الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بروتوكولات حكماء «صالات القمار» فى «صقر قريش»!

بروتوكولات حكماء «صالات القمار» فى «صقر قريش»!
بروتوكولات حكماء «صالات القمار» فى «صقر قريش»!


تسكن موالد الأولياء فى ذكرياتنا، قد لا نعرف قصة الولى أو سره الباتع أو تاريخه الذى دفع الناس لرفع المقام وإعلاء السيرة والاحتفال بصاحبها.. ليست قصة الولى المجهول هى المفارقة الوحيدة فى موالدنا.. المفارقة الأكبر هى انتشار لعبة القمار فى الليالى الكبرى، وكانت الموالد هى وسيلة نشر اللعبة وتدريب الأطفال عليها، وكلما كبر الصغار لا ترضيهم الرهانات المتواضعة على ترابيزات القمار الشعبية فى الموالد، ووصلوا فى بعض القرى إلى إقامة عشش فى قلب الزراعات للعب القمار، ومن اللاعبين من خسر أمواله ومواشيه ومنزله، وانتهت بعض الحكايات الليلية بحوادث قتل.. ورغم قسوة تلك الحكايات إلا أنها ظلت العبرة الأهم عن أقرب الشياطين إلينا، شيطان عشش القمار.
تذكرت الكثير من الحكايات، من شكل الزهر والترابيزة المثبتة على عربة بعجلات دراجة وورق الكوتشينة ونداءات أصحاب الترابيزات أو حيلهم لجذب الجماهير، وكيف كنا نخسر كل مصروفنا على أبواب المولد لنعود منه «بلا حمص».. تذكرت كل ذلك وأنا أسمع وأقرأ فى أوراق اجتماع رسمى دعت إليه وزارة المالية ممثلة فى مصلحة الضرائب وموجه لمديرى صالات القمار فى مصر لمناقشة قيمة ضريبة القيمة المضافة على أرباح صالات القمار.. بالطبع معظم زبائن تلك الصالات سائحون أجانب.
الاجتماع عقد فى الثالث من سبتمبر الجارى، وضم ممثلين عن مصلحة الضرائب، وممثلين عن شركات إدارة صالات القمار، وامتد الاجتماع لساعات طويلة ولم ينته لنتيجة ترضى أى الأطراف.
الحكايات التى تناثرت على «ترابيزة» الاجتماع لا تقل سخونة عن ذكريات الموالد القديمة أو صراعات القاعات السرية للعب القمار فى مصر، حكايات عن رحلات خاصة لأجانب تستهويهم اللعبة فى مصر وكأننا أصبحنا لاس فيجاس الشرق، وحكايات عن أموال وكأنك تتفحص ثروة على بابا، وبالمناسبة هى أموال تندرج تحت توصيف «أموال ساخنة» أى سريعة الحركة تأتيك فجأة وتختفى فجأة، قبلها حكايات أسطورية عن أرباح خرافية، أو قصص عن نجوم المغامرة الذين يتحولون فجأة من عالم الثراء إلى عالم الفقراء، ورغم قسوة الحكايات إلا أنها تجذب زبائن جددا.. هذا العالم فيه محترفون وهواة، والجميع يخسر ويعود للعب.
هناك قوانين تحكم عالم «صالات القمار»، فدخل الصالات يتم إيداعه فورا فى أحد البنوك، ويقوم البنك بعملية مقاصة من المنبع، نصف ربح صالة القمار يذهب فورا لوزارة السياحة، والربع لمالك الصالة وهو غالبا فندق كبير، والربع الأخير يذهب لمدير الصالة.
وزارة السياحة تمثل الدولة وغالبا كل أموالها تذهب للخزانة العامة، أما المالك فهو يدفع على أرباحه ضريبة مثل أى نشاط، أما الطرف الثالث وهو شركة الإدارة فهى التى تقوم بالإنفاق على تشغيل الصالات من أرباحها، تجهيز الترابيزات وأدوات اللعب وتوظيف القائمين على الإدارة وخدمات أخرى لا يعرفها إلا المتمرسون فى عالم القمار.
