تفاصيل «خطة واشنطن» للسيطرة على «نفط» سوريا!

آلاء شوقي
وفقًا للعديد من «المعطيات السياسية» تظل قضية النفط بمنطقة الشرق الأوسط، إحدى نقاط الارتكاز «المهمة» فى تفجير الصراعات (المتتابعة) داخل المنطقة.
ومع ظهور «روسيا» من جديد كأحد اللاعبين الرئيسيين على مسرح الأحداث (خصوصًا فى سوريا)؛ كان أن شهد الميزان «التقليدى» للقوة (وتحديدًا مع الولايات المتحدة) العديد من التغيرات.
لذلك أضحت (سوريا) تحديداً، مركزاً لاستعراض القوى، وإثبات الذات، ليس للطرفين السابقين فحسب، بل لكل الأيادى التى تتدخل فى الصراع السورى الداخلى.
وفى الوقت الحالى، وبعد الانتصارات الأخيرة للجيش السورى، بدأت الإدارة الأمريكية فى تغيير خطتها، من أجل فرض سيطرتها، وإبقاء يدها داخل المنطقة بطريقة أو بأخرى، لتستحوذ على المكاسب المادية التى تتمتع بها الأراضى السورية، (وعلى رأسها النفط)، وتأمين الكيان الصهيونى أيضاً.
فعبر دراسة حديثة قام بها نخبة من السياسيين الأمريكيين لحساب «معهد واشنطن»، حول مستقبل الشمال السورى تحديداً، رأت الدراسة أن (الولايات المتحدة) تحتاج فى هذه البيئة المعقدة إلى استراتيجية واضحة، تحدد من خلالها أهدافها، والطرق والوسائل المناسبة لتحقيقها.
وتعود أهمية الشمال السورى، للموارد النفطية الوفيرة التى تتمتع بها المنطقة..ولكن قبل أن تسيطر (الولايات المتحدة) عليها، يجب أن تتخطى بعض التحديات..منها مشكلة الأكراد، وتركيا من ناحية، والتخلص من (إيران) التى تدعم «الأسد»، وتتعاون مع «الكرملين» من ناحية أخرى.
الخطة أوضحت - قبل أى شىء - ضرورة منع سيطرة القوات الإيرانية، و«الأسد» على شمال شرق (سوريا)، بعد هزيمتهم لتنظيم «داعش» الإرهابى، وفرض منطقة حظر الطيران، بشرق وشمال شرق نهر «الفرات»، باستخدام القوات الجوية الأمريكية، مع الإبقاء على وجود وحدات أمريكية برية صغيرة فى تلك المنطقة، إما عن طريق استمرارها عنوة، أو سحب القوات البرية، لكن مع المحافظة على «مراقبة عسكرية» فى الشمال الشرقى من خلال التنسيق مع القوات المحلية، وبالتحديد حزب الاتحاد الديمقراطى (PYD)، والقوى الديمقراطية السورية (SDF).
وتشير الدراسة، كذلك إلى أن فكرة حظر الطيران فى شمال شرق (سوريا) ستؤدى إلى خلق أعباء مالية على (إيران، وروسيا) فى جهودهما لمساندة «بشار الأسد». ومع ازدياد الضغط الذى ستمارسه السياسة الأمريكية، ستتلاشى قدرة (طهران) على دفع ثمن دعمها للنظام السورى.. مؤكدة أنه يمكن لهذا المخطط، أن يُكمل بقوة النفوذ الدبلوماسى المتمثل فى قرار «مجلس الأمن»، رقم (2254)، الذى يدعو إلى انتقال سياسى لتأمين البلاد والمنطقة، فمثل هذه السياسة ستمثل ضغطاً على «الأسد» ومن يدعمه لقبول حل سياسى من شأنه أن يحرمهم من الوصول إلى أماكن مهمة تحتوى على موارد مهمة، ولا سيما النفط، والزراعة.
مخطط التخلص من (إيران):
فيما يتعلق بـ(إيران)، فيبدو أن النهج المفضل لإدارة «ترامب»، عبر فرض عقوبات اقتصادية قاسية ضد الحكومة الإيرانية، أمر غير مستساغ فى الوقت الحالى، وذلك لاكتشافهم أنه غير كافٍ لإجبار (طهران) على تغيير مسارها فى (سوريا)، أو المنطقة بشكل عام.
لذلك يفضل الخبراء الأمريكيون أن تكون العقوبات القادمة عبر الساحة السورية نفسها، من خلال استنزاف (إيران) عسكرياً بدخولها فى جبهات متعددة، لتضمن (واشنطن) أن ينظر الإيرانيون إلى نهج «المقاومة» الصادر عن الحرس الثورى الإيرانى، بأنه نهج خاسر، ويتطلب تكاليف عسكرية عالية ومستمرة، مما يعرض (طهران) للخطر، وقد يزيد الضغط الاقتصادى بنفس الوقت من الاستياء الشعبى، ويهدد النظام الإيرانى.
كما يمكن للولايات المتحدة، من خلال هذا المخطط، أن تثبت للحرس الثورى الإيرانى أنه على الرغم من كل جهوده داخل الأراضى السورية، فإنه لن يتكمن من تأمين «الجسر البرى»، ومحاولاته استخدام (سوريا) كمنطلق قوة، ضد إسرائيل.
