الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الكنيسة تلعب بنار الفتنة الطائفية

الكنيسة تلعب بنار الفتنة الطائفية
الكنيسة تلعب بنار الفتنة الطائفية


يبدو أن الكنيسة قررت خوض صراع مع الدولة المصرية، على خلفية مشروع قانون دور العبادة الموحد، فالبيان الذى صدر الأسبوع الماضى لا يوحى بغير ذلك. فى البيان الذى تطرق إلى اجتماع ممثلى الكنائس ركزت الكنيسة على عبارات على نحو «فوجئت الكنيسة بتعديلات.. عدم مراعاة حقوق المواطنة.. خطر على الوحدة الوطنية.. مشروع القانون يحتاج نية خالصة»، وما إلى ذلك من مصطلحات تشير جميعها بأصبع الاتهام إلى عمليات صياغة القانون، أى ببساطة إلى الدولة.

 ورغم افتقار البيان إلى الموضوعية، وعدم تطرقه بوضوح إلى النقاط الخلافية، فإن نبرته تلعب على معادلة استفزاز المشاعر الدينية للأقباط، ما يعنى أن الكنيسة تحاول استفزاز شعبها ضد الدولة لسبب فى نفس يعقوب، خاصة أن مشروع بناء الكنائس مازال قابلاً للنقاش، وقيد الإعداد، علمًا بأن خطوط الكنيسة مفتوحة مع مؤسسة الرئاسة، وبوسعها أن ترفع اعتراضاتها مباشرة إليها، ما يعنى أن التعديلات التى «أقلقت الكنيسة» قابلة للتعديل، وهو الأمر الذى يدعو إلى التساؤل عما إذا كان من الحكمة إشعال هكذا فتنة من دون مبرر.
كما أن الكنيسة لم تشرح المبررات التى أسست عليها قناعتها بأن تعديلات الدولة للقانون «سوف تسبب خطراً على الوحدة الوطنية المصرية بسبب التعقيدات والمعوقات التى تحويها وعدم مراعاة حقوق المواطنة والشعور الوطنى لدى المصريين الأقباط» لتصدر للمجتمع والعالم أن الدولة تتعدى على حقوق الأقباط.
الواضح أن هناك رغبة لدى الكنيسة فى تمرير مسودة القانون التى اقترحتها على الدولة، هذا على الرغم من أن تلك المسودة واجهت العديد من الانتقادات من قوى مدنية قبطية وبعض النواب الأقباط فى البرلمان وهو ما دعا الأنبا بولا الذى روج لهذا القانون على أنه أعظم إنجاز فى تاريخ الكنيسة إلى التراجع عنه وصرح بأن القانون لم يتم تسليمه إلى الحكومة بعد وأنه قابل للنقاش المجتمعي.
لكن البيان يوحى بغير ذلك.. وها هى الكنيسة ترفض التعديلات لتروج لقانونها الذى لا يرضى قطاعًا كبيرا من الشارع القبطي.
الواقع أن الكنيسة قدمت قانوناً يكرس لسلطاتها ولا يمثل انفراجة فى قانون بناء الكنائس وكان يتوجب عليها إن صدقت فى أن التعديلات التى أجريت غير مقبولة وغير عملية أن يذكر البيان تلك التعديلات ويفندها.
وطبقا لآراء قانونيين أقباط فإن هناك عوارا قانونيًا فى القانون الذى دفعت به الكنيسة إلى الدولة وهذا العوار يتمثل فى عدد كبير من المواد منها التى تتوسع فى تعريف الكنيسة فى المادة الأولى منه بأنها «مبنى مستقل محاط بسور تمارس فيه الصلاة والشعائر الدينية للمسيحيين على نحو منتظم يتكون من طابق واحد أو أكثر».
إلا أن القانون قد أغفل وجود قباب أو منائر أو صلبان أعلى هذا المبنى وهى المشكلة التى كان يجب أن يحسمها القانون لأنها كانت السبب فى العديد من حالات الفتنة الطائفية حيث يرفض متشددون بناء منائر تحتوى على أجراس أو قباب توضع عليها صلبان فالبناء الكنسي الجديد هو مبنى متعدد الطوابق محاط بسور.. كذلك ما تم استحداثه من كيان داخل الكنيسة تحت مسمى «بيت الخلوة» فتلك البيوت عادة توجد فى الأديرة وفيها يتم إلحاق الشباب المتقدم للرهبنة فى فترة الاختبار وهو سلوك فردى وليس جمعيا وإقرار القانون بأنه يكون ضمن ملحقات الكنيسة (بيت خلوة) يتعارض مع الغرض من القانون الذى صدر لتسهيل ممارسة الصلاة لمسيحيين بشكل منتظم وليس لحالات خاصة من المسيحيين وهو ما يعرض القانون للطعن عليه دستوريا، حيث إنه يخل بمبدأ المساواة بين المواطنين.
