الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

3 عظات تنهى حياة الأنبا إبيفانيوس!

3  عظات تنهى حياة الأنبا إبيفانيوس!
3 عظات تنهى حياة الأنبا إبيفانيوس!


بدم بارد وعدم اكتراث وسبق إصرار قُتل الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير أبومقار بوادى النطرون.
بكل وحشية وغدر قتل على يد أحد رهبان الدير الذى كان يقوم برئاسته فى تجسيد لأبشع مظاهر الخيانة فى الحياة.

فرئيس الدير بالنسبة لرهبانه يكون بمثابة الأب والراعى.. أى أن الابن قتل أباه فى مشهد مأساوى يجعلك تشعر بأنك تشاهد فصلاً تراجيديًا من إحدى مسرحيات شكسبير الدرامية.
كل شهود العيان الذين رأوا جثمان الأنبا إبيفانيوس أكدوا أن رأسه تكاد تكون مهشمة تمامًا.. الأمر الذى رآه البعض أنه تأكيد على أن القاتل أراد تدمير الفكر الذى كان يحمله الراحل، وينشره بشكل كبير، الذى كان ربما يكون فى الأساس هو الدافع وراء قتله.
مما لا شك فيه أن الأنبا إبيفانيوس كان ذا فكر مختلف فهو ينتمى لدير أبومقار، وتتلمذ على يد الأب متّى المسكين الذى اختاره ليرأس الدير.. كان شيخ المطارنة الراحل الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط، الذى أوصى به لدى البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.

 قد لا يكون النزاع بين فكر الأب متّى والبابا شنودة الثالث البابا الراحل اللاهوتى هو السبب وراء مقتله.. ولكن فكر الأنبا إبيفانيوس الروحى، الذى كان يحاول تطبيقه ونشره على قطاع واسع وكبير هو ما كان يهدد مصالح البعض داخل الأديرة والمجمع المقدس.
ففى إحدى عظات الأنبا إبيفانيوس، التى انتشرت بعد رحيله على صفحات اليوتيوب.. كان ينادى بضرورة تطهير الرهبنة وعودة الرهبان لأديرتهم مطالبًا بمنع أو عدم حصول الرهبان على أى رتب كهنوتية.. وأن هناك مرضًا تفشى داخل الرهبنة بسبب الأموال والكهنوت، الذى اعتبره نوعًا من أنواع الشهوة بالنسبة للرهبان.
ووصف كهنوت الرهبان بأنه كأس مر تجرعوها جميعًا، مناشدًا البابا بالعودة إلى الأصول الأولى للرهبنة واتخاذ قرارات مركزية حكيمة يمنع فيها رسامة الكهنة.
الجميع يعرف أن مطالبات الأنبا إبيفانيوس تجد صدى لدى البابا خاصة أن كل ما يتحدث فيه يكون موثقًا بالدراسات الآبائية.. وبالتالى لم يكن أحد يستطيع أن يقف أمامه، فهو عالم كبير فى مجال المخطوطات يتحدث أكثر من لغة بمنتهى الطلاقة وأصبح يمثل الكنيسة الأرثوذكسية فى أغلب المؤتمرات اللاهوتية الكبيرة.
لقد تحدث الأنبا إبيفانيوس عن وقف رسامة الرهبان كهنة وبالتبعية أساقفة وبطاركة.
حقيقة أنه عندما يختار البطريرك أسقفًا من الممكن أن يقوم بإعطائه كل الرتب دفعة واحدة، ولكن الاختلاف يكمن فى شهوة المنصب الذى قد تكون لدى بعض الرهبان القساوسة.
ومن ناحية أخرى فإن تطبيق مثل هذا القرار قد يقف عائقًا أمام بعض أساقفة المجمع المقدس الذين يلجأون فى بعض الأحيان لاستخدام بعض الكهنة لتحقيق هدف ما مقابل وعدهم بأن ينالوا الأسقفية مثلما حدث مع أحد رهبان دير مارمينا فى كينج مريوط أثناء اختيار البابا تواضروس خليفة لمطران القدس، حيث وعده أحد الأساقفة الكبار (من الحرس القديم) بأنه سيجعله المطران القادم مقابل تنفيذ بعض الخدمات له!
وبالفعل كاد أن يحدث هذا إلا أنه تم اكتشاف ذلك المخطط الذى كان الهدف منه التحكم فى أهم منصب داخل الكنيسة الأرثوذكسية وتمت رسامة الأنبا أنطونيوس فى أول رد صريح للبابا يدل على قدرته للوقوف أمام كل من يريد تحقيق مصالح خاصة على حساب الخدمة.