أما خطة التنفيذ نفسها، فستكون استهداف المنشآت العسكرية الإيرانية داخل (سوريا) من قبل جيش الاحتلال تحديداً، لسببين، الأول، هو ضربة استباقية هدفها تعليم الحكومة الإيرانية درساً قاسياً، بألا تقترب من إسرائيل، والثانى من أجل إحداث صدع بين (إيران، وروسيا)، وهو ما سيؤثر بدوره على النظام السورى.. فتجد (موسكو) نفسها بين اختيارين، إما كبح الموقف الإيرانى، أو مواجهة احتمال نشوب حرب بين إسرائيل وإيران و«حزب الله»، داخل الأراضى السورية، تضطر فيه (روسيا) لاتخاذ موقف فى غير صالحها بجميع الأحوال.
وتوضح الدراسة أن (موسكو) حافظت على شراكتها مع (طهران) لسنوات، ولكنها لا تشترك بالضرورة معها فى كل أهدافها، فيما يتعلق بخطة (إيران) تجاه (سوريا)، وإسرائيل، وتثبيت الوجود الدائم للميليشيات التى تسيطر عليها (طهران)، بدلاً من «الأسد» داخل الأراضى السورية.
لذلك أكدت الدراسة على ضرورة أن تعرب الولايات المتحدة بشكل واضح، عن موافقتها على سياسة إسرائيل النشطة، لمنع إقامة وجود عسكرى إيرانى دائم فى (سوريا). وبالفعل كانت الحكومة الإسرائيلية قد قررت أن القوة العسكرية، يجب أن تكون عنصراً أساسياً فى مثل هذه السياسة.
ومن ناحية أخرى، ترى الدراسة أن هذا المخطط يتميز بأنه منخفض التكلفة، والمخاطر، ومرتفع من حيث العائد.. مشيرة إلى ضرورة قيام الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على البنوك المشاركة فى تقديم الائتمان لنظام الأسد، حيث منحت (إيران) منذ عام 2013 مليارات الدولارات من القروض إلى (دمشق) بشرط استخدام الأموال لشراء النفط الإيرانى،والآلات والسلع الأخرى.
كبح جماح (تركيا):
مع احتفاظ القوات الأمريكية - التى يشمل قوامها نحو 2000 جندى - بشمال شرق (سوريا)، والتى تمثل 30 % من البلاد، والأكثر غنى بالموارد، ستتمتع (واشنطن) بنفوذ كبير على (موسكو، وطهران، ودمشق)، وفقا للسيناريو المطروح.. لكن من الضرورى أولاً أن توافق (تركيا) على شروط (الولايات المتحدة) للرقابة على الشمال الشرقى، ومن ثم تسيطر القوات التركية والقوات الأمريكية أيضاً على نحو 40 ٪ من الأراضى السورية.
ولكن الدراسة تربط - هنا - إتمام صفقة كتلك بإجراء مصالحة بين (تركيا)، و«حزب الاتحاد الديمقراطى»، الذى يعتبر فرعًا من أعداء (أنقرة)، وحزب العمل الكردستانى.
وتنبه الدراسة إلى أن صفقة كتلك، قد تكون صعبة المنال، حيث سيتعاون الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» مع الإدارة الأمريكية، للتصالح مع «الأكراد».. فحسبما كتبت جريدة «لومونود» الفرنسية بعدما فاز «أردوغان» بولاية جديدة فى 5 يوليو الماضى، فإن الأكراد يستعدون لمستقبل محفوف بالمخاطر، وفقاً لتأكيدات «الأكراد»، بأن إعادة انتخابه تجعل السلام أمراً مستحيلاً، بالإضافة إلى أن عودة الرئيس التركى ومن معه إلى معسكر السلطة، يعد إشارة واضحة من «أردوغان»، بأنه يريد تجريم المجتمع الكردى، مما سيؤدى إلى موجة اعتقالات أخرى.
وهذا ما أكده رئيس اتحاد «كوروكو» التركى،«سيثان كاراداج»، إذ قال إن إعادة انتخاب رئيسهم ستتيح لهم القضاء على «حزب العمل الكردستانى»، بل إن حربهم ستستمر بطريقة أكثر فعالية، قائلاً: «رئيسنا لا يحتاج إلى إذن من أحد لتطهير البلاد من الإرهابيين، سواء فى الداخل أو الخارج».
وأعرب الباحثون عن قلقهم من تنامى مفهوم التراجع الأمريكى، وسحب القوات من (سوريا) كرد فعل مع (أنقرة)، محذرين من أن تلك الخطوة قد تشير إلى ضعف (الولايات المتحدة)، وتخليها عن حلفائها (الأكراد السوريين، وإسرائيل). مؤكدين أن خروجهم من الأراضى السورية قد يؤدى فى نهاية المطاف إلى خروج الوجود العسكرى الأمريكى من (العراق)، مما يؤدى إلى تحقيق نصر كلى من قبل الأسد وطهران، ويعزز من مخاوف إسرائيل.