كما أن المادة الثانية من القانون تشترط للترخيص ببناء كنيسة مراعاة عدد المسيحيين فى المنطقة المراد بناء الكنائس دون تحديد هذا العدد أو كيفية حصره فالقانون لم يحدد الكثافة السكانية المطلوبة داخل منطقة لإقامة كنيسة فيها وحتى لو تم تحديد تلك الكثافة فإنه يتعذر حصرها لعدم وجود قواعد بيانات دقيقة لدى الدولة أو الكنيسة وهنا يمكن رفض طلب بناء كنيسة لأنه لا توجد كثافة سكانية تستدعى إقامة كنيسة لها وهو شرط مطاط ولا يمكن الطعن عليه أو التظلم منه، كما أن القانون لم يربط بين الكثافة السكانية والمساحة وترك المساحة دون تقييد.
 أما المادة الثالثة والتى بمقتضاها يمكن إرجاء طلب بناء كنيسة إلى أجل غير مسمى فالمادة تنص على «يقدم الممثل القانونى للطائفة إلى المحافظ المختص للحصول على شهادة بعدم وجود مانع من القيام بأي من الأعمال المطلوب الترخيص بها».
ولم يحدد القانون تلك الجهات التى يتوجب على المحافظ مخاطبتها للحصول على عدم الممانعة وهو ما يفتح الباب علي مصراعيه لكل محافظ لمخاطبة أي جهة يرى وجوب موافقتها على بناء الكنيسة ما يفتح الباب لاستمرار حيازة الأمن لملف بناء الكنائس.
 ويقع مشروع القانون المقدم من الكنيسة فى التضارب، فعلى الرغم من أن ديباجة القانون تتخذ من قانون البناء مرجعية لإصدار القانون فإن المادة الثالثة تنص على «تحديد وزير الإسكان لمستندات البناء المطلوبة خلال ستين يوماً» فالنص هنا يخل بمبدأ تكافؤ الفرص فالمفترض أن تكون المستندات المطلوبة على غرار مثيلتها التى تطلب لإقامة أي بناء ولا تحتاج لقرار من الوزير فهنا نكون أمام ازدواج تشريعي فى قانون واحد.
 والغريب أن القانون يلزم وزير الإسكان بإصدار لائحة تنفيذية لمادة داخل قانون ولا يلزم وزير العدل بإصدار لائحة تنفيذية للقانون كما هو متبع.
 ويتمادى القانون فى التداخل والتضارب فتنص المادة الرابعة منه على «طلب الهدم وإعادة بناء كنيسة مقامة وذلك باتباع الإجراءات المنصوص عليها» ولم يحدد القانون تلك الإجراءات أو حتي الجهة المنوطة بتحديدها وما إذا كانت تلك الإجراءات ستتم وفق قانون البناء أم وفق القرار الذي يصدره وزير الإسكان خاصة أن القانون سوف يطبق دون لائحة تنفيذية.
أيضا المادة الخامسة من القانون بها ميوعة قانونية تسمح بوجود ثغرات كبيرة تحول دون إقامة الكنائس عند تقديم طلب لبناء كنيسة، حيث توجب «الرد خلال أربعة أشهر من تاريخ تقديم الطلب وإخطار مقدم الطلب بنتيجة الفحص وفى حالة رفض الطلب يجب أن يكون قرار الرفض مسبباً».. والمادة هنا تحكم شقا واحدا عند تقديم طلب لبناء الكنيسة ألا وهو رد الجهة الإدارية سواء كان هذا بالقبول أو الرفض ولم يتعرض للشق الآخر وهو إذا ما تجاهلت الجهة الإدارية الطلب ولم ترد عليه وكيفية التظلم من هذا التجاهل أو اعتبار عدم الرد موافقة ضمنية فالكنيسة هنا لن تستطيع اللجوء إلى القضاء للتظلم من تجاهل الطلب لأنه يجب أن يكون هناك قرار إدارى تتظلم منه.
