الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دعاة بملايين وأخلاق بملاليم

دعاة بملايين وأخلاق بملاليم
دعاة بملايين وأخلاق بملاليم


بعد تحقيق «روزاليوسف»، عن الدعاة الـunder Age  والذى كشفت فيه عن دعاة لا يختلفون عن السلفيين بأفكارهم الهدامة، إلا أن الهيئة مختلفة ما بين بدلة وكرافتة، ولحية خفيفة، لكن المحصلة المتطرفة واحدة.
وكان الظن أن صناع التطرف الجدد هم «معز مسعود ومصطفى حسنى وشريف شحاتة»،لكننا هنا نكشف أنهم كثيرون، بل يمكن القول إن العدد فى الليمون، فانفجر أمامنا سيل من نفس الدعاة وعلى نفس المنهج يسيرون وأغلبهم ليس لديهم أية مؤهلات دينية، لكنهم يتبعون بعضهم فى نفس الطريق، بأنهم يحصلون على معاهد إعداد الدعاة التابعة لوزارة الأوقاف ليتخذوها مبررًا للحديث فى الدين وتقديم الوعظ الساذج.

وزارة الأوقاف لا تقدم توضيحًا لمهام المعهد وكيف يؤهل الدعاة؟ وما مهامه؟ وما وظيفته وما الفرق بينه وبين دعاة الأزهر؟ والتوضيح الأهم ما الداعى لوجوده فى ظل وجود دعاة أزهريين آخرين؟ وهل هناك عجز فى دعاة الأزهر المسيطرين على كل شيء؟
الأغرب أنه بالبحث عن شروط الالتحاق بمعهد الدعاة وجدناه يصنع من أى شخص داعية ويمنحه اللقب والرخصة، إذن معهد إعداد الدعاة يصنع من عابر السبيل داعية والمثال الأكبر مسعود وحسنى وشحاتة وغيرهم والقائمة تطول.
مصطفى عاطف:
قدم برنامج «صُحبة» على قناة دريم فى رمضان 2013، وحاز على مشاهدة عالية لاختلاف الفكرة والمحتوى الخفيف الذى شبه فيه الرسل بالبشر العاديين، ولأن طبيعة البرنامج كانت أشبه «بقعدة صحاب على مقهى» كان الكلام  أشبه بجلسات علاج جماعية مغلفة بقشرة دينية ومصطلحات الشارع، ففى قضية الارتباط العاطفى وجه حديثه للبنات مؤكدا أن نجاتها فى البعد عن فتنة الارتباط وحرمانيته «البنت مش ملك نفسها، وفتحها الباب للولد وإزاى تقدر تكشم لأى ولد وتخليه قطة بلدى ميعرفش يتكلم».
مصطفى منشد شاب وسيم صوته مؤثر، استغل صوته فى تقديم مدائح وابتهالات فصحى وعامية فى كليبات وحفلات، فحقق شعبية كبيرة لدى الشباب والبنات أثارت مشاعرهم وأصبح يمتلك  شعبية ضخمة جدًا، السبحة  فى يده  كأنها «حظاظة».. هو من مواليد المحلة الكبرى 1990 تخرج فى جامعة الأزهر والتحق بكلية الدراسات العربية والإسلامية بالجامعة  ليصبح  بعد ذلك عضو مجلس إدارة بنقابة الإنشاد الدينى، ثم نجمًا إعلاميًا .
 ويعتبر مصطفى حسنى قدوته ومثله الأعلى، لكنه حقق شهرة أكبر من حسنى فقد بدأ الأخير فى استغلال شعبية عاطف، فبدءا يقدمان حلقات ثنائية فى برنامج «فن الحياة» فى رمضان الماضى على قناتى اقرأ  والنهار، وظهر مع الداعية «الحبيب على الجفرى»، والشيخ «البوطى»، والدكتور «على جمعة»، والدكتور «أحمد عمر هاشم» و«عمرو خالد»، وألقى مجموعة من الندوات فى جامعات القاهرة، المنصورة، طنطا، والجامعة الأمريكية.
