الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كتاب ديليفرى

كتاب ديليفرى
كتاب ديليفرى


‏مع تسلل أول شعاع من ضوء الشمس إلى المكان، يبدأ الجميع تجهيز أمورهم لاستقبال يوم جديد، يشرع أصحاب «دكاكين» الفول والطعمية فى ترتيب أطباقهم استعدادًا لاستضافة زبائنهم، ويهرع العاملون فى أفران الخبز إلى أماكنهم لبدء يوم يتمنون أن تكون شمسه أقل قسوة من النار المنبعثة ألسنة لهبها من داخل الفرن.
على جنبات الطرق يتخذ أصحاب نصبات الشاى وضع الاستعداد بتسخين مياههم وتحضير أكواب الشاى والقهوة لزائريهم، متمنين أن يرفع الله عنهم أذى من لا يحسبون له حساباً، وعلى الناصية راح أصحاب دراجات الجرائد يجهزون دراجاتهم وجرائدهم تمهيدًا للانطلاق فى رحلة توزيعها وفى أذهانهم أمر واحد وهو الانتهاء من المهمة سريعًا قبل العودة لاستكمال باقى أنشطة اليوم.
فى زاوية صغيرة من المشهد يقف محمد أبو السعود ذلك الشاب صاحب الـ 28 عامًا، يبدأ فى تجهيز دراجته المحملة بالكثير من الكتب تمهيدًا للانطلاق فى رحلته اليومية للبحث عن القراء.
‏ بدأ أبو السعود رحلته هذه قبل عامين هو وإحدى صديقاته، فعندما فكرا فى إقامة مشروع خاص بهما، كان حبهما الشديد للقراءة والكتب هو أول ما دفعهما للتفكير فى مشروع يخدم شغفهما فكانت الفكرة فى بدايتها تقليدية تتلخص فى إنشاء مكتبة أو منفذ لبيع الكتب ومع مزيد من التفكير اقترح أحدهما أن يكون المشروع عربة متحركة لبيع الكتب، ولكن الفكرة كانت بالنسبة لهم مكلفة فى البداية، لذا فقد توصلا لاقتراح آخر وهو البدء بدراجة متنقلة لبيع الكتب أشبه بفكرة المعرض المتحرك وعلى الفور شرعا فى تنفيذها واشتريا دراجة وقاما بتجهيزها لهذا الغرض داخل إحدى الورش المتخصصة فى صناعة الدراجات المتحركة مثل دراجة الأطعمة، وكلفهما المشروع فى البداية 40 ألف جنيه اقتسما التكلفة بينهما.
يمضى أبو السعود موضحًا سبب اختيار مشروع الكتب: «كل الناس بتاكل وبتشرب لكن مش أى حد بيشترى كتب، أنا كنت عايز أشبع شغفى وحبى للقراءة بغض النظر عن الدخل أو العائد المادي، أنا حبيت عميل الكتب زى ما حبيت الكتب، حبيت العميل إلى بيحب النصيحة واللى بيروح وبيجيلى تانى يقوللى رأيه فى الكتاب لأن علاقتنا مش بتنتهى بمجرد إنه يشترى منى كتاب بس، أنا حبيت بيع الكتب لأنه مافيهوش نصب وكدب بس فيه معرفة وفكر».
‏بعد عامين من بدء المشروع لم يعد مقتصرًا على دراجة واحدة، فحاليًا هما يملكان 4 دراجات ثابتة وواحدة متحركة، الدراجات الثابتة اختارا لها مناطق متباينة فى أحياء العاصمة: الأولى فى مدينة الرحاب، والثانية فى مدينة نصر، وأخرى ثالثة فى district هليوبوليس، والرابعة فى «شارع مصر» وبدورها انتقلت قبل شهر إلى شارع 306، أما الدراجة المتحركة فهى تجول كافة المناطق السكنية وبالأخص الأماكن السكنية المغلقة، كما أنها تتجول فى الكثير من الجامعات والمدارس الدولية والقومية.
يقول محمد إنه بعد فترة انفصلت عنه شريكته وأكمل هو طريقه بالمشروع، وفى بعض الأوقات كان اليأس والتعب يتملكان منه غير أن عائلته وبالتحديد أخاه كان أكبر الداعمين له ولمشروعه، فقد كان أخوه يعمل معه منذ اللحظة الأولى ويعتبره شريكه غير المعلن.. ويضيف «فى بداية أى مشروع بتحتاج حد يبقى واقف معاك ويشتغل ويبقى محل ثقة، ومن أول يوم كان أخويا بيساندنى فى الشغل ونزل من أول يوم على العجلة يبيع كتب معايا».
بعد وجود أكثر من دراجة اتسع فريق أبوالسعود وأصبح الآن يضم 9 أفراد، تم اختيار كل منهم حسب قراءته وحبه للكتب، ‏ويشير قائد الفريق إلى أن أحد أهم أهداف Books Bike الأساسية هو نشر ثقافة القراءة والكتب تحديدًا لأن الناس كلما رأوا الكتب أمامهم كان ذلك حافزًا لهم لشراء الكتب حتى لو لم يكونوا قراء شرهين، ومن أهدافهم أيضًا الاهتمام بالطفل ونشر ثقافة القراءة بين الأطفال حتى لو اقتصرت على القصص والمجلات ومجلدات «ميكى» الشهيرة فهذا سينمى مهاراتهم فى القراءة.
