الجمعة 16 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

بعد 107 أعوام على ميلاده.. نجيب محفوظ يعتذر للشباب!

بعد 107 أعوام على ميلاده..  نجيب محفوظ يعتذر للشباب!
بعد 107 أعوام على ميلاده.. نجيب محفوظ يعتذر للشباب!


رغم كثرة ما كتب عن نجيب محفوظ فإن سيرته تظل أشبه بالأحجية التى لم يكتمل فكّ طلاسمها بعد، ربما هو نفسه بدا حريصًا على أن تظل أجزاء كبيرة من حياته محاطة بهالة من الغموض ولعب «مريدوه» أدوارًا عدة. منهم من قرّر ارتداء عباءة نجيب نفسه ليجدها فضفاضة عليه، وآخرون قرّروا العيش على سيرته كـ«متحدّثون رسميّون»، لكن الأكيد أنهم على اختلافهم فى تناول سيرته ساهموا فى حل جزء من اللغز الكبير (نجيب محفوظ).
إذًا ما الجديد الذى يقدمه أحدث كتاب عن نجيب محفوظ «ثلاثون عامًا فى صحبة نجيب محفوظ» لمحمود الشنوانى الصادر مؤخرًا عن دار صفصافة للنشر؟ بحسب تعريف الكاتب، الذى ضمّته الجلسات المحفوظية، فالكتاب دعوة للقراء لمشاركته ذكرياته مع أديب نوبل على مدار 30 عامًا هى عمر صحبته لأديب نوبل، فى «جلسات ريش» فى الخامسة والنصف من كل جمعة.
بدأت رحلة الشاب محمود الشنوانى صاحب الـ19 عامًا وقتها فى مُرافقة كاتبه المفضّل الذى قابله مرارًا عبر صفحات رواياته ولم يكن يتوقع أن يقابله وجهًا لوجه. لم يدوّن أية ملاحظات وقت الجلسات لكنه جلس بعد ذلك يسترجع ذكرياته ويحكى حكايته التى تقاطعت خطوطها مع حكايات صاحب نوبل، يحكى حكايات الحرافيش وروّاد جلسات صاحب «أولاد حارتنا».
الكتاب على ذلك، لا يخلو من النميمة والقصص الشخصية، منها العلاقة الشائكة بين النجيبين، محفوظ وسرور. وحكايات أخرى طريفة، مثل التى علّق فى أحدها محفوظ على نفسه لمّا تجمّع المارة على باب ريش مشدودين لكاميرات التليفزيون التى تجمّعت لتصوير الأستاذ عقب إعلان فوزه بنوبل، وقال محفوظ حينها: «مساكين فاكرين لو دخلوا هيلاقوا سعاد حسني، شوف بقى المقلب اللى مستنيهم».
يطوف الكاتب بذاكرته على وجوه الحضور فى «المجالس المحفوظية» فيتذكّر هارفى أسعد بوصفه أقدم روّاد الندوات فى ريش والذى اشتهر بتقديم نفسه بأنه محام أعزب وماركسى قديم، وواظب على الجلوس إلى يمين الأستاذ، بينما (بحسب ما يرويه الكاتب) حرص على الجلوس خلفه فى لقاءات كازينو أوبرا وقت أزمة أولاد حارتنا لحمايته من أى غدر يلقاه من أحد من الخلف.
يحكى عن مصطفى أبوالنصر بوصفه «أكثر الرواد انتظامًا فى الحضور» يجلس إلى يسار الأستاذ، وكان ساخطًا بشدة على أحوال البلد وقتها وعُرف أيضًا بثقافته الواسعة، وكان من المتهمين بالإساءة لسمعة مصر بسبب تصريحه «كرقيب على المصنفات الفنية وقتها» بعرض فيلم «المذنبون» والذى أثار كثيرًا من الجدل ساعتها، يحكى الشنوانى عن حرص محفوظ على حضور جنازة مصطفى رغم سوء حالته الصحية والخطورة الأمنية لتواجده فى مكان مفتوح.
أما سميح بطرس ارتبط حضوره لجلسات قصر النيل بطرفة لا ينساها الحضور إذ كان طبيبًا حديث التخرج وتزامن وجوده مع حادث قتل الشيخ الذهبى وكان صاحب لحية كثيفة مما لفت إليه الأنظار إلى أن عرّف نفسه فعلّق الأستاذ بضحكته المعهودة «مش تقول ياراجل إنك بطرس»!
لا ينسى الكاتب قصة إحدى ندوات كازينو قصر النيل فى عام 1979 إذ حضر السفير الإسرائيلى قبل قدوم الأستاذ وأثار حضوره الكثير من الجدل وفور حضور محفوظ توجه إلياهو بن أليسار، وكان أوّل سفير إسرائيلى فى القاهرة بعد معاهدة السلام، لمصافحته مبديًا إعجابه الشديد بشجاعة الكاتب بتأييده عملية السلام، وما كان من الأستاذ إلا أن رد باقتضاب «شكرًا» ثم توقف عن الحديث فما كان من السفير  إلا الاستئذان والانصراف فورًا، وكانت لهذه الزيارة المفاجئة أثرها فى نمو النميمة مرة أخرى فى الوسط الثقافى فى تلك الفترة.
نعرف من الكتاب أن نجيب محفوظ كان يرى أن سنة 1936 كانت مرحلة فاصلة فى حياته، وينقل الكاتب ما رواه محفوظ له شخصيًا: «كدت أصاب بالجنون من الصراع جوايا بين رغبتى فى التفرّغ للأدب وبين فرص العمل الأكاديمى والبعثة لأوروبا» لكن سرعان ما قرّر محفوظ أن يكون الأدب  فقط هو رسالته فى الحياة.
كانت جلسات فندق سوفيتيل المعادى أكثر انغلاقًا وتضم الأصدقاء المقربين فقط إذ كانت مرحلة جديدة فى حياة نجيب محفوظ بعد محاولة اغتياله وقد بدأت صحته فى التدهور، يبدأ جلسته بالسؤال عن أخبار البلد ويتولى من يجلس على يساره فى نقل كلام الحضور لأذنه بعدما بدأ فى فقد لياقة أذنيه فى السمع، وأصبح لا يخرج من بيته يوم السبت، بينما يقضيه فى تجهيز مقال الأهرام مع الكاتب محمد سلماوى.
فى إحدى هذه الندوات حضرت صحفية وسألت محفوظ عن النصيحة التى يرغب فى تقديمها للشباب فكانت إجابته واضحة «إحنا مش المفروض ننصح الشباب، المفروض نعتذر لهم، لأننا لا وفّرنا لهم التعليم المناسب ولا ظروف الحياة الجيدة، وبعد كده بنلومهم مش بنلوم نفسنا».
فى جنازة نجيب محفوظ ارتفع صوت شاب معلقًا على خطبة الشيخ علي جمعة (مفتى الجمهورية وقتها) والذى أخذ يمدح فيها فضل محفوظ على الثقافة «كل الكلام الحلو ده عن الأستاذ نجيب، كنتوا فين والناس بتكفره وكنتوا فين والناس بتتهمه فى دينه؟»