ضيف ثابت فى برنامج «آخر الأسبوع» فى MBC  مصر، وفى حلقة أسبوعية مع عمرو الليثى والشيخ رمضان عبدالمعز على قناة الحياة، وبرنامج ابتهالات مصطفى عاطف باب الرجاء فى رمضان 2014 على إذاعة «ميجا إف إم».
من  فترة لأخرى يخرج بمقاطع فيديو يبتز فيها مشاعر المشاهد باعتذار للبشر من دون أسباب، ورجاء من الآخرين مسامحته مكررا أسفه أكثر من 25  مرة، فتنهال عليه التعليقات بكثرة حب الناس له وعدم الزعل  منه فى شيء.
شارك فى العزاء الجماعى لشهداء ألتراس أهلاوى فى مذبحة بورسعيد، وإحياء الذكرى الأولى والثانية وهو القطاع العريض من الشباب الذى يمكن الرهان عليه.
أحمد عثمان، قدم تجربته الأولى كداعية ببرنامج «هنلاقى الطريق» بعنوان سر السعادة على قناة «إل تى سى»، غنى تتر البرنامج، وبمجرد رؤيته يقفز مصطفى حسنى إلى ذهنك بدءًا من اختيار الملابس الكاجوال، مرورًا باختيار الموضوعات، حتى طريقة الجلوس على أريكة فى مواجهة الشاشة، والتحدث بأسلوب يبتز مشاعر من يسمعه.
البرنامج ذاته تم تقديمه على قناة النهار، بالعنوان ذاته بخلفية موسيقية وشموع مضاءة وبالحديث عن الحب، وكيفية جمع رصيد من الحسنات من خلال البعد عن الأهواء والزهد فى الحياة كطريق للجنة، اعتمد الترهيب وبث الرعب فى قلوب المشاهدين من عذاب القبر وجحيم المذنبين بطريقة الدعاة الكلاسيك كأبى إسحاق الحوينى ومحمد حسين يعقوب.
قبل ذلك كان يقدم عثمان برنامجًا على قناته باليوتيوب يتحدث فيه  بنبرة تهديد للنساء «لإطاعة الزوج عشان خاطر ربنا، فحتى وإن كان يقسو عليكى ويعنفك وإن كان يعرف عليك نساء أخريات فعليك أن ترحميها كى تحظى بالجنة ونعيمها بطاعتك لزوجك».
الأمر وصل حد أن قال: «إنه إذا احتملت المرأة الحجاب فى الحر الحارق وارتدت الزى الملائم وإن كان غير لائق عليها فهناك مكافأة لذلك، وهو أنها ستصبح فى الجنة  أجمل من حور العين يرى زوجها وجهه فى بياض وجهها، لأنها ستكافأ بالبياض الشديد لأن النساء فى الجنة سيكن «بيضاوات» البشرة جميلات الوجه مرتديات فساتين من ورق الشجر».
أطلق بعض الأغانى على صفحته الرسمية على فيس بوك تمهيدًا لإطلاق ألبومه الأول عن حبه لأمه، وخسارة العبد إن لم يطع ربه، وكان برنامجه الدينى منصة دعائية للألبوم المنتظر.
مصطفى ثابت، هو القادم بقوة فى سباق الدعاة الشباب، ملامحه مقبولة ونبرة صوته منخفضة والابتسامة لا تفارق وجهه طوال الحديث، يرتدى ملابس كلاسيكية، لحيته مهذبة قدم برنامج «مع الأحبة» على قناة الناس فى رمضان الماضى، وشملت جميع حلقاته عن الحب فتسير الحلقة خلال 40 دقيقة بكلام عن الحب ممزوج بأحاديث نبوية ونصائح تنمية بشرية.