‏الروايات وكتب التنمية البشرية هى الأكثر مبيعًا، بحسب أبو السعود غير أن مكتبته تحتوى على كافة أنواع الكتب وهى تناسب وتخاطب جميع الفئات العمرية، إلا أن أكثر المترددين هم فئة الشباب وكبار السن وأكثرهم من السيدات، وأن أغلب طلب الفتيات من شريحة العشرينات على الروايات وخاصة الرومانسية منها.
لأكثر من كاتب مواقف إيجابية تدعم Books Bike منهم مثلًا المؤلف أحمد مراد، فمنذ أن عرف بالمشروع كان أحد أكبر المساندين وكان يتصل به لإمداده بكافة احتياجاته بالإضافة إلى أن أحمد مراد كان يقدم له تسهيلات مع كثير من دور النشر، ‏وقدم دكتور خالد حبيب الكثير من المساندة لفريق Books Bike ، فقد أشار أبو السعود إلى أنه كان واحدًا من الكتاب الذين ساهموا فى تغيير طريقة تفكيره بالإضافة إلى أنه ساعده بعمل حفل توقيع لكتابه على دراجته ليصبح أول حفل توقيع على دراجة فى الشارع.
‏«السر» و«استمارة 6» و«العادات السبع للناس الأكثر فعالية» كانت كتب أبو السعود المفضلة التى كان لها تأثير كبير على تغيير الكثير من مفاهيمه ومعتقداته وتغيير طريقة تفكيره أيضًا.
‏أوضح أبوالسعود أن Books Bike لم يكن دوره فقط تقديم كتب ونشر ثقافة القراءة بين كافة الفئات العمرية، ولكن كان دوره أيضًا تقديم كتب تتلاءم مع ميوله التى تفيده، وتقديم الكثير من الترشيحات لأكثر من كتاب ليتلاءم مع ذوق القارئ بالإضافة إلى إضافة معرفة جديدة بالنسبة للشخص، أيضًا لم تؤثر فقط بـ Books Bike بالقراء ولكن استطاعت التأثير على الفريق نفسه، فقد كان فريقه ليس مجرد بائع كتب ولكنهم كانوا يطلعون على كافة الكتب لكى يقدموا ترشيحات للقراء، فاطلاعهم الدائم ساعدهم فى تغيير طريقة تفكيرهم قائلًا: «ممكن كتاب يغير فكر إنسان وممكن سطر يكون سببًا فى تغيير طريقة تفكير، ومع الشغل واطلاعهم دايمًا على الكتب لاقيت إن طريقة تفكيرهم بتتغير واحدة واحدة، وتفكيرهم فى الشغل والنظرات المستقبلية بتتغير مبقوش يدوروا على الشغل إللي فيه 50 جنيه زيادة لكن بيدوروا على الشغل إلى بيكتسبوا منه خبرات ويتعلموا منه».
‏ مع الوقت أصبح لمشروع Books Bike قراء دائمين، يفضلونه عن أى مكتبة بسبب ترشيحات القائمين عليه للكتب والقدرة على فهم واستيعاب كافة الأذواق.
‏كان من أكبر الصعاب والمشاكل التى تواجه أبوالسعود وفريقه، «التراخيص» حيث إنه لا يوجد ترخيص لدراجة متنقلة فى القانون المصرى إلى الآن، لذا فكانت التشديدات الأمنية تقف عائقًا كبيرًا أمام تنفيذ الدراجة المتحركة، أيضًا تم رفض طلبه رسميًا من الهيئة المصرية العامة للكتاب للانضمام إلى المشاركين فى معرض القاهرة الدولى للكتاب.
‏وأوضح أبوالسعود أن واحدة من أحلامه هى نشر العديد من الدراجات فى كافة أنحاء البلاد نظرًا لصعوبة السفر من مدينة إلى أخرى بالدراجة المحملة بالكتب.
«عجلة بندق»
‏كان حُب محمود الشهير بـ«بندق» للقهوة والقراءة معًا نقطة الانطلاق فى سعيه نحو تحقيق حلمه الخاص، استهل عمله بمشروع صغير أمام ساقية عبدالمنعم الصاوى بالزمالك بعدما أرغم على مغادرة مكانه الأول بالمعادى، المشروع مجرد دراجة وعليها ما يلزمه لتصنيع القهوة على الرمال الساخنة وبضعة كتب موضوعة أمام الدراجة ليستطيع زبائنه قراءة ما يحلو لهم أو استعارة الكتاب، شاركته آلاء فى مشروعه ليكون مشروعهما سويًا، كان الكتاب دائمًا ما يرافقه كوب القهوة، لهذا كان سببًا لوضع بضعة كتب مرافقة لأكواب القهوة التى يحضرها محمود مستغرقًا ربع ساعة، غير أن عدم إمكانية استخراج تصاريح للدراجة هى العائق الذى يقف فى طريق إكمال حلمه.