قبضة الدولة القوية

ياسر نصر
«هناخد حق الدولة القديم قبل الجديد».. قبل نحو شهر كانت هذه الكلمات توجيهًا من الرئيس عبد الفتاح السيسى للمسئولين في الإسكندرية والقوات المسلحة.. البعض ظن وقتها أن الكلام حول التعديات على الأراضى وعقود الحديقة الدولية.. إلا أنها كانت بداية لعدة إجراءات قوية بدأتها الحكومة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح بعد عقود من الإهمال.
الرئيس السيسى خلال مشاركته فى افتتاح مشروع بشاير الخير فى 26 ديسمبر الماضى، أطلق العديد من الرسائل حول ضرورة إعادة حق الدولة، بتطبيق آلية منضبطة وشديدة القسوة: «كل قائد مسؤول مع مديرى الأمن والمحافظ على الكلام ده، وهنشوف هنقدر ناخد حقوق الدولة من الناس زى ما بنديهم حقهم ولا لأ»؟، وبعد توجيهات السيسى بأيام بدأت أجهزة الدولة العديد من التحركات لعل من أبرزها ما شهدته محافظتا الإسكندرية والجيزة خلال الأيام الماضية بإخلاء كبائن المنتزه، والعمل على إزالة التعديات بنزلة السمان.
الأجهزة الحكومية تقوم بالعديد من التحركات على كافة المستويات فما بين جهود الرقابة الإدارية بمطاردة خفافيش الفساد داخل كافة الأجهزة، وتحركات المحليات في وضع حد لحالات التعدي على الأراضي الزراعية والبناء العشوائي فضلا على التعديات على النيل، وصولا إلى التحركات الميدانية لكافة المسئولين على المشاريع لمتابعة التنفيذ بكل دقة، وإظهار العين الحمراء للحكومة وهو ما وضح من تهديدات المهندس مصطفى مدبولى لمسئولى تطوير منطقة الروبيكى الأسبوع قبل الماضى عندما قال لهم: «المشروع ده لازم ينتهى بالكامل بعد 3 أشهر، تنقلوا كلكم مكاتبكم في الموقع، عاوز 24 ساعة عمل، وتباتوا هنا، ولو محصلش كله هيمشى»، ويبدو أن التحركات تأتي ترجمة لتوجيهات السيسى: «إحنا كلنا كمسئولين مش بناخد بالنا من حق الدولة وده أمر أنا مش هسمح بيه، كل مسئول ينتبه لكل قرش، الناس تاخد حقها وإحنا ناخد حقنا».
«نزلة السمان.. الوراق.. مثلث ماسبيرو.. وكبائن المنتزه» أربع مناطق مختلفة، رفعت فيها الحكومة شعار «مفيش حد فوق القانون»، حيث كانت الاتهامات دائما ما توجه للحكومة بأنها تستقوى على البسطاء في حملات الإزالة، دون الاقتراب من الكبار، إلا أن هذه الألسنة أخرست بعدما رأت الكراكات تهدم ممتلكات العشرات من كبار المسئولين السابقين ورجال الأعمال في الإسكندرية.
اللجان الإلكترونية لجماعة الإخوان الإرهابية ومواقعها وقنواتها المشبوهة كانت حاضرة بقوة خلال الأسبوع الماضي، لا سيما أثناء إزالات تعديات نزلة السمان، متهمة الحكومة بأنها تحاول تشريد أهالي المنطقة دون الحديث عن التعديات على حرم الاهرامات ومضايقات السياح وانتشار حالات التسول والسرقة فى أهم المناطق السياحية بمصر بما جعل منها منطقة طاردة للسياحة وليست مصدر جذب، وتجاهلت لجان الإخوان ما يحدث في المنتزه، وتجاهلت كذلك مشاريع التطوير التى تجرى في مثلث ماسبيرو ومخطط تطوير جزيرة الوراق ومنطقة الأهرامات.
