السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

على بن مخلوف فى القاهرة: لماذا يجب أن نقرأ الفلاسفة العرب؟

على بن مخلوف فى القاهرة: لماذا يجب أن نقرأ الفلاسفة العرب؟
على بن مخلوف فى القاهرة: لماذا يجب أن نقرأ الفلاسفة العرب؟


فوجئ أستاذ الفلسفة العربية والمنطق بجامعة باريس ومعهد العلوم السياسية فى فرنسا، الفيلسوف المغربى على بن مخلوف، بعلامات البلاهة تعلو وجوه طلّابه الفرنسيين فى الجامعة، كلما أتى على ذكر اسم ابن رشد أو ابن باجة أو حتى ابن خلدون فى محاضراته بالقسم الذى من المفترض أنه معنى بتدريس الفلسفة العربية والفلاسفة العرب.
وانتبه إلى حقيقة «تجهيل» تراث الفلسفة العربية فى الغرب، وهاله الأمر كيف يكون هذا الإنكار هو مصير ذلك التراث الذى أثّر فى الفلسفة الغربية والأوروبية لقرون، وقرّر أن يؤلّف كتابًا خصيصًا يُحاول من خلاله أن يستعيد إرث الفلاسفة العرب، المجهول بالنسبة للغرب الآن، بأدوات الفلسفة الحديثة.
كتابه «لماذا نقرأ الفلاسفة العرب؟» الذى صدر العام 2015 فى فرنسا، تحتفى به القاهرة اليوم، بعد صدور ترجمته عن دار آفاق المصرية، وقام على الترجمة الدكتور أنور مغيث مدير المركز القومى للترجمة. تزامن إطلاق الكتاب مع معرض القاهرة الدولى للكتاب، وحضر بن مخلوف إلى مصر لمناقشة الكتاب، فى فعاليات تقاسمها المركز الثقافى الفرنسى بالمنيرة مع ندوات معرض الكتاب. ليُعاود بن مخلوف التأكيد على أن إسهامات الفلاسفة العرب، لا تُعدّ ولا تُحصي، وأن القرآن نفسه بوصفه أحد أشكال علوم الكلام، أسّس لـ«الحكمة» التى ذُكرت صراحة فى آيات وسور، كأحد دعائم وركائز الفلسفة الحديثة. كل هذا منح الفلسفة العربية، حتى وإن نَهلت من مصادر يونانية وثنية، السبق فى تأسيس علم الفلسفة من حيث هو «تمنّى الحياة طبقًا للعقل».
بين التواصل والقطيعة، يسعى هذا الكتاب لتوضيح أن الفلسفة العربية، كما تجلّت فى الفترة من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر، هى جزء من التاريخ الفكرى العام للإنسانية، وأنها كغيرها من الفلسفات الأخري، هى وسيلة فهم الحقيقة التى تتقاسمها البشرية جمعاء. وأن التجهيل الذى تتعرّض له الفلسفة العربية، يشهد نفسه على نجاح انتقالها إلى أوروبا. فقد ذابت الفلسفة العربية فى فلسفة العصر الوسيط وعصر النهضة وفى الفلسفة الكلاسيكية. وهناك كتب كثيرة قدمت تفاصيل موثّقة عن هذا النقل من الفلسفة العربية إلى الغرب، من بينها كتاب «اليونان والعرب وأوروبا» الصادر عن المركز القومى للترجمة.
المؤلف هُنا يتحدّث عن الفلسفة «فى اللغة العربية» وليس فقط صفة العربية، لأن كما هو معروف؛ كثيرٌ من الفلاسفة كانوا من أصل فارسى مثل ابن سينا والرازي، أو من آسيا الوسطى مثل الفارابي، لكنهم كتبوا باللغة العربية.
يستعير بن مخلوف فى مدخل كتابه بمقولة جان جوليفيه فى العصر الوسيط: «الفلسفة وُلدت مرّتين فى الإسلام؛ مرّة فى صورة اللاهوت أو علم الكلام، ومرّة فى صورة التيارات الفلسفية التى تغذّت على مصادر يونانية». وكان على رأس الميلاد الثانى للفلسفة العربية: ابن سينا (الفارسي) وابن رشد (الأندلسي) وابن باجة (الأندلسي). هذا التيّار لم يسع إلى الحصول على حماية اللاهوت واعتبر نفسه الوريث الشرعى للتراث «الوثني» اليوناني. وعوضًا عن اللاهوت؛ لاذ بـ«الشريعة». لذلك؛ فإن هؤلاء الفلاسفة فى تمسّكهم بالإرث اليونانى فضّلوا وضع مسافة بينهم وبين الآيات القرآنية، حتى وإن استخدموها فى كتاباتهم، بما يعنى أنه جرى التمييز بين علم الكلام وبين الدين عند الفلاسفة العرب. بين الفلسفة ككلام مُبرهَن، وبين الكلام المُوحى به (القرآن).
بهذا المنطق؛ استُخدِمت الفلسفة العربية كتفسير للنصوص المُقدّسة. مع وضع الاعتبار إلى أن الدين بالنسبة للمُسلم «قانون» أو مدوّنة قانونية من أصل إلهي، الذى ينظر إلى الحقيقة أمام محكمة القانون الإلهى أو (الفقه). من هنا جاءت جهود الفلاسفة العرب، ابن رشد فى الإسلام وابن ميمون فى اليهودية، فى محاولة التوفيق بين الشريعة وفلسفات أرسطو وأفلاطون. وظلّ الحال هكذا على مدى أربعة قرون، من الكندى فى القرن التاسع لابن رشد فى نهاية القرن الثانى عشر.
ليس هذا هو المُلفت فحسب، يُشير المؤلّف إلى أنه وبسبب أن أغلب الفلاسفة العرب كانوا أطبّاء، فقد قدّموا الفلسفة من حيث هى «نموذج إرشادى طبّى للمعرفة»، وتخلّت الفلسفة العربية عن الشيء الذى طالما ميّز الفلسفة الحديثة وهو «الانحياز للذات»، وبالتالى تحوّل هذا الهمّ بالذات إلى جزء لا ينفصل من العناية بالآخرين أيضا، ومن هنا يجيء عنوان أحد أجزاء دراسة على بن مخلوف فى هذا الكتاب «الفلسفة العربية فلسفة خادمة». 