا الذى وصل حجم التبادل التجارى لها مع العراق إلى 16 مليار دولار العام الماضى،  بعد أن كان لا يتعدى 830 مليون دولار قبل 2003.
وتشير هذه الأرقام  إلى أن تركيا وإيران كانا أكبر المستفيدين من انهيار النظام العراقى السابق بقيادة صدام حسين، بعد أن هيمنا على  الاقتصاد العراقى  فى ظل غياب الدول العربية التى تراجعت معدلات التبادل  التجارى بينها وبغداد فى أعقاب الغزو الأمريكى.
ورغماً عن ذلك،  يبدو أن  آمال زيادة التبادل التجارى بين الدول العربية والعراق ليست بعيدة، خاصة بعد الاتفاق مؤخرا على تنفيذ مشروع خط أنابيب يربط بين مدينة البصرة فى العراق وميناء العقبة بالأردن، لتصدير مليون برميل من النفط، على أن يُكرر جزء كبير منها فى المصافى المصرية، ضمن استراتيجية مصر للتحول إلى مركز إقليمى لتداول إمدادات الغاز والنفط.
ووقعت مصر والعراق مذكرة تفاهم فى عام 2015،  تنص على أن تزود بغداد مصر بفائض الزيت الخام والغاز الطبيعى العراقى، من خلال تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز عبر خليج العقبة، لكن يبدو أن العكس هو ما سيحدث بعد أن أصبح العراق يستورد الغاز من إيران  منذ فترة وجيزة.
ومن المعروف أن هناك عقوبات أمريكية فرضت ضد إيران منذ ديسمبر، ما يشكل قيوداً على الصادرات الإيرانية، أخذت  العراق استثناءا منها آنذاك، لكن مع إعلان الولايات المتحدة تشديد العقوبات على طهران فى مايو المقبل، من المتوقع أن  يحظر العراق استيراد الغاز الطبيعى من إيران ويتجه لاستيراده من مصر بعد أن اصبحت دولة مصدرة للغاز  وذلك عبر خط الغاز العربى الذى يزود الأردن بالغاز المصرى.
ولا تقتصر زيادة التعاون الاقتصادى العراقى على مصر والأردن فقط، ويشمل العديد من الدول العربية، ولعل الوفد الاقتصادى السعودى الذى زار بغداد مؤخرا وضم 100 شخصية سعودية بينهم 9 وزراء كفيلا لايضاح هذه الحقيقة. خلال تلك الزيارة عرض الجانب العراقى 186 فرصة استثمار أمام الوفد السعودى.
وأعلن  وزير التجارة السعودى ووزير النفط العراقى  بدء مرحلة  جديدة من العلاقات بين الرياض وبغداد، يتم خلالها الانتقال من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ. وعلى  الرغم من القرارات العديدة التى شهدتها الزيارة، إلا أن إعلان الرياض إقامة 4 قنصليات لها فى 4 مدن عراقية، كانت الخطوة الأبرز  التى  نظر إليها على أنها قرار بعودة عربية قوية إلى العراق، لانتشاله من الهيمنة الإيرانية والتركية.