وفي مقابل لجان الإخوان خرجت العديد من الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعى والتى تطالب الحكومة بالسير للأمام والضرب بيد من حديد على كل مواطن الفساد، واستعادة مصر لحقوقها المنهوبة منذ سنوات، فنجد من يدافع قائلا: «اللي يسترجع كبائن المنتزه ويزيل نزلة السمان قبل 25 يناير يبقى راجل من ضهر راجل ومعاه رجاله ومافيش عليه فواتير لأي حد»، «عن الراجل اللى مفيش عليه فواتير لحد، الراجل اللي ناوى ينضفها، بالذوق بالعافية هينضفها، لا بيهمه بلطجية ولا نفوذ كبارات ولا هو بتاع شعارات».
تعليقات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى نبهت إلى محاولات لجان الإخوان: «حبايبنا الخرفان، ممكن تعملو شوية هاشتاجات و تتعاطفو مع كلاب السكك وبعدها تضربوا دماغكم فى حيطة عادى خالص»، وأضاف آخر كاشفا عن بعض من أصحاب كبائن المنتزه: «أغلب المنتفعين من كبائن المنتزه التى أزيلت كانوا لصوص فاسدين.. طعنوا البلد بخناجر مسمومة وسرقوها خمسين سنة».
لم يتوقف كشف تلاعب الإخوان عند هذا الحد، بل رصد تناقضاتهم: «دائما ما كانوا ينشرون صورا من نزلة السمان ويتهمون أهاليها بالبلطجة، وأن أهم منطقة أثرية في العالم ! مليانة بلطجية وعشوائيات متهمين الشرطة بالتواطؤ معهم، وعندما تدخلت الدولة قالك ظلم الغلابة وتهجير قسرى، كما نشروا صور العشوائيات وتاجروا بيها واستغلوا سكانها في أطماعهم السياسية، ولما الحكومة شيدت بيوتا آدمية قالك تهجير وطردوا الغلابة، قالك الفساد للركب في المؤسسات الحكومية ولما الرقابة الادارية تقبض على موظف يقولك سايبين الحيتان، ولو اتقبض على مسئول كبير يقولك بيلبسوه القضية، في 2012 صدر قرار بإخلاء كباين المنتزه، قالك يحيا العدل والثورة بتحقق أهدافها، ولما تم إخلاء الكباين قالك دولة ظالمة، قالك الحيتان الكبار سرقوا أراضى الدولة، ولما الدولة سحبت الأراضى اللى تم الاستيلاء عليها أو أخذها بشكل غير قانونى، قالك الدولة بتطفش المستثمربن».
حالة من الرضا بين قطاع كبير من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى بعد الكشف عن أسماء أصحاب كبائن المنتزه الـ 206 والتى صدر لها قرارات إخلاء من رانيا المشاط، وزيرة السياحة، بالقوة الجبرية لعدم سداد ما قررته الوزارة لسعر المتر (1000 جنيه)، وبالفعل تحركت البلدوزرات وبدأت عملية الهدم لنحو 108 من الكبائن، ليسدل الستار على قصة صراع امتدت 5 سنوات بين الملاك والحكومة، وصلت لساحات القضاء : «سعداء بتطبيق القانون وعودة الدولة.. فالبلطجة وكلمة أنت عارف بتكلم مين وتجاوز القانون أو التحايل عليه.. أصبحت سمات لفئات كتيرة فى مصر من سنين.. بغض النظر عن مستواها الاجتماعي... مات يحدث فى كبائن المنتزه ومنطقة نزلة السمان دليل ده، وكان مظهر طبيعى لغياب الدولة سنين وتراجع القانون أمام البلطجة أيا كان مستواها الاجتماعى... فالعدل والهيبة يزيحان الفوضى».
قائمة ملاك وحائزى كبائن المنتزه تتضمن أسماء تقلدت مناصب هامة، من بينهم بعض رموز ثورة 52، وشخصيات بارزة فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ورجال الدولة فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، يتقدمهم نجله، وعدد من رجال المال والأعمال، الذين اتهمتهم وزارة السياحة بالامتناع عن دفع مستحقات الدولة والمقدرة بـ130 مليون جنيه كقيمة إيجارية للكبائن، والتى كانت ممنوحة لهم مقابل 6 آلاف جنيه سنويا.
