السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الانتحار فى سبيل الإله!

الانتحار فى سبيل الإله!
الانتحار فى سبيل الإله!


لا يكاد يكون هناك معتقد دينى إلا وتسللت إلى أتباعه بعض الطقوس التى تنطوى على جلد للذات نفسيًا وجسديًا فى سبيل إرضاء الإله، وتتراوح قسوة تلك الطقوس من مجتمع إلى آخر ومن ديانة إلى أخرى، كما أن هذه الطقوس يتم ممارستها استنادًا إلى نص صريح أو بناء على فهم بشرى للدين.
على مدار أكثر من أسبوع بدأ فى 8 أكتوبر الجارى،  يقيم أتباع الديانة الطاوية من الصينيين مهرجان «آلهة الأباطرة التسعة» أو «مهرجان فوكيت النباتى»،  فرغم أن المهرجان يعد حدثًا غنيًا بالألوان، فإن فعالياته  تتسم بالوحشية والفظاظة، إذ يقوم المشاركون فيه بممارسة طرق احتفالية متطرفة، حتى إنه فى عام 2011، أصيب حوالى 74 شخصًا فى حين توفىّ أحدهم خلال تلك الاحتفالات.
وفقًا للتقاليد المتبعة خلال المهرجان، يقوم جزء من المصلين  بتشويه أنفسهم والبعض الآخر سيقوم بتشويه الآخرين وهم فى حالة أشبه بالغيبوبة، بما فى ذلك على سبيل المثال لا الحصر قيامهم بخرق أو ثقب الخدين والذراعين والوجه والساقين والظهر وما إلى ذلك بكل الأدوات الصغيرة منها كأدوات الحقن والكبيرة أيضًا هذا إلى جانب سلخ الجلد جزئيًا.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد لكنه يمتد إلى تمزيق الأطراف والصدر والبطن وخاصة اللسان مستخدمين فى ذلك السيوف والفئوس والسكاكين كما يقفون بالقرب من الحرائق والنيران المشتعلة، وبعضهم يمشى حافيًا على الفحم المشتعل.
ومن الغريب أن كل تلك الطقوس تتم من دون استخدام مخدر داخل أو بالقرب من المعابد الصينية التى يحيط بها مصلون آخرون يستخدمون اليود والفازلين والقفازات الجراحية كإجراء احترازى، لذلك فإن إراقة الدماء الناتجة عن إزالة الأنسجة عادة ما تقتصر على إحداث «خراج» للمصابين.
واللافت أن العديد من الأشخاص الذين يؤدون هذه الطقوس هم أيضًا الذين يقومون بمساعدة المصابين على التعافى من الإصابات التى تلحق بهم أثناء المهرجان، ويعتقد الطاويون أن الامتناع عن تناول اللحوم والمنبهات والمنشطات المختلفة خلال فترة المهرجان سيساعدهم على الحصول على صحة جيدة وراحة بالبال.
ويعد Mah Song» هو العرض الرئيسى لهذا المهرجان ويقام سنويًا من قبل الرجال، وأحيانًا تؤديه النساء، ومن المثير للاهتمام أن معظم من يؤدون مسيرات «mah song» يكونون من الشباب فى المرحلة العمرية بين المراهقة إلى منتصف العشرينيات، كما يتميزون بأقدامهم العارية وملابسهم الاحتفالية ذات ألوان زاهية بخيوط ذهبية ومزينة بتنين ورموز صينية أخرى.
 وتعتبر الضوضاء أشهر ملامح هذا الحدث بسبب ضجيج المشاركين إلى جانب الألعاب النارية التى تشتعل بشكل مستمر مع ارتفاع أصوات الطبول التى تجول موقع الاحتفال، حيث يوجد اعتقاد بأن الأصوات العالية تخيف الأرواح الشريرة التى قد تنجذب إلى هذا الاحتفال.
ويعتقد أن وجود الإله المعروف باسم «ماه سونج» يحمى الجسم من الألم والإصابات، لذا فإن قدرتك على الاحتمال تعنى قوة إيمانك، ولا يقتصر الهدف من التعذيب الذى يمارسه كل فرد على نفسه على اختبار قوة إيمانه بالإله فحسب،  بل إنه يأمل أيضًا أن يؤدى إلى طرد الأرواح الشريرة وجلب الحظ السعيد إلى مجتمعاتهم.