  أما المادة الثامنة من القانون والتى تمت صياغتها على عجالة كما صرح الأنبا بولا تلغى كل المواد السبع السابقة بل وتقضى عليها، حيث تنص على «يعتبر مرخصًا ككنيسة كل مبنى تقام فيه الشعائر، والخدمات الدينية المسيحية، وقت العمل بهذا القانون بعد التأكد من السلامة الإنشائية للمبني، وفقا لتقرير من مهندس استشاري إنشائي، على أن يتقدم الممثل القانوني للطائفة بكشوف حصر هذه المباني إلى المحافظ المختص خلال 6 أشهر من تاريخ العمل بهذا القـــانون، و لا يجوز منع أو إيقاف الشعائر والأنشطة الدينية التى تقام فى أى كنيسة».
وتتغول هذه المادة على المادة الأولى حيث تخلط بين الكنيسة كدار عبادة وبين المبانى الإدارية للكنيسة التى تنظم الخدمات الدينية وتضع الكل فى سلة واحدة والمفترض أن المادة تقنن وضع الكنائس التى أقيمت بدون ترخيص ولكن عبارة (وقت العمل بهذا القانون) هى عبارة فضفاضة تبيح بناء الكنائس دون ترخيص وتجبر الدولة على تقنينها فوقت العمل بالقانون هو الفترة منذ إقرار القانون وحتى إلغائه أو تعديله فإذا ما بنيت كنيسة بعد صدور القانون دون ترخيص توجب على الدولة الترخيص لها لأنها أقيمت «وقت العمل بالقانون».
 والعبارة هى ضد القانون بالقانون.. فلا يجوز إصدار قانون يتوغل على سلطات الدولة وكان المفترض أن تستبدل تلك العبارة بعبارة «عند بداية العمل بالقانون» كما أن صيغة القانون ترخص لكل البيوت التى تتم فيها الصلوات ككنائس والتى كانت سبباً فى كل الأحداث الطائفية ويتجاهل القانون مشكلة كبيرة من كبرى المشكلات التى كان ينبغى التصدى إليها وهى الكنائس المغلقة (أمنياً) فهناك 48 كنيسة مرخص لها وتم إغلاقها بمعرفة الأمن لأنها كانت سبباً فى وقوع أحداث طائفية ولم يجد القانون صيغة لفتح تلك الكنائس والصلاة فيها.
هناك هدف خفى تسعى الكنيسة إليه من ضجة قانون بناء الكنائس فالأمر الغريب هنا أن تصدر الكنيسة بيانا يستهجن التعديلات المزعومة وتظهر الكنيسة بكامل كيانها فجأة فى المشهد فتدفع بالأنبا بولا كرأس حربة للتفاوض مع الدولة حول القانون وهو من صاغ القانون مع المستشار مجدى العجاتي وزير الشئون القانونية بالبرلمان وثمن دور العجاتي فى صياغة القانون ولكن على ما يبدو أن دور بولا قد انتهى فقررت الكنيسة سحبه والظهور فى المشهد بشكل مؤسسى وليس بشكل فردى وتريد الكنيسة أن تتعامل مع مسودة القانون على أنها نص إنجيلي لا يجب تعديله أو تحريفه فى موقف متعسف وغير مبرر.
 وكشف مصدر كنسي عن أن الكنيسة لا يعنيها صدور قانون لبناء الكنائس بل تعمل على إفشال خروج مثل هذا القانون إلى النور كونها تريد أن يكون بناء الكنائس دون أي ضوابط وإما سوف تلوح أمام الدولة بورقة إصدار قانون موحد لدور العبادة وهو ما تعلم الكنيسة استحالة حدوثه.
إن استحالة صدور قانون لدور العبادة الموحد فى مصر لا يرجع إلى أن الدولة تمارس تضييقاً على الأقباط أو لأن الكنائس غير مقبول بناؤها فى دولة إسلامية كما يروج البعض ولكن يرجع إلى أن بناء دور العبادة يتعلق بتركيبة الهوية الدينية فى مصر فهوية مصر الدينية يتعاظم فيها المكون الإسلامي وهو ما يظهر واضحا فى بناء المساجد حيث تكون أكثر عددا من الكنائس بحسب التركيبة السكانية والاحتياج وإقرار قانون موحد لبناء دور العبادة من شأنه إحداث اختلال فى توازن تركيبة الهوية الدينية وهو ما يمكن أن يؤدى إلى احتقانات طائفية.
من حق الأقباط بناء كنائسهم ولكن ليس من حق الكنيسة التغول على التركيبة الدينية للسكان ومحاولة تغيير شكل الهوية المصرية وطمس بعض معالمها. 