السيسى سبق له أن تحدث في أكثر من مناسبة عن حقوق الدولة المتأخرة مطالبا الحكومة بالتحرك بسرعة في إعادتها: «أنا مش زعلان من الناس.. أنا زعلان علينا وعلى حالنا إن الناس بتستبيح وفاكرة إن المال ده مش حرام.. لأ ده مال حرام.. بتروح تحج وتعمل عمرة.. وأنت بتآكل مال اليتيم بتاع الدولة».
الأسبوع الماضى تم تداول قائمة بمديونيات مستأجرى كبائن المنتزه بالإسكندرية، بالتزامن مع بدء تنفيذ قرار هدم 206 كبائن تعود إلى عدد من رموز نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لعدم سداد القيمة الإيجارية المستحقة لهذه الكبائن منذ 5 سنوات، بعد قيام وزارة السياحة بزيادة القيمة الإيجارية للمتر من 100 إلى 1000 جنيه، وضمت القائمة 50 اسما غالبيتهم من الشخصيات العامة وورثتهم وعدد من رموز نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وبلغ إجمالي المديونية 1014173820 (مليار و14 مليون جنيه).
وجرى إخلاء عدة كبائن بالقوة في منطقة الحرملك لـ«عمرو همام أحمد عبد الرحمن» رئيس مجلس وزراء مصر الأسبق، وكابينة علاء مبارك، الذي كتب عبر صفحته على «تويتر»، مهاجما قرار الإخلاء قائلا: «إخلاء كبائن في المنتزه بالقوة الجبرية، هل يمكن إنهاء خلاف قانوني ما زال منظورًا أمام المحاكم! وصلني خطاب من اللواء شيرين العداس مدير منطقة قصر المنتزه، يخطرنى بإلغاء ترخيص كابينة لى ورجاء سرعة إخلاء الكابينة وإلا سيتم الإخلاء الجبرى للوحدة! طيب ننتظر المحكمة.. طيب ألف مبروك عليكم».
قرارات الإخلاء شملت ورثة الوزير منصور حسن -وزير سابق فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات وراوية وسلمى وعاليا رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة فى عهد مبارك، وورثة الدكتور محمد أشرف أبو الوفا مروان، ومحمود أبو النصر ومحمد العتال وعادل عباس عبد الوهاب، وسهام محمد السبكي، وورثة المشير عبد الحليم أبو غزالة وورثة مشهور أحمد مشهور وورثة المشير محمد عبدالغني الجمسي وسعاد محمد السبكي، وورثة الأمير عبد الله المبارك الصباح.
ومثلما تحركت الكراكات للهدم الكبائن في المتنزه، تحركت اللودرات الداخلية ومحافظة الجيزة الأسبوع الماضي لإزالة التعديات بحرم المنطقة الأثرية بالأهرامات تتم بالتنسيق مع وزارة الآثار، وشكلت إزالة لـ4 عقارات مخالفة لقوانين البناء والآثار وغير حاصلة على التراخيص اللازمة من الجهات المختصة، من بينها فندق تم إخلاؤه حتى تتم إزالته.
محالفظة الجيزة أكدت أن الإزالة بعيدة عن عقارات نزلة السمان والمأهولة بالسكان، وأنها تحترم أهالي المنطقة، متهمة في الوقت نفسه أصحاب العقارات المخالفة بعدم مراعاة الجانب الأثري لمنطقة الأهرامات وقاموا ببناء وتعلية العقارات مما يشوه المنظر العام للمنطقة الأثرية.
مشروع تطوير الأهرامات يشمل إنشاء مجموعة فنادق عالمية وممشي سياحي وإقامة حدائق وتطوير منطقة نزلة السمان ونقل السكان منها لوحدات سكنية وعددها 1830 وحدة سكنية على بعد 750 مترا من مكانهم الحالى وإنشاء محاور مرورية خاصة بالسيارات السياحية وتوسيع وتطوير الطرق المؤدية من وإلى منطقه الأهرامات بجانب ربط منطقة الاهرامات بالمتحف المصرى الكبير.