فى تايلاند، يتم الاحتفال بهذا المهرجان فى جميع أنحاء البلاد، وتصل الاحتفالات فى جزيرة «فوكيت» إلى ذروتها حيت يعد حوالى 35 % من سكانها من التايلانديين الذين ينتمون إلى أصول صينية، كما ينتشر الاحتفال فى المجتمعات الصينية فى عدة دول فى جنوب شرق آسيا مثل ميانمار وتايلاند وإندونيسيا.
ورغم أن هذا المهرجان يتم الاحتفال به فى عام 2018 ما بين 8-17 أكتوبر، فإن تاريخ الاحتفال يعتبر متغيرًا، لأنه يعتمد على التقويم الصينى،  وهو أحد احتفالات الديانة الطاوية ولمن لا يعرف فإن هذه الديانة تنطوى على مجموعة مبادئ فلسفية وعقدية، مشتقة من المعتقدات الصينية راسخة القِدَم..
يبدأ المهرجان دائمًا فى اليوم الأول من الشهر القمرى الصينى التاسع وعلى مدار 9 أيام يلتزم المشاركون ببعض الالتزامات من بينها الحرص على نظافة الجسم أثناء المهرجان، العمل على تنظيف أدوات المطبخ وعدم السماح لمن لا يشاركون فى المهرجان باستخدامها، ارتداء فقط ملابس ذات اللون الأبيض خلال أيام المهرجان، تجنب تناول اللحوم، تجنب شرب الكحول، ويمنع إقامة علاقات جنسية كما يجب ألا تشارك السيدات الحوامل والحائضات فى الاحتفال.
يرجع تاريخ الاحتفال بهذا المهرجان إلى القرن 19، أى منذ حوالى 150عامًا وكان الاحتفال يقام فى منطقة «كاتو» بجزيرة «بوكيت» حيث كان يستقر بها غالبية عمال مناجم القصدير الذين كانوا يشكلون شريحة كبيرة من المجتمع، لدرجة أنه تم تعيين مجموعة من فنانى الأوبرا للترفيه عنهم.
يروى أن المهرجان انتقل إلى الجزيرة التايلاندية من قبل إحدى مجموعات الأوبرا الصينية المتجولة التى أُصيبت بالملاريا - الذى كان يعتبر وقتها مرضًا قاتلًا - أثناء تقديمها لأحد العروض فى الجزيرة، لذا قرروا الالتزام بنظام غذائى نباتى صارم وإجراء الصلاة لآلهة الأباطرة التسعة لضمان صفاء الذهن ونقاء الجسد
 وعند شفاء المجموعة التام من الملاريا، قرر الناس فى الجزيرة الاحتفال من خلال عقد هذا المهرجان الذى كان من المفترض أنه يكرم الآلهة كما أنه يعد أيضًا تعبيرًا عن سعادة الناس بنجاة المرضى مما كان فى القرن التاسع عشر مرضًا مميتًا ليتحول بذلك هذا المهرجان إلى حدث سنوى مذهل يحضره الآلاف من المشاركين الذين يسافرون من الصين إلى وجهات آسيوية أخرى من أجل الاحتفال به.
إذا كان مهرجان آلهة الأباطرة التسعة يتسم بالبشاعة، فإن أغرب عقوبات أوقعها البشر بأنفسهم وصولًا للخالق ورضاه عنه، تتمثل فيما أقدمت عليه جمعية «سكويتى» أو «خصيان روسيا»،  إذ تمارس الجمعية غير المعلنة خصى المنتمين إليها كطقس دينى،  وقد وصف علماء النفس بأن الحركة كانت تلبى حاجات نفسية ملحة، فى حين اعتبرها الكثير ضربًا من الجنون، وقد انتشرت فى القوقاز وامتدت حتى هنغاريا، ولم تختف إلا بعد قرون من حيث بدأت إقامة شعائرها.
يهتم فقراء الهند كثيرًا بالجانب الروحى وينزعون إلى التعذيب الجسدى،  ويحج البوذيون لمسافة 2100 كم زحفًا ومشيًا وانبطاحًا فى رحلة رهيبة من المعاناة والألم على هضبة التبت، يموت منهم الكثير أثناءها، أما المسيحية فاتخذت من الرهبنة والتبتل والاعتزال والصوم طريقًا كما يمارس الشيعة المسلمون طقوسًا تعذيبية فى ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي.