الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تجربة واحدة تكفى؟

تجربة واحدة تكفى؟
تجربة واحدة تكفى؟


إذا تأملنا تيترات أفلام «يوسف شاهين» سنجد أن أكثر من 90 % من الأسماء الموجودة، تتكرر معه فيلمًا وراء الآخر.. فقد كان شديد الحرص على معاودة التعاون أو الالتزام بالعمل مع ذات الأشخاص الذين يعرفهم.. وهو ما يؤكد وجود نوع من الارتباط الذى كان يشعر به «شاهين» تجاه العاملين معه أمام أو وراء الكاميرا.. ولكن ماذا عن الذين تعاونوا معه لمرة واحدة فقط، كيف كان اللقاء الوحيد؟ وهل كانت مرة واحدة مع «جو» تكفى؟..
أحمد عبدالعزيز .. بكر ثورجي بونابرت



ثائرًا.. يجوب شوارع المحروسة، دفاعًا عن مصر  يصرخ «مصر هتفضل غالية عليا» ..الأزهرى الثورى «بكر أو الممثل الشاب آنذاك، أحمد عبدالعزيز» فى فيلم «الوداع يا بونابرت – 1985» والذى يحكى لنا عن هذه التجربة قائلًا: «تمنيت العمل مع المخرج الكبير «يوسف شاهين» أكثر من مرة، ولكن القدر لم يكتب لى إلا العمل معه مرة واحدة، وكان معروفًا عنه وقتها أن المجموعة التى تعمل معه تكون متفرغة تمامًا له، ومن الممكن أيضًا أن تظل فى انتظار العمل معه فى التجربه التالية، وكان علىّ وقتها أن أختار هل أنتظر التجربة الجديدة مع الأستاذ، أم أعمل مع غيره وبالفعل قررت أن أدخل فى تجارب مختلفة مع مخرجين آخرين. على نفس قدر أهمية وعبقرية«شاهين»مثل «محمد خان» و«خيرى بشارة».. أما عن «الوداع يا بونابرت» فقد اختارنى «شاهين» عندما كنت أمثل فى مسرحية «المسافر ظهرا» على مسرح الطليعة، وكان وقتها مدعوا لمشاهدة  «البروفات» وأعجب بى وقال لى «ابقى شفلنا صور ليك علشان نشوفلك فسفوسة فى الفيلم الجديد».. وبالفعل تم التواصل بينى وبينه عن طريق المخرج الكبير «يسرى نصرالله» وبالنسبة لى وقتها «فسفوسة» فى فيلم لمخرج بحجم «يوسف شاهين» تعنى بطولة مطلقة، وأعرف أنه من الممكن ألا يصدقنى الكثيرون إذا قلت إننى كنت أحلم بهذا اللقاء فيما يسمى بأحلام اليقظة. ولم أكن وقتها الفنان الشاب الوحيد الذى يحلم هذا الحلم.. الغريب أننى لم أشعر برهبة التمثيل مع مخرج كبير مثل «يوسف شاهين» لأننى كنت قد مثلت وأخرجت العديد من المسرحيات. ولكن كان هناك استعداد خاص لهذه التجربة المهمة، فالفيلم تاريخى ومع مخرج يراعى ويدقق فى كل التفاصل، لذلك قرأت كتبا فى التاريخ للجبرتى والرافعى وقرأت أيضا كتاب «المصريون القدماء عاداتهم وشمائلهم» لمؤرخ أوروبى.كما استفدت وتعلمت المزيد عن الإخراج من الأستاذ «يوسف شاهين»..
ويتابع الشيخ «بكر» أو «أحمد عبدالعزيز»: أثناء التصوير حدثت بينى وبينه مناقشات حول الشكل الذى ستظهر به الشخصية، فقد أراد أن أظهر بدون لحية، وقلت له إن شيوخ الازهر كانوا ملتزمين بإطلاق لحيتهم فى هذا الوقت واقترحت عليه قائلا «نجرب يا أستاذ.. أتركها ولو عجبتك خلاص» وفى الحقيقة هو على عكس ما يشاع من أنه ديكتاتور، حيث كان يقبل النقاش والرأى الآخر بشرط أن يكون من أمامه على دراية وفهم، وكان يعلم وقتها أننى أحضر جيدا للشخصية، وأقرأ فى كتب التاريخ فأخذ برأيي وتركنى أطلق لحيتى وقال لى «هو دا يا ولد»..
 أيضا أتذكر واقعة حدثت أثناء التصوير تدل على مدى اهتمامه بكل التفاصيل، حيث كنا نصور أحد المشاهد وكان يريد أن ينهى المشهد فى وقت معين من ضوء النهار، وأثناء التحضير، وجدناه يقوم بحمل «الشاريو أى القضبان الذى تسير عليه الكاميرا» مع العمال وقلنا له وقتها يا أستاذ فى «ستة عمال هيشيلوا، قال وإيه المشكلة ما يبقوا سبعة خلينا نخلص».
واختتم كلامه قائلاً: فرق كبير أن يبدأ الفنان مشواره الاحترافى مع مخرج كبير بحجم «يوسف شاهين» عن أن يبدأ مع مجرد مخرج والسلام. فدخولى للسينما عن طريقه، كان بمثابة دخول من البوابة الأكبر.>


نجوى إبراهيم.. ومن الذى لا يحب وصيفة



كانت عندما تطل بوجهها الصبوح تنعكس الشمس عليها لتؤكد أنها كانت تمثل ضوء النهار الذى يتمناه الجميع.. «وصيفة» بنت «أبو سويلم»، حلم كل شاب فى «الأرض - 1969»..
«وصيفة» أو الإعلامية الكبيرة «نجوى إبراهيم» تحكى عن تجربتها الوحيدة مع «شاهين» قائلة: «عندما تعاونت مع المخرج الكبير «يوسف شاهين» فى فيلم «الأرض» كان نتيجة رغبة وإصرار شديد منه، فهو شخص لديه إصرار ودأب فى عمله، إذا أراد شيئا وشعر أنه فى مصلحة العمل لا يفقد الأمل أو يستسلم وقد بدأت حكايتى معه عندما شاهدنى فى برنامجى التليفزيونى «كلمة سر»، الذى كنت قد بدأت به حياتى المهنية به. وفوجئت به يأتى إلى منزلى هو والمؤلف الكبير «عبدالرحمن الشرقاوى»، وأذكر أننى كنت وقتها عروسة جديدة، وعرضوا على فكرة المشاركة فى الفيلم وبالفعل كانت مفاجأة وترددت فى القبول وإذا به يقول لى «أنت بتفكرى؟ أنت عارفة أنت بتكلمى مين دا عبدالرحمن الشرقاوى،أنا مش همشى من هنا إلا وأنت موافقة». وسرعان ما تغير ترددى بعد أن جلست أنا وزوجى مع المؤلف «عبدالرحمن الشرقاوى» الذى شرح لى شخصية «وصيفة»، فأعجب بها حيث وجدتها فتاة فى مقتبل العمر «دلوعة» وحلوة ولها تأثير فى الأحداث فوافقت، وبالفعل كان هذا الدور فارقا فى حياتى الفنية.. استغرق تصوير الفيلم ثمانية أشهر قضينا منها ثلاثة فى الفيوم، ووقتها كان محصول القطن فى بدايته ولم يكن فى الأرض إلا عيدان الحطب الجافة والخاوية من القطن. فقام «شاهين» بشراء كميات كبيرة من القطن وأمر العمال بوضعه على العصيان الخاوية ليظهر الحقل بشكله الذى ينبغى أن يكون عليه.. أيقنت وقتها أنه إنسان مخلص فى عمله يهتم بأدق التفاصيل،انبهرت بأدائه واحترامه ومصداقيته فى العمل وظللت أتابعه بشغف طوال فترة التصوير.وأذكر أننا فى أحد الأيام كنا نصور فى توقيت معين فى «عز الظهر وسطوع الشمس» وإذا بسحابة تحجب الشمس عن «الكادر» ولن أصدق ما رأيته فقد ظل «شاهين» يترقبها ثانية بثانية ويسأل مدير التصوير كم من الوقت باق على مرورها وعلى سطوع الشمس ثانية، وشعرت وقتها أنه لو استطاع لأتى بسلم وصعد إلى السحابة ليزيحها.. فقد ظل ينظر إليها ويتشاجر معها قائلا «امشى بقى»..
وتواصل «نجوى إبراهيم»: «ومن ذكرياتى معه أيضا أنه احتفل بعيد ميلادى فى كواليس الفيلم، ومنحنى شرف حضور كبار الفنانين فى هذه الاحتفالية أمثال محمود المليجى، عبدالوارث عسر، حمدى أحمد، يحيى شاهين وتوفيق الدقن وكنت فى منتهى السعادة وظللت أنظر لهم فى امتنان.. لقد كان إنسانا حنونا جدا، يجلس معنا فى أوقات الراحة تحت الشجر لتناول وجبة الغداء بكل حب وتواضع وأذكر أنه كان ينادينى أنا وكل الموجودين فى التصوير بـ«دقدق» وكان يتعامل مع كل الموجودين فى العمل بطريقة واحدة، من النجم إلى الكومبارس ويطلق عليهم عمر الشريف وفاتن حمامة ليعطيهم الأهمية المطلوبة..
 فى نفس الوقت كان «ابن ناس متربى كويس» ولم أسمعه مرة واحدة يتلفظ بأى لفظ خارج طالما أن هناك امرأة فى المكان».
وعلى الرغم من مرور 49 عاما على فيلم «الأرض» إلا أنها ما زالت تتذكر كلماته وتحكيها قائلة: «كنت عندما أجلس بجانبه يقول لى:  «إنتى نبيهة وعندك استعداد للتعلم مع أنه عادة لما بيكون فى واحدة حلوة بتكون تقيلة وغبية لكن أنتى ذكية ولماحة، ولا تندهشى أننى اخترتك فى هذا الدور، فمعظم البنات الحلوين الأذكياء ريفيات»..وقد أعطانى مفاتيح الشخصية وكان يشجعنى ويقول لى «برافو»، لقد شجعنى على العمل فى التمثيل ومن بعد العمل معه انطلقت وشاركت فى فيلم «فجر الإسلام» ثم فيلم «العذاب فوق شفاه تبتسم» وغيرها من الأفلام.
أما عن أكثر ما تعلمته منه تقول: «تعلمت منه الإصرار وأهم حكم الحياة أن «الوقت من ذهب» و«لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، «كما تعلمت منه عدم التنازل عن الخط الصحيح، فهو من أعطانى الفرصة كى أتعامل مع الكبار، وكأننى درست فى أهم معاهد التمثيل.. لقد منحنى «شاهين» ثقة بنفسى فى بداية مشوارى، فقد ذهبت بصحبته إلى أهم مهرجانات العالم «كان»، وسرت على السجادة الحمراء وهو أمر من الممكن أن يعيش الفنان عمره كله دون الوصول إليه. وقد شاهدت كبار النجوم العالميين يصفقون لمدة خمس دقائق بعد عرض الفيلم».>


ناصر وحاتم


فى إحدى المرات حكى السيناريست «ناصر عبدالرحمن» أنه بكى عندما شاهد «حاتم – خالد صالح» يجرى من الناس فى فيلم «هى فوضى - 2007»، وهذا يؤكد على أن أكبر نجاح من الممكن أن يحققه أى مخرج هو أن يقنع الكاتب أو العقل الذى ابتكر وخلق الحكاية، أنها حقيقية لدرجة أن تذرف دموع هذا الكاتب عند مشاهدته لها.. والآن يحكى لنا «ناصر» المزيد من التفاصيل عن علاقته بـ «شاهين» قائلا: «صحيح أننى تعاونت مع «يوسف شاهين» فى تجربة واحدة، ولكنها كانت تجربة صعبة فالفيلم أخذ تحضير ثلاث سنوات ولم يكن يشبه التجارب الأخرى فهو يعادل خمس أو ست أفلام مع غيره من المخرجين، لقد تعلمت منه الكثير مثل احترام المهنة فقد كان مهنيا محترفا، صبورا، غير متسرع فيما يخص كل تفصيلة. والحب داخل العمل عند شاهين من أهم العناصر التى كان يحرص عليها فهو لا يستطيع العمل مع شخص لا يحبه، فقد كون فى كل تجربة من تجاربه عائلة «شاهينية تلتف حول العمل بكل حب وتقدير».
وأضاف: لقد أخذت فترة طويلة كى أكسب ثقته فىّ،فقبل أن أبدأ فى كتابة سيناريو «هى فوضى» طلب منى أن أقرأ له عددا من أعمالى الأخرى ولم يوافق على العمل معى إلا بعد أن حصلت على ثقة تامة منه. فهو لا يعرف المجاملة بالعمل وكان له تعبير يقوله للعاملين معه وهو: «لو خالتى الطيبة مش هخليها تعمل الفيلم».. كان شخصا دءوبا فى عمله يهتم بعمله فقط، وقدتعلمت منه أنه بعد انتهاء الفيلم، يجب أن أنساه، وأفكر فى غيره بمعنى أنه لم يكن أبدا رهين النجاح.. ولن أنسى أبدا ما قاله لى:«أنت اتأخرت عشرين سنة، لوجتلى من عشرين سنة كنا عملنا شغل كتير مع بعض».
وكان من المفترض أن نتعاون معا بعد «هى فوضى» فى فيلم «الشارع اليمين» ولكن القدر لم يمهلنا.
وفى النهاية يؤكد «عبدالرحمن»: «تعلمت منه الكثير وأهم ما تعلمته احترامى لنفسى،ففى التعاون الأول والوحيد فى فيلم «هى فوضى» كان باستطاعته أن يضع اسمه على السيناريو مع اسمى خاصة وأنه تعاون به ولكنه رفض تماما مع العلم أنه كان يستطيع أن يفعل ذلك وكنت لا أملك وقتها الاعتراض، ولكنه لم يفعلها ولذلك زاد حبى واحترامى له».>


تامر عزت وحضور شاب


من صناع السينما الشباب كان ينتقى «شاهين» من يتوسم فيهم الموهبة والجدارة، ورغم ارتباطه الشديد بالمونتيرة الراحلة «رشيدة عبدالسلام» التى قامت بعمل المونتاج لجميع أفلامه تقريبا.. إلا أنه قرر الاستعانة بمونتير شاب مطلع على التقنيات الحديثة ليشارك «رشيدة» مونتاج فيلم «سكوت هنصور - 2001».. المخرج والمونتير «تامر عزت» الذى اختاره «شاهين» وقتها يحكى عن التجربة الوحيدة  قائلا: «كنت وقتها من أوائل الأشخاص الذين تعاملوا مع الأجهزة الحديثة والتكنولوجيا فى فن المونتاج، وقد أراد، بعبقريته، أن يجمع بين الخبرة والحداثة وكنت وقتها أعمل تحت قيادة المونتيرة الكبيرة رشيدة عبدالسلام التى كانت مسئولة عن مونتاج الفيلم.. وكانت تجربتى فى هذا الفيلم منقسمة إلى جزءين: جزء فى مصر والثانى فى باريس. فى مصر كان داخل غرفة المونتاج معه والأستاذة رشيدة عبدالسلام حيث كنت أجلس وأشاهدهما وهما يحللان ويختاران المشاهد التى سيتم عمل المونتاج لها. وهو ما كان بالنسبة لى فى غاية الروعة والإتقان وكان بمثابة تدريب مهنى على أعلى مستوى..
 أما الجزء الخاص بفرنسا فقد سافرت معه بمفردى ولم تسافر معنا رشيدة عبدالسلام وكان سبب سفرنا هى أوامر من الطبيب الخاص به لأنه كان من المفترض أن يقوم بكشف دورى هام وقضينا هناك شهرا بين العمل والكشف الطبى.
وعن تفاصيل الرحلة فى باريس يقول: «عشت معه تجربة بعيدة عن الحياة العملية فوجدت فيه أبا حنونا وكريما كان بيعزمنا عنده ويطبخ لنا بنفسه وكان دائما ما يرشدنى على الأماكن التى من المفروض زيارتها فى باريس. وكان أحيانا ما يأتى معى فى جولاتى السياحية، ولى صور تذكارية هناك التقطها لى بنفسه حيث كان يقول لى «أنت هتفضل تصور فى الحاجات وأنت متتصورش هات أصورك».
ويكمل «عزت»: «تعلمت منه الكثير، عمرى ما شفت حد زيه فى الانضباط، واحترام العمل وهذا ما كان يجعل الجميع يحترم العمل لأن اهتمامه كان يفرض علينا نوعا من الاحترام والالتزام ورغم أنه كان الأستاذ الكبير «يوسف شاهين» إلا أنه لو حدث وتعطل وهو فى طريقه للاستوديو كان يتصل ويعتذر وقد استفدت من هذا الانضباط فى عملى مع الآخرين فأنا أضرب به المثل لمن يعمل معى.. كما كنت أتمنى العمل معه فى أكثر من تجربة ولكن للأسف لم يحدث لأن هدفى الأول من دخول المجال الفنى هو أن أكون مخرجًا لا مونتيرا، ولكنى أخذت بنصيحة من سبقونى حين قالوا لى إذا أردت أن تكون مخرجًا متميزًا ادرس المونتاج.. فعملت مونتيرا لفترة.. وسافرت أمريكا لأكمل دراسة  الإخراج وعندما عدت اتصل بى الأستاذ لكى أعمل معه فى فيلم «إسكندرية نيويورك» كمونتير فأخبرته أننى سلكت طريق الإخراج فبارك لى وشجعنى».>