يتحدث عن فتنة الحب فيبدأ الحلقة بأبيات شعر لأحمد شوقى وغيره، وتحليل بيت الشعر ليقفز مباشرة على قلوب المتحابين، ومن ثم يوضح ما هى فتنة الحب وتأثيره على معصية الله، وإذا كان عنوان الحلقة عن النساء يبدأ بحديث نبوى، ليشرح كيف تعد النساء أكبر فتنة للرجال، وأن الشباب الصالح أصبح غير  قادر على الحركة فالتبرج ومفاتن النساء أصبحت فى كل مكان وأصبحت هناك صعوبة فى غض البصر فتتحمل النساء جميعًا الذنوب التى يحصدها الشباب.
أوضح أن الفن فتنة للناس وأهل الفن هم صناع الحرام محرضًا المشاهدين على عدم الانسياق وراء شيطان التليفزيون والدراما والأفلام مفتيًا أن كل من يشاهد هذه الدراما ويشاهد الأفلام فى السينمات هو من صناع الحرام وليس فقط مذنبًا بل المذنب الأكبر، متكئًا على أن التليفزيون كان سببًا رئيسيًا فى فتنة الناس وشيطانا أعظم صدر للبشرية للبعد عن الله وبث فكر أن أمريكا هى سيدة العالم، موفرًا على المشاهدين أن ينتقدوا، فانتقد نفسه بأن البعض سيتهمنى بالتخلف وضد الحرية ومشجع على السلطوية فقط لأنى رافض الحرام من أجل الدين.
الداعية مصطفى ثابت، يلقى ترحيبًا وتلميعًا كبيرًا من قبل بعض مديرى القنوات الفضائية الكبيرة وهو المؤشر بأنه الداعية القادم بقوة كبيرة على ساحة دعاة التطرف الجدد.
هذه النماذج ليست الوحيدة ولكن هى الأكثر شهرة من بين  باقى الدعاة الموجودين على الساحة التجارية للدعاة، لذلك حاول التليفزيون المصرى أن يخوض السباق الرمضانى  بتقديم داعية جديد أحمد عصام ليقدم برنامج الأفكار الدينية الوسطية بشكل مبسط كما روج للبرنامج فى «30 رمضان».
هؤلاء الدعاة خرج من رحمهم دعاة تمامًا ولكن من غير تقديم  برامج على شاشات التليفزيون فاتخذوا من مواقع التواصل الاجتماعى برنامجًا يوميًا لهم يخرجون بيه لايف على المتابعين والذين يتجاوز عددهم الـ200  ألف متابع يتحدثون فيه عن الزى المحتشم للمرأة لأنها المدخل الأشهر والبداية الأروع لأى شخص يرغب فى الشهرة، معتمدين على المظهر الأنيق والروشنة، واستخدام الكلمات الرومانسية كفواصل بين فيديو وآخر.
هذه النماذج الأكثر انتشارًا واعتمادًا على جمال الوجة وأناقة المظهر والحديث الكيوت، لجمع نسب المشاهدة الضخمة على الفيديوهات المنشورة لهم على صفحات الفيس بوك ويمكنهم بعد ذلك المتاجرة بهذه اللايكات وكنز المتابعين المتجاوز مئات الآلاف.
بالمناسبة، إذا كنت ترغب فى أن تكون داعية  فليس الأمر مستحيًلا فقط عليك التقدم إلى أحد معاهد الأوقاف لإعداد الدعاة  طالما كنت أقل من 50 سنة، وتكون الدراسة من خلال كتب التراث والحصول على مؤهل عال غير أزهرى، وأن يتعهد بالحضور ما لا يقل عن 75 %  من ساعات الدراسة، واجتياز اختبار القبول فى 3  أجزاء من القرآن الكريم والثقافة العامة، فيعطى من يجتاز الدورة بنجاح إفادة أو إجازة.
معاهد إعداد الدعاة التابعة لوزارة الأوقاف، كما وصفها الداعية رشدى السيد أحد علماء الأزهر، هى معاهد لإعدام الدعاة، فالداعية لابد أن يحمل من العلوم والمعرفة ما يمكنه من الخروج على الناس، فإذا توافرت فيه ملكة المعرفة لعلوم عقيدة الأشعرية والمذاهب الفقهية،  يمكن أن يظهر على الناس ويمنحهم علمه حتى وإن كان غير حاصل على شهادة الأزهر.