صدر قرار إدارى من رئيس مصلحة الضرائب يحمل رقم 821 لسنة 2018 بشأن تشكيل لجنة تتولى إعداد مشروع بروتوكول ينظم تحصيل الضريبة على القيمة المضافة المستحقة على نشاط ألعاب القمار والذى يتم ممارسته من خلال كازينوهات وصالات القمار، وذلك بالتنسيق مع السادة ممثلى هذه الكازينوهات.
بناء على قرار رئيس الضرائب قام قطاع البحوث والسياسات الضريبية بالمصلحة بالدعوة لاجتماع عقد فى 3 سبتمبر الجارى فى مبنى الضرائب بصقر قريش.
طلبت المصلحة من الكازينوهات أن ترسل مندوبين مفوضين بالتوقيع على البروتوكول، وطلبت ميزانيات كاملة بالإيضاحات المتممة لها عن آخر ثلاث سنوات لكل كازينو وعقود الإيجار وعقود الإدارة المبرمة بين الشركات المالكة وشركات الإدارة.
الحضور فى هذا الاجتماع يكشف عن عدد الصالات وخريطة انتشارها بين القاهرة والساحل الشمالى وشرم الشيخ والغردقة، وجميعها داخل فنادق عالمية، وعدد تلك الصالات 25 صالة، والمفاجأة كانت الأرقام التى تناثرت على أطراف ترابيزة الاجتماع الرسمى، وخرجت الأرقام من المستهدفين لدفع الضريبة وهم مديرو تلك الصالات، حسب تلك المعلومات فإن قيمة الرهانات أكبر بكثير من التصورات الحكومية والشعبية، رهانات أرباحها فقط تصل إلى 10 مليارات جنيه.
لا تستهدف مصلحة الضرائب سوى 350 مليونا فقط من إجمالى أرباح صالات القمار، وهى تمثل 14 % قيمة ضريبة القيمة المضافة على دخل شركات إدارة الصالات، والتى تمثل حصتها 25 % من دخل الصالة، ربما لأن الـ50 % التى تذهب لوزارة السياحة تذهب جميعها لوزارة المالية، ولا نعرف سر إعفاء ملاك الصالات من تلك الضريبة رغم أن نسبتهم من الدخل مساوية لنسبة شركات الإدارة وهى 25 %، وجميع الأطراف تدفع ضريبة نهائية على أرباحها الإجمالية سنويا، نثق أن هناك مبررا قويا وفلسفة ضريبية فى هذا التوزيع.
المبلغ المستهدف لضريبة القيمة المضافة يمثل 14 % من دخل مديرى الصالات، نفس المبلغ يمثل 3.5 % «ثلاثة ونصف فى المائة» من إجمالى دخل الصالات.. لكن نهاية الاجتماع لم تكن على قدر توقعات مصلحة الضرائب، فقد رفض مديرو الصالات هذه النسبة من الضريبة وطالبوا بألا تزيد على واحد ونصف أو اثنين فى المائة، وقالوا إن أرباح مدير الصالة لا تتجاوز 6 % ولا يعقل أن تدفع شركة الإدارة نصف أرباحها، وأنها تتحمل كل نفقات الصالة، بينما تحصل وزارة السياحة ومالك الصالة على نسبتهما خالصة قبل التكاليف.
الاجتماع انتهى من دون اتفاق، كل فريق يتمسك بوجهة نظره، وما تطلبه الضرائب لا يمكن تطبيقه إلا بعد توقيع البروتوكول الذى دعت الأطراف المعنية لتوقيعه، ومن دون البروتوكول لا يملك البنك - القائم بتقسيم الأرباح أو الدخل - قانونا خصم أى نسبة من حصة مديرى صالات القمار.
 لم تلهنى تفاصيل تلك المعركة وسخونتها عن استدعاء ذكريات الموالد الريفية ومطاردات الآباء لعربات القمار لصرفها بعيدا عن مغامرات الأطفال، لكنها كانت تجذب زبائن للمولد من قرى مجاورة.. الآن على حكماء صالات القمار الاستماع جيدا لطلبات مصلحة الضرائب، فالدولة لا يصح أبدا أن تخرج من المولد بلا حمص!