سمسار عقاقير طبية عبر النت: تسويق الأدوية إلكترونيًا الطريق إلى الموت

رحمة سامي
مثلما تنتشر النار فى الهشيم، تتمدد الآن عبر الفضاء الإلكترونى تجارة رائجة يقودها سماسرة بلا قلوب، أثار المكسب الوفير الذى تحققه لعابهم، غير عابئين بمخاطر هذه السلعة على صحة الإنسان.
بيع الأدوية من خلال الإنترنت ظاهرة جديدة ضمن الأنشطة الإجرامية التى ابتلى بها المصريون، يؤكد المسئولون بجهاز حماية المستهلك أنه تم رصد 103 منتجات دوائية خلال العام الماضى يروج لها عبر التليفزيون والإنترنت بادعاء قدرتها على علاج بعض الأمراض، وهذه الأصناف غير مسجلة بوزارة الصحة.
«روزاليوسف» خاضت المغامرة للحصول على الدواء عبر السماسرة الجدد، وكان عقارًا خاصًا بالتخسيس، فى البداية تفاوت السعر بين العارضين، ثم بحثت على أحد الجروبات على الفيس بوك المعنية للترويج وبيع وشراء الأدوية المستوردة، وجدت العقار المطلوب ويتمتع بسمعة طيبة والسعر أقل كثيرًا من ثمنه فى الصيدليات.
واصلت رحلة البحث إلى جروب يجمع أكثر من ثلاثين ألف شخص، حيث يترك طالب الدواء الصنف الذى يريده ويترك رقم تليفونه للتواصل مع السمسار الذى أبلغنى أن علبة دواء «سوبر سليم» موجودة وسعرها 70 جنيهًا، علمًا بأن ثمنها فى الصيدلية 150 جنيهًا.
أخيرًا حصلت على الدواء العلبة مطابقة للأصلية تمامًا، تناولته لمدة 5 أيام انتابنى خلالها شعور بالاضطراب العصبى بالجهاز الهضمى، وألم شديد يصعب تحمله، فلم أجد بدا من التوقف عن تناول الدواء، حيث عدت إلى طبيعتى بعد عدة أيام، وبالسؤال والتقصى لدى المختصين أكدوا أن هذا العقار منتهى الصلاحية وهناك خطورة عند استخدامه.
معاناتى مع الدواء منعتنى للخوض فى كشف أغوار جروبات الموت عبر الشبكة العنكبوتية وتصل إلى أكثر من عشرة يرتادها آلاف الأشخاص ما بين مروجين ومرضى وتجار.
تواصلت مع وليد عاطف أحد المروجين عبر الإنترنت الذى ذكر أن طرق الحصول على الدواء متعددة ومعظم الأدوية غير مدرجة بوزارة الصحة، وأكد أن كل دواء له مثيل آخر مسجل، ولكن بسعر أعلى، فما يباع هنا بعشرة آلاف جنيه، يمكن استيراده بثلاثة آلاف فقط.
طريق آخر للحصول على الأدوية من خلال المرضى الحاصلين على قرارات بالعلاج على نفقة الدولة، حيث يقومون ببيع الأدوية التى لا يحتاجونها أو استبدالها، ويشير عاطف إلى أن معظم الأدوية التى يتم الحصول عليها تأتى من تركيا بالتهريب إذا كان حجمها كبيرًا، أو عن طريق الأشخاص بالنسبة للكميات المحدودة.
ويوضح أن من يعمل فى بيع واستيراد الدواء يكون على علم بأسلوب الشركة الموزعة فى الخارج والداخل، وتاريخ الصلاحية بالخبرة السابقة بمناظرة لون الدواء ورائحته، بالإضافة إلى سمعة الشركة الموزعة وطريقة تعاملها.
وقال إن تجارة الأدوية هى الأكثر ربحية، خاصة عندما يثق الزبون فى التعامل معك وتتبادل الثقة مع المتعاملين، وفى أحيان أخرى يتم التعامل مع الصيدليات مباشرة، وهذا لا يشكل أى خطورة على التجارة إلا بالنسبة للأدوية غير المسجلة.
وأضاف إنه يتعامل فى الأدوية المدرجة كنوع من المخدرات مع من يثق بهم فقط، مؤكدًا أن تلك النوعية مربحة يصل مكسبها إلى 80 %، وأحيانًا أخرى يتم بيعها بثمنها للتخلص منها قبل انتهاء تاريخ صلاحيتها.
وأشار إلى أن أكثر الأدوية توزيعًا الخاصة بالسكر والكبد خاصة المستوردة التى لا تتواجد بمنافذ البيع، وإذا توافرت يتم بيعها بسعر مبالغ فيه، فالعلبة المباعة بـ900 جنيه هنا، يتم استيرادها من شركات أدوية بالخارج بـ300 جنيه فقط، وبيعها بسعر أقل وتحقق ربحًا فائقًا، ولكن هذا قبل ارتفاع سعر الدولار الذى أثر بالفعل على حركة الاستيراد والبيع، موضحًا أن هناك مخازن أدوية لدى بعض الأشخاص المروجين عبارة عن شركات توزيع صغيرة ورأس مالها محدود تعمل فى الخفاء، وتوزع جميع الأصناف الأكثر إقبالاً.