يضيف: هناك دعاة لا يتمثل فيهم لا منهج ولا فكر الأزهر ويملكون شهادات من الأزهر، كما أنه  لا يجوز أن ينتمى أحد إلى  ما يسمى بمعاهد إعداد الدعاة ويخرج علينا كداعية، فعشر سنوات لا تؤهله كى يصبح داعية يرشد الناس، فهذه المعاهد لا تؤهل إلى إلقاء الفتاوى ، كما أنها أفسدت الشريعة الإسلامية فكيف يخرج ابن الـ3 شهور ليقف على المنبر الذى نحتاج نحن إلى 16 عامًا من الدراسة كى نتأهل للوقوف عليه.
ورغم قرار وزير الأوقاف رقم 238  سنة 2015  بإلغاء تراخيص معاهد إعداد الدعاة التابعة للجمعيات الأهلية،  إلا أن هناك معاهد منها مازالت تعمل  وتقدم  الدورات فى تلك الجمعيات أو فى مساجد تابعة لوزارة الأوقاف.
 د. كمال مغيث، الرئيس الأسبق للمركز القومى للبحوث التربوية أكد أنه لا توجد سياسة إعلامية محددة وقانونية أو أخلاقية، فطالما  مسموح بإلقاء الشتائم على المشاهدين من قبل بعض الأساتذة وبعض الإعلاميين فلا يوجد ميثاق شرف أخلاقى، ونشر أسرار الناس على الهواء أثار حالة من الانفلات والانحطاط الإعلامى غير المسبوق وبالتالى، أصبحنا نعيش فى مجتمع مأزوم.. فقر يزيد وقانون يختفى رويدًا، انطلاق البلطجة والتحرش الجنسى وغيرها من الجرائم اللا أخلاقية.
ما سبق ذكره يوفر المناخ لخطاب دينى يتسم بالسطحية الشديدة، ودغدغة المشاعر وفك الأزمات الوقتية عند الشباب، وترويج فكرة أن الفقر ابتلاء والصبر عليه طريق للنعيم الآخر والتعتيم على الأزمات الاقتصادية هو نتاج سياسة خاطئة.
أحيانًا أخرى تصبح هذه الظواهر الإعلامية ببرامجها وسيلة لتفريغ الكبت الجنسي- يواصل كمال مغيث- فنجد مداخلات تليفونية تشكو من  بعض المشاكل الزوجية والعلاقات بين الأزواج على الملأ وكأن الأطباء انعدم دورهم فى حل مثل هذه الأمور.
وكأن ذلك تمهيد لانهيار دور المعرفة الثقافية للطب وحل هذه البرامج محلها، موضحًا أن هذه البرامج يظهر تأثيرها على الشباب بين 17- 18 عامًا وخطورتها فى أخذه فتاوى وأفكارًا مغلوطة، وبالتالى يمكن الجزم أن الخطاب الدينى عنصر فاعل فى التحرش الجنسى، طول النهار نشاهد برامج  تتحدث عن العورة فى النساء والكف يثير غرائز الرجال واليد حرام وغيرها فيخلق جيلاً من الشباب يرى المرأة فقط محطًا لشهواته بلا ضابط أو قانون.
مؤكدًا أنه بلا شك يمكن الربط بين مغتصب طفلة البامبرز وبين هذه البرامج وهذا الخطاب المقدم فيها، فلابد له أن يكون سمع من  بعضهم أنه فى بعض كتب التراث يجوز مفاخذة الرضيعة، وبالتالى فيصبح هناك رضيعة تثير لعاب رجل كبير.
الشيخ أحمد ترك مدير بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف، والشيخ محمد عز الدين عبدالستار وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة، ود.جابر طايع وكيل وزارة الأوقاف جميعهم رفضوا الحديث فى الأمر وتبادلوا إلقاء المسئولية على بعضهم البعض، ولم يذكروا لنا أن الخطاب الدينى والدعوة المنشورة على الفضائيات وسيل الفتاوى من قبل هؤلاء الدعاة من شأن من.. وإلى من يمكننا العودة؟.