فى عظة أخرى للأنبا إبيفانيوس تحدث عن الفرق بين الرأى والعقيدة مستخدمًا قصة العرافة التى استحضرت روح صموئيل النبى لشاول الملك الذى اختلف عليها آباء الكنيسة الكبار ومنهم من قال إنه لا يجوز لسيدة أن تقوم باستحضار نبى، وذلك على الرغم من أن الكتاب المقدس أكد ذلك.
ومن هذه النقطة انطلق الأنبا إبيفانيوس إلى فكرة أن الاختلاف فى التفاسير لا يجوز بمقتضاها هرطقة الرأى المخالف، منتقدًا فكرة اتهام بعض الآباء وعلى رأسهم الأب متّى المسكين بالهرطقة لمجرد أنه اختلف فى التفسيرات والشرح.. وهو أمر معروف على مدار تاريخ الكنيسة كله.
وقطعًا نشر مثل هذا الفكر يقطع على الكثيرين الطريق الذى يحاولون به إسقاط البابا الحالى، إذ يروجون لفكرة مخالفته للتعليم الأرثوذكسى.. وبالتالى يصبح مهرطقًا، ومن حق المجمع عزله.. وبذلك يستطيع كل واحد أن يفعل ما يراه وأن يتخذ لنفسه السلطة التى يسعى إليها خاصة بعد استبعاد البابا للأنبا بيشوى سكرتير المجمع الأسبق، الذى كان هو صاحب السلطة العليا فى ملف المحاكمات الكنسية.. وكذلك قام بإبعاد الأنبا أرميا عن التعامل مع الدولة فى القضايا التى تخص الكنيسة، حتى إنه لم يصطحبه فى بعض لقاءاته الرسمية، واصطحب معه الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا.
الأزمة التى كانت تواجه بعض أساقفة المجمع المقدس أن الأنبا إبيفانيوس لا يتحدث عن رأيه الخاص، بل دائمًا كان يتحدث من الكتاب المقدس معضدًا ما يقوله بما جاء بالمخطوطات الآبائية، التى قام بدراستها جيدًا وموجودة بدير أبومقار.
كما أن الأنبا إبيفانيوس كان دارسًا للعديد من اللغات وفى مقدمتها اليونانية.. وهى اللغة التى تجعله يترجم تلك المخطوطات ترجمة دقيقة.
كل هذا جعل منافسة الأنبا إبيفانيوس صعبة (إن لم تكن مستحيلة) فدائمًا ما كان يخرج من أى نقاش منتصرًا.. ليس لرأيه الشخصى، وإنما وفقًا لما ذكر فى التاريخ الكنسى.
وكان أكبر دليل على ذلك أنه لم يقم بالموافقة على قرارات المجمع المقدس فيما يخص تناول المرأة الحائض.. وذلك لأنه يرى أن المرأة لا يوجد عليها أى محاذير وأنها طاهرة ولا يوجد أى عائق أمامها يعوق تقدمها من التناول.. كما كان لأبحاثه الفضل فى عدم قدرة المجمع على رفض الفكرة بشكل قاطع، وإنما خرجت التوصيات والقرارات بما جاءت عليه بأنها تعامل معاملة الاحتلام.. وأنه يجوز لأب الاعتراف الموافقة على تقدمها للتناول فى حالة الاحتياج لهذا.

المفاجأة الكبرى.. جاء بها أحد الفيديوهات التى انتشرت بعد رحيل الأنبا إبيفانيوس.. إذ كان يتحدث فيه عن رأس الكنيسة الأولى فى معمودية الملكيين الذى كان مقصودًا بهم الطوائف الأخرى التى خضعت لتوصيات مجمع خلقيدونية وأبرزهم الكاثوليك، حيث أثبت الأنبا إبيفانيوس أن الكنيسة الأولى (وتحديدًا فى عهد البابا خريستوذولوس البطريرك الـ٦٦ فى القرن الحادى عشر) نصت فى قوانين الكنيسة القبطية على عدم إعادة المعمودية للطوائف الأخرى.. وهو نفس ما كانت تقوم به كنيسة روما وبعض الكنائس الأخرى المعتدلة.
أما من كان ينادى بإعادة معمودية الطوائف الأخرى على اعتبارهم هراطقة.. فكانت الكنائس المتشددة التى كانت موجودة فى بعض مناطق شمال أفريقيا؛ وكان أشهرهم ترتليانوس وكبريانوس وأغسطينوس.. وذلك وفقًا لمخطوطات قوانين الكنيسة الموجودة فى دير أبومقار بوادى النطرون.
أى أن الأنبا إبيفانيوس كان يحمل معه الدراسات والأبحاث التى تؤكد أن الكنيسة القبطية كانت تؤمن بعدم إعادة المعمودية وأن كل ما يفعله البابا تواضروس هو محاولة لإعادة الكنيسة لما كانت عليه قبل سيطرة بعض المصالح عليها.
فى الواقع إن بعضًا من آراء الأنبا إبيفانيوس الموثقة من الكتاب المقدس والليتورجيات والمخطوطات تؤكد صحة الإصلاحات التى يريد أن يقوم بها بطريرك الكنيسة الحالى.
ولأنه لم يكن هناك من يستطيع إيقافه، حيث أصبحت تتعارض هذه الإصلاحات مع المصالح الخاصة لبعض الأشخاص قام وائل سعد تواضروس بقتل الأنبا إبيفانيوس من دون رحمة أو ندم.. وذلك بعد أن حاول أكثر من مرة أن يقتله فيها إلا أنه لم ينجح إلا فى الثالثة.
رحل الأنبا إبيفانيوس عن العالم.. ولكن اتضح أنه كان يعمل فى صمت، ويعالج ما أفسدته الخلافات التى كانت نتيجتها بُعد البعض عن الكنيسة؛ بل ظهر فى إحدى العظات وهو يعتذر لجيل بأكمله قائلا: «حقكوا علينا» مشيرا إلى عثرة كثير من الشباب بسبب ما يفعله بعض رجال الدين.
رحل الأنبا إبيفانيوس.. ولكن كانت دماؤه سببًا فى اتخاذ أقوى حزمة قرارات إصلاحية فى تاريخ الكنيسة الحالى.
قوة البابا تواضروس جعلت من يقوم بإدارة الحملات ضده فى حالة تخبط شديد وإفلاس بيِّن، خاصة بعد انتهاء التحقيقات التى أظهرت العديد من المصائب والكوارث التى تحتاج إلى علاج فورى قد يصل إلى بتر العضو الفاسد وعزله.
فهل سيستطيع البابا الحالى اتخاذ مثل هذا القرار؟.. الأيام القادمة فقط هى التى ستحمل لنا الإجابة.