«أبو أروى» كان له رأى مختلف فقد بدأ حديثه بنفى عمله فى الأدوية المستوردة، والخاصة بالتأمين الصحى لأن العمل فيهما مشبوه، وهو دائمًا يحرص على السلامة والحلال، حيث إن الدواء المهرب لا نعرف طريقة تخزينه التى قد تكون أفسدت الدواء.
مشيرًا إلى أنه يعمل فى علاج فيروس «سى» فقط، حيث يتم الحصول عليه من بعض الشركات مباشرة، ويحصل على فرق سعر لأنه يشترى بكميات أقل، وعن توزيعه أكد أنه صاحب إحدى الصيدليات فيقوم بالتوزيع من خلالها، وأحيانًا أخرى بالتعامل مع الدكاترة أنفسهم، لافتاً إلى أن هناك إقبالاً كبيرًا على هذا الدواء ويتم طلبه بكميات كبيرة، والسعر بالطبع يختلف عن القطاعى الذى يبدأ من 1100 جنيه.
بينما تحدث حامد ناجى، أحد البائعين والمروجين لأدوية السكر بأن لديه الشرائح والأنسولين على الرغم من كونها نواقص يعانى من عدم توافرها لدى التأمين الصحى ذاته، ويتعامل أيضًا فى دواء فيروس سى بكل أنواعه، والمسكنات والمضادات الحيوية، وهى أدوية مسجلة بالوزارة، ورفض الإفصاح عن أكثر من هذا.
الدكتور أحمد «صيدلى» يؤكد أن الدواء المستورد يتم احتكاره من قبل الصيدليات الكبرى «السلاسل» وعرضه دون خاشية من التفتيش، ولكن نحن كصيدليات صغيرة نقوم بشراء الأدوية المستوردة فى الخفاء وبيعها فى الخفاء خاصة أنه عند مرور التفتيش إذا وجدت أدوية مستوردة يتم على الفور عمل محضر لفت نظر وتصل إلى الغرامات على حسب الكمية.
مضيفًا إن السبب الذى يدفعه إلى شراء الأدوية المستوردة رغم خطورتها بأنها غير مرخصة وربحها يصل إلى 100 % على عكس الأدوية المصرية التى يصل أقصى ربح لها 25 %، لافتًا إلى أن الإقبال يكون على أدوية الفيجان «المنشطات الجنسية»، والمكملات الغذائية.
ويضيف الدكتور عبدالله زين العابدين، الأمين العام السابق لنقابة الصيادلة: إن تداول الأدوية دون وصف واضح من الطبيب أو الصيدلى خطر يؤدى إلى الموت، ولا يعقل أن يترك أمر خطير كهذا دون الرجوع للجهات المختصة، ومن الناحية القانونية فهذا الأمر غير قانونى على الإطلاق، لأن القانون يقر ترويج وبيع الأدوية من خلال الجهات المختصة والصيدليات الخارجية والتابعة للتأمين الصحى.
وطالب بضرورة تدخل الدولة لضبط التعامل مع تلك السلع الخطيرة، فمثلما يوجد اهتمام بضبط ومحاربة الأغذية الفاسدة، فلابد من متابعة وملاحقة تلك المواقع وتجريم أصحابها، وهو دور أساسى لوزارة الصحة فهناك جهاز تفتيش لشئون الصيدلة، والإدارة المركزية لشئون الصيادلة لمتابعة ذلك الأمر.
مشيرًا إلى أن أدوية التأمين الصحى يمنع تداولها خارج وزارة الصحة والتأمين فوجودها خارج تلك المؤسسات وترويجها جريمة مال عام.
وصرح محمود فؤاد المدير التنفيذى للحق فى الدواء بأنه تم رفع تقرير إلى مجلس الوزراء حول مشكلة نقص الدواء.
ونفى أحد قيادات وزارة الداخلية وجود أى بلاغ يتهم أيًا من الصفحات المشبوهة أو الصيدليات الوهمية عبر الفيس بوك.
الإدارة العامة للتسجيل لشئون الصيدلة أكدت أن هناك منتجًا واحدًا من بين 103 منتجات مسجل وأنه تمت إحالة الإعلانات إلى الإدارة القانونية، وبفحص المنتجات التى تم رصدها بجهاز حماية المستهلك، اتضح أن النسبة الكبرى للأدوية المجهولة التى يتم الإعلان عنها خاصة بعلاج الضعف الجنسى والتخسيس إضافة لأدوية السكر والالتهاب الكبدى الوبائى ومستحضرات التجميل.